Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

بعيداً عن قطاع غزة: الحرب الصامتة والمنسيّة في الضفّة الغربية

بعيداً عن قطاع غزة: الحرب الصامتة والمنسيّة في الضفّة الغربية
kashif_ps

The Author

kashif_ps

المقدّمة

منذ السابع من تشرين الأول  2023، لم تقتصر حرب الإبادة على قطاع غزة فحسب، بل امتدت إلى الضفة الغربية التي شهدت تصعيدًا كبيرًا، وصفته منظمات حقوقية بأنه أخطر موجة قمع واستيطان منذ الانتفاضة الثانية. فمنذ ذلك التاريخ، عزّز جيش الاحتلال الإسرائيلي وجوده العسكري في مختلف محافظات الضفة، ونشر وحدات قتالية خاصة، وأقام نحو ألف حاجز وبوابة حديدية بين المدن والقرى والمخيمات، ما حوّل الضفة إلى مناطق معزولة ومناطق محاصرة داخليًا. هذه الحواجز لم تكن مجرد نقاط تفتيش، بل أصبحت أداةً استراتيجية لإحكام السيطرة على حركة الفلسطينيين وتقويض الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.

كما شهدت هذه الفترة حالات قتل وعنف غير مسبق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية. فوفقًا لجهاز الاحصاء المركزي، فقد قُتل 1066 فلسطينيًا وفلسطينية في الضفة الغربية في الفترة ما بين 7 تشرين الأول 2023 و12 تشرين الثاني 2025، وجُرح نحو 10 آلاف، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي أو أو المستوطنين.

وتعليقاً على ذلك، ، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch) في شهر أيار من عام 2024، أن عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا من قبل الاحتلال الإسرائيلي تضاعف مقارنة بأي عام آخر منذ بدء التوثيق المنهجي عام 2005. 

أما في الجانب الآخر من هذه الحرب الصامتة، فقد تحوّل الاعتقال إلى سياسة جماعية؛ إذ أفاد تقرير مشترك صادر في السابع من تشرين الأول 2025 عن نادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير وهيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بأنّ جيش الاحتلال اعتقل خلال عامين أكثر من 20 ألف فلسطيني وفلسطينية من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، مؤكّدين أن عددًا كبيرًا منهم خضع لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي داخل مراكز التحقيق والسجون، في انتهاكٍ صارخٍ لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.

تُظهر هذه الأرقام أن الضفة الغربية كانت ساحةً موازية للحرب في قطاع غزة، تُدار فيها عمليات ممنهجة من القتل والاعتقال والمصادرة والتهجير. وعلى الرغم من أن العناوين الكبرى ظلّت تُركّز على غزة، إلا أن الواقع في الضفة الغربية يكشف عن حربٍ صامتةٍ ومنسيّة، تتواصل يوميًا تحت غطاء "الأمن"وبدعمٍ من البنية الاستيطانية المتنامية.

1) مصادرة الأراضي والتوسّع الاستيطاني

منذ السابع من تشرين الأول عام 2023، شهدت الضفة الغربية موجة غير مسبوقة من مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، وُصفت بأنها الأكبر منذ اتفاق أوسلو عام 1993.حيث صادر الاحتلال أكثر من 52000 دونم من أراضي المواطنين في الضفة الغربية، منها 46000 ألف دونم  في العام 

2024، بتاريخ 4 تموز 2024، صادقت حكومة  الاحتلال الإسرائيلية على قرار يقضي بتصنيف نحو 12.7 كيلومترًا مربعًا من أراضي الأغوار الشمالية كـ«أراضي دولة»، وهي مساحة توازي أكثر من ثلاثة أضعاف مصادرات الأعوام السابقة مجتمعة، وذكرت منظمة  "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان أن هذا القرار يُعدّ أكبر استيلاء على أراضٍ فلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو، مشيرةً إلى أنه يندرج ضمن سياسة تحويل المناطق الزراعية والرعوية في الأغوار إلى نطاقات استيطانية مغلقة، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها. 

لم يكن هذا القرار معزولاً، بل مهّد لمرحلة جديدة من التوسّع المنظّم خلال عام 2025. ففي 30 أيار 2025، أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلية حزمة بناء استيطانية ضخمة في مستوطنات الضفة، ووصف بأنه الأوسع منذ التسعينيات من حيث عدد المخططات والمصادقات المتزامنة. وتشمل هذه الحزمة أكثر من 7000 وحدة استيطانية جديدة موزعة على مناطق بيت لحم والقدس والخليل ونابلس.و التي تسعى إلى عملية إعادة هندسة ديمغرافية وجغرافية تهدف إلى تقطيع الضفة وتحويلها إلى كانتونات متفرّقة. 

2) هجمات المستوطنين: مستويات قياسية

إلى جانب المصادرة، تزايدت هجمات المستوطنين المسلّحين على القرى الفلسطينية بوتيرة غير مسبوقة، منذ بداية العام 2025  ارتكب المستوطنون اكثر من 2153 اعتداء على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم، إذ سجّل شهر تشرين الأول 2025 وحده 264 هجومًا، وهو العدد الأعلى الذي توثّقه الأمم المتحدة منذ بدء الرصد عام 2006، بمتوسط ثمانية اعتداءات يوميًا.

فيما بلغت اعتداءات المستوطنون عام 2024 اكثر من 2971، أما عام 2023 بلغت 2410 اعتداء، تنوّعت هذه الاعتداءات بين حرق منازل وسيارات، واقتلاع أشجار زيتون، وعمليات إطلاق نار مباشر. وتشير تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) إلى أن أغلب هذه الهجمات جرت بحماية أو دعم مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في محيط نابلس وطولكرم وجنين.

3) النزوح الداخلي الأكبر منذ 1967

في ظل تصاعد اقتحامات واستهدافات جيش الاحتلال وهجمات المستوطنين، شهدت الضفة الغربية أوسع موجة نزوح داخلي منذ عام 1967. فقد أكدت تقارير الأونروا وأوتشا (UNOCHA–OPT) أن حتى أيلول 2025 نزح ما لا يقل عن 31,919 فلسطينيًا من مخيّمات جنين وطولكرم ونور شمس، معظمهم بعد عمليات اقتحام مدمّرة ومتكرّرة شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي. 

ووصفت الأمم المتحدة هذه الظاهرة بأنها أكبر أزمة نزوح في الضفة الغربية منذ النكسة، حيث تحوّلت المدارس والمساجد إلى مراكز إيواء مؤقتة.

4) تدميرٌ واسع في مخيّمَيات جنين، طولكرم، ونور شمس

تحوّلت المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، ولا سيما جنين وطولكرم ونور شمس، إلى أبرز رموز الدمار خلال عام 2025. ووفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الصادر في 24 تموز 2025، فإن 43% من مساحة مخيم جنين، و35% من مخيم نور شمس، و14% من مخيم طولكرم قد تضررت بدرجات متفاوتة جراء عمليات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة، التي شملت استخدام الجرافات الثقيلة والقصف الجوي.

فيما وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" هدم الاحتلال 1787 منشأة، بينها 800 منزل مأهول، وذلك في الفترة بين 7 تشرين الأول 2023 و7 تشرين الأول 2024، وأدى ذلك إلى تشريد أكثر من 4 آلاف مواطن. ومنذ بداية العام كانون الثاني 2025  وحتى نيسان 2024 رصدت  "أوشيا" هدم الاحتلال ل 465 منشأة بحجة عدم الترخيص مما أسفر عن تشريد 445 شخصا.اضافة لهدم  11 منزلا كإجراء عقابي ضد عائلات منفذي العمليات والمقاومين أو المشتبه بهم، وفرضت الترحيل على 65 شخصا.

ووثق مكتب أوتشا هدم الاحتلال في حزيران 2025 أكثر من 20 مبنى في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، إضافة إلى 120 مبنى في المخيمات نفسها منذ بدء العملية العسكرية في كانون الثاني 2025.

وقدرت "أوتشا" أن مجمل المباني التي هدمها الاحتلال منذ بدء الحرب على غزة يتراوح بين 2400 إلى 2500 منشأة في الضفة الغربية. 

5) تقييد عمل المنظمات الدولية وإلغاء تسجيلها

في عام 2025، اتخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات التي وُصفت بأنها الأشدّ تقييدًا لعمل المنظمات الإنسانية الدولية في الأراضي الفلسطينية منذ عقدين. ففي آذار 2025، أقرّ الاحتلال نظامًا جديدًا يُلزم المنظمات الأجنبية العاملة في الضفة وغزة بتقديم بيانات مالية وأمنية مفصّلة عن موظفيها وشركائها المحليين، تحت طائلة إلغاء الترخيص أو سحب التسجيل.

فيما كشفت صحيفة هآرتس في حزيران 2025 أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية علّقت أو راجعت تراخيص عدة منظمات أوروبية ودولية بينها أوكسفام وأطباء العالم، فيما وصفت واشنطن بوست هذه الإجراءات بأنها “جزء من خطة أوسع لإعادة هيكلة النشاط الدولي في الضفة بما يخدم أجندة الضمّ”.

6) استهداف الأونروا وإلغاء شرعيتها في القدس

في 26 كانون الثاني 2025، وجّهت حكومة الاحتلال إخطارًا رسميًا إلى الأمم المتحدة تطلب فيه من وكالة الأونروا (UNRWA) إخلاء جميع مقارّها في القدس الشرقية المحتلة خلال 72 ساعة، ووقف نشاطها الإداري داخل المدينة. وأكدت الوكالة في بيانها الرسمي أن الخطوة تمثّل إغلاقًا فعليًا لعملياتها في القدس، وتهدف إلى نزع شرعيتها القانونية كمؤسسة تابعة للأمم المتحدة تعمل وفق تفويض الجمعية العامة.

جاء القرار بعد سلسلة اتهامات إسرائيلية طالت موظفين في الوكالة على خلفية الحرب في غزة، وهو ما رفضته الأمم المتحدة ووصفت التحقيقات بأنها "سياسية وغير مستندة إلى أدلة". واعتبرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن الخطوة تمثّل سابقة خطيرة في تجريم العمل الإنساني في الأراضي المحتلة، مؤكدة أن حرمان اللاجئين من خدمات الأونروا يفاقم أوضاعهم المعيشية والتعليمية.

7) قيود الحركة: الأوسع منذ التسعينيات

منذ ما قبل الحرب وحتى عام 2025، شهدت الضفة الغربية تصاعدًا كبيرًا في عدد الحواجز والعوائق التي فرضها جيش الاحتلال، لتتحول الحركة اليومية للفلسطينيين إلى مسار معقّد ومحاصر. فبحسب أوتشا، بلغ عدد عوائق الحركة في الضفة 565 عائقًا في بداية عام 2023. لكن مع تصاعد الأحداث بعد 7 تشرين الأول 2023، ارتفع العدد بشكل حاد ليصل إلى 793 عائقًا بين تشرين الأول 2023 وآذار 2024، وفق تقرير أوتشا الصادر في أيلول 2024. استمر هذا الاتجاه التصاعدي خلال عام 2025، إذ وثّقت أوتشا في تقريرها الصادر في أيار 2025 وجود 849 عائق حركة، تشمل حواجز دائمة وجزئية وبوابات حديدية وسواتر ونقاط تفتيش عسكرية. وبين هذه العوائق، سجّلت المنظمة 288 بوابة طرق تُغلق بشكل متكرر، و94 حاجزًا دائمًا يعمل على مدار الساعة. 

وأشار التقرير إلى أن معدّل التأخير على الطرق الحيوية تضاعف بنسبة 120% مقارنة بعام 2022، وأن قرابة 60% من سكان الضفة يعانون من قيود مباشرة على التنقّل، سواء عبر الإغلاق أو التفتيش أو تحويل المسارات.

ووصف الوضع بأنه “أوسع نظام عوائق منذ التسعينيات”، لاسيما أن هذه الإجراءات لا تستهدف منع العمليات المسلحة فحسب، بل إعادة هندسة الجغرافيا الاجتماعية داخل الضفة لتفكيك التواصل بين المدن الكبرى والمناطق الريفية.

8) الاعتقالات والاحتجاز الإداري والمداهمات

تصاعدت وتيرة الاعتقالات خلال عام 2025 لتصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ الانتفاضة الثانية. 

فوفقاً لتقارير هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير ومؤسسة الضمير، بلغ عدد المعتقلين شهريًا بين 580 و660 حالة خلال النصف الأول من 2025، بينما تشير ورقة الحقائق المشتركة الصادرة في 7 تشرين الأول 2025 إلى أن مجموع الاعتقالات خلال عامين تجاوز 20 ألف حالة، أغلبها في جنين وطولكرم ونابلس والقدس الشرقية.

أما الاعتقال الإداري، أي الاحتجاز من دون تهمة أو محاكمة، فقد وصل إلى 3,563 معتقلًا إداريًا في منتصف 2025 وهو أعلى رقم منذ أكثر من عقدين ثم استقر في تشرين الثاني عند نحو 3,368 معتقلًا.