Arabi Facts Hub is a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.

الإبادة الرقمية: صحفيو غزة..بين قصف الاحتلال وخنق الخوارزميات

الإبادة الرقمية: صحفيو غزة..بين قصف الاحتلال وخنق الخوارزميات
kashif_ps

The Author

kashif_ps

غزة- لميس الأسطل

لا زالت الرواية الفلسطينية تبحر في محيط مظلم تغيب فيه العدالة الرقمية وتترأسه ازدواجية المعايير؛ فلم يعد الصوت الفلسطيني محاصرًا في ساحات الحرب فقط، بل تعدى الأمر منصات التواصل الاجتماعي أيضًا، في زمن العولمة الذي يفترض أن تكون فيه منابر لحرية الرأي والتعبير، لكنها أغلقت الصفحات الفلسطينية وحذفت المنشورات المؤيدة وحظرت المستخدمون؛ لأنهم يوثقون جروحًا وواقعًا أليمًا وحقيقة واضحة تحدث في زوايا وطن مكلوم تُحجب روايته، مُخفية الحقيقة خلف ذرائع "خرق السياسات" و"خطاب الكراهية"، بينما تُبقي على روايات الاحتلال الكاذبة تنشر بحرية وتُسوَّق بلا حواجز، في ظل انتهاك واضح لحقوق الإنسان.

الإعلام الرقمي يكمم أفواه الصحفيين الفلسطينيين

يقول المصور الصحفي، علم الدين صادق : "بدأت رحلتي في التصوير الصحفي منذ 15 عامًا؛ بدافع شغفي وحُبي لتوثيق الأحداث وما يجري في فلسطين وقطاع غزة خصيصًا - حيث أقطن - من أحداث إجرامية يرتكبها الاحتلال بحقنا هنا؛ فأردت أن أكون صوتًا لبلادي، بنقل معاناة الناس وهمومهم وأوجاعهم".

ويضيف صادق: "الظروف الميدانية في قطاع غزة صعبة جدًا، وممتلئة بالتحديات الكبيرة، وبطبعها الصحافة مهنة البحث عن المتاعب، فنحن نوثق الأحداث أسفل نيران القصف والتدمير وفي بيئة لا يحترم فيها الاحتلال الإسرائيلي حقوق الصحفيين ورسالتهم، فيعمل على قتلهم دون أي رحمة".

ويواصل: "نحن لا نُحارب على الأرض فقط بل أيضًا يتم محاربتنا عبر المنصات الإلكترونية، فمنذ أسبوع قمت بنشر صورة واحدة تظهر أطفال غزة وهم هياكل عظمية؛ بسبب التجويع القسري الذي يُمارس عليهم من قبل الاحتلال، وقام "الفيسبوك" بحظرها وحذفها دون أي مبرر مقنع"، لافتًا إلى أنه منذ بداية العدوان الحالي على القطاع قام بإنشاء ثلاث صفحات على ذات المنصة وأخرى على "إنستغرام"؛ بسبب الحذف المستمر للمحتوى الفلسطيني.

ويشير صادق إلى أن معظم ما يتم حظره هو صور وفيديوهات لأطفال غزة المُجوعين، والمصابين والشهداء والأماكن المقصوفة والمدمرة وغيرها، إضافة إلى النصوص المكتوبة المحتوية على أي كلمة تتعلق بالقضية الفلسطينية، مؤكدًا مراقبة خوارزميات "الفيسبوك" للفلسطينيين، منشئًا لهم بوابة الظلم الإلكترونية؛ فيسمح لما يريد ويحذف ما يشاء.

ويردف: "الحذف والتقييد يُصعِّب كثيرًا إيصال الرواية الفلسطينية إلى العالم؛ فأشعر بالإحباط والعجز والظلم؛ بفعل التعتيم الرقمي، لكنه يدفعني بقوة لاستكمال إيصال صوت الحق الفلسطيني رغم كافة الصعوبات عبر تقطيع الكلمات وتمويه صور وفيديوهات الأطفال بدمائهم والشهداء وغيرهم، كطريقة بديلة للاستمرار ومحاربة المحتوى الإسرائيلي المضلل".

ويبين صادق: "المنصات الرقمية تقف في صف الاحتلال وتروج لسياسته ولصفحات المستوطنين والناطقين باسم الجيش، فيقولون وينشرون ما يحلو لهم ويحرضون على قتل الفلسطينيين؛ فتسهل لهم نشر سرديتهم، لكنها تحجب صوتنا وصورتنا أمام العالم".

ويضرب مثالًا: "خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، قمت بنشر صور لصاروخ من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، استعمل في ارتكاب مجزرة في أحد مخيمات محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، وانتشرت الصور بشكل كبيرة جدًا، فهاجمني المستوطنون الإسرائيليون بكلمات قذرة ومسيئة، دون أن يحظر الفيسبوك كلماتهم وصفحاتهم، في حين قيامه بحظر بعض هذه الصور وحذفها".

ويختتم صادق حديثه قائلًا: "خنق المحتوى الفلسطيني حصار واقعي وفعلي على فلسطين ككل وليس فقط قطاع غزة، لكنه لن يؤثر في عزيمتنا لإيصال رسالتنا الفلسطينية، فاستطعنا رغم كل شيء تحقيق الهدف بدليل قيام الأفراد في الدول الأوروبية بطباعة صور مجازرنا وتجويعنا وتدميرنا ورفعها خلال المظاهرات والاحتجاجات أمام البرلمانات الأوروبية والسفارات الإسرائيلية في دولهم؛ فأشعر بالاعتزاز والفخر بقدرتنا على تحقيق مرادنا رغم كل شيء".

وتجد المراسلة الصحفية، يافا أبو عكر، أن واقع حرية الرأي والتعبير في فلسطين مضطهد بصورة واضحة عبر مختلف وسائل الضغط الممارسة عليهم من قبل الاحتلال، خصوصًا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتيكتوك والانستغرام، مشيرةً إلى أن التقييدات تُفرض عليهم عند قيامهم بنقل صوت الشعب الفلسطيني، عبر فيديوهات أو منشورات أو صور مختلفة تجسد واقعًا حيًا لمجازر مرتكبة بحقه.

وتتحدث أبو عكر: "قد تؤدي كلمة واحدة إلى تقييد صفحتك على هذه المنصات، ككلمة شهيد أو أسير أو أشلاء وغيرها، تحت ادعاء "محتوى غير لائق"، رغم كونها واقعية وحقيقية".

وتقص: "ارتفعت الرقابة في الفترة الأخيرة على محتوانا الفلسطيني خصوصًا في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة"، مبينةً أن صفحتها يتابعها أكثر من 150 ألف متابع من مختلف أنحاء العالم، وتم تقييدها عدة مرات والإبلاغ عنها من قبل حسابات مجهولة تحت ذارئع واهية، مؤكدةً على استمرارها في إيصال صوتها ورسالتها رغم كل الصعوبات.

وتواصل أبو عكر: "المحتوى الفلسطيني يحارب بشتى أشكاله رغم واقعيته، على عكس المحتوى الإسرائيلي الذي يتم دعمه ونشره وإيصاله إلى أكبر عدد من المتابعين، فمثلًا عند قيامها بنشر صور لمجموعة من الشهداء الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال في العدوان الحالي على قطاع غزة، تم تقييد المحتوى باعتباره "غير ملائم"، على عكس انتشار صور لجنود إسرائيليين مسلحين على نطاق واسع، وكأنهم محتوى عسكري مشروع".

وتطالب المنصات التعامل بشفافية في سياسات الإشراف والاعتماد على المعايير الدولية لحقوق الإنسان بدلًا من الانحياز السياسي، وضرورة إنشاء تحالف إعلامي دولي لحماية المحتوى الفلسطيني من الإقصاء الرقمي وضرورة دعم الجمهورين العربي والعالمي للصفحات الفلسطينية والمؤثرين الفلسطينيين.

خوارزميات مسلحة ضد الرواية الفلسطينية

بدورها تذكر منسقة الاتصال والتواصل في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، نسمة الحلبي: "هناك  انتهاك ممنهج ومتصاعد لحرية الرأي والتعبير فيما يخص المحتوى الفلسطيني، فنحن نشهد بشكل مستمر حذفًا للمنشورات وحظرًا للحسابات، وتقييدًا لمدى الوصول للمحتوى الذي يوثق جرائم الاحتلال أو يعبر عن المظلومية الفلسطينية"، مؤكدةً أن هذه الإجراءات تتعارض بوضوح مع المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تكفل حرية التعبير، وتُظهر انحيازًا غير مبرر لصالح الرواية الإسرائيلية.

وتؤكد الحلبي عدم حيادية الخوارزميات الخاصة بتلك المنصات، بل يمكن اعتبارها أداة سياسية تؤثر على تشكيل الوعي العام؛ فحين تُصنف الروايات الفلسطينية تلقائيًا على أنها عنيفة أو إرهابية، وتُروج في المقابل لمحتوى إسرائيلي تحريضي دون عوائق، فإن هذا يدل على برمجة خوارزمية تخدم أهدافا سياسية، مفسرة هذا التساهل الواضح بأنه يعكس هيمنة القوى المؤثرة على صناعة القرار داخل شركات التكنولوجيا، وعلى رأسها الحكومات الكبرى الداعمة للاحتلال، لافتةً إلى أن المحتوى الإسرائيلي التحريضي، بما فيه دعوات الإبادة والتهجير، فنادرًا ما يُواجه بالحذف أو التقييد، في حين يُستهدف المحتوى الفلسطيني، حتى لو كان حقوقيًا أو توثيقيًا، وهذه الازدواجية الفاضحة والاختلال المبني على "السيطرة للأقوى" تعكس انحيازًا ممنهجًا ضد الفلسطينيين.

وتوضح: "الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان خصوصًا فيما يتعلق بالشفافية والعدالة والحق في الاعتراض هو التزام شكلي فقط لدى هذه المنصات، فلا توجد جهة رقابة مستقلة ملزمة بتقييم قرارات الحذف أو التقييد، ومعظم هذه الشركات، كـ"Meta" و "X" تحتكم إلى سياسات داخلية غير خاضعة لمساءلة خارجية، ما يفتح الباب أمام التمييز والانحياز السياسي.

وتبين الحلبي أن التواطؤ من قبل منصات التكنولوجيا الكبرى وبعض الحكومات فيما يخص السياسات المتعلقة بفلسطين قد لا يكون معلنًا دائمًا، لكنه قائم بكل تأكيد، فكثير من منصات التواصل وقعت تفاهمات أمنية مع حكومات معينة، من بينها الحكومة الإسرائيلية، تسمح بتبادل البيانات وتنسيق قرارات الحذف والتقييد، ممثلة على ذلك بأن هناك وحدة إسرائيلية متخصصة ترسل آلاف الطلبات لإزالة محتوى فلسطيني وتنفذ نسبة كبيرة منها دون تدقيق فقط لمجرد كونه فلسطيني.

وتشرح: "يخلف التمييز الرقمي على الرأي العام العالمي تأثيرًا كارثيًا؛ فحين يتم تغييب الرواية الفلسطينية أو تصنيفها كمحتوى مخالف، تُصنع رواية زائفة تُهيمن على وعي العالم، وكثير من المتابعين في الغرب لا يرون الحقيقة كما هي، بل يتعرضون لرواية منقوصة أو مشوهة تخدم المحتل وتُدين الضحية، الأمر الذي يشكل تلاعبًا حقيقيًا بالسرد الإعلامي، وهو ما يسعى الاحتلال  لتحقيقه ضمن معركته على الرواية وتضليل الرأي العام العالمي.

وترى الحلبي أن ما يجري هو عقاب جماعي رقمي، حيث يُستهدف الفلسطينيون كجماعة قومية على أساس هويتهم وروايتهم، وهذا يتنافى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مشيرةً إلى أن المساءلة القانونية في هذا الصدد ممكنة من خلال استخدام آليات الأمم المتحدة، مثل المقررين الخاصين بحرية الرأي والتعبير، أو عبر دعاوى تُرفع في المحاكم الأوروبية أو الأميركية ضد الشركات المتورطة في التمييز أو التواطؤ مع حكومات قمعية.

وتتابع: "هناك عدة مسارات لمواجهة هذه السياسات والضغط على هذه المنصات لتغيير نهجها فمن الناحية القانونية يمكن تقديم شكاوى رسمية وموثقة للمقررين الخاصين بالأمم المتحدة وإلى المدافعين عن حقوق الإنسان، ولجنة الحقوق الرقمية، بحيث يتم تسليط الضوء فيها على الانتهاكات التي تمارسها الشركات ضد المحتوى الفلسطيني، مع إمكانية رفع قضايا جماعية أمام المحاكم يمكن للمنظمات الحقوقية بالتعاون مع ضحايا الحظر الرقمي رفع قضايا أمام محاكم أوروبية أو محاكم أمريكية؛ لأن مقر معظم هذه الشركات هناك، مع الاستناد فيها إلى مبدأ التمييز الرقمي وحرمان المستخدمين من الحق في التعبير والمعرفة، وهي حقوق مكفولة دوليًا".

وتستكمل الحلبي حديثها بأنه على الصعيد الحقوقي يمكن تضمين هذه الانتهاكات الرقمية في تقارير حقوق الإنسان المحلية والدولية، والعمل على توثيق شهادات النشطاء الذين تعرضوا للحظر أو الحذف؛ فإذا ثبت أن الرقابة الرقمية تُستخدم عمدًا لحجب التوثيق أو إخفاء الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، مثل: حرب الإبادة الحالية على قطاع غزة، فحينها يمكن اعتبارها أداة تسهيل للجريمة، وتُرفق ضمن ملفات التحقيق، كدليل على نية الإفلات من العقاب أو طمس الأدلة.

وتعتقد أن إنشاء بدائل فلسطينية أو عربية لوسائل التواصل يمكن أن يكون حلًا عمليًا لكنه ليس حلًا كافيًا؛ لأن الهيمنة الرقمية للشركات الغربية، واحتكارها للبنية التحتية والبيانات والذكاء الاصطناعي، تجعل من الصعب منافستها، مشيرةً إلى أن الحل الأجدى هو الضغط لتغيير السياسات الظالمة ضمن المنصات القائمة، مع تعزيز الإعلام البديل والمجتمعات الرقمية المقاومة.

وتلفت الحلبي إلى أن الأمم المتحدة يمكن أن تلعب دورًا محوريًا عبر إصدار توصيات ملزمة لشركات التكنولوجيا، وتوسيع تفويض المقررين الخاصين ليشمل الخوارزميات التمييزية، ودعم المنصات المستقلة وغير المنحازة، مؤكدةً أنه سبق أن تدخل المقرر الخاص بحرية التعبير عام 2021م؛ لإدانة ممارسات "فيسبوك" بحق المحتوى الفلسطيني، وطالب بتقارير شفافة عن سياسات الحذف.

وتروي: "لدينا شهادات عديدة موثقة من نشطاء وصحفيين، أبرزها خلال الحرب على غزة، وقد تم حظر حسابات إعلاميين معروفين، وتقييد صفحات لمؤسسات حقوقية".

وتشعر الحلبي كمدافعة عن الحقوق عند رؤيتها لقمع الرواية الفلسطينية كاملة رقميًا أمام أعين العالم بالحزن والغضب وعدم الإنصاف، لكنه أيضًا يدفعها نحو المزيد من الإصرار، مردفة: "نحن لا نملك طائرات ولا دبابات ولا إعلامًا عالميًا، بل نملك الكلمة، وعندما تُمنع هذه الكلمة، يصبح واجبنا مضاعفًا؛ فالقمع الرقمي هو محاولة لكسر إرادة شعب، ونحن كمدافعين عن الحقوق نرفض أن نصمت أو نكتفي برصد الظلم، فيجب العمل بكل وسيلة متاحة، ومنها الفضاء الرقمي نفسه".

وتمثِّل على الازدواجية الصارخة في تعامل المنصات مع قضايا العالم، قائلة: "خلال حرب روسيا على أوكرانيا تم السماح بنشر دعوات للمقاومة والدفاع عن النفس، في حين تُمنع منشورات فلسطينية مشابهة وتصنّف كـ "تحريض"، فهذه الازدواجية تقوّض ثقة المستخدمين وتكشف أن حرية التعبير ليست محمية بشكل متساوٍ، بل تخضع لحسابات سياسية ومصالح استراتيجية".

وتنبه الحلبي: "قمع الرواية الفلسطينية يؤثر مباشرة على الحق في المعرفة، وهو حق أصيل مكفول دوليًا، حين تُمنع الشعوب من الوصول إلى الحقائق حول ما يجري في غزة، فإن هذا يسهم في إضعاف التضامن العالمي وحرمان الضحايا من الدعم الإنساني والسياسي، وبالنظر إلى أن الإبادة جريمة تقع على مرأى العالم، فإن السكوت عنها أو التواطؤ في إسكات صوت الضحية يُعد شكلا من أشكال التواطؤ غير المباشر، وربما تسهيلا للجريمة".

وتعتبر أن تكميم الصوت الفلسطيني على الإنترنت وجهًا جديدًا للحصار الإسرائيلي على فلسطين، لكنه أكثر خطورة؛ لأنه يستهدف الوعي ويمنع العالم من رؤية المجازر ومن سماع صوت من هم تحت القصف ويفتح المجال أمام ارتكاب المزيد من الجرائم في غياب الشهود، موضحةً ذلك بأن الحصار على الأرض يُعطل الغذاء والدواء، أما الحصار الرقمي فيعطل الحقيقة نفسها".

وتوجه الحلبي رسالتها إلى العالم قائلة: "الكلمة سلاح الشعوب المستضعفة، فادعموها لا تخنقوها، ولا تسمحوا للمنصات الرقمية بأن تكون شريكًا في إسكات الضحية، بل اجعلوها منصة للعدالة والحرية".

الحظر الرقمي..السلاح المعاصر للاحتلال في حربه ضد الفلسطينيين

من جهته، يفيد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي: "من الناحية القانونية، تعامل منصات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والانستغرام واليوتيوب مع المحتوى الفلسطيني بازدواجية معايير وقيامها بإغلاق مئات الصفحات للنشطاء المتضامنين مع الشعب الفللسطيني والمواقع الخاصة بوسائل الإعلام والصحفيين والحقوقيين يعتبر انتهاكًا للحريات الإعلامية وانحيازًا للاحتلال؛ فمحتواه السافر بالإرهاب والعنصرية ونشر ثقافة الكره بقي موجودًا، وبالتالي هذه الشركات شريكة في جزء كبير من جرائم الاحتلال، ينبغي محاسبتها على انتهاكاتها الجسيمة بحق المحتوى الفلسطيني والنشطاء المتضامنين مع الساحة الفلسطينية".

ويخبر عبد العاطي: "قمنا بحملة لمناهضة انتهاك المحتوى الفلسطيني وطالبنا الأمم المتحدة بالتدخل؛ لتحقيق حرية الرأي والتعبير على منصاتها"، لافتًا إلى القيام بورشات عمل ولقاءات وحملات مناصرة، الأمر الذي ساهم في تراجع بعض المنصات عن الانتهاكات ولكن لا زالت تمارس ازدواجية المعايير.

ويسترسل بأنهم طالبوا عددًا من المحامين بالتحرك تجاه هذه الشركات ولكنهم بحاجة إلى تمويل لم يتمكنوا من توفيره بالشكل المطلوب، مؤكدًا على وجود شكاوى متعددة من قبل النشطاء الذين حجبت صفحاتهم ومحتواهم ضد هذه المنصات.

ويعرب عبد العاطي أنه مهما فعلت وسائل التواصل الاجتماعي من انتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني، إلا أن التضامن مع الفلسطينيين ينتشر بصورة واسعة وإن كان هناك محاولات لتقييد الوصول للصفحات ومنع التمويل وإغلاقها المستمر.

وينادي إلى ضرورة تعاون المجتمع المدني والوسائل الإعلامية في فضح هذه السياسات وضمان توثيق الانتهاكات وصولًا إلى ملاحقة الشركات لأي انتهاكات لاحقًا، وفتح تحقيق جاد في مساهمتها في حرب الإبادة الجماعية في محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المحاكم الدولية باستخدام مبدأ الولاية  القضائية الدولية، مؤكدًا أن هذا انتهاكًا متكررًا وسياسةً انتقائية تهدف بشكل أساسي لدعم الرواية الاسرائيلية وحجب الرواية الفلسطينية؛ لأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في فضح جرائم الاحتلال وتسجيل اختراق غير تقليدي أمام رواية وسائل الإعلام التابعة للاحتلال التي تبثها أمام الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم الغربية.

أرقام تتكلم: أكثر من ألف حالة قمع رقمي ضد المحتوى الفلسطيني

وثّقت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الدولية، في ديسمبر 2023، 1050 حالة رقابة على المحتوى الفلسطيني في أكثر من 60 دولة عبر منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام" التابعتان لشركة "ميتا"، مبينةً أن أنماط القمع تمثلت بحذف المحتوى المؤيد لفلسطين وتعليق أو إغلاق الحسابات وتقييد التفاعل مع المنشورات كالتعلبقات والمشاركة ومنع المستخدمين من متابعة حسابات فلسطينية أو الإشارة إليها وتقييظ الميزات كالبث المباشر  والحظر الخفي بمنع ظهور المحتوى الفلسطيني دون إشعار.

وأظهرت المنظمة اعتماد "ميتا" على قوائم المنظمات الخطرة الأمريكية لحظر مصطلحات مثل: "المقاومة الفلسطينية"، حتى لو كانت في سياق إخباري أو حقوقي، وقيامها  بتطبيق غير عادل لسياسات المحتوى العنيف أو الأخبار ذات الأهمية، حيث حُذفت مقاطع توثّق استهداف المدنيين في غزة بينما بقي المحتوى الإسرائيلي التحريضي.  

وادَّعت "ميتا" في ردها على المنظمة، التزامها بحقوق الإنسان، لكن المنظمة وجدت أن وعودها بالإصلاح منذ 2021 لم تُنفذ، مما زاد من انتهاكات عامي 2023-2024.  

وفي إبريل الماضي من العام 2025م، أوردت المنظمة تعرض عشرات الحسابات الفلسطينية للحذف أو التقييد عند نشر محتوى عن جرائم الحرب في غزة، عبر منصة "X"، بينما سمح بالمحتوى الإسرائيلي الذي ينفي هذه الجرائم، ومثاله حذف حساب أكاديمي كويتي بعد نشره صورًا لأطفال ضحايا القصف الإسرائيلي بذريعة "انتهاك المعايير المجتمعية".  

وأفصحت المنظمة إلى أن منصة "X" لم تقدم تفسيرات واضحة، مما دفعها إلى اعتبارها متواطئة في طمس الرواية الفلسطينية.

وأبلغت ديبرا براون من منظمة مراقبة حقوق الإنسان أن حجب المحتوى الفلسطيني ليس خطأ تقنيًّا، بل سياسة تعكس انحيازًا نظاميًّا يُفاقم الإفلات من العقاب على جرائم الحرب.

وتوصي المنظمة بالعمل على إصلاح سياسات المحتوى كتعديل تعريف "الخطاب الخطير"؛ ليتوافق مع القانون الدولي بدلًا من الانحياز للسياسات الأمريكية/الإسرائيلية، والالتزام بالشفافية عبر الكشف عن طلبات الحذف المقدمة من الحكومات خاصة الاحتلال، والعمل على حماية المحتوى الإخباري بعدم حذف المقاطع التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان بحجة "العنف"، والتمثيل العادل بتشكيل لجان رقابة مستقلة تضم خبراء فلسطينيين لمراجعة القرارات.

ونقلاً عن موقع ذا فيرج الأمريكي،  تُمارس تفاصيل جديدة للحملة الهجومية على القضية الفلسطينية من قبل "مايكروسوفت" التي أبدت تحالفها مع الاحتلال ي منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة في أكتوبر 2023م وحتى هذه اللحظة، حيث قامت الشركة داخلها بحظر رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على كلمات مفتاحية مثل: غزة وفلسطين وإبادة جماعية؛ لتهميش المحتوى الفلسطيني وحجب المعاناة التي يواجهها بصورة يومية عن العالم، في شراكة وتواطؤ فاضح في التغطية علي جرائم الاحتلال وخاصة جريمة الإبادة المتواصلة للشهر التاسع عشر في قطاع غزة على التوالي.