يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
في أسبوع جديد من رصد اضطراب المعلومات في المنطقة العربية، تكشف هذه النشرة كيف تُعاد صياغة الوقائع في لحظات حسّاسة، وتُوظف الصور والتصريحات خارج سياقها لخدمة روايات مضللة. من ادعاءات رسمية حول أوضاع السجون في مصر، إلى شائعات وفاة في فلسطين والعراق، مروراً بتضليل بصري عقب تفجير حمص، وصولاً إلى مقاطع وصور مفبركة في السودان واليمن، نتابع أبرز ما جرى تداوله، وكيف تصدت له منصات التحقق العربية.

وزير الخارجية و«رفاهية السجناء».. رواية رسمية في مواجهة تقارير حقوقية
أثار تصريح لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي جدلاً واسعاً، بعدما قال خلال لقائه أعضاء لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي بمجلس الشيوخ إن "هناك حالات لنزلاء انتهت مدة أحكامهم ورفضوا مغادرة مراكز التأهيل (السجون)، وهو ما يعكس تطوراً كبيراً في أسلوب التعامل مع هذا الملف، لاسيما على مستوى الرعاية الصحية والغذائية المقدمة داخل تلك المراكز".
في المقابل، خلصت منصتا «صحيح مصر» و «متصدقش »، إلى أن التصريح مضلل، مستندين في تفنيده إلى تقارير صادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية، وثقت تدهور أوضاع السجناء في مراكز الإصلاح والتأهيل، فضلاً عن السجون التي لم تشهد تغييراً جوهرياً سوى في مسمياتها.

أحمد موسى واتهام «التحريض» ضد علاء عبد الفتاح
لا نزال في مصر، حيث علّق الإعلامي أحمد موسى عبر حسابه على منصة «إكس» على الهجوم الذي استهدف الناشط علاء عبد الفتاح من سياسيين ومدوّنين بريطانيين، قائلاً إن عبد الفتاح «محرض ومجرم»، معتبراً أن احتجازه لا يرتبط بحرية الرأي، بل بادعاءات تتعلق بالتحريض على العنف.
من جانبها، قامت منصة «متصدقش» بتفنيد تصريحات أحمد موسى، وأثبتت أنها مضللة، موضحة أن القضايا التي حوكم وسُجن بسببها علاء عبد الفتاح خلال السنوات الماضية لم تتضمن أي اتهام بـ«التحريض على القتل». وبيّنت أن الاتهامات اقتصرت على «نشر أخبار كاذبة» و«الدعوة إلى التظاهر»، خلافاً لما ورد في تصريح موسى.
وكان النائب العام المصري قد وافق في 20 ديسمبر 2025 على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر، ليغادر إلى بريطانيا في 26 من الشهر نفسه. وعقب وصوله، انطلقت حملة إلكترونية على منصة «إكس» شارك فيها مدوّنون وسياسيون وإعلاميون بريطانيون ومصريون، بعد ترحيب رئيس الوزراء كير ستارمر به. واعتمدت الحملة على تغريدات قديمة لعبد الفتاح، استُخدمت لتصويره كمحرّض على العنف وتبرير استمرار حبسه لسنوات.
هل حصرت سوريا لقب «شهيد» بالمسلمين؟
في سوريا تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاءً يفيد بأن وزارة الإعلام السورية حصرت لقب «شهيد» بالمسلمين فقط، عقب التفجير الذي استهدف مسجداً في مدينة حمص. منصة «فارق» السورية، تتبعت الادعاء وأثبتت أنه غير صحيح، مؤكدة إن وزارة الإعلام لن تُصدر أي قرار أو تصريح يربط استخدام اللقب بدين معيّن.

هل تم القبض منفذي تفجير مسجد حمص؟
في سياق متصل، انتشرت صورة زُعم أنها توثق إلقاء القبض على منفذي التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي في حمص، وذلك بعد وقت قصير من وقوع الحادثة.
منصة «تروبلاتفورم» السورية، كشفت أن الادعاء مضلل، إذ تعود الصورة في الأصل إلى خبر قديم عن اعتقال تاجر مخدرات في محافظة دير الزور.
وجاء انتشار هذا الادعاء عقب التفجير الذي وقع في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي الذهب بمدينة حمص، وأودى بحياة 8 مصلين وأصاب 18 آخرين.
هل توفي خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري؟
في فلسطين تداولت مجموعات عبر تطبيق "واتساب" خبراً يزعم وفاة خطيب المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عكرمة صبري.
منصتا «تحقق» و «تيقن» تابعتا الادعاء وتأكدتا مع عدم صحته، إذ نفى الشيخ عكرمة صبري، الخبر بشكل قاطع، مؤكدًا أنه بخير، وأوضح أن شيخاً آخر يدعى الشيخ كامل هو من توفي، ما أدى إلى التباس في الأسماء وتداول الخبر بشكل خاطئ.
شائعة وفاة إياد علاوي.. ماذا تقول المصادر الرسمية؟
في العراق، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبراً على نطاق واسع يزعم وفاة زعيم «ائتلاف الوطنية» والسياسي العراقي إياد علاوي.
منصة «الفاحص» العراقية، تحقّقت من الادعاء وأكدت أنه زائف، بعدما نفى المكتب الإعلامي لائتلاف الوطنية الخبر عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، مشدداً على أن علاوي يتمتع بصحة جيدة.
تخصيص كيلو فاصوليا لكل عراقي
ولم تكن هذه الشائعة الوحيدة، إذ جرى تداول تصريح آخر نُسب إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يفيد بـ«تخصيص كيلو فاصوليا لكل مواطن ضمن البطاقة التموينية خلال شهر رمضان المقبل».
منصة «صحيح العراق»، نفت صحة التصريح، مؤكدة أنه لم يصدر عن السوداني، كما لم تعلن وزارة التجارة عن أي تعليمات جديدة تخص السلة الغذائية لشهر رمضان.
اشتباكات في "هجليج" بين الدعم السريع وجيش الجنوب
في السودان، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر أفراداً يرتدون زيّ قوات الدعم السريع وهم يستجوبون أشخاصاً بزيّ عسكري، مع الادعاء أن المقطع يُوثّق اشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش الشعبي في جمهورية جنوب السودان، وتحديداً في منطقة هجليج الحدودية بولاية غرب كردفان.
منصة «بيم ريبوتس» السودانية تحقّقت من صحة الادعاء، وتبيّن أن الفيديو قديم، إذ نُشر سابقاً في مارس 2025، وكان مرتبطًا بسقوط حامية «جربنتا» في جنوب السودان على يد عناصر من قوات الدعم السريع الهاربين من القوات المسلحة السودانية، ولا علاقة له بأي اشتباكات حديثة في هجليج.
هل وصلت مروحيات أباتشي إلى مطار المخا؟
ومن السودان ننتقل إلى اليمن، حيث تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو زُعم أنه يوثّق وصول مروحيات أباتشي إلى مطار المخا، الخاضع لسيطرة قوات عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح.
منصة «صدق» اليمنية تحققت من الادعاء، وتبيّن أن الفيديو مضلل، إذ لا يُظهر مروحيات أباتشي، بل مروحيات من طراز «أغستاوستلاند AW159 ويلدكات» تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، وقد صُوّر في قاعدة نورثولت الجوية بالمملكة المتحدة، ونُشر لأول مرة في آذار/ مارس 2025.
خزانات نفط «منهوبة» في اليمن؟
وفي سياق موازٍ يتعلق بالملف النفطي، تداولت حسابات على منصة «إكس» صورة لخزانات نفط، مع الادعاء أن القوات الجنوبية اكتشفت خزانين عملاقين لتخزين مشتقات نفطية منهوبة من حقل هيجا ونقلها إلى مأرب.
منصة «يوب يوب» اليمنية تحققت من الصورة، وأثبتت أن الادعاء مضلل، إذ أظهر البحث العكسي أن الصورة مأخوذة من مقطع قديم يوثق الأضرار التي لحقت بخزانات المشتقات النفطية في ميناء الحديدة، عقب غارات إسرائيلية منتصف عام 2024.
هل رُفع «علم الجنوب العربي» في دبي؟
وعلى صعيد آخر مرتبط بالجدل السياسي والإعلامي في اليمن، انتشر مقطع فيديو على منصة «إكس» زُعم أنه يُظهر رفع «علم الجنوب العربي» في إحدى ساحات إمارة دبي بدولة الإمارات، وحظي بتفاعل واسع.
منصة «حقيقة» اليمنية دقّقت في الفيديو باستخدام أدوات متخصصة في كشف التزييف، وتوصلت إلى أن المقطع زائف ومولّد بالذكاء الاصطناعي. وأظهرت نتائج التحليل وجود مؤشرات واضحة على التلاعب بنسبة 74%، إضافة إلى تباينات في جودة الإطارات، وعدم اتساق في ملامح الوجوه، وتغير غير منطقي في معالم المكان خلال ثوانٍ قليلة من الفيديو.
هل تحركت ألوية العمالقة نحو حضر موت؟
أما ميدانياً في اليمن أيضاً، فقد تداول مستخدمون مقطع فيديو يُظهر دبابات وتشكيلات عسكرية تتحرك في ساحة مفتوحة، مع الادعاء أنه يوثق تحركات لقوات «العمالقة» باتجاه حضرموت والمهرة لتعزيز السيطرة هناك.
منصة «مُسند» اليمنية تحققت من صحة الفيديو، وتبيّن أنه قديم ومضلل، إذ يعود إلى عرض عسكري لتشكيلات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، جرى تنظيمه في العاصمة المؤقتة عدن مطلع عام 2025، ونُشر في 4 كانون الثاني/ يناير من العام نفسه.