يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
بين ادعاء عمره 26 عاماً يعود للتداول مجدداً، حول نجاة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من حادث سقوط "طائرة البطوطي"، مروراً بمزاعم أن قناة السويس تعد ثانية أكبر مصدر للدخل الأجنبي للمصريين، ووصولاً إلى ادعاءات في سوريا بصرف منحة للعاملين في الدولة بقيمة 204 دولارات، فضلاً عن هجوم مزعوم لمفتي إعزاز على الرئيس الانتقالي أحمد الشرع؛ شهد هذا الأسبوع موجة من الادعاءات المضلّلة المتنوعة التي استُخدم الذكاء الاصطناعي في محاولة ترويج وتثبيت العديد منها. في المقابل، واصلت منصّات التحقّق العربية القيام بدورها في رصد هذه الادعاءات وتفنيدها وكشف حقيقتها.

السيسي كان الناجي الوحيد من طائرة البطوطي؟
صرّح مقدِّم برنامج "آخر کلام" عبر قناة مكملين المعارضة التي تبث من خارج مصر، أسامة جاويش، بأن "الرئيس السيسي كان الناجي الوحيد من طائرة البطوطي".
منصة "صحيح مصر" تتبعت المعلومة وأثبتت أنها مضلّلة، مبيّنةً أن الناجين من تلك الرحلة كان عددهم ثلاثة أشخاص (سائحة أجنبية، ورجل دين ورجل أعمال مصريّين) تخلّفوا عن الرحلة، ولم يكن من بينهم أي ضابط مصري.
وكانت طائرة 767 من طراز بوينغ خلال الرحلة التي اشتُهرت إعلامياً بـ"طائرة البطوطي"، يقودها الطيار جميل البطوطي، حين سقطت في المحيط الأطلسي خلال رحلتها من نيويورك إلى القاهرة، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1999، ما أدى إلى وفاة 217 شخصاً بينهم 33 ضابطاً في الجيش المصري.
"السيسي قفل معبر رفح ومنع المساعدات عن غزة"؟
ادعاء آخر حول الرئيس المصري راج بقوة هذا الأسبوع، حيث ذكر مقدِّم البرامج المصري المعارض أيضاً، معتز مطر، تصريحين أولهما أن "مصر السيسي اللي قفلت معبر رفح ومنعت المساعدات" عن قطاع غزة، وثانيهما أن "قناة السويس ثانية أكبر مدخول مادي (أجنبي) للشعب المصري، بعد تحويلات المصريين في الخارج".
فنّدت منصة "متصدقش" التصريحين، وأثبتت أنهما غير دقيقين، مبرزةً أن مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها، وإنما حدث ذلك من الجانب الفلسطيني الذي تسيطر عليه إسرائيل. كما بيّنت أن ثاني أكبر مصدر للنقد الأجنبي في مصر هي الصادرات السلعية غير البترولية، بينما تأتي إيرادات قناة السويس في المرتبة السادسة ضمن مصادر الدخل الأجنبي.
الشرع يمنح العاملين بالدولة 240 دولاراً؟
في السياق السوري، راجت عدة ادعاءات مضلّلة أيضاً. من بينها ما تداولته صفحات على موقع التواصل الاجتماعي عن إصدار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مرسوماً يمنح العاملين في الدولة منحة مالية قدرها 240 دولاراً.
تحقّقت منصة "رادار" من الادعاء وتبيّن لها أنه غير صحيح، ولم يصدر عن أحمد الشرع أو عن رئاسة الجمهورية السورية أي مرسوم يتعلَّق بصرف منحة مالية.
مفتي إعزاز يهاجم الشرع؟
في غضون ذلك، تداول على نطاق واسع مقطع فيديو مصحوباً بادعاء أنه يُظهر مفتي مدينة إعزاز، الشيخ محمود الجابر، وهو يهاجم الشرع، مستخدماً لقب "الجولاني" المرتبط بماضي الشرع الجهادي.
تتبّعت منصة "ترو بلاتفورم" الادعاء وأثبتت أن الفيديو مجتزأ من مقطع قديم في أيلول/ سبتمبر 2023، كما أنه يستند إلى معلومات حقيقية وأخرى كاذبة، لذا صنّفته كـ"محتوى مضلّل".

مشاهد من بركان إثيوبيا بالذكاء الاصطناعي؟
أثار انفجار بركان هايلي غوبّي، في مدينة عفار الإثيوبية، بعد أكثر من 12 ألف عام من السكون، بدون سابق إنذار، خيال مصمّمي الجرافيك في محاولتهم لتخيّل شكله الحالي، ومن بين تلك المقاطع ما رصدته منصة "تيقّن" الفلسطينية، والذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي العربي تحت عنوان: "مشاهد من البركان في دولة إثيوبيا".
أثبتت "تيقّن" أن هذا الفيديو مُولّد بالذكاء الاصطناعي، بواسطة خبير تقني ومبرمج بالذكاء الاصطناعي، وساهم رصد التشوّهات في المقطع في إثبات أن الفيديو غير حقيقي.

"ملعب سعودي معلَّق في السماء استعداداً لكأس العالم 2034"؟
وفي السعودية، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مصحوباً بادعاء حول انتهاء المملكة من بناء "ملعب معلَّق في السماء" استعداداً لاستضافة كأس العالم 2034 لكرة القدم.
منصة "تحقق" الفلسطينية، تتبّعت أصل المقطع وتبيّن لها أن صاحبه متخصّص في إنتاج مقاطع وألعاب فيديو باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويظهر على النسخة الأصلية من الفيديو وسمٌ واضح يشير إلى أنّه مُولَّد بواسطة الذكاء الاصطناعي.
هل اختفت 934 مليار دينار من وزارة التجارة العراقية؟
وصولاً إلى العراق، فقد راج ادعاء مفاده "اختفاء 934 مليار من وزارة التجارة العراقية". منصّة "الفاحص" التقطت الادعاء وتتبّعت تفاصيله وخلُصت إلى أنه زائف، حيث لم يُعثر على أي إعلان رسمي عن اختفاء مبالغ مالية من خزينة وزارة التجارة. ولم تنقل أي وسيلة إعلامية موثوقة خبراً في هذا الخصوص، كما أن الادعاء لم يستند إلى أي مصدر.
اللافت أن تداول هذا الادعاء تزامن مع إعلان وزير العمل عن فقدان مبلغ 2.5 تريليون دينار من خزينة الوزارة، قبل أن تنفي هيئة النزاهة ووزارة المالية ومصرف الرافدين صحة ذلك.
هل قصفت إيران فصائل كردية في كردستان العراق؟
في الشأن العراقي أيضاً، صرّح المحلل السياسي المقرّب من الإطار التنسيقي، خالد أبو عراق، بأن "إيران قصفت مقرّات تابعة لمجاميع مسلحة إيرانية داخل كردستان العراق".
لكن "صحيح العراق" تتبّعت التصريح وأثبتت أنه مضلّل، وأن إقليم كردستان لم يشهد هجوماً، كما نفى الحرس الثوري الإيراني رسمياً هذا الادعاء، فضلاً عن نفيه من قبل مصادر حكومية كردستانية.
تجدر الإشارة إلى ذلك الادعاء تم تداوله بعد أنّ نشرت وسائل إعلام إسرائيلية معلومات عن إطلاق صواريخ باليستية من داخل الأراضي الإيرانية نحو مواقع تُنسب إلى فصائل كردية معارضة تقع داخل إقليم كردستان العراق.
هل دُفن شاب حياً في الفاشر؟
وفي السودان، حيث ما تزال مأساة الفاشر حاضرة في الأنباء الأكثر تداولاً، تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمحاولة إدخال شاب في صندوق وهو يقاوم، مع الادعاء بأنّه يوثّق "دفن شاب حياً في تابوت على أيدي مرتزقة كولومبيين" في الفاشر.
تقصّت منصّة "بيم ربورتيس" صحة المقطع وخلُصت إلى أنه مضلّل حيث تبيّن أنّ الفيديو قديم، وكان قد نُشر في عام 2016، ولا صلة له بالسودان. كما لم يُسفر البحث بالكلمات المفتاحية عن أيّ نتائج موثوق بها تدعم صحة الادعاء المرافق للمقطع.
هل دخلت قوات اللواء الأول عمالقة إلى حضر موت؟
الختام في اليمن حيث تحقّقت منصتيّ "مسند" و"يوب يوب"، من مقطع فيديو راج مصحوباً بادعاء أنه يُظهر انتقال لواء عسكري تابع لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي في البلاد مع آليات عسكرية ثقيلة للسيطرة على حضرموت.
أثبتت المنصتان أن الفيديو مضلّل ويعود إلى ليبيا ولا علاقة له باليمن. وقد تزامن نشر الفيديو مع استمرار التراشقات والتصريحات والتهديدات المتبادلة بين حلف قبائل حضرموت شرقي اليمن وبين المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات والساعي إلى السيطرة على حضرموت.
في نفس السياق، تحقّقت منصّة "حقيقة" من صورة أخرى متداولة مع الادعاء أنها توثِّق تعزيزات تابعة للواء لعكب في طريقها إلى هضبة حضرموت لمساندة القبائل.
ولكن المنصّة اليمنية وجدت أن الصورة التُقِطت عام 2018 في مدينة الحديدة غرب اليمن.