مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حملة تحريض بلا رقابة: "إكس" تتجاهل خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان

حملة تحريض بلا رقابة: "إكس" تتجاهل خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان

 

انطلق وسم "#محتلين_بتياب_نازحين" عبر عدة حسابات لبنانية مرتبطة بحزب "التيار الوطني الحر"، ناشراً خطاب كراهية يستهدف اللاجئين السوريين في لبنان. ورغم الطابع العنيف والتحريضي للمنشورات المتداولة تحت هذا الوسم، لم تتخذ منصة "إكس" أي إجراءات لوقفها أو الحد من انتشارها.


في 17 نيسان/أبريل 2025، أطلق التيار الوطني الحر حملة إلكترونية على وسم "#محتلين_بتياب_نازحين"؛ بمناسبة خروج الجيش السوري من لبنان في 25 أبريل/نيسان 2005.

أقام التيار يوم 26 نيسان/أبريل 2025، تجمعاً في مجمع ميشال المر الرياضي، احتفالاً بالذكرى، معتبراً أن "الجيش السوري عاد من بوابة جيش اللاجئين الموجود في لبنان، منذ عام 2011".

تظهر في الصورة أدناه أبرز المشاركين في هذه الحملة؛ ومنهم رئيس التيار جبران باسيل، وقناة OTV التابعة للتيار، وحساب التيار FPM على موقع "إكس"؛ وهو الحساب الذي كان قد بدأ الحملة عبر نشر فيديو ترويجي في 17 نيسان/أبريل 2025، ما يعني أن هذا الوسم قد أطلق رسمياً عبر المنصات الحزبية وحسابات شخصيات منتمية لهذا الحزب.

وارتبط وسم "#محتلين_بتياب_نازحين" بكلمات مفتاحية أخرى تشير إلى "التيار الوطني الجر"؛ مثل جبران باسيل، وميشال عون، وOTV Lebanon.

إلى جانب رئيس الحزب جبران باسيل، شارك نواب التيار في هذه الحملة، ونشر بعضهم فيديوهات، يتحدثون فيها عن خطر بقاء اللاجئين السوريين في لبنان.

 

كما شاركت الكوادر الحزبية بالحملة؛ وأبرزهم نائب رئيس الحزب، ناجي الحايك، الذي دأب على التحريض على اللاجئين، وعلى الطوائف الأخرى في البلد.

في كلمته خلال التجمع في 26 نيسان/أبريل 2025، قال نائب رئيس الحزب للعلاقات الخارجية ناجي حايك: "المحتلين بتياب نازحين لم يعودوا ضيوف، أصبحوا احتلال أمني واقتصادي ديمغرافي".

كما شارك في الحملة أبرز ناشطي التيار، مثل: بسام الترك، وجاي عبود الذي سبق أن شبه اللاجئين بـ "المستوطنين".

وكانت الناشطة ماري لينا هاروني أول من أطلقت على اللاجئين السوريين "المستوطنين"، واصفة إياهم بـ "الخطر الوجودي".

كما شاركت الناشطة سيبلا حوبيكي في الحملة عبر عدة منشورات، عبرت فيها عن رفضها وجود اللاجئين السوريين، واصفةً إياهم بـ"المحتلين".

   

في المقابل، انتقدت حسابات مناصرة لحزب "القوات اللبنانية" الحملة، مثل عماد سكر الذي كتب في منشور له على "إكس": "جنسوا 500 محتل من جماعة الأسد، ورفضوا حصر النازحين بمنطقة وحدة آمنة، وتحالفوا مع السّوريين عند كلّ استحقاق، وبكرا نازلين يتظاهروا ضدّ وجودُن". 


 

علاقات تاريخية متوترة 

في 25 نيسان/أبريل 2005، خرج الجيش السوري من لبنان، بعد وجود دام نحو 30 عاماً.

 وكان الجيش السوري قد دخل لبنان بعد انتصاره في معركة عسكرية على الجيش اللبناني، الذي قاده ميشال عون، زعيم "التيار الوطني الحر".

 ورغم العداء بين الطرفين، أبدى عون تأييده لنظام البعث في قمع الثورة السورية، وأبدى مع باسيل رفضاً، لاستقبال اللاجئين السوريين في لبنان.

الحملات السابقة

ليست هذه هي المرة الأولى التي يقود "التيار الوطني الحر" حملة كراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان؛ ففي عام 2019، قام قطاع الشباب في "التيار الوطني الحر"، بحملة ضد العمالة السورية في لبنان. حينها، دخل شباب من التيار إلى بعض المحال والأفران في منطقة الجديدة، وتحدثوا علناً أمام الكاميرات، مع العمال، لإخبارهم أن عملهم "غير شرعي"، وعليهم العودة إلى بلدهم.

 

 وفي العام نفسه، نشرت قناة الـ OTV، وهي قناة تابعة للتيار، كاريكاتير مسيء للاجئين السوريين وجنسيات أخرى، ما أثار ضجة واسعة، وأجُبرت القناة على الإعتذار، ووقف هذه الفقرة في مقدمة أخبارها المسائية. 

كما نظم "التيار الوطني الحر" مظاهرات أمام مبنى الإسكوا، للتشديد على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، ومهاجمة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، التي تتهم من قبل التيار بأنها "تسعى لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، وتمنع عودتهم إلى سوريا".

 

وفي نيسان/أبريل 2024، نظمت هيئة قضاء جبيل في "التيار الوطني الحر" وقفة احتجاجية أمام مدرستي عمشيت المختلطة المتوسطة الرسمية وجبيل الرسمية الثانية،اللتين كانتا تستقبلان تلاميذ سوريين في فترة بعد الظهر، "ما دفع بإدارة المدرستين إلى وقف التدريس وإعادة الطلاب السوريين إلى ذويهم"، وفق الوكالة الوطنية للإعلام.

 

تشريح الحملة.. هل تعتبر خطاب كراهية؟ 

اتسمت المنشورات على وسم "#محتلين_بتياب_نازحين" بالعنف ضد اللاجئين، عبر وصفهم بـ "المستوطنين" و"المحتلين"، فضلاً عن تحميلهم مسؤولية المشكلات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تعانيها لبنان.

 

يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، لـ "مجتمع التحق العربي": "إن هذه المنشورات، التي تُعد جزءاً من الحملة، تصدر عن مسؤولين سابقين من وزراء ونواب حاليين؛ فهم يبثون خطاب الكراهية من خلال نزع صفة اللاجئ وتحويله إلى نازح، وهو تعبير غريب ابتكره بعض اللبنانيين، مثل التيار الوطني الحر، لنزع الصفة القانونية عن اللاجئ التي تكفل له الحماية، فضلاً عن اتهامه بالمحتل".

 

ويضيف الأسمر: "ليست هذه المرة الأولى التي يشن فيها التيار الوطني الحر حملة ضد اللاجئين، وهو ليس الحزب الوحيد الذي يروّج لخطاب تحريضي من هذا النوع. فقد تصاعدت هذه الحملات بشكل خاص خلال السنوات الأربع الماضية، في ظل الأزمة السياسية والمالية التي يعانيها لبنان، والتي يبدو أن هناك من يسعى لتحميل تبعاتها للاجئين".

وإلى جانب خطاب الكراهية، زعمت قوى يمنية لبنانية أن نحو 90 في المئة من المساجين في لبنان سوريين، حتى أن رئيس الجمهورية في ذلك الوقت ميشال عون ردد هذا الزعم في الأمم المتحدة، لكن نسبة المساجين السوريين في لبنان لا تتجاوز -في حقيقة الأمر- 30 في المئة، وفق وزير الداخلية اللبناني.

 

ويبدي الأسمر تخوفه من أن تؤدي هذه الحملة إلى إلحاق ضرر مباشر أو غير مباشر باللاجئين، على غرار ما حدث عام 2021، عندما اشتبك مناصرو حزب "القوات اللبنانية" مع اللاجئين السوريين في مدينة جونية.

 

صمت منصات التواصل الاجتماعي

انتشر وسم "#محتلين_بتياب_نازحين" على عدة منصات تواصل اجتماعي؛ على رأسها "إكس"، وحتى الآن لم تحذف أي من المنشورات التي تحرض ضد اللاجئين السوريين.

 

يقول  محلّل السياسات في مؤسسة " سمكس" التي تعنى بالحماية الرقمية والحريات في الفضاء الرقمي، باسم ميتيهان دورماز لـ "مجتمع التحقق العربي": "منذ استحواذ إيلون ماسك على المنصة، تراجعت بشكل ملحوظ فعالية آليات الإشراف على المحتوى، وضعفت إجراءات مكافحة خطاب الكراهية. ولم تعد هناك سياسات واضحة لمواجهة الحملات المنسّقة، ما جعل المنصة أشبه بغابة رقمية تُترك فيها المنشورات التحريضية؛ بما في ذلك تلك التي تدعو للعنف أو تسخر من الضحايا، لتنتشر من دون رادع، كما هو الحال في بعض منشورات المستخدمين الإسرائيليين على سبيل المثال".

 

أما عن سؤال لماذا لم يتم إزالة أي محتوى مرتبط بالحملة الحالية، أو بحملات سابقة في العالم تجاه اللاجئين السوريين خاصةً، يقول دورماز : "شهدنا العديد من الأمثلة على هذا النوع من الحملات التي تبقى من دون أي تدخل يُذكر من منصات التواصل الاجتماعي. ففي تركيا، على سبيل المثال، وعد أحد القادة السياسيين بإعادة اللاجئين السوريين عبر "المنجنيق"، وهو شعار تحوّل لاحقاً إلى مادة لمنشورات وألعاب ساخرة انتشرت على نطاق واسع. أما شركة ميتا، فغالباً ما تتَّهم بأن خوارزمياتها تُروّج للمحتوى الأكثر إثارة للجدل والانقسام، باعتباره الأقدر على توليد التفاعل. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، ويكفي الإشارة إلى تقرير منظمة العفو الدولية الذي وثّق كيف ساهمت حملات رقمية مشابهة جزئياً في إشعال أعمال عنف وصلت حدّ الإبادة الجماعية".

 

 

- التقرير من إعداد: شربل الخوري.