Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

إنذارات كاذبة تعمق من معاناة الغزيين: الموت أو النزوح

إنذارات كاذبة تعمق من معاناة الغزيين: الموت أو النزوح
kashif_ps

The Author

kashif_ps

غزة – أحلام حماد ودعاء الحرازين 

"إنذار الإخلاء كأنه رصاصة تصيب القلب"، تقول الثلاثينية إسراء شمالي، التي اضطرت منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة للنزوح 18 مرة.

شمالي (35 عاما) متزوجة ولديها أسرة مكونة من (5 أفراد)، وتقطن في منزل بحي الرمال، أرقى أحياء مدينة غزة أكبر مدن القطاع، والتي تعرضت لعدة عمليات عسكرية واجتياح بري إسرائيلي منذ اندلاع الحرب.

على مدار 21 شهرا من هذه الحرب غير المسبوقة تقول شمالي إنها اضطرت وأسرتها للنزوح المتكرر من مكان إلى آخر داخل مدينة غزة، هربا من الموت، وبحثا عن آمان مفقود.

إنذار كاذب

في إحدى ليالي الحرب المرعبة، شنت مقاتلات حربية إسرائيلية غارة عنيفة استهدفت "عمارة الأحلام" وهي بناية سكنية تقع في الجهة المقابلة تماما لمنزل شمالي، ودمرتها كليا، ولم تسفر هذه الغارة عن ضحايا، لتلقي سكانها إنذارا مسبقا بالإخلاء، بحسب رواية شمالي.

وفي صبيحة ذلك اليوم، سمعت شمالي أصوات وصراخ من الجيران، وتقول: "نظرت في نافذة المنزل، وكان المشهد كأنه من أهوال يوم القيامة (..) الناس تهرول في الشوارع بلا وعي، نساء ورجال وأطفال، أخلوا منازلهم وشققهم السكنية، ولم أكن أعلم حتى تلك اللحظة لماذا؟".

لاحقا علمت شمالي أن إنذارا إسرائيليا بقصف "برج الأفغاني" تسبب في "حالة الفوضى والخوف في أوساط الجيران"، قبل أن يتبين أنه "انذار كاذب".

تقول شمالي: "أغلبية الجيران نزحوا من المنطقة، وأخلوا منازلهم وشققهم السكنية، وتشردوا وتشتتوا، ورفضت وأسرتي النزوح والإخلاء، وكذلك ملاك برج الأفغاني أنفسهم رفضوا إخلاءه".

بقيت شمالي وأسرتها في البناية السكنية التي تقيم بها، فيما باقي سكان البناية من الجيران فضلوا النزوح ومغادرتها، وتقول: "كل سكان عمارتنا توجهوا للجنوب (مناطق جنوب قطاع غزة)، إلا نحن بقينا بشقتنا ورفضنا المغادرة".

لم يكن قرار البقاء في البناية سهلا، وفقا لشمالي، وتقول: "كنا نتلقى يوميا اتصالات هاتفية من الأقارب والجيران يسألون: هل قصف البرج؟، ونجيبهم لا، وينصحوننا بالمغادرة وإلا سنقتل فجأة بانهيار البرج ولن يصل إلينا أحد تحت الأنقاض".

كانت هذه الاتصالات تؤثر على شمالي وأسرتها نفسيا، لكنها ظلت متمسكة بقرار البقاء وعدم النزوح والمغادرة، ومضت شهور طويلة منذ ذلك الحين ولا يزال البرج قائما ولم يستهدف ولم يدمر كليا، رغم الأضرار التي أصابته جراء قذائف استهدفت بضع طبقات فيه خلال الاجتياحات الإسرائيلية البرية المتكررة للمنطقة.

نزوح متكرر وخوف دائم 

أم محمد، امرأة فلسطينية في السادسة والثلاثين من عمرها، أم لثلاثة أطفال، وتعيش مع حماتها المريضة (والدة زوجها) في منزلهم المتواضع.

منذ اندلاع الحرب، أجبرت على النزوح 4 مرات إلى أماكن مختلفة، بدءا من مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية أقصى جنوب القطاع، مرورا بمدينة دير البلح ومخيم النصيرات، وتقيم حاليا في مخيم المغازي وسط القطاع.

ولهذه المرأة حكاية مع إنذارات النزوح، ترويها وتقول: “اتصل جيش الاحتلال وأبلغنا أن بيتنا مهدد لأنه يقع شرق المغازي، قرب السياج الأمني، وطالبنا بإخلائه فورا والابتعاد مسافة لا تقل عن 100 إلى 200 متر. كما طلبوا أن نبلغ الجيران، وكان ذلك مع ساعات الفجر".

"خرجنا خفافا، لم نتمكن من حمل أي شيء من ملابسنا وأمتعتنا. ركضت وأطفالي في الشارع ومعنا الجيران، وتوجهنا إلى أقرب مدرسة داخل مخيم المغازي، ننتظر لحظة القصف التي لم تحدث. بعد ساعات عدنا إلى البيت، وقضينا وقتا طويلا يتملكنا القلق من قصف لم يحدث"، تضيف.

كان الموقف صعبا جدا على أم محمد، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها كاملا، وتقول: "هل لكم أن تتخيلوا أطفالا يتم إيقاظهم من النوم الفجر، والرعب يملأ قلوبنا، ولا نعرف ما الذي يمكننا أخذه معنا. وفوق كل ذلك برفقتنا مسنة مريضة لا تستطيع المشي، وكنا نبحث عن كرسي متحرك أو من يساعد في حملها، لأن زوجي وحده لا يستطيع ذلك. الناس كانت تركض، تصرخ، وبعض النساء خرجن بملابس النوم… المشهد كان مرعبا بكل ما تعنيه الكلمة".

ولا تزال أم محمد تعيش فيما تصفه بـ "بيت مهدد"، وبرأيها فإن "الحياة في خيمة مستحيلة، خاصة مع وجود أطفال وامرأة مسنة مريضة لا تقوى على الحركة والتنقل بمفردها .. تقول: “وسنبقى هنا وليحدث ما يكتبه الله لنا".

 "تتابع: لا كلام نصف به تجاربنا المريرة في هذه الحرب وما نتعرض له، كأم، أخاف على أطفالي حتى من الخروج إلى البقالة أو السوق، أو حتى لشحن الهاتف أو جلب المياه، بسبب قصف الأسواق والبسطات. كثير من الناس أصيبوا أو استشهدوا دون ذنب… كفانا حرب".

أوقفوا الحرب

وفي المخيم ذاته، وعلى مسافة ليست قريبة من أم محمد، يعيش مصطفى أبو خالد (57 عاما)، مع أسرته المكونة من سبعة أبناء، اثنان منهم متزوجان. وقد أجبر هذا الرجل على النزوح 9 مرات منذ بداية الحرب، متنقلا بين مناطق وسط القطاع وجنوبه، في رحلة يصفها بـ "المريرة والبائسة".

يروي أبو خالد تفاصيل إحدى أكثر الليالي رعبا: "كنت أقيم بجوار عائلة تم انذارها باستهداف منزلها. جاء أبو محمد، جاري، يطرق باب خيمتنا الخشبي مع وقت الفجر وهو يصرخ: انهضوا في قصف. بدأت أوقظ زوجتي وأطفالي، وذهبت إلى خيام ولديّ المتزوجين لأوقظهما أيضا، ركضنا في الشوارع لا نعرف إلى أين نتجه، ولا إلى أين نهرب؟!".

"في النهاية، وجدنا مدرسة المغازي وقلنا أن نجلس فيها بضع ساعات حتى يقصف المنزل المستهدف ونعود مجددا. بقينا بالمدرسة حتى الساعة العاشرة صباحا، ثم عدت برفقة زوجتي إلى الخيمة، بينما بقي أولادنا مع أقاربنا داخل صف بالمدرسة، لم يكن أمامنا سوى العودة، وتسليم الأمر لله. ماذا نستطيع أن نفعل؟ نعيش في تنقل مستمر من خيمة إلى خيمة، ومن نزوح إلى آخر، حتى إن البعض يجلس فوق ركام بيته. هذا هو حالنا".

وبقلب يعتصر بالألم ولسان ثقل عليه الحديث، يخاطب أبو خالد العالم، ويقول: "كفى حربا وكفى ذلا، نموت كل يوم ألف مرة. نموت قصفا ومرضا، وحتى عجزا عن تدبير احتياجات أسرنا اليومية. هل يدرك العالم قدر عجز الأب عندما لا يقوى على منح طفله شيكلا (الدولار يعادل 3.5 شيكل)، وأنت لا تملكه، والشيكل لم يعد يكفي لشراء شيء في ظل الغلاء الفاحش. تشعر بالعجز والانكسار. أوقفوا الحرب، دعونا نعيش قليلًا بسلام، بلا قصف ولا طيران، حتى نتمكن من الحزن على من فقدناهم من أحبتنا ونداوي جراحنا، ونحاول أن نسترد جزءا من حياتنا الطبيعية".

وتقدر هيئات محلية ودولية أن زهاء مليونين و300 ألف نسمة من الغزيين يعيشون حاليا على مساحة لا تتجاوز 20% من المساحة الإجمالية للقطاع الساحلي الصغير المقدرة بنحو 360 كيلو متر مربع، وذلك نتيجة إنذارات الإخلاء الإسرائيلية المتواترة.

وحتى هذه المساحة الصغيرة تتعرض باستمرار للتقليص بسبب إنذارات الإخلاء وإجبار السكان على النزوح، وتحت ضغط العمليات العسكرية والاجتياحات البرية، خاصة في مناطق شمال القطاع وتشمل بلدات جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا المخلاة تماما من السكان، ومدينة خان يونس التي تتجاوز نسبة الإخلاء فيها 95%، فيما تقع مدينة رفح تحت الاحتلال الكامل منذ اجتياحها في 6 مايو/أيار من العام الماضي.