Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

مجاعة غزة ما بعد تسجيل الأسير الإسرائيلي أفيتار دافيد

مجاعة غزة ما بعد تسجيل الأسير الإسرائيلي أفيتار دافيد
kashif_ps

The Author

kashif_ps

أنكرت المؤسسات والشخصيات الرسمية في دولة الاحتلال وجود مجاعة ونقص حاد بالغذاء في قطاع غزة، وهو ما تبنته وسائل الإعلام العبرية، وتجاهلت تقارير المنظمات الدولية ووسائل الإعلام العالمية التي أكدت تفاقم الظروف الإنسانية وانتشار الجوع بين السكان المدنيين، أو منحتها مساحة ضئيلة في التغطية. في حين بثت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس مطلع آب الجاري 2025 تسجيلًا مصورًا للأسير الإسرائيلي لديها أفيتار دافيد الذي ظهرت عليه علامات المجاعة، فهل شهدت الرواية الإسرائيلية تحولًا حول المجاعة في القطاع؟ 

قبل بث تسجيل الأسير دافيد

اعتمدت الرواية الإسرائيلية قبل أن بثت كتائب القسام تسجيل الأسير أفيتار دافيد على إنكار وجود مجاعة أو أزمة غذائية في قطاع غزة بشكل مطلق، مع التأكيد على  تدفق المساعدات الإنسانية بكمية كافية ومنتظمة، واتهام حركة حماس بسرقة المساعدات. 

من أعلى هرم المستوى الرسمي، شدد رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على أن وصف إسرائيل بأنها تنفذ "حملة تجويع في غزة" هو "كذبة جريئة"، مؤكدًاعلى أن إسرائيل تسمح بدخول المساعدات الإنسانية طوال فترة الحرب، وادعى أن المسؤول الوحيد عن عرقلة إيصالها هو حركة حماس التي تستولي على هذه المساعدات وتتهم إسرائيل بعدم توفيرها، وفق وصفه. 

بدوره، أوضح عبدالله حلبي رئيس إدارة التنسيق والارتباط لدى الاحتلال في غزة والمسؤول عن إدخال المساعدات إليها أن كمية المساعدات التي تصل للقطاع "تكفي وتتجاوز المعايير التي وضعها المجتمع الدولي"، معتبرًا أن الصور والتقارير التي تُظهر معاناة اهالي القطاع جراء الجوع في غزة تُشكل جزءًا من "حملة دعائية تديرها حماس بهدف الإضرار بالمساعدات الإنسانية والأنشطة التي تقوم بها إسرائيل بالتعاون مع المجتمع الدولي".

في السياق ذاته، قال الموج كوهين، عضو الكنيست في اليمين المتطرف، إنه "لا يتعاطف مع الأطفال في غزة ولا يهمونه إطلاقًا"، مضيفًا أن المزاعم حول وفاة أطفال جراء الجوع في القطاع هي "كذبة كبيرة"، مؤكدًا أن "إسرائيل تُدخل كميات هائلة من الطعام إلى هناك"، واصفًا هذه الادعاءات بأنها "صناعة دعائية على طريقة أفلام بوليوود، يُكذب فيها بوقاحة شديدة".

تبنت وسائل الإعلام العبرية الرواية الرسمية الإسرائيلية وتصريحات وادعاءات جيش الاحتلال، مع تجاهل تقارير المنظمات الدولية حول سوء التغذية وانتشار الجوع، ومثال ذلك القناة 14 التي أعادت نشر صور بثها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي على أنها لعناصر من حركة حماس "يأكلون حتى الشبع في الأنفاق"، جاء ذلك ضمن تقرير نشرته بتاريخ 31.7.2025 قالت القناة إنه لـ "وثائق تُفند كذبة المجاعة في غزة". 

أما موقع "Ynet" فقد نقل بتاريخ 22.7.2025 ادعاءات جيش الاحتلال المتكررة حول عدم وجود مجاعة في القطاع، وأعاد نشر مزاعمه بأن حركة حماس تبث عددًا كبيرًا من الصور ومقاطع الفيديو المفبركة حول المجاعة، وأن الأطفال في غزة يعانون من أمراض لا تتعلق بسوء التغذية. 

وعند اقتباس الموقع من الجهات التي تقر بمعاناة المدنيين -بمنحها مساحة ضئيلة داخل التقرير- كما  في ذكر الموقع أن أبرز وسائل الإعلام العالمية نشرت تقارير عن إطلاق جيش الاحتلال النار على العشرات من سكان غزة أثناء محاولة الحصول على المساعدات الإنسانية، أبرز موقع "Ynet" أن جزءًا من التقرير استند على "وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس" وفي ذلك محاولة للتشكيك ونزع الحياد عن وسائل الإعلام الدولية. 

وتلى ذلك مباشرة ذكر رد جيش الاحتلال الإسرائيلي حول هذه التقرير الذي ورد في التقرير كالتالي: "إطلاق النار عن بُعد نُفذ لإزالة تهديد مباشر على قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن بناءً على فحص أولي، فإن عدد الإصابات المبلغ عنها لا يتطابق مع المعلومات المتوفرة". 

في المقابل، وعلى عكس ادعاءات المستوى الرسمي، نشرت صحيفة هآرتس بتاريخ 2025\7\24 مقالًا شديد اللهجة بعنوان "إسرائيل تُجوع غزة"، أكدت فيه أن هناك جوع في القطاع وأن إسرائيل تتحمل المسؤولية. واستند المقال إلى بيانات وزارة الصحة في غزة التي أفادت حينها بوفاة 111 شخصًا جراء سوء التغذية منذ بداية الحرب، معظمهم من الأطفال، بينهم 43 حالة وفاة خلال أسبوع واحد فقط، إضافة إلى معطيات الأمم المتحدة التي أظهرت ارتفاع نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد من 2.4% في شباط إلى 8.8% في النصف الأول من تموز للعام الحالي.

واعتبرت الصحيفة أن التجويع يمثل "مرحلة جديدة من القسوة غير الإنسانية" و"جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية"، داعية إلى فتح المعابر فورًا أمام الغذاء والمساعدات الطبية والعمل مع الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لضمان وصولها إلى الفئات الأشد ضعفًا، مؤكدة على أن أي تأخير في ذلك يعني مزيدًا من وفيات الأطفال جراء الجوع.

بعد بث تسجيل الأسير دافيد

شكل تسجيل الأسير الإسرائيلي أفيتار دافيد الذي ظهرت عليه آثار المجاعة تحولًا في الرواية الإسرائيلية حول وجود مجاعة في القطاع، فأخذ الخطاب الرسمي في دولة الاحتلال يتراجع عن الإنكار الكامل لوجود المجاعة إلى الاعتراف الجزئي بها ولكن في صفوف أسراها، فاتهم حركة حماس بتجوعهم، مع رفض الإقرار بمعاناة وتجويع المدنيين الفلسطينيين. 

ونتج عن تسجيل الأسير دافيد والتراجع في الرواية الإسرائيلية انقسامًا واضحًا داخل دولة الاحتلال بين من يصر على إنكار المجاعة ومن يقر بوجودها حيث نشرت مراسلة القناة 13 العبرية مورياه إسراف تغريدة بتاريخ 1/8/2025، وصفت فيها مشاهد الأسرى التي ظهرت بعد نشر الفيديو بأنها تكشف "كيف يبدو الجوع حقًا". 

وفي مقال نشره موقع "Ynet" العبري بتاريخ 5/8/2025 شبّهت الصحفية دانييلا لندن ديكل الجدل حول المجاعة في غزة بـ"قطة شرودنغر" التي يمكن أن توجد أو لا توجد في آن واحد، بحسب زاوية النظر. وأوضحت أن ردود الفعل الإسرائيلية على الشهادات حول الجوع في غزة تنقسم، بشكل عام، إلى ثلاث فئات: الصدمة، الإنكار، و"ليَموتوا". ورأت أن فئتي الصدمة والإنكار مفهومتان، لكن الفئة التي تبرر العقاب الجماعي أقل قبولًا، متسائلة عن مدى إسهام الأزمة الإنسانية في تحرير الأسرى أو تحقيق النصر أو تحسين صورة إسرائيل دوليًا.

وركّزت ديكل على فئة "المنكرين" الذين يرفضون الاعتراف بوجود مجاعة ويفضلون ببساطة الاعتقاد بعدم وجودها أو تجاهلها، مشيرًا إلى أن هذا الموقف تعززه سياسة التعتيم في الإعلام العبري، حيث أظهرت تسريبات داخلية من قناة 12 وجود توجيهات بعدم تغطية ما يجري في غزة، إضافة إلى استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى مضلل.

ويمكن اعتبار موقف الصحفي والمحلل السياسي الإسرائيلي عميت سيجال مثالًا واضحًا على التناقض، والتضارب في الرواية الإسرائيلية حول المجاعة في القطاع، فقد قال سيجال في تغريدة عبر حسابه على منصة "X" بتاريخ 24.7.2025، إن غزة قد تكون في طريقها إلى "أزمة جوع حقيقية"، متوقعًا أن يصدم متابعيه بأن يقول ذلك: "مصدوم لأن هذا الكلام يصدر مني؟ لا ألومك". واستشهد سيجال في تفسير "إمكانية أن تقترب غزة من أزمة جوع حقيقية" وفق وصفه، بنتائج شاركها يني سبيرتزر، أستاذ مساعد في الجامعة العبرية بالقدس حول الاختلاف الكبير في أسعار المواد الغذائية في غزة قبل الحرب وأثناءها.

ليخرج بعد نشر الفيديو بتاريخ 1.8.2025، وينفى وجود المجاعة في القطاع، ويتهم حركة حماس بتجويع الأسرى الإسرائيليين، حيث قال: "أول شخص من غزة يُوثَّق فعليًا على أنه يتضور جوعًا هو أسير إسرائيلي"، وأضاف: "هل ستضعه نيويورك تايمز في الصفحة الأولى؟". 

من جهته، أكد الصحفي الإسرائيلي ينون ميجال أن الأسرى الإسرائيليين هم من يعانون من الجوع، لكنه وصف تغطية المجاعة في غزة بأنها "كذبة مقززة" روج لها إعلاميًا، ودعا إلى استئناف الحرب. 

أما عضو الكنيست عوديد فورير،  فأشار الى أن الجوع في غزة لا يعاني منه سكان القطاع، بل الأسرى الإسرائيليون في الأنفاق، حيث يعيشون بما وصفه "جحيم تحت الأرض"، وزعم أن كل المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة لا تصل إليهم، بل تستولي عليها حركة حماس.

واقع المجاعة في القطاع 

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قد وصف تجاوز حصيلة الوفيات بين الأطفال في غزة حاجز المئة بسبب سوء التغذية بأنه "معلم كارثي يلطخ سمعة العالم ويستدعي تحركًا عاجلاً طال انتظاره".

وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، خلال مؤتمره الصحفي اليومي، بتاريخ 8.8.2025، إن أزمة الجوع وسوء التغذية تتفاقم بشكل متزايد، خاصة بين الأطفال في غزة، وأضاف محذرًا: "معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في غزة وصلت إلى أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق".

وذكرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بتاريخ 18.8.2025 أن العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 263 شهيدًا، من بينهم 112 طفلًا. 

ووفقًا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بتاريخ 11.8.2025، فقد بلغت نسبة ما دخل من شاحنات المساعدات إلى القطاع 14% من الاحتياجات الفعلية، وذكر أن "الاحتلال يمنع  إدخال شاحنات المساعدات بكميات كافية ويواصل إغلاق المعابر وتقويض عمل المؤسسات الإنسانية". 

وأشار المكتب إلى أن احتياج قطاع غزة اليومي من شاحنات المساعدات يبلغ أكثر من 600 شاحنة لتلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان. 

يسعى الخطاب الإسرائيلي إلى إعادة صياغة صورة الأزمة الإنسانية في غزة، عبر حصرها في قضية الأسرى الإسرائيليين، بهدف تحويل بوصلة التعاطف الدولي وتبرير استمرار الحصار والتصعيد العسكري، مع التعتيم على معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء وحرمانًا من أبسط مقومات الحياة. ورغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، فإن ما يُسمح بدخوله من مساعدات إنسانية لا يغطي إلا جزءًا محدودًا من الاحتياجات الفعلية، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة ويترك أثره الأكبر على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الأطفال والمرضى وكبار السن.