Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
بعد أقل من شهر على اعتقاله بتهمة السرقة، استلمت عائلة الموقوف حسن نصير عبد الحسن السيلاوي جثته وعليها بقع حمراء، وقال بعض أفرادها إنّ السيلاوي تعرض للتعذيب على يد ضباط في مركز شرطة الوفاء في محافظة النجف، وهو اتهام سارعت إلى نفيه قيادة الشرطة، وعزت الوفاة إلى حالة "فشل كلوي"، ما أعاد إلى الأذهان قضية الشاب ماهر الرماحي الذي توفي أثناء الاحتجاز في عام 2019 وثبت حينها أنّ الوفاة ناجمة عن التعذيب وليس عن فشل كلوي كما ادعت قيادة الشرطة في وقتها.
"صحيح العراق" تتبع القضية وحصل على تقارير طبية أولية شخصت حالة السيلاوي قبل وفاته وعرضها على أطباء متخصصين، كما تحدث إلى أفراد من عائلته ومصادر، ويكشف في هذا التقرير القصة الكاملة، وملابسات اعتقاله وحقيقة ارتباطه بـ "سرايا السلام" الجناح المسلح التابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
بـ "الكهرباء والنار حتى الموت"
تجمع أبناء عشيرة حسن السيلاوي حول دائرة الطب العدلي في النجف لتسلم جثته، بعد أنّ أعلنت قيادة الشرطة وفاته نتيجة "فشل كلوي" بعد أيام من احتجازه للتحقيق لدى مديرية مكافحة الإجرام في النجف.
عائلة الموقوف كذبت بيان الشرطة وكشفت عن مقطع مصور[1] يتحدث فيه حسن بنفسه قبل ساعات من وفاته، ويذكر اسمي اثنين من أفراد الشرطة قال إنّهما مارسا التعذيب بحقه.
وقال شقيق حسن لوسائل إعلام محلية، إنّ عائلته "تعرضت للمساومة والابتزاز من قبل ضباط في مكافحة إجرام محافظة النجف"، وأكّد أنّ "هؤلاء الضباط اشترطوا على العائلة دفع 40 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه، وحين لم تستطع العائلة تأمين المبلغ مارسوا عليه التعذيب بالكهرباء والنار حتى الموت"، مبينًا أنّ شقيقه "نطق قبل أن يفارق الحياة بأسماء الضباط الذين قاموا بتعذيبه في مركز شرطة الوفاء بمحافظة النجف".
فيما طالب والد الضحية بمحاسبة "المسؤولين على قتل ابنه داخل السجن"، وقال إنّ "الأشخاص الذين كانوا يقومون بتعذيبه قالوا له بالحرف الواحد: أين سرايا السلام لتأتي لإنقاذك"، داعيًا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى التدخل، باعتبار ابنه "أحد محبي الخط الصدري".[1]
ونشر بعض أقرباء حسن مقطع فيديو للشاب الراحل، وهو ينطق باسم "مفوض أحمد وحيدر"، وأكّدوا أنّهما المسؤولين عن تعذيبه، مع مقاطع أخرى وصور تظهر بقعًا وندوبًا على جسده، إذ تجزم عائلة الشاب أنها آثار تعذيب بالكهرباء.[2]
الشرطة: "فشل كلوي فقط"
بالمقابل، قالت قيادة الشرطة في بيان رسمي إنّ "الشاب اعتقل في 6 تشرين الثاني 2024، حسب المادة 444 من قانون العقوبات/ سرقة، وقبل يومين تدهورت حالته الصحية ونقل إلى المستشفى الألماني، وبعد إجراء الفحوصات تبين أنه مصاب بالفشل الكلوي، وبعد تحسن حالته نقل إلى السجن مرة أخرى، ثم تدهورت حالته مرة أخرى يوم أمس، وتم نقله إلى المستشفى الألماني للمرة الثانية، وبعد ساعات فارق الحياة"، مؤكدة أنّها "أبلغت ذوي الموقوف بكافة التفاصيل والإجراءات التي اتُّخذت منذ بداية تدهور حالته الصحية وحتى وفاته"، كما أكّدت "التزامها بتطبيق القانون وحفظ حقوق الإنسان".[3]
وزير الداخلية يتدخل
وفي محاولة لتهدئة غضب عائلة الشاب الراحل، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات وفاة موقوف متهم بالسرقة. وقالت الوزارة في بيان إنّ "الفيصل في هذا الموضوع هو التقرير الذي سيصدر من دائرة الطب العدلي، للتأكيد من الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الوفاة لبيان الحق وإعلان نتائج التحقيق أمام الرأي العام"، مؤكدة أنّ "الدوائر التخصصية في وزارة الداخلية حريصة على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وإنفاذ القانون، ومحاسبة المقصرين في حال ثبت أي أمر ينافي التعليمات الصادرة عن قيادة وزارة الداخلية خاصة ما يتعلق بأرواح المواطنين".[4]
مجلس النجف يحقق أيضًا
بدوره، أعلن رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة النجف زيد طارق الشمخي فتح تحقيق رسمي بحادثة وفاة السيلاوي، بعد زيارة إلى مركز الطب العدلي في المحافظة برفقة نائب رئيس مجلس المحافظة غيث شبع، وعضو المجلس حسن أبو السبح وقائد شرطة النجف.[5]
شجار مع مشعوذ متنفذ!
يبلغ حسن من العمر 22 عامًا، وهو متزوج وله 3 أطفال (ولدان وبنت)، بحسب أفراد من عائلته تحدث إليهم "صحيح العراق"، إذ قال أحدهم إنّ "الاعتقال وقع بعد شجار بين الشاب وأحد المشعوذين المتنفذين في النجف"، مبينًا أنّ "المشعوذ لفق تهمة سرقة سيارة بحق الشاب بمساعدة أشخاص آخرين ثم اعتقل بناءً عليها وتعرض لأبشع أنواع التعذيب حتى توفي".
عضو في "سرايا السلام"
الشاب كان عرض على القضاء و"ثبتت براءته" بحسب رواية شخص آخر من عائلته، لكنه أعيد إلى مركز الشرطة لـ "إكمال الأوراق وعرضها على القاضي مرة ثانية لإصدار قرار إطلاق سراحه، إلا أن مركز شرطة الوفاء تعمد تأخير الأوراق وبقي بالسجن حتى الوفاة".
وعلم "صحيح العراق" من قيادي في التيار الصدري، أن الشاب الموقوف والذي توفي، داخل السجن، هو أحد أفراد الفرقة الخامسة في فصيل "سرايا السلام"، ويسكن منطقة حي الرحمة، معقل التيار الصدري في المحافظة.
"صحيح العراق" يحلل التقارير الطبية
كما حصل فريق "صحيح العراق" على نسخة من تقرير المستشفى عن حالة الشاب لحظة وصوله. وتظهر الأوراق الطبية، أنّ الشاب دخل إلى الطوارئ وهو يعاني من خفقان بمعدل نبضات وصل إلى 160 نبضة في الدقيقة، مع ارتفاع درجة الحرارة إلى 40، وكان العلاج الموصوف "باراسيتامول" فقط.[6]
فيما يكشف تقرير آخر [7] تفاصيل أكثر عن حالة المريض، حيث شخص الطبيب المسؤول طفحًا جلديًا وحصاة في الحالب مع ارتفاع لدرجة الحرارة، وشخص أيضًا حالة خفقان شديدة وهبوط لضغط الدم، ما يستوجب فحصًا للقلب، كما تضمن التقرير طلبًا من الطبيب لتحضير فحص "صفائح دموية" وهو ما يشير إلى وجود مشكلة أو حالة غير اعتيادية.
وتشير الأعراض المشخصة من ارتفاع درجة الحرارة وهبوط الضغط وانخفاض الصفائح الدموية إلى حالات عدة بعضها قد يكون ناجمًا عن التعذيب، بحسب 3 أطباء عرض "صحيح العراق" عليهم تقارير المستشفى.
ويقول أحد الأطباء، إنّ "هبوط الضغط قد يكون بسبب صدمة وعائية، والتي تحدث نتيجة حالات منها: الرضوح الشديدة، النزف الكبير المفاجئ، أو نقص السوائل الناجم عن حروق واسعة، أو قيء غزير، أو الإسهال، أو نتيجة ثقب أي من الأحشاء، أو حالات مترافقة مع ألم شديد"، مبينًا أنّ "الحصوة في الحالب من الممكن أن تسبب ارتفاعًا لدرجة الحرارة مع أعراض أخرى".
فيما لا يستبعد الطبيبان الآخران أنّ تكون الوفاة "ناجمة فعلاً عن فشل كلوي"، لكنهما يؤكدان في الوقت ذاته أنّ "التعذيب الشديد من الممكن أن يؤدي إلى الفشل الكلوي"، كما يشيران إلى أنّ الإعراض المسجلة ممكن أن تؤشر إلى أمراض أخرى منها "سرطان الدم الحاد أو ما يطلق عليه (كيوت اللوكيميا)، وهو مرض يؤدي إلى الوفاة خلال يومين أو ثلاثة"، إلا أن ذلك يحتاج إلى تحاليل أخرى لإثباته مثل السونار وتحليل صورة الدم.
"الفشل الكلوي".. ليست المرة الأولى
والقضية ليست الأولى، إذ سبق أن حاولت مديرية مكافحة إجرام النجف التستر على قضية تعذيب سابقة تعرض لها شاب موقوف عام 2019 يدعى ماهر الرماحي، وقالت حينها أيضًا إنّ وفاته كانت ناجمة "فشل كلوي"، قبل أن يكشف تقرير الأنسجة الطبي لكليتي الشاب عدم وجود أي فشل كلوي مزمن، لتصدر محكمة تحقيق النجف، قرارًا بتوقيف مدير مكتب مكافحة إجرام الغري وضابط التحقيق، مع أمر قبض بحق ضابط آخر.[8]
كما أنّ القضية قد تؤكّد مجددًا استمرار مديريات مكافحة الجرائم باستخدام التعذيب الشديد لانتزاع الاعترافات، ما يجبر المعتقلين على الإستجابة حتى في حال لم يكونوا مذنبين، وهو ما حدث بالضبط في عام 2021، حين هزت قضية الشاب علي الجبوري الرأي العام، إذ كان قد تلقى حكمًا بالإعدام بناءً على اعتراف بقتل زوجته انتزع تحت التعذيب، ثم تبين لاحقًا أنّ الزوجة ما تزال على قيد الحياة.
وعلى خلفية تلك الحادثة، وجه حينها القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، بإيقاف المسؤول المعني بمكافحة الإجرام في المنطقة محل الاعتقال، وإحالة جميع المسؤولين إلى التحقيق قدر تعلق الأمر بمسؤولياتهم الوظيفية.[9]