مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
تداولت مواقع وصفحات وحسابات تركية على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، أخباراً ادعت أن منفذي هجوم أنقرة الأخير تسللا من سوريا إلى الأراضي التركية باستخدام باراموتور شراعي، لكن البحث الذي أجراه فريق في فيسبوك وإكس وغوغل أظهر خلاف ذلك. وأوردت مواقع وحسابات تركية، تفاصيل إضافية حول أن أحد المهاجمينالشاب انضم لحزب العمال الكردستاني في عمر الرابعة عشرة، وأنه كان في القامشلي مؤخراً، ومن المتوقع أن يكون قد تلقى تدريبات على يد الوحدات الخاصة في الحزب.  نتائج البحث أظهر البحث أن جميع المواقع والصفحات والحسابات التركية، التي تداولت الادعاءات في 24 تشرين الأولأكتوبر الجاري نسبتها إلى مصادر أمنية واستخبارية، فيما استندت غالبيتها إلى صحيفة صباح التركية كمصدر للخبر. أظهر البحث أن صحيفة صباح نشرت خبراً في 24 تشرين الأولأكتوبر الجاري حول الهجوم استندت فيه إلى معلومات قالها مراسل صحيفة مراد سيكبان في بث مباشر، ولم يرد في خبرها أن المهاجمين تسللا من سوريا عبر باراموتور. أظهر البحث أن صحيفة صباح أجرت تحديثاً لخبرها بعد مرور نحو ساعة من نشره، ولم يستطع فريقنا التحقق مما إذا كانت الصحيفة قد أجرت حذفاً لبعض المعلومات من خبرها؟ أوردت الصحيفة في خبرها أيضاً أن أحد المهاجمينالشاب كان آخر مرة في القامشلي دون تحديد التاريخ، ولم يدخل تركيا منذ انضمامه إلى حزب العمال الكردستاني، وأن كلا المهاجمين دخلا البلاد قبل يوم أو يومين من الهجوم. أظهر البحث أن صحيفة لم تذكر في أخبارها ما نسب إلى مراسلها، لكنها أوردت في خبر مماثل أن المهاجمين تلقيا تدريبات في جبل كاري بإقليم كردستان العراق، وأن أمر الهجوم جاء من مجموعة تابعة لحزب العمال الكردستاني مكونة من سبعة أفراد وتعرف بـقيادة إدارة الإرسال الشمالية. وتبدو الرواية المتداولة والمنسوبة إلى مصادر أمنية مجهولة، ركيكة وناقصة، فهي لا تورد أدلة، كما أن التفاصيل حول كيفية دخوله المهاجمين من سوريا وانتقالهما إلى أنقرة، غير واضحة. أظهر البحث أن وسائل إعلام وحسابات تركية كانت قد نشرت بشكل مضلل خلال الهجوم أنباءً عن وجود ثلاثة مهاجمين، وحدوث عملية احتجاز رهائن، وهو ما نفاه وزير الداخلية التركي. لا يدعم البحث وجود أخبار مماثلة في وسائل إعلام تركية رسمية أو عربية أو دولية. أظهر البحث أن العديد من المواقع والحسابات استخدمت مع ادعاءها، صورة لهجوم مقاتلي القسام على مواقع إسرائيلية في محيط قطاع غزة، في السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023. أظهر البحث أن وسائل إعلام تركية سبق أن نشرت أخباراً حول استخدام مقاتلين من حزب العمال الكردستاني للباراموتور للانتقال من منبج السورية إلى منطقة أمانوس الجبلية على الطرف التركي، ومن العراق إلى تركيا. أظهر البحث أن وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، قال في تصريحات سابقة بعد هجوم على مبنى وزارة الداخلية في أنقرة مطلع تشرين الأولأكتوبر 2023 أن هناك مؤشرات تدل على أن الإرهابيين وصلوا بطائرة شراعية، ولا يوجد على الأرض أي أثر لعبورهم الحدود، لكن الجهات الرسمية التركية لم تقدم أدلة جازمة حول ادعاءاتها لاحقاً. أظهر البحث أن الرئيس التركي أدلى بتصريحات بعد عودته من قمة بريكس، الجمعة الفائت، قال فيها إن منفذي الهجوم تسللا من سوريا إلى تركيا، دون ذكر تفاصيل إضافية. خلاصة النتائج الادعاء بأن منفذي هجوم أنقرة الأخير تسللا من سوريا إلى تركيا بواسطة باراموتور، ادعاء مضلل. الادعاء بأن صحيفة صباح التركية نشرت خبراً حول تسلل منفذي الهجوم من سوريا إلى تركيا بواسطة باراموتور، مشكوك فيه. خلفية: انتشر هذا الخبر المضلل بعد هجوم تبناه حزب العمال الكردستاني على مقر شركة صناعات الطيران والدفاع التركية توساش في أنقرة يوم الأربعاء الماضي.  ومنذ هجوم أنقرة تواصل المسيرات والمدفعية التركية قصف مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية قسد.  وأعلن المركز الإعلامي لقوى الأمن الداخلي الأسايش أن تركيا نفذت حتى الآن 685 هجوماً على أهداف مدنية وعسكرية.  وبحسب الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا فإن الهجمات أسفرت عن مقتل 14 شخصاً وإصابة 40 إضافة إلى استهداف المنشآت النفطية والكهربائية التي خلفت خسائر مادية وعمقت الأزمة الإنسانية. يذكر أن تركيا شهدت عامي 2022  و2023 على التوالي وفي مثل هذه الأوقات من السنة تفجيرات مماثلة، فيما ادعت مؤسساتها الأمنية وقياداتها السياسية أن المهاجمين تسللوا من سوريا.
تداولت صفحات وحسابات عبر موقع فيسبوك، مؤخراً، خبراً حول ابتكار طالب سوري طريقة لتشغيل مولد الكهرباء بالماء بدلاً من البنزين، لكن البحث الذي أجراه فريق    أظهر أن الادعاء غير دقيق، وأن العديد من الصفحات والحسابات  وحتى وسائل إعلام، أغفلت ذكر المصدر الأساسي للخبر. نتائج البحث: أظهر البحث أن مصدر الخبر هو موقع هاشتاغ السوري، الذي نشره مساء الثلاثاء، تحت عنوان؛ شاب سوري يبتكر جهازاً لتشغيل المولدات بالهيدروجين بدلاً من البنزين. أظهر البحث أن موقع 2 بزنس2 بزنس نشر مساء الأربعاء، خبراً مشابهاً، ورد تحت عنوان، نقص المحروقات  في سوريا يدفع طلاب لاختراع مولدة كهرباء تعمل بالهيدروجين المستخرج من الماء بدلاً من البنزين!. جاء في خبر 2 بزنس2 بزنس أن تسعة طلاب من المعهد التقاني للصناعات التطبيقية، من بينهم الطالب محمد بدر الشياح اعتمدوا اختراع «جهاز هوفمان لتحليل المياه»  ليكون مشروع تخرجهم من السنة الثانية بمعهد الصناعة التطبيقية بحيث يمكن هذا الاختراع، الناس أن يستغنوا عن البنزين نهائياً في تشغيل المولدات. أظهر البحث  أن  المعهد التقاني للصناعات التطبيقية نشر تنويهاً ذكر فيه أسماء تسعة طلاب ومن ضمنهم الطالب محمد بدر الشياح كمشاركين في المشروع، و أرفقه مع خبر 2 بزنس 2 بزنس، في إشارة إلى أن الشياح ليس وحده صاحب المشروع. أظهر البحث والتحليل والمقارنة أن فكرة المشروع تقوم على استخدام جهاز اخترعه العالم آوغست فيلهلم فون هوفمان سنة 1866 في توليد الهيدروجين، واستخدامه في تشغيل مولدة عدة ساعات بنجاح، والاستغناء عن البنزين نهائياً.  خلاصة: عدم إشارة صفحات وحسابات ووسائل إعلام إلى مصدر الخبر المذكور، هو انتهاك لحقوق النشر ويعد إغفالاً للمصدر. الادعاء بأن طالب سوري نجح لوحده في استخدام الهيدروجين لتشغيل مولدة كهرباء، والاستغناء عن البنزين هو ادعاء خاطئ.
 تداولت مواقع وحسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، صورة وتسجيلاً مصوراً، وزعمت أنها لعملية أسر 5 ضباط إسرائيليين في المعارك الدائرة بين الجيش الإسرائيلي، وحزب الله جنوبي لبنان، لكن البحث الذي أجراه فريق   عبر فيسبوك وإكس، إضافة إلى البحث العكسي عن الصور أظهر خلاف ذلك. نتائج البحث: أظهر البحث العكسي عن الصورة أن أقدم تداول للتسجيل يعود إلى 7 تشرين الأولأكتوبر عام 2023، وهو للحظة العثور على جرحى وجثث جنود إسرائيليين بعد الهجوم الذي شنته حركة حماس. قدر اختبار موقع المتخصص بالكشف عن الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي،  أن الصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي بنسبة تفوق  80 بالمئة. يظهر التدقيق بالعين المجردة وجود تمويه على أيدي الأسرى المفترضين وعلى منطقة العينين لعناصر حزب الله المفترضين في الصورة، فيما تعرف الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي عادة بوجود تشوهات في منطقة اليدين والعينين، لغالبية أو بعض العناصر البشرية التي قد تظهر فيها. نفت وسائل إعلام لبنانية حدوث عملية أسر ضباط إسرائيليين، وقالت إن معارك ضارية نشبت بين الطرفين وسقط خلالها عدد من ضباط وجنود إسرائيليين بين قتلى وجرحى ولم يتمكن عناصر المقاومة من سحبها. نقلت وسائل إعلام عربية عن الجيش الإسرائيلي اعترافه بمقتل 5 عسكريين بينهم ضابطان وإصابة 8 عسكريين بجروح خطيرة في لبنان. نقلت وسائل إعلام عربية عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اعترافه بإصابة 5 ضباط وجنود إسرائيليين، بينهم 4 في جنوب لبنان والخامس في معارك مخيم جباليا بقطاع غزة. علق مغردون في موقع إكس على التغريدات التي تضمن الصورة السابقة، وقالوا إن صحفيين تحققوا من كونها مولدة بالذكاء الاصطناعي. لم ينشر الإعلام الرسمي لحزب الله، أو المقرب منه أي صور أو تسجيلات مماثلة. خلاصة: التسجيل المصور قديم، وهو لجرحى وقتلى من الجنود الإسرائيليين بعد هجوم حركة حماس في السابع من تشرين الأولأكتوبر 2023. والهدف من إعادة تداوله هو التضليل. الصورة المتداولة على أنها لعملية أسر جنود إسرائيليين، مولدة بالذكاء الاصطناعي، والهدف من إعادة تداولها هو التضليل.
نسبت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، تصريحات لمظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية،  أكد فيها بأن الظروف باتت ملائمة لبدء عملية عسكرية لتحرير مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض، لكن البحث الذي أجراه فريق أظهر خلاف ذلك. نتائج البحث لا يدعم البحث وجود تصريحات مماثلة لعبدي على وسائل الإعلام  التابعة أو المقربة من الإدارة الذاتية أو الحسابات الرسمية لقوات سوريا الديمقراطية. لا يدعم البحث وجود تصريحات مماثلة منشورة عبر وسائل إعلام سورية أو كردية أو دولية. لا يدعم البحث وجود تصريحات صحفية لعبدي خلال آخر 24 ساعة، لكنه سبق أن أطلق تصريحات بمضمون مشابه خلال السنوات السابقة. سبق للعديد من الحسابات والصفحات التي نقلت التصريح المزعوم، أن نشرت معلومات مضللة. خلاصة النتائج: التصريحات المنسوبة إلى مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، حول تأكيده بأن الظروف أصبحت ملائمة  لبدء عملية عسكرية لتحرير عفرين و تل أبيض ورأس العين، هي تصريحات مفبركة، هدفها التضليل.
على خلفية رفض شركة الرافدين للشحن في القامشلي، إرسال كتابين يحمل أحدهما اسم كردستان إلى مدينة ديركالمالكية أقصى شمال شرقي سوريا، كتب مدير دار نشر كردية في 20 آبأغسطس الماضي، منشوراً على فيسبوك، انتقد فيه تصرف الشركة.  خلال ساعات قليلة تحوّلت المسألة إلى قضية رأي عام، شغلت مواقع التواصل الاجتماعي محلياً لأيام، وسط ردود أفعال يمكن وصف العديد منها بـالحادّة.  أظهر التصاعد السريع للموقف، وبروز خطاب كراهية على فيسبوك، أنه يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي لعب دور كبير في تحويل مواقف حتى لو بدت بسيطة، إلى تهديد محتمل للسلم الأهلي. ولعل قابلية المجتمع المحلّي المتعدد الإثنيات للخوض في مثل هذه النقاشات والقدرة على تبادل الاتهامات، يحيلنا إلى ما يمكن أن نصفه بإرث طويل من سوء الفهم، وعدم انكشاف الجماعات الوطنية على بعضها، واحتفاظ كل منها بسرديتها الخاصّة وإعادة إنتاجها. خلال العقد الأخير انصبّ نشاط العديد من المنظّمات في هذه المنطقة، على إقامة ورش وجلسات تضم مشاركين من خلفيات إثنية مختلفة، وبمعزل عن مردود هذه النشاطات، فإنها مثّلت فرصة للتلاقي وتبادل الآراء، وبالمثل عززت بعض وسائل الإعلام أهمية هذا المسار، وضمّن بعضها اللغات والثقافات والمناسبات الخاصة بكل إثنية، بصورة ساهمت في المزيد من التعارف بين سكان المنطقة، والتعرف على هويّاتهم الثقافية.  لكن هل تبدو هذه الجهود كافية؟ وهل لدى المجتمعات المحلية إمكانية إنتاج حلول تراعي حالة التنوّع الإثني والسياسي والثقافي، والقدرة تالياً على الحؤول دون حصول مشكلات ذات طابع قومي أو ديني؟ في هذه الأثناء تبرز أهمية مناقشة آليات يمكن أن تساهم في الحفاظ على السلم الأهلي، وعدم تصاعد خطاب الكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما تبرز أهمية الاستفادة من تجارب مجتمعات ودول أخرى، إضافة إلى الجهود  الدولية المستمرة لمواجهة خطر هذه الظاهرة، لتحصين مجتمعنا منها. منهجية تسعى هذه الورقة إلى وضع تصور حول كيفية ظهور خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية الموقف المذكور أعلاه تحديداً، والذي كاد أن ينجم عنه تهديدٌ للسلم الأهلي في منطقة تتميز بالتنوع الإثني. تعتمد الورقة، على عرض المنشورات التي تمّ تداولها من جانب الأطراف الرئيسية، وتحليل مضامينها، مع إرفاق نماذج عما تداولته حسابات شخصية وصفحات عامة، أو تداوله صحفيون ونشطاء وكتّاب، فضلاً عن الردود الصادرة  عن مؤسسات السلطات المحلية. تتضمن الورقة، عرضاً لمفهوم خطاب الكراهية، وما يتعلق به من مساحة تداخل مع مفهوم حرية التعبير عن الرأي، وكيفية التمييز بينهما، وكيف يرى الخبراء الحقوقيون، أن التوجه نحو الحد من خطاب الكراهية قد يحمل معه تهديداً لحرية التعبير عن الرأي الذي يعد حقاً تأسيسياً، ولا يمكن للإنسان ممارسة العديد من حقوقه الأخرى دونه. اتصالاً بذلك، كان لابد من عرض السياق العام للموقف، إلى جانب عرض خلفية تاريخية توضح نماذج حوادث ومواقف سابقة، في هذه المنطقة، ومن ثم محاولة تحديد جذور خطاب الكراهية الظاهر على خلفية هذا الموقف، وتالياً الوصول إلى مقترحات وتوصيات، وربما حلول ممكنة، لمواجهة خطاب الكراهية الذي قد يظهر في حالات أخرى مستقبلاً. سوريا المصغرة يتكثّف في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية، تواجد إثنيات مختلفة، ويتراوح حجم إحداها من منطقة إلى أخرى، فالعرب والكرد والسريان الآشوريين هم المجموعات الإثنية الأبرز، تليها جماعات أقل حضوراً بكثير مثل الأرمن والشيشان والتركمان والشركس، وإلى جانب المسلمين والمسيحيين ينطوي الحضور الديني على وجود الإيزيديين. هذه اللوحة الاجتماعية المركّبة بالرغم من أنها مصدر قوة من نواحي مختلفة، لكنها في المقابل تخفي حساسيات غير مرئية، وقد تكون خاصرة رخوة، كنتيجة لضعف جهود الاشتغال على تكوين هوية وطنية جامعة، إضافة إلى اتباع الأنظمة المتعاقبة على سوريا، منذ عام 1958 فصاعداً سياسات زبائنية تقوم على أساس تقوية الحضور العربي، وتهميش الحضور الكردي، وإنكار وجوده، إضافةً إلى حظر أشكال التمثيل السياسي السرياني الآشوري، وقصره على الأدوار الروحية للكنائس ذات الحضور الوازن.  تبدّلت الأحوال بعد انكفاء سلطة حزب البعث والحكومة السورية مطلع عام 2012، وسيطرة الإدارة الذاتية، لتحظى الثقافتين الكردية والسريانية بفرصة للانتعاش، وإعادة التواصل بين مكونات المنطقة خارج الحواجز والأطر المرسومة طوال الفترات السابقة، لكن بدا أن التخلّص من عوالق الماضي ليس سهلاً، ذلك أن حذر المكونات تجاه بعضها، بقي سمة غالبة. راهناً، تعيش المنطقة حالة استقرار هش، جراء ما تواجهه من تحدّيات خارجيّة، تتمثل في غارات تركية متكررة، أسفرت خلال الأشهر القليلة الماضية عن تدمير بنى تحتية، ومنشآت حيوية، ومصادر للطاقة، وتسببت بأضرار بالغة طالت سبل عيش السكان، كما تشهد المنطقة عمليات قصف متكررة من جانب الميليشيات الإيرانية على مواقع القوات الأميركية، فضلاً عن الهجمات التي تشنها ميليشيا الدفاع الوطني رفقة مجاميع عشائرية، إلى جانب ما تنفذه بعض خلايا تنظيم الدولة داعش أيضاً، وما يخلقه كل ذلك من حالة عدم استقرار، وكانت الأحداث التي شهدها ريف دير الزور  خلال آبأغسطس 2023. من مواجهات بين قوات سوريا الديمقراطية، ومقاتلين عشائريين يقودهم إبراهيم الهفل، أحد شيوخ قبيلة العكيدات، مثالاً على كيفية استخدام التضليل  وخطاب الكراهية لتصوير الحدث، عبر منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، على أنه صراع عربيكردي. نماذج لمشكلات سابقة لعبت المجازر التي تعرض لها الأرمن والسريان الآشوريين بأوامر من الدولة العثمانية خلال السنوات الأخيرة من عمرها، دوراً    مؤثّراً في طبيعة العلاقة بين الأرمن والسريان الآشوريين وجوارهم المسلم خصوصاً الكرد، وبالرغم من ظهور تعاون بين النخب القومية الكردية والأرمنية بعد نحو عقد على وقوع تلك المجازر، إلّا أن جزءاً من المجتمعين الأرمني والسرياني الآشوري ما يزال يحتفظ بذاكرة نشطة تناقلتها الأجيال حول ما جرى قبل أكثر من قرن. في مرحلة لاحقة سعت فرنسا منذ أن بسطت سلطتها على منطقة الجزيرة 19201921 إلى تشجيع الاستقرار بين المكونات السريانية والكردية والعربية تبعاً لمصالحها، واتبعت لأجل ذلك سياسة تشييد المدن مثل الحسكة والقامشلي والدرباسية، فضمّت معظم المدن المستحدثة الجماعات الإثنية، وإن بدرجات متفاوتة، ورغم هذه السياسة الفرنسية في الجزيرة العليا، إلّا أن الانقسام حول مشروع فرنسا اتخذ طابعاً سياسياً أكثر مما يمكن عدّه انقساماً ذي طبيعةٍ إثنية بين مؤيّدين لها، وآخرين أيّدوا الحكم الوطني. لم يراعِ الحكم الوطني منذ عام 1946 الخصوصيات الثقافية في منطقة الجزيرة وكوباني وعفرين. لاحقاً ومع فترة الوحدة السورية المصرية 1958 1961 طالت عمليات القمع النشطاء الكرد المطالبين بحقوقهم الوطنية، فيما لم يحظَ السريان الآشوريين بحقوقهم الوطنية أيضاً. هذا الواقع تكرّس بشكل أعمق في ظل حكم البعث المديد منذ عام 1963، الذي عمد إلى وضع حواجز بين المكونات، وقام باضطهاد التعبيرات الثقافية والسياسية والحزبية الكردية، والسريانية الآشورية كذلك، رغم منح بعض الامتيازات الثقافية الطفيفة للسريان مثل تدريس اللغة السريانية في الإطار الكنسيّ، والمدارس العائدة للكنائس. عدا حالات قليلة واستثنائية، لم تشهد المناطق المتداخلة إثنياً في شمال شرقي سوريا، أيّ صدامات ذات طابع قومي. من بين تلك الحالات التي شهدتها المنطقة ما عرف محلياً بـطوشة عامودا والأحداث التي تبعتها، التي اقتضت تدخّل فرنسا عام 1937، إذ إن الحادثة التي بدت أنها خلاف سرياني كردي، كانت في الأساس خلافاً بين مؤيّدي فرنسا وموالي الحكم الوطني. كذلك شهدت المنطقة عام 2003 اندلاع مشكلات في حوض الخابور بين الآشوريين وجيرانهم العرب، تلتها الانتفاضة الكردية عام 2004 والتي تمّ وصفها بأنها محاولة لبث فتنة قومية، حيث سعت السلطات الحاكمة في دمشق إلى تأليب بعض أبناء العشائر العربية في الحسكة والقامشلي ورأس العين على الكرد. كما أن المشكلات ذات الطابع الشخصي بين أفراد من المكونات في مناطق مثل ديريكالمالكية جرى حلّ معظمها من قبل وجهاء اجتماعيين، ورجال دين مسيحيين وعلماء دين كرد، وأحزاب سياسية محلية، دون أن تمتد لتصبح مشكلات ذات طابع قوميّ. ضمن هذا السياق التاريخي الموجز، يمكن الإشارة إلى الصورة النمطية التي برزت عبر وسائل التواصل الاجتماعي كردود على موقف شركة الرافدين، من قبيل وصمهم أحفاد البعث أو أبناء ميشيل عفلق،  والتي تختصر في مضمونها صورة المكون السرياني الآشوري، كموالين مستلبين لإيديولوجية حزب البعث، والغالب أن جذور هذه الصورة النمطية، تعود لفترة سيطرة حزب البعث على البلاد، الذي مارس سياسات تمييزية بحق المكونات السورية، وحاول تعميق الشروخ بينها، حيث تتواتر روايات كردية على مستوى الشارع مفادها أن نظام البعث منح أبناء المكون السرياني الآشوري وغيرهم من المسيحيين في المنطقة، كوتا على مستوى المناصب الإدارية في محافظة الحسكة ومدنها، الأمر الذي ضمن لهم نوعاً من الحظوة لدى السلطة، في حين كان الكرد مغيبين، حتى في مدن ومناطق شكلوا فيها غالبية سكانية. تفصيل الموقف بدأ الموقف، مع منشور  لمدير دار نقش الكردية، عبدالله شيخو ، الذي قال على حسابه في موقع فيسبوك مساء 20  آب أغسطس 2024: رفضت شركة الرافدين اليوم شحن هذين الكتابين من قامشلو إلى ديرك لأن أحدها يحمل اسم كردستان. المفارقة أن ثقافة ولغة وعقيدة الآشوريين والسريان أصحاب شركة الرافدين لم تُحتَرم ولم يُعتَرف بها إلا بعدَ أن أدار الكردستانيون شؤون هذه البلاد. بتحليل المنشور نجد أنه بعد تحدثه عن امتناع شركة الرافدين عن إرسال كتابين لأن أحدها يحمل اسم كردستان، أشار شيخو، بوضوح في الجزء الثاني من منشوره إلى الانتماء القومي والديني لأصحاب الشركة، وهو ما نقل الموقف من كونه خلافاً بينه وبين الشركة إلى ساحة ذات خلفيات وأبعاد سياسية. ويفهم من المنشور أيضاً أنه عدّ رفض نقل الكتاب، عدم احترام أو انتقاصاً للثقافة الكردية من جانب الشركة. ومن الواضح أن منشوره يتضمن رأياً حاداً، لكن لا يمكن تصنيفه كخطاب كراهية، إلا أن التعليقات التي وردت على المنشور تضمنت اتهامات لإدارة الشركة بممارسة العنصرية، إلى جانب ورود صورة نمطية من قبيل التقنع بـقناع البعثيين وشركة بعثية. الملاحظ أن العديد ممن علقوا على المنشور كانوا من الصحفيين والناشطين في الشأن العام، وخلال ساعات شارك أكثر من 14 حساباً شخصياً من أصدقاء شيخو منشوره في سياق تضامني دون وجود خطاب كراهية في منشوراتهم، عدا حساب واحد قال في منشور باللغة الكردية ما معناه: لم ننتظر يوماً من أولاد ميشيل عفلق وأيديولوجيته المتطرفة أي عمل محمود، كما أن حساباً عاماً يتابعه عشرات الآلاف، شارك منشور شيخو، ودعا إلى مقاطعة الشركة بعد أن وصفها بـالعنصرية. أظهر الرصد أن انتشار الموقف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بقي محدوداً نسبياً، خلال اليوم الأول، وانحصر عبر منشورات خلا معظمها من خطاب كراهية، لكن التعليقات على هذه المنشورات تضمنت استخداماً لصورة نمطية مكررة، إضافة إلى اتهامات للشركة بالعنصرية. في اليوم التالي، لدى ظهوره على نشرة فضائية رووداو الكردية، وصف شيخو رفض الشركة نقل الكتابين، بأنه ناجمٌ عن ثقافة بعثية تركت أثرها في عقول وقلوب البعض، ودعا إلى مقاطعة شعبية لجميع الشركات التي تمارس العنصرية، كما دعا إلى سن قانون لمواجهتها. ويفهم من اللقاء أن اعتراض شيخو  كان ضد فعل تمييزي تعرض له من جانب الشركة، ذلك أن نقل الكتب خدمة توفرها الشركة للعموم، ولكنها تعاملت معه بشكل تمييزي، ورفضت نقل الكتاب بسبب انتمائه كفرد، للقومية والثقافة الكردية. ورغم أن شيخو أكد أنه لا يود أن يسلك المسار القانوني حتى لا تتحول القضية إلى مثار خلاف بين الكرد وغيرهم من المكونات، إلا أنه كرر خلال مقابلته مسألة الانتماء القومي والديني لمالكي الشركة، ما ساهم في نقل الموقف مجدداً إلى ساحة ذات خلفيات وأبعاد سياسية. اللافت أن الفضائية لم تلتزم بمعيار التوازن في معالجتها للحادثة، إذ تستدعي التغطية المهنية، أن تفرد الوسيلة الإعلامية المساحة ذاتها من الوقت، لإظهار آراء مختلف الأطراف المعنية خاصة في القضايا ذات الطابع الإشكالي، وهو ما كان يفرض عليها أن تبادر إلى التواصل مع الشركة، وأن تستفسر عن أسباب المشكلة، وأن توضح للجمهور رد الشركة حتى وإن اقتصر على رفض التعليق على الموقف. كما بدا الانحياز لرواية الضيف طرف واحد واضحاً في أسئلة مقدم النشرة، من حيث تبني روايته حول الموقف على أنها حقيقة، ولم تتضمن المقابلة أي أسئلة تشكيكية، أو أي محاولة من مقدم النشرة لتمثيل موقف الطرف الغائب رمزياً، أثناء استيضاح الحقائق. ولا يصح اتهام الفضائية باستخدام خطاب كراهية أو التحريض خلال معالجتها الحدث، إلا أن المقابلة ساهمت في انتشار الموقف بشكل أوسع على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين عادت الاتهامات بممارسة العنصرية من جانب الشركة، إضافة إلى استخدام الصورة النمطية ذاتها، في التعليقات على اللقاء بعد نشره عبر  حساب الفضائية على موقع فيسبوك، وتبين أنه مع ورد تعليقات حثت على التهدئة، كانت هناك تعليقات محرضة. في هذا السياق كان من اللافت أن رئيس أحد الأحزاب السياسية في الإدارة الذاتية، نشر في وقت مبكر من ذات اليوم، عبر حسابه في فيسبوك منشوراً، اتهم فيه الآشوريين السريان بـالتطرف نحو المكون الكردي على خلفية الموقف، وقال: نحن حمينا المنطقة بجميع مكوناتها وكنتم ستنقرضون على يد الإرهاب الداعشي، ودعا الإدارة الذاتية إلى إيقاف ترخيص شركة الشحن لحين تقديم اعتذار. إلا أنه عدل منشوره بعد ساعات ليصبح: كنتم ستتعرضون لأبشع الجرائم على يد الإرهاب الداعشي، كما عاد وتراجع بعد ذلك عن التعميم على الآشوريين السريان، في رده على أحد التعليقات، لكن من دون أن يعدل منشوره. في اليوم التالي 22 آبأغسطس، أصدرت شركة الرافدين بياناً حول الموقف نفت فيه اتباع سياسات عنصرية خلال تقديم الخدمات، وقالت إنها شركة تخضع لقوانين النقل العام ومن ضمنها قوانين تمنع نقل الكتب أياً كانت مضامينها أو محتواها، كما أعربت عن رفضها لما وصفته بـخطاب الكراهية أو التحريض  الذي تتعرض له. وبعد ساعة من صدور بيان شركة الرافدين، نشر عدد من الحسابات الشخصية، والصفحات العامة، التي يتابع بعضها عشرات الآلاف، محتوى تضمن إما صورة نمطية تجاه السريان الآشوريين أو تحريضاً على الشركة ورد فيها: يرجى من كل كوردي شريف بطرد شركة الرافدين من قامشلو. بعد صدور بيان الشركة، علق شيخو معرباً عن رفضه للبيان، ونفى صحة ما قالته الشركة حول عدم تقديمها خدمة شحن الكتب، وأرفق مع منشوره إشعاراً قال إنه لشحن دفعة كتب سابقة، كما جدد مطالبته للشركة بتقديم اعتذار، وذكر أيضاً: أتمنى أن يكون ما أشاركه اليوم آخر شيء أشاركه لأني لا أريد لهذا الموضوع أن يأخذ مجرى يفرّق بين مكوّنات المنطقة التي أعيش فيها وأحبّها. خلال هذا اليوم، توسع انتشار الموقف عبر موقع فيسبوك بشكل أكبر، خصوصاً أن صحفيين نقلوا منشورات عن الموقف، متبنين رأي شيخو حتى قبل صدور بيان الشركة، ودون إفساح مساحة لنقل رأي الطرف الآخر. ولاحظ فريق التقرير بدءاً من صباح 22 وحتى مساء 25 آبأغسطس 2024، وصول التفاعل حول الموقف على موقع فيسبوك إلى مستويات عالية، ليتراجع بعدها بشكل واضح. وخلال هذه الفترة، أظهر الرصد العديد من النقاط، منها: انتشرت أنباء حول إغلاق مكاتب شركة الرافدين في الحسكة، على خلفية الموقف، لكن صحفيين تداولوا منشورات قالت إن الأسباب مرتبطة بـعدم دفع الشركة لرسومها. فيما نشر صحفيون ونشطاء عبر حساباتهم  أنباء إغلاق مكاتب الشركة في القامشلي والحسكة، دون التحقق من صحتها. تضمنت  منشورات العديد من الصفحات العامة، التي يتابع بعضها عشرات الآلاف، تبريراً لإغلاق مكاتب الشركة، رغم أن خبر  الإغلاق كان مستنداً إلى مبالغة وتضليل، ذلك أن مكاتب الشركة بقيت مفتوحة، على الأقل، في القامشلي. لم يظهر البحث أن وسائل إعلام محلية نشرت ما يوضح حقيقة إغلاق مكتب الشركة في الحسكة، بالاستناد إلى مصادر رسمية، أو القائمين على الشركة، لوضع حد للشائعات وتضارب المعلومات. كما أظهر الرصد أن العديد من وسائل الإعلام المحلية، وخاصة المقربة من الإدارة الذاتية، لم تغطِ ما جرى برمته. أظهر الرصد عدم تطرق أي أطراف سياسية من الإدارة الذاتية أو خارجها إلى المسألة لا سلباً ولا إيجاباً باستثناء شخصية سياسية، أشير إلى ردها أعلاه. أظهر البحث أن منظمات المجتمع المدني في المنطقة، لم تبدِ أي اهتمام أو رد فعل تجاه الموقف. صدر بيان اللجنة المكلفة بالتحقيق في الموقف من جانب إدارة النقل التابعة للإدارة الذاتية، مساء 23 آبأغسطس، وعده سوء تفاهم بين الطرفين. سعى نشطاء وفاعلون في الشأن العام من  الكرد والآشوريين السريان إلى تهدئة الأجواء عبر منشوراتهم ومواجهة التحريض، بينما لم تخلو منشورات كتاب  وفاعلين في الشأن العام من كلا المكونين، من استخدام التعميم أو التحريض خلال تفاعلهم مع الموقف، في حين طالب البعض حركة الشبيبة الثورية جوانين شورشكر التي يرتبط اسمها بأعمال عنف، بالتحرك. سعت مواقع وصفحات موالية للحكومة السورية، إلى استغلال الموقف لإثارة مزيد من التحريض من خلال نشر معلومات مضللة . حملت معظم المجموعات العامة التي حرضت في منشوراتها ضد الشركة أو ضد الآشوريين السريان أسماء كردية، فيما نشرت صفحات عامة بأسماء آشورية منشورات حملت تعميماً، واتهامات بالعنصرية واستفزازاً للجمهور الكردي.   ساهم تقرير اللجنة المكلّفة من قبل الإدارة الذاتية، وما كتبه مدير دار نقش عبد الله شيخو، على صفحته الشخصية في فيسبوك، بعد صدور بيان إدارة الشركة، في تراجع الزخم حول الموضوع وتوقف جزئي لحملات الشحن والاستقطاب القومي.  أظهر الرصد أن مكتب الاتحاد النسائي السرياني بمدينة الحسكة، تعرض مساء 24 آبأغسطس، لاعتداءٍ اقتصرت أضراره على الجانب المادي، ولم تظهر أيّ تحقيقات من مصادر رسمية أو تقارير صحفية مستقلة ما إذا كان الاعتداء ناجماً عن تأثر فاعليه بالتحريض المتصاعد عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل ذلك بأيام، أو أن أطرافاً أخرى تقف وراء الحادثة. ما هو خطاب الكراهية؟ ومتى نقع في المحظور؟ أظهرت حوادث تاريخية في العديد من الدول، وفي مرات عدة، كيف يهدد خطاب الكراهية القيم الديمقراطية والتسامح والاستقرار الاجتماعي في بلدان تتمتع بأنظمة حكم ديمقراطي، ولكنه قد يؤدي إلى مآسي إنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية، في بلدان تعاني من أنظمة مستبدة وأزمات سياسية وحروب أهلية. لذا ليس من المستبعد أن تشكل مواقف مشابهة كالتي نتناولها في تقريرنا، تهديداً مستقبلياً لمجتمعنا، فمواجهة التحديات التي أفرزها خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي باتت حاجة عالمية، خاصة وأن هذه المنصات غيرت من مفهوم التواصل تغييراً ثورياً، إذ يمكن لأي محتوى أن يصل إلى نطاق عالمي في زمن قياسي. وقد أظهرت  دراسة علمية أن “المحتوى الذي يتضمن خطاب كراهية، ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمدى أبعد، ونطاق أوسع، وبمعدل أسرع، وله إمكانية وصول أكبر من غيره. وبينما تستمر جهود منظمات دولية مستقلة، إضافة إلى الأمم المتحدة، للتعامل مع تحديات خطاب الكراهية، يبدو أن الوصول إلى تعريف موحد له، تحدياً في ذاته، فهو لا يزال مصطلحاً غير واضح، خاصة في الاستخدام العام له من قبل الإعلام والجمهور. لكن ضمن هذا السياق، تتقاطع العديد من التعريفات المعتبرة حول خطاب الكراهية، بما فيها التعريف الذي تتبناه استراتيجية وخطة عمل الأمم المتحدة بشأن خطاب الكراهية، حول عدة محددات تميزه: أولاً: هو تعبير علني عن الكراهية، يكون تمييزي أو احتقاري، تجاه فرد أو جماعة مستضعفة، كأقلية أو فئة اجتماعية أو غيرها. ثانياً: يبنى دائماً على صفة جماعية، كالانتماء إلى عرق، أو ديانة، أو جنس، أو غيره. ثالثاً: له أشكال عديدة مثل النصوص والصور أو الرسوم المتحركة أو الإيماءات أو غيرها. رابعاً: قد يشجع على العنف أو العداء أو التمييز. لكن من المهم الإدراك أن انتقاد الآخر بسبب أفكاره وتصرّفاته لا يندرج حكماً تحت ”خطاب الكراهية“. وهنا قد نحتاج للتذكير مجدداً، بأن الموقف الذي نتناوله في هذا التقرير، تضمن أولاً اتهاماً لشركة الشحن بالكراهية والتمييز العنصري، في حين برزت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً، نماذج من صور نمطية وتحريض لفظي. وإذا ما أردنا أن نعرف أو أن نحكم على موقف الشركة من كونه تمييزاً عنصرياً بحق مدير دار النشر الكردية من عدمه، فإننا واستناداً إلى تجارب دول متقدمة قانونياً في مجال مواجهة التمييز والعنصرية، سنكون في حاجة إلى محاكم متخصصة في قضايا التمييز، لا يمكن توفرها في الوقت الحالي على الأقل. لكن على مستوى خطاب الكراهية الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمن الواضح أنه يندرج تحت مستوى خطاب الكراهية القانوني، تبعاً للتصنيف الذي تتبناه منظمة المادة 19 الدولية المستقلة، وهو خطاب ناتج عن الصور النمطية أو التحيزات والتعليقات غير اللائقة من قبل رواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.  ورغم أن مثل هذا المستوى من خطاب الكراهية قد يثير المخاوف بشأن عدم التسامح إلا أن المخاوف من التعدي على حق الحرية في التعبير، الذي ينظر إليه كأساس لبناء المعرفة في المجتمعات الديمقراطية ، بما يتيحه من مساحة لتبادل الآراء والتجارب والأفكار، يعد أحد المبررات التي تستند إليها الدراسات وتجارب العديد من الدول الأوروبية في وجوب حماية هذا المستوى من الخطاب بموجب المادة 19 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.  لكنه في المقابل، ومن منطلق أنه لا يمكن الاستهانة بتأثيرات خطاب الكراهية مستقبلاً، أياً كان مستواه، يتوجب توفر تدابير ومداخل شاملة لمواجهته، كأن تضطلع الأحزاب والتيارات السياسية بواجباتها في حماية السلم الأهلي المبني على نبذ خطاب الكراهية، على المستوى السياسي مثلاً، وأن يتم تعزيز قدرات الصحفيين من أجل التعرف على خطاب الكراهية ومواجهته، على المستوى الإعلامي، كما يمكن تفعيل دور التعليم في التنشئة على القيم المدنية بما يعزز الإدراك الإيجابي للآخر ،على المستوى التعليمي، فضلاً عن إشراك المجتمع المدني في تقديم مبادرات ونشاطات تعزز قيم المساواة ودعم الحوار والتعايش السلمي وقبول الاختلاف بين الجماعات المتنوعة على المستوى الاجتماعي. خلاصات تمتلك وسائل التواصل الاجتماعي القدرة على تحويل أي موقف أو مشكلة صغيرة إلى قضية رأي عام، وقد تؤدي إلى اختلال ميزان السلم الأهلي، لذا تبرز الحاجة إلى محو الأمية الإعلامية لدى فئة واسعة من الجمهور. أظهر الموقف أهمية أدوار روّاد وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتهم على اختلاق قضايا تمس مستقبل المكوّنات وحالة السلم الأهلي الراهنة. لدى شريحة من أبناء المنطقة، قابلية للدخول في نوبات كراهية غير مبررة ما ينبه إلى وجود خلل في ميزان العلاقات، وإمكانية أن تتحوّل أي مواقف إلى قضايا رأي عام، يتداخل فيها الشخصي بالعام، واستحداث مظلوميات غير  واقعية لدى كل الأطراف. لم تتوفر دلائل على وجود حملات ممنهجة للتحريض على الكراهية من جانب الأطراف الرئيسية، عدا محاولة صفحات ومواقع محدودة لاستغلال الموقف، انطلاقاً من خصومة سياسية. إن الأسباب والدوافع وراء ظهور خطاب الكراهية كانت تتراوح بين عدم إدراك مخاطر خطاب الكراهية ومدى حساسية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لمناقشة قضايا إشكالية بلغة مشحونة، وبين استخدام صور نمطية موروثة من فترات وأحداث تاريخية سابقة. لم تساهم وسائل الإعلام المحلية بفعالية في الحد من تفاقم الموقف، إذ تحاشى بعضها تغطيته، فيما حاولت أخرى نقل مستجداته مع آراء الأطراف الرئيسية بحيادية، لكن غاب عن تغطيتها تسليط الضوء على المخاطر التي يمكنها تهديد السلم الأهلي في المنطقة جراء خطاب الكراهية الناجم عن مثل هذه المواقف. برزت ردود فعل إيجابية لتطويق الموقف ومواجهة خطاب الكراهية الناجم عنه، لكنها اقتصرت على عدد محدود من الصحفيين والنشطاء المدنيين والفاعلين في الشأن العام، كما لم ترصد أي تصريحات لشخصيات أو أطراف سياسية تستنكر الانجرار لاستخدام خطاب الكراهية بين المكونات في المنطقة. بدا واضحاً أن مستوى خطاب الكراهية لم يتعد خطاب الكراهية القانوني الذي يتضمن ذلك الخطاب الناتج عن الصور النمطية أو التحيزات والتعليقات غير اللائقة، وهو خطاب قد لا يحتاج إلى منع، بقدر ما يستوجب معالجته على مستويات متعددة كالتعليم والإعلام والمجتمع المدني والمستوى السياسي.  إن قلة الأصوات المؤثّرة والمنحازة لأفكار السلم الأهلي والحفاظ على حالة التعايش والتماسك المجتمعي والقادرة على بلورة وجهة نظر واضحة تجاه ما حصل، يدفع باتجاه تعدد الروايات والانطباعات وإلى بروز أشكال من التفاعل السلبي.  أنجز هذه الورقة فريق بالتعاون مع موقع 963 في إطار مذكرة تفاهم لتبادل نشر المحتوى.  قائمة بالمراجع: 1 تواصل مناهضة خطاب الكراهية، خطابات التحريض وحرية التعبير “الحدود الفاصلة”، 26  أيلولسبتمبر 2023، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024 :2.3 . 2 تواصل مناهضة خطاب الكراهية، توصية السياسة العامة رقم 15 للجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب: بشأن مكافحة خطاب الكراهية، 25 أيلولسبتمبر 2023، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024 :2.3 . 3 صندوق الأمم المتحدة للسكان، خطاب الكراهية يسمم العقول، 18 حزيرانيونيو 2024، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024:2.24 . 4   تواصل مناهضة خطاب الكراهية، خطابات التحريض وحرية التعبير “الحدود الفاصلة”،26 أيلولسبتمبر 2023، . آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024 :2.3. 5 ، ‘’ ، 3 2016 : 6 2024 :2.. 6 سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، سوريا: نماذج عن مواد مضللة انتشرت خلال أحداث دير الزور، 27 تشرين الثانينوفمبر 2023،  آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.8. 7 مركز آتون للدراسات، الكُرد والإبادة الأرمنية الكبرى 1915 1917 محطات ومواقف، 29تشرين الأولأكتوبر 2023، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.82. 8 موقع الأمم المتحدة، خطاب الكراهية دور الأمم المتحدة، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.74  . 9 المصدر ذاته.  10 المصدر ذاته. 11 مسار، مدخل لمناهضة خطاب الكراهية، تشرين الثانينوفمبر 2022. آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.279 . 12 موقع الأمم المتحدة، خطاب الكراهية دور الأمم المتحدة، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024:.. . 13   المصدر ذاته. 14   المصدر ذاته. 15 أونتاريو، لجنة حقوق الإنسان لجنة حقوق الإنسان في أونتاريو، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024،:2.. 16 منصة ، التمييز، 23 أيارمايو 2024. آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.. 17 المصدر ذاته. 18 موقع خطاب الكراهيةمنظمة المادة 19، متى يمكن تقييد الحقّ في حريّة التعبير؟، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024.0، :2.22. 19 المجلس الوطني لحقوق الإنسانالمغرب، حرية الرأي والتعبير، التظاهر وتأسيس الجمعيات، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.23. 20 موقع الأمم المتحدة، خطاب الكراهية دور الأمم المتحدة، آخر زيارة بتاريخ 6 تشرين الأول أكتوبر 2024 ، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.74. 21 دراسات في حقوق الإنسان، خطاب الكراهية وحقوق الإنسان، آخر زيارة 6 تشرين الأولأكتوبر 2024، :2.52.