Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

سردية “الدروع البشرية”: أداة لتبرير القتل؟

سردية “الدروع البشرية”: أداة لتبرير القتل؟
kashif_ps

The Author

kashif_ps

منصة كاشف – باسل جعرور

تُعد سردية "الدروع البشرية" من أكثر السرديات تداولاً في تغطية النزاعات المسلحة والحروب، وتُستخدم لتبرير استهداف المدنيين تحت ذريعة أنهم يُستخدمون كغطاء من قبل الجماعات المسلحة. تتكرر هذه السردية في الإعلام الدولي بشكل لافت، وغالباً ما تُقدّم كحقيقة دون تحقق مستقل.

في تقرير نشرته صحيفة (Times of Israel) بتاريخ 2 تشرين الثاني 2023، اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي حركة حماس باستخدام أكثر من 100 امرأة وطفل كدروع بشرية في جباليا، دون تقديم تحقيق مستقل يثبت ذلك. وفي تقرير مصور نشرته شبكة (CBS News) بتاريخ 8 تشرين الثاني 2023، عرض الجيش الإسرائيلي صوراً قال إنها تُظهر وجود أسلحة قرب منشآت تابعة للأمم المتحدة ومدارس في غزة، دون أن تُرفق هذه الصور بتحقيق مستقل أو رد من الجهات الأممية.

هذا الاستخدام المتكرر لسردية الدروع البشرية، دون مساءلة أو توثيق، يُعيد توجيه اللوم من الفاعل إلى الضحية، ويمنح المعتدي شرعية سلوكية، بينما يجرد المدني من وضعه القانوني كضحية محمية بموجب القانون الدولي.

ومن الضروري الإشارة إلى أن تفكيك هذه السردية لا يعني إنكار "احتمال" وجود حالات حقيقية يُستخدم فيها المدنيون بما يوصف "دروع بشرية"، لكن التعامل مع هذه المزاعم يجب أن يخضع لتوثيق مستقل صارم، لا أن يستخدم مجرد الشك أو الاتهام الظنّي كذريعة جاهزة لتبرير القصف الجماعي.

وفي تقرير حقوقي، تم توثيق أربع ضربات جوية استهدفت رفح في ديسمبر 2023 ويناير 2024، وأسفرت عن مقتل 95 مدنياً، بينهم 42 طفلاً، دون وجود أدلة على أن المواقع المستهدفة كانت تُستخدم لأغراض عسكرية.

ولأن اللغة ليست محايدة، تُستخدم عبارة مثل "الدروع البشرية"، لا لتخبرنا فقط بما يُقال، بل لتعلمنا كيف نفهمه، وتُعيد ترتيب العلاقة بين الفاعل والضحية. فالمصطلح ذاته يحمل تاريخاً من الاستخدام السياسي والدعائي، وغالباً ما يُستدعى لتبرير العنف أكثر من كونه توصيفاً قانونياً دقيقاً.

لكن في الخطاب الإعلامي للرواية الصهيونية، لا يُستخدم المصطلح لتجريم الفاعل، بل لتبرير استهداف المدنيين أنفسهم، رغم أن القانون الدولي يُصنّف استخدام المدنيين كدروع بشرية كجريمة حرب، ولا يجيز استهدافهم حتى في تلك الحالات.

ومن الجدير ذكره، أن سردية "الدروع البشرية" لا تؤثر فقط على توصيف الحدث، بل تُخلخل البنية الأخلاقية التي تحكم العلاقة بين الفاعل والضحية، إذ يمنح المعتدي غطاءً أخلاقياً يُشرعن سلوكه، ويقلب منطق المحاسبة رأساً على عقب، حتى حين لا تُقدَّم أدلة على وجود نشاط عسكري في المواقع المستهدفة.

هذا النوع من الخطاب يُعيد تشكيل صورة الضحية كتهديد يجب القضاء عليه، ويعمل على تفريغها من بعدها الإنساني، ويحولها من موضع حماية إلى موضع اشتباه. كما يُضعف قدرة المنظمات الحقوقية على مساءلة الفاعلين.

وخلال التغطية الإعلامية، يُعاد إنتاج هذه السردية بصياغات مختلفة، لكنها تؤدي الوظيفة ذاتها: تبرير العنف، وتحويل الضحية إلى متهم، وتحييد التعاطف العام. وهذا ما يجعل تفكيكها ضرورة أخلاقية، لا مجرد تمرين نقدي.

إن توثيق هذه النماذج الإعلامية لا يُظهر فقط نمطاً في إعادة إنتاج السردية، بل يكشف كيف يُعاد ترتيب المسؤوليات في الخطاب العام، بحيث يصبح المدني هدفاً مشروعاً بمجرد إدراجه ضمن سردية أمنية. وربما، حين نُصغي لما لم يُقال، نبدأ في رؤية المشهد كما هو، لا كما يُراد لنا أن نراه.

كل ذلك يؤكد أن سردية "الدروع البشرية" ليست مجرد أداة لغوية، بل آلية لإعادة تشكيل المشهد الأخلاقي والسياسي للنزاع. وحين تُستخدم دون تحقق مستقل، تتحول إلى غطاء يُشرعن استهداف المدنيين، ويُعيد تعريف الضحية كعنصر خطر.

هذا النمط من السرد لا يُقوّض فقط منطق المحاسبة، بل يُضعف أيضاً من قدرة المجتمع الدولي على ممارسة الضغط والمساءلة. إذ تُستخدم السردية لتجفيف ينابيع التضامن، وتحويل النقاش من حماية المدنيين إلى تبرير استهدافهم.

في سياق كهذا، يصبح تفكيك السردية ضرورة سياسية وأخلاقية، وليس فقط تحليلاً نقدياً. لأنه حين تُختزل المأساة في خطاب أمني، يُعاد بناء الواقع على أساس يبرئ الفاعل ويدين الضحية، ويحوّل الألم إلى مبرر، لا إلى دعوة للعدالة.

من ناحية أخرى، كشف تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية، أن جيش الاحتلال، يستخدم على نحو ممنهج، الفلسطينيين في غزة، دروعاً بشرية عند تمشيط الأنفاق والمباني، وهذا الاستخدام يجري بمعرفة مكتب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال الاسرائيلي هرتسي هليفي وضباط كبار في الجيش.

ووفقاً لشهادات أدلى بها جنود وقادة في جيش الاحتلال، يقوم أفراد الجيش بنقل فلسطينيين من غزة، غير مشتبه في أنهم مسلحون، إلى وحدات مختلفة تابعة له، حيث يحتجزهم كمعتقلين، ثم يرسلهم لمرافقة قواته في أثناء تفتيش الأنفاق والمنازل في القطاع، وهؤلاء الفلسطينيون عادةً ما يكونون في العشرينيات من عمرهم، وغالباً ما يرتدون زي الجيش الإسرائيلي، لكن بنظرة أكثر تركيزاً، يتبين أنهم ينتعلون أحذية رياضية، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم، وتظهر على وجوههم علامات الخوف.

كما كشف التحقيق أن الأمر يتكرّر مراراً، إذ يقوم جنود جيش الاحتلال، بتحديد الشبان الفلسطينيين المناسبين لهذه المهمات وإحضارهم إلى ألوية وكتائب الجيش العاملة في القطاع.الأمر ذاته أكدته وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن معتقلين فلسطينيين وعدد من جنود الاحتلال، أن قوات الاحتلال تجبر الفلسطينيين بشكل منهجي على العمل كدروع بشرية.