ريمان بارود.صحفية ومدققة معلومات، باحثة دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة – تونس
تنبعُ أهميّة منصّات التحقّق من المعلومات من أهميّة العمل الصحفيّ التدقيقيّ الذي تضطلعُ به؛ فهي تعمل على تحقيق وظيفة أساسيّة من وظائف الصحافة الجيّدة، بهدف تقديم مضامين صحفية أكثر دقة وموضوعيّة قائمة على الرقابة. ولعلّ الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة، 2024، كانت بيئةً خصبة لنشر الادعاءات عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعيّ والمنصّات الإعلاميّة الكلاسيكيّة. وقد تنوّعت مصادر تلك الادّعاءات التي تستقي منها منصات تدقيق المعلومات.
وبناءً على ذلك، ناقشت هذه الدراسة طبيعة مصادر الادعاءات المضلّلة أو المروِّجة للمعلومات الزائفة، خلال الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة عام 2024، من خلال تحليل مضامين عينة تحددت في (4) منصات متخصّصة في التحقّق من المعلومات؛ هي: 1- منصة تونس تتحرى؛ 2- منصة تفنيد؛ 3- منصة BN تشيك؛ 4- منصة icheck. فالمؤسّسات الأربع كانت قد عملت على تغطية الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة 2024 والتحقق من الادّعاءات المنشورة حولها على منصات التواصل الاجتماعيّ والمنصات الإعلاميّة الكلاسيكية.
تُعدّ الانتخابات أو الأزمات وغيرها من البيئات النَّشِطة مرتعًا خصبًا لانتشار المعلومات المضلّلة والزائفة. ففي أثناء الحراكات السياسيّة، كما هو حال الانتخابات السياسيّة الرئاسيّة أو البرلمانيّة، أو الأزمات الاجتماعيّة أو الصحيّة مثلما هو الحال أثناء جائحة كورونا، تنتشر كميات مهولة من المعلومات والصور والمرئيات التي تختلط فيها الحقيقة مع الزيف، بل وتصبح المعلومات الصحيحة محل الشك فيما المعلومات الخاطئة تنتشر أكثر من غيرها ويصدقها الجمهور المتلقّي عادةً؛ وهو ما أكدته دراسة خلص إليها باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) «إلى أنّ المحتويات الزائفة سواء كانت عبارة عن نص أو فيديو أو صورة لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70 بالمئة مقارنة بالحقيقيّة» (انظر: موقع DW الإلكتروني). وتُحمّل هذه الكثافة من المعلومات المنتشرة منصات التحقق مسؤولية التدقيق ومحاولة المواكبة المتواصلة لآليّة التحقق، ممّا يجعلها تنشط في التحرّي من المعلومات ومصادرها بشكل دقيق. وقد تبيّن ذلك جليًا في الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة الأخيرة لعام 2024، وهو ما شكّل جانبًا من أهمية العمل التدقيقيّ على مستوى المصادر خصوصًا؛ إذ إن العديد من المصادر تقوم بنشر المعلومات المضللة، وهي خطوة زادت من إشكالية الواقع الصحفيّ التدقيقيّ في تونس، مما استدعى تكثيف الجهد البحثيّ في جوانبها.
ووفقًا لهذه الحاجة البحثية النابعة عن بيئة المصادر الخاصة بالمعلومات في تونس أثناء الانتخابات الرئاسيّة 2024، وأهمية التدقيق فيها، يتمحور لدينا سؤال إشكاليّ: ما طبيعة مصادر الادعاءات المضللة أو المروجة للمعلومات الزائفة، خلال الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة عام 2024؟
تنبع أهمية الدراسة من أهمية زاوية بحثها الدقيقة؛ فهي دراسة استطلاعيّة في مجالها، كما أنّها دراسة أولى حسب رأينا تنتهج المنهج الكميّ القائم على تحليل المضمون لطبيعة مصادر الادعاءات المضللة خلال الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة 2024، وهي ما لم تناقشه دراسة سابقة، مما يعني أن هذه الدراسة ستكون رافدًا للمكتبة الصحفية البحثيّة في تونس وغيرها من بلدان الوطن العربيّ.
تسعى الدراسة إلى تحقيق عددٍ من الأهداف؛ أهمّها:
تعتمد دراستنا في تحليل مضامينها على المنهج الكميّ. «والبحوث الكميّة هي بحوث تطبيقيّة تهدف إلى وصف الظروف الحالية أو أن تعمل على استقصاء العلاقات بما في ذلك السبب والنتيجة» (انظر: منذر الضامن، 2007، 153). وقد وقعَ اختيار هذا المنهج لدراستنا كونه المنهج الأنسب لدراسة المضامين وتحليلها، بما يتوافق مع مجال موضوعها وتخصصه.|
تقوم دراستنا على أسلوب أداة تحليل المضمون؛ وهو «أسلوب يَهدف إلى الوصف الكميّ والموضوعيّ والمنهجيّ للمحتوى الظاهر للاتصال، ويعدّ تحليل المضمون أحد أساليب البحث العلميّ الشائعة الاستخدام في مجال دراسة مواد الاتصال، ويهدف إلى معرفة اتجاهات المادة التي يتمّ تحليلها بطريقة علمية منظمة، وكذلك الوقوف على خصائص هذه الاتجاهات بحيث يتم كل ذلك بعيدًا عن الانطباعات الذاتيّة، أو المعالجة العشوائيّة» (انظر: سعد المشهداني، 2017، 121).
يتركز مجتمع الدراسة في منصّات التحقق من المعلومات المضلّلة بشكلها العام المهتمة بالانتخابات الرئاسيّة التونسيّة الأخيرة لعام 2024. ونظرًا إلى صعوبة الوصول إلى كافة أفراد المجتمع وإشمال عيناته كاملة، لجأنا إلى تحديد عينة قَصديّة. والعيّنة القصديّة التي تُسمّى أيضًا بالعينة العمدية هي «عيّنة يتم اختيارها على أساس من الخبرة السابقة، فقد يلاحظ الباحث من الدراسات السابقة أن مجموعة من المفردات يتمثل فيها من الخصائص ما يجعل نتائجها قريبة من نتائج المجتمع ككل [...] وتعتمد على نوع من الاختيار المقصود، حيث يعتمد الباحث أن تتكون العينة من وحدات يعتقد أنها تمثل المجتمع الأصلي تمثيلًا صحيحًا» (انظر: القحطاني، الضحيان، 2020، 446). وتَمثّلت عينة الدراسة في (4) منصات متخصّصة بالتحقق من المعلومات؛ وهي: هي: 1- منصة تونس تتحرى؛ 2- منصة تفنيد؛ 3- منصة BN تشيك؛ 4- منصة icheck. وقد وقع الاختيار على هذه المنصات دون غيرها، لكونها منصات تفاعلت بشكل متواصل لإنتاج مضامين تحقّقيّة لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسيّة التونسيّة 2024. ولذا فهي الأكثر تجربة والأثرى مضمونيًا لتلك المعلومات المتعلقة بالانتخابات في تونس، وهي التي يمكن أن تكون نتائج دراستها أكثر وضوحًا وموضوعية عن غيرها.
1- منصات التحقق:
منصات التحقق هي تلك المنصات التي تعمل على كشف وتبيين المضامين المضللة أو الزائفة أو المضطربة، وتختلف هذه المنصات في نوعيتها بين الوسائط الرقميّة الإلكترونيّة أو الإذاعيّة أو المرئيّة وربما حتى الورقيّة، فهي تعمل على التحقق في المعلومات الواردة في تصريحات السياسيين أو مضامين بعض الأخبار أو المنشورات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام. وتعمل هذه المنصات وفق آلية واضحة وشفافة، «وقد اتفق المسؤولون عن إدارة منصات التحقق من المعلومات، على عدة أدوات، يتم استخدامها للتحقق من الأخبار الزائفة، أكثر الطرق تداوًلا: هو إشراك الجمهور في عملية التحقق، عبر الاعتماد على تبليغات المشتركين في هذه المنصات، بعدها تأتي مرحلة التأكد من الأخبار الأكثر تداوًلا، وذلك من خلال التحقق من مصادر الأخبار ودرجة مصداقيتها، ومعرفة ما إذا كان الخبر قد تمّ تفنيده من جهة ما، إلى جانب فحص الصور المرافقة للخبر» (انظر: مصطفى عبد العليم، 2021، 775).
2- المصادر:
تُعد المصادر هي الركن الأساس للعمل الصحفيّ، وترتكز صحافة التحري أو التحقق على تلك المصادر وتنوعها بهدف التحقق والتثبت من المعلومات التي نُشِرَت عبر وسيط معين. «وتُعرَّف المصادر الصحفية بأنها الجهات التي يحصل الصحفيون على المعلومات منها باستخدام تقنيات جمع الأخبار مثل المقابلات والملاحظات، ويمكن أن تشمل هذه المعلومات الاقتباسات أو المعلومات الأساسية، أو اقتراحات القصص، أو روايات شهود العيان، وبالتالي فإنّ المصادر هي جهات خارج المؤسسة الإخبارية نفسها، تقدم خدمة المعلومات، ويمكن أن تكون جهات يتمّ مقابلتها عبر البريد الإلكترونيّ، أو شخصيًا أو عبر الهاتف، بالإضافة إلى الوثائق التي تحتوي على معلومات ذات صلة» (Florian Wintterlin, 2022, 2).
3- الادعاءات:
الادعاءات في صحافة التحقق هي تلك المعلومات أو الصور أو الفيديوهات الحاملة لمعلوماتٍ تحملُ نوعًا من الشك، وتحتاج إلى المزيد من التدقيق والتحرّي في صحتها، للخروج بنتائج ضمن تصنيف معيّن للمنصة. ويتبلور نوع الادعاء بعد نشر المعلومة، إذ «إنّ السيطرة على المعلومة بعد نشرها تعد عملية مستحيلة، خصوصًا مع تعامل غالبية الجمهور معها كمسلّمة بفعل التطورات التقنيّة والتكنولوجيّة المتلاحقة، والاكتفاء بما هو في المتناول من دون تكليف النفس مجرد البحث الأوليّ، كخطوة قد تعطيك إشارة لسلامة المعلومة التي بين يديك، أو عكس ذلك» (انظر: محمد محروس، 2023). ويُطلق عليها لفظة «الادعاء» كونها لا تزال معلومات في قفص الاتهام لم يُكشف عن صحتها من عدمه، وبذلك يكون الادعاء في إطار التحقق من معلوماته وفق آليّة محددة للوصول إلى نتيجة واضحة.
3- الانتخابات الرئاسيّة:
تتكوّن لفظة «الانتخابات الرئاسيّة» من جزئين أساسيين؛ هما «الانتخابات» و«الرئاسيّة»: فالانتخابات هي عملية اقتراع وتصويت تقوم بها جماعة من الناس عبر آلية معينة لاختيار ممثّل عنهم، وارتبطت بالرئاسيّة كونها تصبّ في ذلك النوع من الاختيار المسؤولياتيّ. فالانتخابات الرئاسيّة هي تلك العملية التي يتمّ فيها الاقتراع لاختيار رئيس. ونحن في مقالنا هذا نقصد بالانتخابات الرئاسيّة؛ تلك العملية السياسية التي يُختار فيها رئيس للبلاد من قبل أفراد المجتمع في دولة ما. وتحتكم هذه الانتخابات وغيرها إلى مجموعة من اللوائح والقوانين المنظمة، تعمل على ترتيب الخطوات وكسوتها بكسوةٍ زمنيّة بما يحقق النجاح المطلوب منها.
وفقًا لإشكاليّة الدراسة وسؤالها الرئيس، يتبيّن أن لدينا فرضيتين أساسيتين، يمكننا من خلال سير الدراسة إثباتهما أو نفيهما؛ وهما:
لكون الدراسة تنتمي إلى الدراسات الكميّة القائمة على تحليل المضمون، يبرز لدينا متغيّران أساسيّان؛ هما:
المتغير المستقل؛ ويتمثل في: منصات التحقق. والمتغير التابع؛ ويتمثل في: مصادر الادعاءات.
طبيعة مصادر الادعاءات المضللة خلال الانتخابات الرئاسيّة التونسيّة عام 2024
تشير بيانات الجدول التالي أن جميع التحقّقات التي أنتجتها عينةُ الدراسة من منصات التحقق (تفنيد، تونس تتحرى، BN تشيك، icheck)، في الفترة من 14 سبتمبر/كانون الأول حتى 7 أكتوبر/تشرين الأول، قد وصل عددها إلى 58 موضوعًا، تتصدرها منصة «تفنيد» بواقع 28 موضوعًا، و«تونس تتحرى» بـ 15 موضوعًا، و «icheck» بـ 11 موضوعًا، و«بي إن تشيك» بـ4 موضوعات.
المنصة |
عدد الموضوعات |
تفنيد |
28 |
تونس تتحرى |
15 |
بي إن تشيك |
4 |
icheck |
11 |
وهذه الجزئية توضح تفاوت عمل منصات التحقق أثناء الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة في تونس، ويظهر تفوق منصة «تفنيد» من حيث تناول الموضوعات والادعاءات والتحقق فيها، وهذا يعود في نظرنا إلى عدد طاقم العمل لفريق التحقق في تونس الذي يصل إلى (8) مدققين للمعلومات؛ وهو الأكثر من بين بقية المنصات الأخرى ضمن العينة. وزيادة عدد فريق العمل يسمح بالوصول إلى عدد أكبر من الموضوعات المتعلقة بالانتخابات الرئاسيّة التونسيّة والتحقق فيها، كما أنّ التدريبات التي يتلقاها الفريق بشكل مستمر كانت لها دور في الوصول إلى أكبر عدد من الموضوعات وتغطيتها. «فالتدريب يحقق العديد من الأهداف نظرًا للدور الكبير والفعّال الذي يلعبه نشاط التدريب في رفع أداء القوى العاملة بالمؤسسات وتحسين مهاراتها، واكتساب المعارف التي تمكنه من رفع مستوى كفاءته في الأداء وزيادة الإنتاجيّة، والارتقاء بالأداء البشري والمعرفة الوظيفيّة، وتعديل الرضا الوظيفيّ، وتقوية القدرة على الإبداع والابتكار لدى الموارد البشرية، ومن خلال التدريب يمكن إدخال التحسينات المستمرة على مجالات العمل، بالإضافة إلى تكيُّف الموارد البشرية مع المتغيرات التي تدخلها المنظمة إلى أعمالها في المستقبل، والتعايش معها بدلًا من مقاومتها وعرقلتها وإفشالها، كما يساعد التدريب على تأدية مهام ووظائف متنوعة ومختلفة، حاضرًا ومستقبلًا» (انظر: أميرة ناجي، 2016، 453).
تتعدد المصادر التي يمكن استخدامها لنشر المعلومات المضلّلة والزائفة، سواء في فترة الانتخابات أو في أي فترة زمنية أخرى، وتتباين عادة تلك المصادر في تصدّر النشر. وهو كما أوضحته دراستنا هذه من خلال تحليلنا لمضامين عينتها ومصادرها، اتضح تصدر منصة فيسبوك في المرتبة الأولى لعملية نشر الادعاءات في تونس خلال الانتخابات الرئاسيّة 2024 كما يوضحه الرسم البياني التالي:
وتتناسب هذه المرتبة مع إجمالي عدد مستخدمي منصة فيسبوك في تونس؛ إذ تشير بيانات تقرير (datareportal) إلى أنّ فيسبوك لديه (7.10) مليون مستخدم في تونس في أوائل عام 2024، وهي مرتبة أعلى من كافة عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، ما عدا منصة يوتيوب التي يصل عدد مستخدميها إلى (7.12) مليون مستخدم.
وتؤكّد الدلالات في الرسم البيانيّ لمصادر الادّعاء أنّ الفيسبوك قد تفوّق في اعتباره المصدر الأكبر في نشر الشائعات والمعلومات المضلّلة؛ حيث وجدنا (49) موضوعًا من أصل (58) كان الفيسبوك فيه هو مصدِّر الادعاء؛ أي بنسبة 84.4%، يليه الراديو بمعدل (5) مواضيع، ثم اليوتيوب بمعدل موضوعين، وأخيرًا التلفزيون وتيك توك بمعدل موضوع واحد لكل منهما.
بالمقابل، نلاحظ غياب كل من منصّة «إكس» (تويتر سابقا)، والمواقع الإلكترونيّة والصحافة المكتوبة. ويعود سبب ذلك في نظرنا إلى انخفاض استخدام منصة «إكس» التي يصل مستخدموها إلى (389.5) ألف، فيما يمكن أن يكون أيضًا انخفاض استخدامات الصحافة المكتوبة والمواقع الإلكترونية لها الأسباب نفسها، أو أنّها تتمتع بحراسة بوابة أكثر حرصًا في التدقيق قبل النشر.
قسّمنا صفحات الفيسبوك إلى قسمين (حسابات شخصية، صفحات عامة)، وذلك للوقوف على أكثر الصفحات نشرًا للمعلومات المضللة، يبينه الرسم البياني التالي:
ونجد أن هناك تقاربًا بين الحسابات الشخصيّة والحسابات العامّة التي تفوقت بفارق بسيط في نشر الادعاءات أثناء الانتخابات الرئاسيّة في تونس 2024؛ حيث شكّلت الحسابات العامة نسبة (55.1%)، في حين الحسابات الشخصية كانت بنسبة (44.9%). وبالرجوع إلى الحسابات الشخصية، نجد أن (81%) من الإشاعات صدرت عن شخص واحد، وهو معارض سياسي للرئيس التونسيّ الحالي قيس سعيد، وتبيّن أنه استخدم صفحته لترويج أكثر من (17) إشاعة.
في حين أنّ الحسابات العامّة قد تنوعت بين حسابات مؤيدة ومعارضة للرئيس التونسي قيس سعيد، لكنّها في أغلبها صفحات معارضة وعدد كبير منها أُنشِئَ في فترة إعلان بعض الشخصيات التونسيّة الترشح للانتخابات، وقبل أيام من إعلان قيس سعيد في 19 يوليو/تمّوز نيته الترشح. ومثال ذلك، صفحة «الشبح السياسي» و«دوسيات 51» التي أُنشِئت في 2 يونيو/حزيران، في حين أنّ صفحة «أحرار تونس» وصفحة «نحن ضد الطغيان» أُنشِئا في 13 يوليو/تمّوز 2024.
كذلك لاحظنا أن هناك صفحات غيّرت اسمها قبل الانتخابات، مثل صفحة «زقفونه» التي غيّرت اسمها بتاريخ 25 يوليو/تمّوز 2024، بعد أن كان (تونسية sky news).
ومن خلال تتبّع هذه الصفحات، أصبحت فعّالة في آن واحد، وكانت تعتمد على الإعلانات الممولة لنشر منشوراتها، التي هي في الغالب معلومات مضلِّلة من أجل التأثير في آراء الناخبين.
هناك صفحات ظهرت فترة الانتخابات، وبمجرد الإعلان عن النتائج الأوليّة توقفت عن النشر، مثلها صفحة «وسقط الانقلاب»، حيث نجد أن آخر منشور لها كان بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول، وهو تاريخ الإعلان عن فوز قيس سعيد بدورة ثانية.
كذلك صفحة «تحاليل عقلانية» نشطت في يوم 26 يوليو/تموز وتوقفت بتاريخ 6 أكتوبر/تشرين الأول، وكثيرة هي الصفحات مثل «المتمردون» و«يزي فك».
إلى جانب العديد من الصفحات التي اختفت تمامًا بمجرد انتهاء الانتخابات، كذلك هناك صفحات حذفت بعض منشوراتها التي كانت تتعمَّد فيها نشر إشاعات ومعلومات مضللة، هدفها دفع الناس للتصويت لمرشح دون غيره أو عدم التصويت لمرشح آخر.
ويتضح من تحليلنا لمضامين العيّنة أنّ الفيسبوك يتصدّر قائمة مصادر الادعاءات المروجة للشائعات، وهذا يتفق مع دراسة نُشرت في مجلة (Nature Human Behavior)، خلصت فيها إلى «أنّ موقع فيسبوك هو الأسوأ على الإطلاق في نشر الأخبار الكاذبة. فهو أسوأ من جوجل. وأسوأ من تويتر. وأسوأ من مقدمي خدمات البريد الإلكترونيّ على الويب مثل AOL وYahoo! وGmail) «Guess, Nyhan, Reifler, 2020). حيث قام فريق من الباحثين بقيادة أندرو جيس من جامعة برينستون بتتبع استخدام الإنترنت لأكثر من (3000) أمريكيّ في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسيّة لعام 2016، ووجدوا أنّ موقع فيسبوك هو الموقع المرجعيّ لمصادر الأخبار غير الموثوقة في أكثر من (15%) مرة. وعلى النقيض من ذلك، أحال موقع فيسبوك المستخدمين إلى مواقع إخبارية موثوقة بنسبة (6%) فقط من المرات. وفي دراسة أخرى (Ramishah Maruf, 2021) وجدت أنّه من أغسطس/آب 2020 إلى يناير/كانون الثاني 2021، حصلت المعلومات المضللة في فيسبوك على نقرات أكثر بستة أضعاف من المنشورات التي تحتوي على أخبار واقعيّة. ولعل تصدُّر منصة الفيسبوك من وجهة نظرنا كباحثين يعود إلى أسباب تتعلق بمنهجية عمل المدققين في منصات التحقق، أو قد تكون لأسباب تتعلق بخصائص يتميز بها الفيسبوك عن باقي وسائل الإعلام؛ فمنهجية التدقيق التي يتبعها العديد من المدققين تنحصر في متابعتهم للفيسبوك أكثر من غيرها من المنصات الاجتماعية ووسائل الإعلام الأخرى، وبذلك يتقوقع المدققون حول مصادر محدودة، وهو ما ينتج عنه تشابهٌ ملحوظٌ في المصادر التي تلجأ إليها منصات التحقق في تونس.
بعد تحليلنا لمضامين عينة الدراسة، توصلنا إلى جملة من النتائج أهمها:
عبد العليم، مصطفى عبد الحي. (2021). دور المبادرات الرقمية المتخصصة في تنقية المحتوى الصحفي من الأخبار الزائفة عبر منصات التواصل الاجتماعي من وجهة نظر الصحفيين المصريين دراسة ميدانية. العدد 58. الجزء الثاني. مجلة البحوث الإعلامية. جامعة الأزهر. كلية الإعلام.
Wintterlin, Florian. (2022). Sources. The SAGE Encyclopedia of Journalism. Online ISBN: 9781544391199. DOI: https://doi.org/10.4135/9781544391199.
محروس، محمد. (2023). متى تستحق المعلومة أن ندقق فيها. شبكة الصحفيين الدوليين. تاريخ النشر: 22 مارس. تاريخ الاطلاع: 6 نوفمبر 2024. https://2u.pw/4DNuADpF.
موقع DW الألماني. دراسة: الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الحقيقية على تويتر. تاريخ النشر: 9 مارس 2018. تاريخ الاطلاع: 6 نوفمبر 2024. https://2u.pw/71X8JT.
الضامن، منذر. (2007). أساسيات البحث العلمي. دار المسيرة للنشر والتوزيع. الطبعة 1. عمان. الأردن.
المشهداني، سعد سلمان. (2017). مناهج البحث الإعلامي. دار الكتاب الجامعي. العين. الإمارات.
Kemp, Simon. (2024). Digital 2024: Tunisia. https://2u.pw/wqrSk9PC.
القحطاني، راوية بنت أحمد. الضحيان، سعود بن ضحيان. (2020). النمطية المنهجية في الرسائل الجامعية دراسة مطبقة على عينة من رسائل الدکتوراه بجامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود الإسلامية. المجلد 20. العدد 20. الجزء الثاني. جامعة الفيوم. مصر.
ناجي، أميرة. (2016). نمط تأهيل وتدريب الصحفيين ودوره في تطوير الأداء المهني في مصر. المجلة العلمية لبحوث الصحافة. العدد 6. المجلد 2016. مصر.
Guess, Andrew M. Nyhan, Brendan. Reifler, Jason. (2020). Exposure to untrustworthy websites in the 2016 US election. Nature Human Behaviour.
Maruf, Ramishah. (2021). Researchers studying Facebook misinformation say they were deplatformed. CNN Business. https://2u.pw/H6qQ7rFV.
ريمان بارود.صحفية ومدققة معلومات، باحثة دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة – تونس
عبدالله باخريصة.محاضر بقسم الصحافة والإعلام بجامعة حضرموت - اليمن، باحث دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، جامعة منوبة – تونس