مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

صناعة الوهم.. شبكة حسابات غير عربية تقود حملة التفاعل على "قطر غيت"

صناعة الوهم.. شبكة حسابات غير عربية تقود حملة التفاعل على "قطر غيت"

 

في منتصف نيسان/أبريل 2025، تفاعلت مجموعة من الحسابات على وسم"#تميم _في _خدمة _إسرائيل" عقب تسريبات أطلق عليها "قطر غيت" تتضمن دفع الدولة الخليجية أموالاً لجماعات ضغط مقابل تحسين صورتها في أوساط الرأي العام الإسرائيلي. وفي مايو/أيار 2025 أطلقت حملة أخرى بالاعتماد جزئياً على شبكة الحسابات نفسها، التي بين تحليلنا أنها حسابات وهمية. 


فجّرت السلطات الإسرائيلية فضيحة سياسية -سميت بـ"قطر غيت"- تمثلت في اعتقال اثنين من أبرز مساعدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بتهم تتعلق بالفساد، وتلقي أموال مشبوهة من جهات قطرية، والتورط في عمليات تلميع إعلامي لصالح الدوحة. التحقيق، الذي قادته الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك)، شمل اتهامات؛ من بينها الرشوة، وتبييض الأموال، والاتصال غير المشروع بجهة أجنبية، وخيانة الأمانة.

بدورها، نفت قطر هذه المزاعم، ووصفتها بـ"حملة تشهير مدفوعة سياسياً" تهدف إلى تقويض دورها الإقليمي، الذي تقوم به في إطار الحرب الإسرائيلية على غزة، وجهود الوساطة التي تسهم فيها إلى جانب مصر.

وفي منتصف نيسان/أبريل 2025 أظهرت تسريبات قضائية في بريطانيا صراعات داخل عائلة آل ثاني على ميراث. كما أنه في أيار/مايو 2025، رفعت دعاوى قضائية جديدة في كاليفورنيا ضد شخصيات من الأسرة الحاكمة في قطر، ما أدى إلى تصاعد التدوين على وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب".  

وتعرضت قطر لأزمة دبلوماسية ما بين عامي 2017 و2021 مع عدة دول خليجية وعربية، ورغم انتهاء الأزمة وعودة العلاقات منذ نحو أربعة أعوام، ما زالت الدولة الخليجية الصغيرة موضع حملات إلكترونية منسقة، تشن من جهات متعددة.

يشير تحليلنا للوسومين إلى استخدام حسابات مبرمجة أو شبه آلية تتخذ غالبيتها من دول غير عربية موقعاً لها، لتمرير الرسالة نفسها تحت أسماء حسابات متنوعة؛ مثل @Qatar02023 و@Qatar02024. كما أن تزامن توقيت النشر عبر هذه الحسابات يشير إلى وجود حملة لتضخيم رسائلها في وقت محدد.

 

مؤشرات التنسيق 

ما إن ظهرت أخبار قضية "قطر غيت" على سطح الإعلام العالمي في مطلع نيسان/أبريل 2025، انطلقت حملة إلكترونية باستخدام وسم "#تميم_في_خدمة إسرائيل" في منتصف الشهر ذاته.

انطلق التدوين على وسم "#تميم_في_خدمة إسرائيل" يومي 12 و13 نيسان/أبريل 2025، عبر ضخ 1462 منشوراً في أقل من 48 ساعة، ما يمثل 86% من إجمالي المنشورات الخاصة بتلك الحملة التي بلغ مجموعها 2846 منشوراً. ثم انخفض عدد المنشورات ليعود إلى مستويات شبه معدومة خلال أيام قليلة لاحقة.

فيما شهد وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب" الذي بدأ التفاعل عليه في الأول من أيار/مايو 2025 ، 1087 منشوراً في غضون ساعات قليلة، بما يعادل 83% من إجمالي المنشورات التي شهدها الوسم (1539 منشوراً). 

هذا الارتفاع المفاجئ ثم الانخفاض السريع في نشاط الحملتين قد يشير إلى عملية رقمية منسقة أو ما يُعرف بـ "flash mob"؛ أي حشد سريع ومنظم لحسابات تبدو مستقلة ظاهرياً، لكنها تتحرك وفقاً لتوقيت وتعليمات مسبقة.

وجاءت كل حملة كرد فعل مع حدث معين، إما عبر التسريبات الإسرائيلية والتسريبات القضائية في بريطانيا التي تتعلق بصراعات داخل عائلة آل ثاني على ميراث، وإما دعاوى قضائية جديدة رفعت في كاليفورنيا ضد شخصيات من الأسرة الحاكمة في قطر. 

ويشير تحليل الخطاب على الوسمين أن الخطاب الناقد كان طاغياً؛ فأكثر من 97% من المنشورات كانت سلبية، ما دفعنا لتحليل المنشورات ومعرفة مدى عفويتها.

منشورات مصنعة

بلغت نسبة المنشورات الأصلية على وسم "#تميم_في_خدمة إسرائيل" قرابة 95٪ من إجمالي المنشورات، بواقع 2714 منشوراً من أصل 2846. كما بلغت نسبة المنشورات الأصلية على وسم #اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب" 92٪. رغم هذا، فإن تحليلنا للمنشورات كشف عن تطابق الصياغات والمضمون.

في الحملة الأولى، رصد أكثر من 1460 منشوراً متطابقاً، نشرها حساب "@QatarDoha1980".

كما استندت الحملة الثانية إلى عملية تضخيم رقمية، من خلال إعادة النشر لمنشور على حساب "@ALMALKI12019"، بدلاً من إنتاج نصوص مستقلة.

ما يلفت الانتباه أن الحسابات المركزية في كل حملة لم تكتفِ بإطلاق أول منشور على الوسم، بل استحوذت على النسبة الأكبر من إعادة النشر مئات المرات؛ فقد نشر حساب @QatarDoha1980 أول منشور على وسم "#تميم_في_خدمه_اسراييل" في 13 نيسان/أبريل 2025 الساعة05:13 UTC، بالتزامن مع بدء ذروة النشاط على الوسم. وبالمثل، أطلق حساب @ALMALKI12019 أول منشور على وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب" في 2 أيار/مايو 2025 الساعة 01:04 UTC ، ليعلن بدء ذروة النشاط على الوسم.


في كلا الحملتين، كانت قطر نقطة الارتكاز، إذ صدرت منها 97 منشوراً على وسم ""#تميم_في_خدمة إسرائيل" و61 منشوراً على وسم #اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب"، ما يمثل نحو 28% من حجم المشاركة.

 اللافت للنظر صدور منشورات على الوسم من البرازيل، والولايات المتحدة، وإندونيسيا، وتركيا، ونيجيريا، وحتى زيمبابوي. 

يثير النطاق الجغرافي للتفاعل على الوسوم تساؤلات حول مصداقية هذه المواقع، وإمكانية أن تكون المواقع الجغرافية المرتبطة بالحسابات قد تم توليدها تلقائياً أو تزييفها باستخدام شبكات وكيلة (Proxy) أو خوادم وهمية (VPN) منخفضة التكلفة.



من وراء هذه العواصف الرقمية؟

عند تتبّع العلاقات بين الحسابات يتبيّن أن مجموعة ضيّقة من العُقد تلتقي في الحملتَين معاً؛ فمثلاً، كان الحساب @QatarDoha1980 رأس الحربة في الحملة الأولى، لكنه عاد ليلعب دور الناشر الثانوي في الثانية، وتكرر وجود حساب @qmpqatar و@pkrkostonee في قوائم أكثر الحسابات إعادةً للمنشورات في كلا الحملتين. 

 

تحمل هذه الحسابات مؤشرات قوية على كونها وهمية، مثل استخدامها لأسماء متسلسلة أو متشابهة (مثل: Qatar02023 وQatar0202)، إلى جانب قلة عدد متابعيها (أقل من 30 متابعاً)، وحداثة تسجيلها نسبياً على منصة "إكس". كما تتسم هذه الحسابات بمعدلات نشر مرتفعة من دون أي تفاعل عضوي يُذكر، إذ تنشر مئات المنشورات المكررة خلال ساعات قليلة، ثم تختفي تماماً.

تضاف إلى هذه المؤشرات دلائل أخرى تشير إلى محاولة إخفاء الهوية الجغرافية الحقيقية لهذه الحسابات؛ إذ اعتمدت حسابات الحملتين على أساليب تُظهرها كما لو كانت تنشط من خارج المنطقة. ففي الحملة الأولى، على سبيل المثال، بدت معظم الحسابات التي حققت أعلى معدلات الوصول وكأنها متمركزة في بريطانيا، ما يثير شكوكاً حول استخدام شبكات افتراضية خاصة (VPN) أو خوادم وكيلة (Proxy servers). ويعزز هذه الشكوك أن أغلب هذه الحسابات تغرّد حصرياً باللغة العربية حول قضايا خليجية، من دون أي تفاعل بشأن الأحداث في بريطانيا.

أما في الحملة الثانية التي أطلقت على وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب"، فقد تكررت لاحقة "zz" في خانة تحديد المواقع الجغرافية، وهي علامة يستخدمها تويتر تلقائياً، وتظهر في قواعد البيانات المجدولة التي قمنا بسحبها عبر Meltwater، عندما تكون معلومات الموقع الجغرافي غير معروفة أو مخفية عمداً من قبل المستخدم. انتشار هذه العلامة على نطاق واسع في الحسابات المشاركة قد يشير إلى رغبة في إخفاء المواقع الجغرافية الفعلية.

وعلى مستوى الوسوم، لوحظ أيضاً استخدام مكثّف لقوالب جاهزة تتراوح بين سبعة إلى تسعة وسوم تُكرر بالترتيب نفسه كل مرة، وهو نمط يعكس استخدام برامج نشر آلية تستند إلى محتوى موحد مسبق الإعداد، بهدف تضخيم الحملة.

الأمر الأكثر إثارة هو حجم الحسابات التي شاركت في الحملتين معاً، إذ تبيّن أن 1038 حساباً من أصل 1573 حساباً شاركت في الحملتين معاً، ما يمثل نسبة تصل إلى 66% من إجمالي الحسابات النشطة في هذه العملية. من أبرز الحسابات التي شكلت الجسر الرقمي بين الحملتين، حسابات: @QmpQatar، و@QatarDoha1980، و@pkrkostonee؛ وهي حسابات تميزت بإعادة نشر المحتوى نفسه مع إجراء تعديلات طفيفة في الوسوم أو استخدام رموز تعبيرية مختلفة.

شبكتان ونمط واحد 

عند تتبع العلاقات الشبكية داخل الحملتين، تتكشف معالم هندسة مركزية قائمة على بنية نجمية؛ وهي بنية تتكون من حساب رئيسي في مركز كل حملة تحيط به حلقة من حسابات مكرسة لإعادة النشر، أو تكرار الرسائل ذاتها بنصوص شبه مطابقة. 

يتجسد هذا في الحملة الأولى عبر وسم ""#تميم _في _خدمة _إسرائيل"، إذ يقف حساب "@QatarDoha1980" بوصفه العُقدة المحورية الوحيدة تقريباً التي أطلقت أكثر من 1400 منشور متطابق، في حين توزعت حوله حسابات صغيرة لا يتعدى نشاطها إعادة ترديد تلك الرسائل، من دون أي إسهام أصيل.

في الحملة الثانية عبر وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب"، يتكرر النمط ذاته، إذ يتصدر الحملة حساب "@almalki12019" الذي تولى نشر القالب النصي الأبرز في الحملة، ثم أعيد تدويره عشرات المرات من قبل حسابات بأسماء مرقمة على نسق "@Qatar02023" و"@Qatar02024"، وهي حسابات متطابقة السلوك والمحتوى. 

إضافة إلى ذلك، أُدخلت مقاييس المركزية إلى الرسم البياني، فأظهرت تفوقاً واضحاً للحسابات الرئيسية من حيث عدد ارتباطاتها مع حسابات أخرى داخل نسيج الشبكة، في حين لم تسجل الحسابات التابعة سوى رابط واحد وارد في معظم الحالات، وهو ما يرسّخ فرضية أن هذه الحسابات ليست سوى مكبرات صوت رقمية لا تنتج محتوى ولا تتفاعل، بل تؤدي دوراً أحادي الاتجاه في توزيع الرسائل.

المثير في التصور الشبكي أن كل كتلة سردية نصية تُقابلها بنية شبكية منفصلة ذات لون مستقل، ما يُمكّنّا من ربط الرسائل المكررة بحساباتها المولدة بدقة، ومن فهم كيف تنقسم تلك المنظومة إلى غرف عمليات صغيرة تعمل بانفصال تكتيكي تحت إشراف مركزي.

 يعكس هذا تكتيكاً شائعاً في حملات التضليل المنظم، تقوم فيه الجهة المشغلة بعزل كل مجموعة حسابات عن الأخرى، بهدف تقليل احتمالات كشف الترابط البنيوي فيما بينها من قبل أنظمة اكتشاف السلوك غير الأصيل في منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

 

شبكة وهمية 

يكشف التحليل الزمني لتواتر النشر وفترات التكرار عن خصائص آلية؛ فالحساب المحوري في الحملة الأولى "@QatarDoha1980" نشر أكثر من 1400 منشور خلال أقل من 24 ساعة، بمعدل منشور واحدة كل ثانيتين تقريباً، من دون أي تفاعل حواري أو استراحة زمنية تُميز السلوك البشري الطبيعي، وهو ما يجعل هذا الحساب مثالاً نموذجياً لـ "روبوت التضخيم" الذي لا ينتج مضموناً جديداً بقدر ما يعيد تدوير القالب السردي نفسه آلياً.

في الحملة الثانية عبر وسم "#اسقاط_نظام_الحمدين_مطلب"، يتصدر المشهد حساب "@ALMALKI12019" الذي ينشط باعتباره واجهة لمعارضة حقوقية، لكنه أطلق ما يعادل 600 منشور يومياً خلال مدة زمنية لا تتجاوز بضع ساعات، ما يمنحه تقييماً آلياً مرتفعاً يؤكد أنه على الأرجح يُدار عبر أدوات جدولة تلقائية أو نصوص نشر موحدة.

 اتبعت النهج ذاته الحسابات المرقمة؛ مثل "@Qatar02023" و"@Qatar02024" وهي تتصرف بشكل شبه منسق، إذ تكرر نشر نصوصاً متطابقة أو شبه متطابقة في توقيتات متزامنة، ما يرسخ فرضية أنها تُدار آلياً.

ومن خلال تطبيق مقياس "درجة الروبوتية" (Bot Score)، الذي يعتمد على ثلاثة معايير رئيسية؛ وهي: معدل النشر اليومي، ومتوسط الفاصل الزمني بين المنشورات، ومدى انتظام أو تقلب هذه الفواصل الزمنية، تبين أن الحسابات المركزية في كل من الحملتين حققت أعلى درجات الآلية (3 من 3). على سبيل المثال، سجّل حساب @QatarDoha1980 معدل نشر بلغ نحو منشور واحدة كل ثانيتين خلال فترة النشاط القصوى (1462 منشوراً في أقل من 24 ساعة)، فيما حقق حساب @almalki12019 معدل نشر يقارب 600 منشور يومياً خلال ساعات قليلة؛ ما يعكس أنماط نشر غير بشرية.

أما الحسابات الثانوية التي اقتصرت مهامها على إعادة النشر أو تكرار المنشورات حققت درجات آلية متوسطة (من 1 إلى 2)، كونها أقل نشاطاً من الحسابات الرئيسية، لكنها ظلت تعكس سمات شبه آلية؛ مثل نشر المحتوى بصورة متتابعة ومنتظمة من دون أي تفاعل حقيقي أو تباين طبيعي في توقيت النشر.

خلاصة التحليل هي أن الحسابات التي قادت نشاط الحملتين رقمياً لم تكن حسابات بشرية عادية، بل شبكات آلية أو شبه آلية تستخدم أدوات برمجية وتقنيات نشر تلقائي؛ لتحقيق انتشار مكثف في نافذة زمنية ضيقة. أدى هذا إلى خلق موجات رقمية كبيرة تعطي انطباعاً مضللاً عن وجود تفاعل أو زخم شعبي، بينما الحقيقة أن هذه الحملات بُنيت وأُطلقت بشكل اصطناعي، من دون أي قاعدة شعبية أو نقاش حقيقي يدعمها.