Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
منذ وصول قوات المعارضة السورية، أو ما تعرف بـ "هيئة تحرير الشام" بزعامة أبو محمد الجولاني إلى السلطة في سوريا، بات الأخير الذي غيّر اسمه سريعًا إلى "أحمد الشرع" حديث الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، عبر مئات التقارير والمنشورات، بعضها تحدث عن تحول في خطاب وشكل الجولاني عما كان عليه حين كان جزءًا من تنظيمات متطرفة.
وسط هذه المقارنات برز حديث متلفز نسب إلى الجولاني وانتشر بشكل واسع مع صور مقتطعة من المقابلة نشرتها وسائل إعلام كبرى باعتبارها للجولاني، دون تدقيق، إذ يكشف تحليل أجراه "صحيح العراق"، أنّ الصورة الرائجة تعود إلى شخصية أخرى لقبها "الكردي".
عمامة سوداء وكفوف ولحية بلا شارب
وتظهر الصورة المتداولة رجلًا حليق الشارق بلحية طويلة يرتدي زيًا أسودًا بالكامل مع سترة عتاد "جعبة" وكفوف عسكرية وعصابة سوداء تلف الرأس، ويقف متقدمًا مجموعة من المسلحين المقنعين مع مع علم جبهة النصرة الأسود الذي يحمل عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".[1]
ويستند مروجي الصورة إلى تبنيها من قبل وسائل إعلام بارزة من بينها وكالة الصحافة الفرنسية، والتي نسبتها إلى أبو محمد الجولاني، قائد جبهة النصرة.[2]
مصدر الصورة:
وتعود الصورة إلى مقابلة ضمن تقرير تلفزيوني بثته قناة الجزيرة في كانون الثاني يناير 2013، يتناول حضور جبهة النصرة في سوريا. وحينها عرفت القناة المتحدث باسم "أبو محمد الكردي - قائد ميداني في جبهة النصرة/ المنطقة الشرقية"، أي أن الشخص ليس "أبو محمد الجولاني" كما أنه ليس أمير الحركة[3]، كما نشرت القناة الصورة المتداولة مع تقرير مكتوب، وعرفته بذات الاسم والصفة.[4]
"صحيح العراق" أجرى بحثًا معمقًا عن هذه الشخصية وحلل الصورة، إذ بدا واضحًا جدًا أنّ الظاهر فيها ليس الجولاني، نظرًا لاختلافات كبيرة في المظهر والصوت.
ويمكن بالتدقيق ملاحظة اختلاف شكل العينين والحاجبين بين الصورة الأولى لـ "الكردي" والصورة الثانية لـ "الجولاني"، فضلاً عن شكل الأنف والشفتين والأذنين، مع ملاحظة اختلاف طول القامة.[5]
ولا تتوفر الكثير من المعلومات عن "الكردي" في وسائل الإعلام، لكن "صحيح العراق" توصل عبر بحث معمق إلى بعض التفاصيل التي نشرتها منصات سورية محلية، بعضها على صلة بفصائل المعارضة، والتي برزت بتغطية الأحداث في المناطق خارج سيطرة النظام خلال السنوات السابقة.
وتؤكّد هذه المعلومات أنّ "الكردي" هو أحد الشخصيات القيادية في "جبهة النصرة"، وهو كردي من عفرين عمل تحت إمرة "الجولاني"، أي أنهما ليسا شخصية واحدة، وله ألقاب أخرى أبرزها "أبو عائشة الكردي".
بدأ "الكردي" مشواره في بالانتماء إلى "تنظيم داعش"، عند التأسيس في حلب وتولى منصب مدير فرن الذرة في الصاخور، ثم بايع "جبهة النصرة" بعد هزيمة "داعش"، وتولى منصب إداري قاطع حلب، ثم "المسؤول الأمني" للقاطع وبعدها "أمير القاطع".
وبعد تسليم حلب وخروج مقاتلي "جبهة النصرة" منها، تولى مسؤولية توزيع مواد الإغاثة، فيما يتهم بنشاطات تهريب عبر من خلال معبر "باب الهوى". وتقول واحدة من المنصات إنّ "الكردي" أصاب ثروة هائلة إثر نشاطات التهريب ما دفعه إلى "التنصل من جبهة النصرة ومحاولة التحول إلى رجل الأعمال، حين حلق لحيته وأطلق على نفسه اسم (الأستاذ منير)"، كما تقول إنّ نشاطات "الكردي" هذه توسعت إلى تركيا وتحت غطاء وحماية من "الجولاني نفسه".[6]
ومطلع عام 2024، أعلنت وكالة أنباء "أدلب" وهي المنطقة التي تسيطر عليها قوات الجولاني قبل سقوط النظام، عن اعتقال الأمير "أبو عائشة الكردي المعروف (الأستاذ منير حاليًا)"، ووصفته بـ "ذراع القيادي (قتيبة البدوي المغيرة بنش)، أمير قاطع إدلب في هيئة تحرير الشام سابقًا، ومدير معبر باب الهوى ومسؤول إدارة المعابر في الهيئة، بتهمة "العمالة والخيانة".[7]
وتزامن الإعلان مع حملة اعتقالات أطلقها الجولاني ضد مقربين منه بـ "تهمة الخيانة"، ما ولد احتجاجات وتظاهرات في إدلب، طالبته بالتنحي وحل الجهاز الأمني وإطلاق سراح المعتقلين.[8]
وبدأ تداول صورة "الكردي" مع الأخبار المتعلقة بـ "الجولاني" منذ عام 2015، حين كانت شخصية الأخير غامضة ولم يكن له ظهور إعلامي واضح[9]، فيما لا تتوفر في الوقت الراهن معلومات عن مصير "الكردي"، أو "الأستاذ منير"، صاحب الصورة المتداولة، والتي تعود إلى أكثر من 11 عامًا.
ويأتي تداول الصورة القديمة في ظل الاهتمام الكبير بشخصية "الجولاني"، إذ بات محور الحدث الأبرز في المنطقة والعالم، بعد الإطاحة بنظام البعث برئاسة بشار الأسد بعد عقود طويلة، وتشكيله حكومة انتقالية برئاسة صديقه محمد البشير.[10]
من "الجولاني" إلى "الشرع"
وظهر قائد "هيئة تحرير الشام" باسم آخر هو "أحمد الشرع"[11] في اللحظة التي دخلت فيها الجماعات المسلحة دمشق، ليصبح على الأقل بحكم الأمر الواقع الآن، قائدًا لنحو 23 مليون سوري، في أعقاب رحلة استمرت نحو عقدين في الجماعات المسلحة.
بدأت رحلة الشرع، الذي كان ملقبًا بـ "أبو محمد الجولاني"، في العمل المسلح في عام 2003 عندما عبر الحدود إلى العراق لمحاربة الأميركيين، حيث انضم إلى تنظيم "القاعدة" بقيادة مصعب الزرقاوي، وانتهى به المطاف هناك إلى السجن خمس سنوات، وبعدها عاد إلى سوريا لخوض معركة جديدة، هي القتال ضد بشار الأسد.
في سوريا، أسس الجولاني "جبهة النصرة" التي أعلنت الولاء لتنظيم القاعدة، وفي 2013، صنفته الولايات المتحدة "إرهابيا". وأجرى الجولاني أول مقابلة إعلامية له، في 2013، وكانت مع قناة "الجزيرة" دون الكشف عن وجهه، حيث دعا حينها إلى إدارة سوريا وفقا للشريعة الإسلامية.
وفي عام 2016، ظهر بالعباءة التقليدية، وألقى خطابًا من مكان غير معلوم، للإعلان عن فك ارتباطه بالقاعدة، وكانت تلك أول مرة يظهر فيها وجهه، حين أعلن تشكيل هيئة تحرير الشام.
وفي إدلب، أنشأ حكومة أشرفت على التعليم والصحة وإعادة الإعمار، وشوهد ببنطال وقميص، أثناء زيارة لمعرض للكتاب والفنون والثقافة في إدلب وتفقد أحوال الناجين من كارثة الزلزال في 2022، وأشرف على جهود الإغاثة.
وفي مقابلة مع برنامج "فرونت لاين" على محطة "بي بي أس" الأميركية، في 2021، ظهر مرتديًا قميصًا تقليديًا على الطريقة الغربية، ووصف تصنيفه إرهابيًا بأنه "غير عادل"، وشرح بالتفصيل كيف توسعت جماعته من ستة رجال رافقوه من العراق إلى 5 آلاف في غضون عام، لكنه اعتبر أن جماعته لم تشكل أبدًا تهديدًا للغرب.
والأسبوع الماضي، دخل الجولاني بلحيته التقليدية وبزي عسكري أخضر المسجد الأموي في دمشق، ليعلن سقوط الأسد "انتصارًا للأمة الإسلامية" ويدعو إلى مرحلة جديدة.
وخلال تلك الفترة، تحول تدريجيًا من قائد إسلامي متشدد يرتدي زي الجماعات المتطرفة، إلى قائد ببدلة رسمية غربية ولحية مهذبة يجلس على سدة الحكم، بما يلخص الرحلة من كنف الجماعات المتطرفة إلى السلطة.