يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
أسبوع جديد مليئ بالادعاءات المضللة، من السودان بترويج أنباء حول اغتيال قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، مروراً بسوريا حيث مزاعم قبول الرئيس الانتقالي أحمد الشرع شروط قوات سوريا الديمقراطية "قسد" للانضمام إلى الجيش السوري، فضلاً عن اتهام المجلس الإسلامي السوري له بـ"الخيانة"، وصولاً إلى فلسطين برواج ادعاء عضوية الصحافي والناشط معتز عزايزة في جمعية "المجد أوروبا" الساعية إلى تهجير الفلسطينيين قسراً.
طالت الادعاءات المضلّلة أيضاً الانتخابات البرلمانية في العراق، بما في ذلك مزاعم توثيق حالات تزوير، وكذا صرف وزارة المالية العراقية 100 مليون دينار لكل نائب فائز. وفي المقابل، نشطت منصّات التحقّق من المعلومات العربية في تفنيد ودحض هذه الادعاءات وكشف عدم صحتها.

"اغتيال حميدتي"
في السودان حققت منشورات ومقاطع فيديو تدعي اغتيال حميدتي تداولاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. غير أن منصة "متصدقش" كشفت أن هذا الادعاء مفبرك، حيث لم تنشر أي جهة رسمية موثوقة محلية أو دولية، خبر الاغتيال أو إصابة حميدتي خلال المعارك الأخيرة.
وكان أحدث فيديو ظهور لحميدتي، في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، بعد سيطرة "الدعم السريع" على مدينة الفاشر، وارتكاب مجازر داخل الولاية، والتي وصفها مفوض الأمم المتحدة السامي فولكر تورك في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، بـ “وصمة في تاريخ المجتمع الدولي”.
"إزالة قباب المساجد في الخرطوم؟"
في السودان أيضاً، نشر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة تقوم فيها مجموعة من الآليات، بينما تعمل إحداها على تدمير قبّة، مدعيةً أنّ الصورة توثق عملية إزالة القباب في ولاية الخرطوم التي يسيطر عليها الجيش السوداني.
مرصد "بيم ربيبورتس" أثبت أن الصورة المتداولة مفبركة إذ تبيّن أنها معدلة بأدوات الذكاء الاصطناعي. ولم يُسفر البحث بالكلمات المفتاحية عن أيّ نتائج تؤيد صحة الادعاء.
"الشرع يقبل شروط قسد للانضمام إلى الجيش السوري"
وفي السياق السوري، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاء مفاده أن الرئيس الشرع وافق على شروط قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بالانضمام إلى الجيش ككتلة واحدة، وذلك بعد زيارته إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
منصة "فارق" السورية صنّفت الادعاء على أنه "غير مثبت"، حيث انتهى بحثها إلى أن التصريحات الرسمية للقادة الكرد والشرع لا تتوافق مع الادعاء ولا تدل على أنه قبل بشروط قسد بالاندماج في الجيش السوري، وجميع التصريحات الرسمية بهذا الشأن تشير إلى استمرار النقاشات وعدم التوصل إلى اتفاق نهائي.
وكان القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، قد غرّد عبر إكس في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، مؤكداً التزامه دمج قوات قسد في الدولة السورية، قائلًا: "أجريت للتو مكالمة هاتفية رائعة مع السفير توم باراك لمناقشة نتائج الاجتماع مع الرئيس الشرع في البيت الأبيض والتزامنا بتسريع اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الدولة السورية...".
"المجلس الإسلامي السوري يتهم الشرع بالخيانة"
إلى ذلك، نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي صورةً تتضمن بياناً منسوباً إلى المجلس الإسلامي السوري، يتهم فيه رئيس الفترة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بـ"الخيانة" بسبب "التحالف مع الغرب والأمريكيين والروس".
منصة "ترو بلاتفورم"، أثبتت أن الادعاء مفبرك، وأن المجلس أعلن حل نفسه رسمياً قبل أشهر، ولم يصدر عنه أي بيان بعد ذلك.
"معتز عزايزة عضو في جمعية المجد أوروبا"
وفي فلسطين، راج ادعاء مفاده أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نشرت تحقيقاً صحافياً عن جمعية "المجد أوروبا"، وأن التقرير المزعوم جاء فيه أن المؤثّر الفلسطيني معتز عزايزة عضو في تلك الجمعية، وأنه يؤدي مهاماً ميدانية ودعائية تهدف إلى ترغيب الفلسطينيين في السفر وتسهيل خروجهم من قطاع غزة عبر الجمعية ضمن مخطط أوسع لتهجير الفلسطينيين قسراً.
منصة "تحقق" تتبعت القصة، وأثبتت أن عزايزة لم يرد اسمه في التحقيق الذي أجرته "هآرتس" حول "المجد أوروبا". كما تواصلت المنصة مع عزايزة ونفى لها وجود أي علاقة تربطه بتلك الجمعية أو بأي نشاط مرتبط بتسهيل السفر خارج القطاع.
"توثيق عملية تزوير انتخابات العراق"
من فلسطين إلى العراق، حيث تم تداول مقطع فيديو على نطاق واسع يزعم أنه يوثِّق عملية تزوير للانتخابات في أحد مراكز الاقتراع. منصة "الفاحص" أثبتت أن المقطع قديم، تم نشره في شهر أيار/ مايو 2018 على منصة يوتيوب، كما أعيد نشره خلال انتخابات العراق عام 2021 مع نفس الادعاء. علماً أن قسم محاربة الشائعات في وزارة الداخلية كان قد أوضح آنذاك أن المقطع يعود إلى عمليات تزوير حدثت في انتخابات البرلمان عام 2018.
كما لم تعلن مفوضية الانتخابات والمنظمات التي راقبت سير العملية الانتخابية العراقية، تسجيل أي حالة تزوير مشابهة خلال الانتخابات الأخيرة.

"صرف 100 مليون لكل نائب فائز في العراق"
في ذات السياق، تداولت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي خبراً حول مباشرة وزارة المالية العراقية صرف 100 مليون دينار عراقي لكل نائب فائز كجزء من "تحسين المعيشة وشراء السيارات".
لكن منصة "صحيح العراق" أثبتت أن الخبر زائف إذ لم يصدر إعلان رسمي عن صرف أي مبالغ للنواب الفائزين بانتخابات مجلس النواب 2025، كما أنّ النتائج النهائية للانتخابات لم تصدر بعد ولم تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا - حتى وقت كتابة التقرير.
تزامن تداول الادعاء مع إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية من قبل المفوضية، إذ حلت قائمة "ائتلاف الإعمار والتنمية" برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في المركز الأول، يليها حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي، ثم "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
"السيسي: تأخرنا كدولة في التعهيد"
صرّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن مصر تأخرت في العمل على موضوع "التعهيد"، والذي يُشار به إلى نقل الشركات بعض عملياتها إلى جهات خارجية في دول أخرى بهدف خفض التكاليف وتحسين الكفاءة والتركيز على الأنشطة الأساسية، وتشمل هذه الخدمات مراكز الاتصال (Call Centers)، وتكنولوجيا المعلومات، والمحاسبة، والموارد البشرية، وتحليل البيانات، والتسويق الرقمي.
منصة "صحيح مصر" تحقّقت من التصريح وأثبتت أنه مضلّل، حيث تبين أن ترتيب مصر كان في تصاعد منذ عام 2005 عالمياً بين الدول الجاذبة لتقديم خدمات التعهيد نتيجة تحقيق طفرات مهمة في هذا المجال، قبل بداية تراجع مركز مصر بداية من 2015، أي عقب تولي السيسي الحكم، وظلت تتراجع حتى العام 2023.
وخلصت المنصة إلى أنه تراجع ترتيب مصر في مؤشر مواقع الخدمات العالمية (GSLI) منذ عام 2015 مقارنة بالفترة بين عامي 2009 و2015، بخلاف ما يوحي به حديث الرئيس بأن ترتيب مصر حالياً أفضل مما كان عليه قبل توليه الحكم.
"فيصل القاسم يتضامن مع جرحى الحرب مأرب"
وفي الشأن اليمني، تداولت حسابات مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه لحديث مقدم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة، فيصل القاسم، جرحى الجيش الوطني التابع للحكومة المعترف بها دولياً في مأرب وعن عدم صرف مستحقاتهم.
تحققت من ذلك الادعاء منصتي "مُسند" و"حقيقة"، وتبين أنه زائف، والفيديو مُولّد بتقنية الذكاء الاصطناعي، وبمراجعة الحلقة الأخيرة من البرنامج تبين أنه لم يرد فيها أي ذكر للجرحى أو لليمن، ما يؤكد أن الفيديو زائف بالكامل.
يأتي سياق تداول الفيديو في ظل احتجاجات متواصلة ينفذها جرحى الجيش الوطني في مدينة مأرب منذ أيام، للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتوقفة وتحسين أوضاعهم المعيشية والصحية.
هل احترقت حافلة نقل جماعي في طريق صافر محافظة مأرب؟
في اليمن أيضاً، أثارت صورة احتراق حافلة نقل جماعي على طريق صافر محافظة مأرب، تفاعلاً كبيراً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
منصات "يوب يوب"، و"صدق"، و"حقيقة" تتبعوا خيوط مصدر الصورة الأصلي، وتبين لهم أنها قديمة وتعود إلى 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، حيث اندلع حينها حريق في حافلة نقل جماعي تابعة لشركة "إكسبرس للنقل" على الخط الدولي في منطقة صافر بمحافظة مأرب، بينما كانت الحافلة في طريقها من السعودية إلى عدن، وقد نجح الركاب في النزول من الحافلة حينها دون وقوع أي إصابات قبل أن تلتهم النيران الحافلة.
يأتي تداول هذه الصورة بعد احتراق حافلة نقل جماعي أدت إلى وفاة 17 شخص وإصابة 7 أخرين في طريق العرقوب بمحافظة أبين في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025.