مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
لأول مرة يُرفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 مرة واحدة خالد أبوبكر مقدم برنامج كل يوم قناة أون
في نوفمبر 2023، قال محافظ البنك المركزي، علي العلاق، إنّ حجم الكتلة النقدية يبلغ أكثر من 100 تريليون دينار، 70 منها في التداول، والكتلة النقدية هي حجم النقد الموجود مع المواطنين والقطاع المصرفي، والنقد يصدره البنك المركزي بموجب قانون رقم 56 لسنة 2004، ويتغيّر حجم الكتلة النقدية شهريًا بطباعة أوراق جديدة، أو إعدام الأوراق النقدية التالفة وسحبها من التداول. ولكن تصريحات محافظ البنك المركزي عن الكتلة النقدية غير دقيقة، وليس وحده، إذ قدم مسؤولون ماليون واقتصاديون، خلال العام الماضي، معلومات خاطئة، عن حجم الكتلة النقدية في العراق، وتناولت وسائل الإعلام الرسمية عددًا غير قليل من البيانات المغلوطة عن ذلك، وسقط في ذات الخطأ متخصصون وأساتذة ووسائل إعلام أخرى، كما يظهر تدقيق أجراه صحيح العراق. يأتي ذلك في ظل أزمة زيادة النقد المتداول مع المواطنين، وعدم توافره في القطاع المصرفي بالقدر المطلوب، مما يعيق أداء البنك المركزي والبنوك لأدوارها في التنمية. دقة تصريحات محافظ البنك المركزي قدم العلاق نسبة غير دقيقة للكتلة النقدية المتداولة، بالنظر إلى بيانات البنك المركزي الرسمية، التي تشير إلى أنّ حجم الكتلة النقدية في شهري أكتوبر ونوفمبر فاق 102 تريليوني دينار، منها أكثر من 93 تريليون دينار خارج النظام المصرفي. والكتلة النقدية المتداولة، هي الأوراق النقدية التي يحتفظ بها بها الأشخاص خارج المصارف، ويجري تداولها بشكل مباشر بينهم في الأسواق والتعاملات المالية الأخرى، وقد ارتفعت من 5.2 تريليون دينار مطلع عام 2004 إلى 93.76 تريليون دينار نهاية عام 2023 الماضي. ويظهر تدقيق بيانات البنك المركزي أنّ نسبة الكتلة النقدية المتداولة خارج المصارف في أكتوبر الماضي كانت نحو 90، وارتفعت في نوفمبر إلى 91.4 من حجم الكتلة النقدية الكلي، وليس 70 كما ادعى . مستشار رئيس الوزراء يقدم أرقام غير دقيقة يكرر الخطأ محمد النجار مستشار رئيس الوزراء السوداني، أثناء حديثه لصحيفة الصباح في سبتمبر الماضي، إذ قال حينها، إنّ حجم الكتلة النقدية العراقية يبلغ 116 تريليون دينار، يتداول منها داخل الجهاز المصرفي ما بين 3040 تريليون دينار. النجار أخطأ مرتين في تصريحه، استنادًا إلى بيانات البنك المركزي، حيث بلغ حجم النقد المصدر في شهر سبتمبر 100.06 تريليون دينار فقط. أما حجم الكتلة النقدية داخل الجهاز المصرفي فلم يتجاوز في سبتمبر 8.215 تريليون دينار فقط. خبراء بلا بيانات لا تتوقف مشكلة البيانات الخاطئة حول الكتلة النقدية عند العلاق والنجار، ولاحظ صحيح العراق جملة من المعلومات غير الدقيقة التي وردت على لسان متخصصين وأساتذة في علم الاقتصاد من بينهم جليل اللامي. قال اللامي، وهو أستاذ في الاقتصاد السياسي، حين تحدث إلى صحيفة الصباح الرسمية، خلال أكتوبر 2023، على الرغم من امتلاك الحكومة العراقية كتلة نقدية كبيرة لا تقل عن 83 تريليون دينار عراقي، ولا يقل عن 75 من هذه الكتلة في الأسواق التجارية، إلا أننا نجد نقصًا أو شحًا كبيرًا في الأسواق التجارية، وذلك بسبب سوء إدارة الملف المالي والنقدي في العراق. هذه التصريحات غير دقيق، إذ أظهرت جداول البنك المركزي أنّ حجم الكتلة النقدية في شهري أكتوبر ونوفمبر فاق 102 تريليون دينار، وليس 83 تريليون كما ادعى، منها أكثر من 93 تريليون دينار خارج النظام المصرفي، وهو ما يساوي نسبته نحو 91، وليس 75 كما ادعى. لحجم الكتلة النقدية على مدار أشهر العام الماضي، ونسب المتداول منها. أما آخر المعلومات الخاطئة فوردت على لسان أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني، والذي قال للقناة الرسمية بنبرة واثقة، في الثالث من يناير الجاري، إنّ حجم الكتلة النقدية تقريبًا 102 تريليون دينار عراقي، 85 تريليون دينار منها خارج الجهاز المصرفي. هذا التصريح أيضًا غير دقيق، إذ أن حجم الكتلة النقدية المصدر تراجع من أكثر من 102.601 تريليون دينار في شهر نوفمبر، إلى 101.481 في ديسمبر 2023، وليس 102 تريليون دينار كما ادعى. كما تشير إلى أنّ الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي بلغت في نوفمبر من العام الماضي، أكثر من 93.762 تريليون دينار، وليس 85 تريليون كما ادعى. وسائل الإعلام تقع في الخطأ نفسه روداوو، أحد أبرز وسائل الإعلام الكردستانية، سقطت هي الأخرى في ذات الفخ، إذ نشرت في مايو 2023، تقريرًا استند إلى مصادر في البنك المركزي، وجاء فيه أنّ أكثر من 84 ترليون دينار، هو حجم النقد العراقي، يوجد عند الحكومة 20 فقط أي ما يعادل 16.8 ترليون دينار. بيانات الوكالة غير دقيقة،إذ بلغ حجم النقد العراقي في شهر مايو 99.2 تريليون دينار، منها 85 تريليون دينار فقط داخل النظام المصرفي، بما فيه البنوك الحكومية، وبنسبة لا تتجاوز 8.6 فقط. أزمة ثقة من جانب آخر، يؤشر التفاوت الهائل بين حجم النقود المتداولة في حوزة المواطنين وودائع النظام المصرفي النقد الموجود في البنك المركزي والبنوك والمصارف إلى أزمة داخل القطاع المصرفي العراقي، والودائع هي الأموال التي يعهد بها الأفراد أو الشركات والهئيات إلى المصارف، على أن تتعهد هذه المصارف بردها لدى الطلب أو بالشروط المتفق عليها. تتعلق المشكلة بظاهرة ملازمة للنظام النقدي العراقي، وليست حديثة، كما يقول محمود داغر المدير العام السابق في البنك المركزي العراقي لـ صحيح العراق. يعتقد داغر أنّ الظاهرة مرتبطة بأمرين أساسيين، أولهما طبيعة المجتمع العراقي بوصفه يحب الكاش جدًا، ويعتمد أفراده بشكل كامل منذ نشأة الدولة العراقية على النقد في إدارة تعاملاتهم وتسديد فواتيرهم. فيما يبرز انعدام الثقة بالنظام المصرفي العراقي من قبل الأفراد والشركات والمؤسسات على حد سواء، كعامل أساسي آخر يحول دون حركة أكبر للنقد في حسابات البنوك. تبعات أزمة الثقة يبلغ عدد المصارف في العراق، وفق إحصائيات البنك المركزي العراقي 62 مصرفًا، 7 منها حكومية فقط. ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ الودائع المحدودة تقتصر على بعض المصارف الحكومية، كما يؤكد المدير العام السابق في البنك المركزي، فإنّ النظام المصرفي عاجز تمامًا عن أداء مهامه الأساسية المتمثلة بالإقراض والتحفيز والتنمية ضمن منظومة المال والاقتصاد الوطني. تترجم بيانات الموازنة الاتحادية للأعوام 2023، 2024، 2025، هذا العجز، بغياب المشاريع الاستثمارية الممولة من المصارف، باستثناء 18.2 مليار دينار من مصرف التجارة العراقي. لا تساهم البنوك أيضًا، باستثناء المصارف الثلاثة الحكومية الأساسية الرافدين والرشيد ومصرف التجارة، في تمويل العجز المالي للموازنة، والذي قدرته وزارة المالية للعام الماضي 64.35 تريليون دينار، ما اضطر الحكومة إلى الاعتماد على احتياطي البنك المركزي والقروض الخارجية. كما أنّ ضعف السيولة النقدية لدى المصارف، جعلها غير قادرة على تنفيذ السياسات النقدية التي يضعها البنك المركزي، وفي مقدمتها رفع الناتج المحلي غير النفطي الذي سجل 0.03 في عام 2022. ونهاية العام الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انخفاض نمو الناتج المحلي الكلي خلال العامين 2023 و2024، في ظل استمرار الاعتماد على النفط كمورد أساسي للإيرادات بنسبة أكثر من 83، إثر هبوطَ الإنتاج بعد إغلاق خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا. ويؤكّد المدير العام السابق في البنك المركزي محمود داغر في حديثه لـ صحيح العراق، ضرورة مكافحة النقود السائلة الكاش مني، أي الكتلة النقدية خارج المصارف، ويرى أنّ العراق ما زال متخلفًا بهذا الصدد. الدفع الإلكتروني في ذات الوقت يشير داغر إلى أنّ الحملة الحكومية القائمة الآن لفرض الدفع الإلكتروني واستخدام البطاقات، ونجاحها في بعض محطات الوقود ومراكز التسوق، قد يكون نقطة انطلاق جيدة. ويرى داغر أنّ استقطاب الكتلة النقدية لدى العراقيين يتطلب جهودًا حقيقية وعلى مدى طويل جدًا، من قبل الحكومة، وضمانات مقنعة من المصارف.