Arabi Facts Hubis a nonprofit organization dedicated to research mis/disinformation in the Arabic content on the Internet and provide innovative solutions to detect and identify it.
nan
وجدت حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني نفسها في ورطة كبيرة، إثر إسقاط طائرة مسيرة تركية بنيران الدفاعات الجوية العراقية، وتبني الحادثة، الأولى من نوعها منذ عام 2003، من قبل نائب قائد الدفاع الجوي في المنطقة الشمالية، العميد الركن عبد السلام رمضان، قبل أنّ تعلن قيادة العمليات فتح تحقيق في الحادث، في محاولة للملمة القضية وتجنب التوتر مع أنقرة.
ولم تكتف الحكومة بهذا البيان، إذ صدر أمر استقدام إلى بغداد بحق العميد عبد السلام رمضان، والذي سيواجه عقوبات أخفها الإعفاء من المنصب، بحسب ما أكّده قائد رفيع في قيادة الدفاع الجوي لـ "صحيح العراق"، كما كشف معلومات مفصلة عن قضية العميد.
تسلسل زمني
ونجح الدفاع الجوي العراقي، الخميس الماضي 29 آب أغسطس، لأول مرة منذ سقوط النظام السابق عام 2003، بإسقاط طائرة مسيّرة تركية من نوع "أنكا" لدى اختراقها أجواء مدينة كركوك (أكثر من 400 كيلومتر شمال بغداد)، وظهر العميد عبد السلام رمضان مؤكدًا بنبرة فخر إسقاط الطائرة التي اخترقت الأجواء العراقية، وقال إنّ أوامر إسقاط الطائرة صدرت من "قائد القوات الجوية العراقية".
وطابق إعلان العميد عبد السلام رمضان، برقية وزارة الدفاع عن الحادثة، والتي حصل عليها "صحيح العراق" من مصدر رفيع في الوزارة، إذ أشارت إلى أنّ قوات الدفاع الجوي العراقي في قاطع معسكر كيوان شمال مدينة كركوك، رصدت دخول طائرة مسيرة مجهولة إلى الأجواء الشمالية والشرقية للمدينة، وتعاملت معها
"بموجب بروتوكول الدفاع الجوي وتم استهدافها للتحذير، وبعدها تم إسقاطها بواسطة منظومة بانستير".
ارتباك رسمي!
ومع انتشار هذه المعلومات بعد ساعات من الحادث، صدر بيان قيادة العمليات بلهجة متحفظة وحذرة جدًا أكّد تشكيل لجنة للتحقيق في "أسباب سقوط الطائرة داخل مدينة كركوك"، وجاء في نصه: "في الساعة 1030 تم ملاحظة سقوط الطائرة داخل المدينة، وتبين أنها طائرة تركية، وتم تشكيل فريق عمل فني من الأدلة الجنائية، والدفاع الجوي، وملاكات الطائرات المسيرة لغرض معرفة أسباب سقوطها، وملابسات الحادث".[2]
وتجنب البيان ذكر أي تفاصيل حول الاشتباك مع الطائرة التركية التي رفضت الاستجابة لتحذيرات الدفاعات الجوية العراقية، خلافًا لنص البرقية الأمنية لوزارة الدفاع، حيث أشارت إلى حوادث تماس سابقة مع طائرات تركية مسيرة، كانت تنسحب بموجب بروتوكول التحذير.[3]
صاروخ "بانتسير" وإصابة مباشرة..
وأظهرت مشاهد من مدينة كركوك إطلاق صاروخ "أرض - جو" نحو الطائرة التركية، وأصابها مباشرة ليحولها إلى أجزاء حطام مشتعلة كما أظهرت مقاطع مصورة أخرى، والتي سقط بعضها على منزل داخل مدينة كركوك، بالتحديد في حي تسعين، دون خسائر بشرية.
وأطلق الصاروخ من منظومة "بانتسير" الروسية، والتي تعتمدها وزارة الدفاع العراقية لمعالجة الأهداف الجوية والبرية والبحرية، وبنسبة نجاح تصل الى 99%، إذ تتكون بطاريتها من نظام متكامل يحتوي على عجلات قتالية وقيادة وسيطرة تمكنها من مجابهة جميع أنواع التهديدات سواء كانت طائرات أو صواريخ أو أهداف أرضية، بحسب الوزارة، ويمكنها كشف 40 هدف في آن واحد والاشتباك مع 4 أهداف في الوقت ذاته وبإمكانها إطلاق النار أثناء المسير.[4]
وتعمل منظومة "بانتسير" بصواريخ قصيرة المدى لا يتجاوز مداها 15 كيلومترًا، وهي من الحلقات النارية القطرية، على عكس منظومة "سي - رام" التي يتجاوز مداها 400 كيلومتر، وفق الخبير العسكري أحمد الشريفي.
ويقول الشريفي لـ "صحيج العراق"، أنّ هذه المنظومة "تستخدم لحماية الأهداف الحيوية الفوقية مثل محطات الكهرباء والسدود المائية ومراكز السيطرة العسكرية والمقرات السياسية في حال حصول تخطي من الطيران المنخفض"، مبينًا أنّ "المنظومات القطرية، تعمل بخط ناري قصير المدى بين 5-15 كم، وهو مدى محدود مقارنة بـ"سي رام" والتي يصل مداها إلى 400 كيلومتر".
ودخلت منظومة "بانتسير" لأول مرة إلى العراق، لحماية المنطقة الخضراء والسفارة الأميركية بعد عام 2003، قبل أن يتم استبدالها بمنظومة "سي - رام" بحسب الشريفي.
ولا يمكن إطلاق هذا النوع من الصواريخ إلاّ بموافقة عليا تصدر من وزارة الدفاع، كما يؤكّد ضابط رفيع في قيادة القوة الجوية العراقية لـ "صحيح العراق"، ما يعني أنّ إسقاط الطائرة "جرى بعلم القيادة العسكرية العراقية"، ولم يكن تصرفًا فرديًا من قيادة المنطقة الشمالية.
لكن الضابط الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، قال إنّ "القيادة العسكرية في وزارة الدفاع لم تكن تريد تبني إسقاط الطائرة بشكل رسمي، تجنبًا لأي توتر مع تركيا التي أبرمت مؤخرًا اتفاقية أمنية مع الحكومة العراقية، تهدف إلى القضاء على حزب العمال الكردستاني"، مبينًا أنّ "الظهور التلفزيوني لنائب قائد المنطقة الشمالية العميد عبد السلام رمضان أوقع المؤسسة العسكرية في ورطة كبيرة".
استقدام إلى بغداد
إثر ذلك، استقدمت مديرية الاستخبارات في قيادة الدفاع الجوي العراقي العميد عبد السلام رمضان إلى بغداد للتحقيق، واحتجزته في مقرها داخل مطار بغداد، وفقًا لمعلومات مؤكدة حصل عليها "صحيح العراق".
وتشير المعلومات التي وردت على لسان أحد أبرز قيادات الدفاع الجوي العراقي، إلى أنّ "جلسة التحقيق الأولية مع العميد استمرت لنحو 6 ساعات، وتركزت حول أسباب الإدلاء بتصريحات علنية عن إسقاط الطائرة، دون تخويل من القيادة العسكرية، أو الرجوع إليها، والذي اعتبر محاولة لإحراج قيادة الدفاع الجوي ووزير الدفاع".
السجن أو الإعفاء!
ويرجح الضابط الرفيع أنّ يواجه العميد عبد السلام عقوبة الإعفاء من منصبه على والنقل إلى موقع آخر على الأقل، ولا يستبعد أنّ تصدر بحقه عقوبة أشد.
ويقول الضابط الرفيع لـ "صحيح العراق"، إنّ "العميد قد يواجه عقوبة الحبس في سجن مركز وزارة الدفاع في مطار بغداد، في حال تنصلت القيادات العليا من أوامر إسقاط الطائرة"، مبينًا أنّ "الحكومة العراقية تسعى إلى تخفيف التوتر الذي أثارته الحادثة مع الجانب التركي، وخطوة معاقبة العميد عبد السلام رمضان ستأتي في هذا السياق، إلاّ في حال تدخلت جهات سياسية لإغلاق القضية والاكتفاء بإعفائه من منصبه".
ويحمل العميد دفاع جوي الركن عبد السلام حمودي رمضان شهادة الدكتوراه، منذ نهاية عام 2022، إذ نشرت وزارة الدفاع سابقًا مشاهد من جلسة مناقشة أطروحته الموسومة "غزوة بدر الكبرى الأسباب والنتائج"، وقالت إنّ الأطروحة تناولت "أسباب غزوة بدر ولماذا سميت بهذا الاسم وماهي نتائجها، وقد حاز من خلالها الباحث على تقدير جيد عال"، مع "إشادات كبيرة من قبل المختصين في مجال التاريخ العسكري العربي بالأطروحة التي قدمت في هذه المناقشة وأبرز المحاور التي طرحت فيها، لارتباطها وبشكل كبير في الحياة العسكرية إضافة إلى الدور المهم في تطوير المؤسسة العسكرية والارتقاء بها".[5]