أدى التطور التكنولوجي المتسارع لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تستخدم في إنتاج صور وفيديوهات إلى ظهور تحديات جديدة لدى الصحفيين ومدققي المعلومات؛ على رأسها تزييف الصور والفيديوهات. غير أنّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوظف للكشف عن هذا التزييف باستخدام عدة تقنيات؛ مثل: تقنية التعرف على الوجوه، التي تستخدم على وجه الخصوص في التحقق من الأشخاص، وفي التحقيقات الاستقصائية القائمة على تتبع الأشخاص.
يستعرض هذا المقال منهجية استخدام تقنية "التعرف على الوجوه" في العمل الصحفي بشكل عام، وفي تدقيق المعلومات بشكل خاص، مع تسليط الضوء على أبرز الأدوات والتقنيات ذات الصلة. كما يناقش حدود هذه التقنيات، وما قد يترتب عليها من تحديات أخلاقية تستدعي الانتباه.
تعتمد تطبيقات التعرف على الوجوه على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، والشبكة العصبية الاصطناعية، التي يمكنها تحديد الوجوه البشرية داخل الصور، وتمييزها عن غيرها؛ مثل: المناظر الطبيعية والمباني.
تبدأ عملية التعرف على الوجوه، بعملية رصد الصور أو الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يرغب مدقق المعلومات أو الصحفي في معرفة الأشخاص الذين يظهرون في الصورة أو الفيديو، ثم يحدد مقطعاً معيناً، ويبدأ بالبحث عنه عبر إحدى الأدوات التي تتيح التعرف على الوجوه.
تبدأ الأداة بمعالجة الصور والفيديوهات لتحسين جودتها وإزالة العناصر التي قد تعيق الكشف، ثم تعتمد الخوارزميات على تحديد العيون، باعتبارها من أبرز الخصائص في الوجه. بعد ذلك، تُنشئ الأداة بصمة رقمية للوجه وتطابقها مع بصمات مخزنة مسبقاً. ويسفر البحث عن مجموعة من الصور يظهر فيها شخص يتطابق أو يتشابه مع الصورة المستهدفة. كما توفر بعض الأدوات الروابط لهذه الصور على الإنترنت؛ ما يسهل عملية التعرف على الشخصيات، وجمع أكبر قدر من المعلومات بشأنه.
تستخدم تقنية التعرف على الوجوه في عدة مجالات، ويمكن إضافتها لمختلف البرامج والتطبيقات؛ مثل: الأمن الرقمي، ونظم الأمن والمراقبة، والتحقق من الهوية، لتحقيق الأغراض التالية:
أخيراً، أدخلت تقنية "التعرف على الوجوه" إلى مجال الصحافة، في ظل انتشار الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي لشخصيات غير حقيقية، وامتلاء مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات عن أعمال عنف وتخريب من دون معرفة الجهة المسؤولة عنها أو المحرض عليها.
وتظهر أهمية التحقق من الوجوه في الفترات الحرجة؛ مثل، الصراعات والانتخابات والنزاعات والحروب، لانتشار عمليات التضليل والاستقطاب السياسي في مثل هذه الأوقات.
كما تستخدم هذه التقنيات في مجال الصحافة الاستقصائية، بخاصة قصص تتبع الأموال والشخصيات، التي تستلزم تحليل الصور؛ لبناء شبكة من الشخصيات المؤثرة المقربة من السلطة أو التي شاركت في أعمال عنف.
واستخدم فريق من الصحفيين في منصتي "بيلينغكات" و"إنسايدر" تقنية التعرف على الوجه، إلى جانب العديد من المصادر المفتوحة والمغلقة، لكشف المتورطين في محاولة اغتيال المعارض الروسي أليكسي نافالني.
مع انتشار وباء اضطراب المعلومات، قد يواجه الصحفيون ومدققو المعلومات تحديات في تحديد أولويات الصور أو الوسائط البصرية الرائجة التي تستدعي الفحص باستخدام أدوات التعرف على الوجوه والتحقق من هوية الأفراد الظاهرين بها.
هنا ينصح دائماً بالعمل وفق أربعة معايير: الزمان والمكان والانتشار والأهمية؛ فالزمان يعني ضرورة رصد الفيديوهات والصور المنشورة حديثاً، والمكان هنا ضروري لارتباطه بالنطاق الجغرافي الذي تغطيه المؤسسة الإعلامية، والانتشار يعطي للحدث أهمية، ويشجع مدققي المعلومات على التحقق من الوسائط المصورة وما بها من شخصيات، غير أن الانتشار لا يكفي وحده؛ فيجب أن يقترن بالمصلحة العامة المتوخاة من الكشف عن الشخصيات الظاهرة في الوسائط المصورة.
1- الإلمام بتقنيات التحرير
تفيد المعرفة المبدئية ببرامج تعديل الصور في التعرف على علامات التلاعب المحتمل في الصور، ما يرجح خيار الكشف عن الوجوه الظاهرة بها؛ ومن أشهر العلامات: الإضاءة غير المتناسقة، والظلال غير الطبيعية.
2- استخدام أدوات تحليل الصور
يمكن إجراء الفحص باستخدام برامج تحليل الصور المصممة خصيصاً للكشف عن التلاعب. من بين هذه الأدوات: مجموعة Adobe Photoshop لتحليل الصور، التي تتيح الكشف عن أي تعديل أو معالجة. كما يمكن استخدام البحث العكسي عن الصور عبر محركات مثل Google، لتحديد مصدر الصور والتحقق من مدى أصالتها، ما يساعد في تحديد الصور التي تستدعي استخدام تقنية التعرف على الوجوه.
كما يمكن استخدام أداة AI OR NOT التي تستخدم في قياس احتمالية أن الصور منتجة بالذكاء الاصطناعي من عدمه.
ويمكن الاعتماد على أداة Sensity، متعددة الاستخدامات؛ للكشف عن التزييف العميق للوجوه في مختلف الوسائط؛ مثل: الصور والفيديوهات، وكذلك الأصوات في التسجيلات الصوتية.
3- الانتباه إلى التشوهات الدقيقة في الصور
من المهم الوضع في الاعتبار العلامات الدالة على التشوهات الدقيقة في الصور؛ مثل: عدم انتظام النسب في الصور، والانعكاسات، والحدة غير الطبيعية.
4- إشراك الخبراء والتعاون مع المتخصصين
توفر استشارة الخبراء في مجال تحليل الوسائط المصورة الرقمية رؤية أكثر شمولاً للتحقق من الوجوه؛ ما يعزز من دقة التحقق.
توفر هذه الأداة من شركة Amazon خدمة التحقق من الوجوه الظاهرة في الصور والفيديوهات باستخدام تقنيات التعلم الآلي.
تقوم هذه الأداة بعد تحميلها على الأجهزة، باستخراج المعلومات عن العناصر الظاهرة في الصورة؛ مثل: الوجوه؛ ما يساعد على التحقق من الوجوه الظاهرة في الفيديوهات والصور.
3- FaceCheck.id
تتيح هذه الأداة تحميل الصور والبحث عن الوجوه الظاهرة فيها، لتحديد هويتهم.
4- Betaface
تتيح هذه الأداة مميزات الكشف عن محتوى الصورة، والعمر والنوع والعرق للوجوه الظاهرة.
6- Pimeyes
تعد هذه الأداة محرك بحث عكسي عن الصور، والتعرف على الصفحات أو المنصات التي نشرت بها سابقاً.
من المهم عدم التعامل مع نتائج هذه الأدوات كمسلمات؛ إذ قد لا تكون دقيقة في كل الحالات. تعتمد دقة هذه الأدوات على جودة بيانات التدريب المستخدمة خلال مرحلة التعلم الآلي؛ فإذا كانت البيانات غير شاملة أو غير كافية، تصبح النتائج عرضة للأخطاء وعدم الدقة.
فعلى سبيل المثال، في تحقيق أجراه صحفيون بلجيكيون باستخدام أداة Pimeyes للكشف عن هوية رجل يرتدي ملابس عسكرية، فشلت الأداة في التعرف على الشخص المطلوب. وبدلاً من ذلك، قدمت نتائج لأشخاص آخرين يظهرون في الصورة نفسها. لذلك، من الضروري جمع الأدلة من مصادر متعددة، مع إدراك أن أدوات التعرف على الوجوه قد تحتوي على قصور أو عيوب تؤثر في دقتها.
كما أثار تطور هذه التقنيات وإتاحتها من قبل العديد من الشركات المطوِّرة مخاوف متزايدة بشأن خصوصية الأفراد وهوياتهم الرقمية، إذ تعتمد هذه الأدوات على جمع البيانات البيومترية وتحليلها بدون الحصول على إذن أو موافقة مسبقة من الأفراد، مما يؤكد أهمية الالتزام بالاستخدام المسؤول لهذه التقنيات.
1- التأكد من عملية جمع البيانات في الأدوات المستخدمة
يجب أن يقضي الصحفيون وقتاً كافياً في التعرف على الأدوات المستخدمة في كشف الوجوه، وعلى البيانات التي تعتمد عليها هذه الأدوات، وإذا ما كان هنالك أي مخاوف أخلاقية في عملية جمع البيانات، وحال ظهور أي نتائج تثير الشك، أو يتضح عدم دقتها، يجب عدم اتخاذ قرار؛ فإما عدم المضي قدماً في استخدام الأداة، وإما الاعتماد جزئياً عليها، مع القيام بخطوات تحقق إضافية عبر مصادر أخرى.
2- الالتزام بقيم الشفافية والإفصاح
تتمثل في الإفصاح عن الأدوات المستخدمة في التحقق، وشرح القصور في كل أداة، وكيفية معالجتها بالاعتماد على مصادر تحقق أخرى سواء مفتوحة أو بشرية.
3- تحقيق المصلحة العامة
من الضرورة بمكان ضمان أن تستخدم أدوات التعرف على الوجوه، وما توفره من إمكانية الكشف عن هوية الأشخاص في القصص الصحفية أو تقارير تدقيق المعلومات، لأغراض المصلحة العامة.
4- احترام الحق في الخصوصية
تعد مراعاة الخصوصية وسلطة المستخدمين على بياناتهم وحماية سريتها، أولوية للصحفيين. وعند الكشف عن هوية شخصيات في الصورة، يجب تغطية وجوه الآخرين الظاهرين في الصورة نفسها الذين لا علاقة لهم بسياق التحقيق.
5 - إتاحة حق الرد
يعد حق الرد ضرورياً، خاصة في التحقيقات التي تتضمن المساءلة، إذ يتاح للأفراد المعنيين إمكانية تقديم ردودهم على نتائج التحقيق، ما يضمن تحقيق العدالة.
ينشر هذا المقال بالتعاون مع شبكة الصحفيين الدوليين IJNET