تقرير: باسل جعرور
أصدرت منظمتا "بتسيلم" و "أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل (PHRI)" تقريرين متزامنين في تموز 2025، يحمّلان الاحتلال المسؤولية المباشرة عن ارتكاب "جريمة إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
حيث أصدرت "بتسيلم" التقرير الأول بعنوان "إبادتنا"، والذي يعتمد على تحليل سياسي وقانوني وسياقي، بينما صدر التقرير الثاني من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل (PHRI)" والذي قدم تحليلاً طبياً قانونياً يوثق تفكيك النظام الصحي في غزة كأداة إبادة.
وصاحب صدور التقريرين عاصفة من الجدل، ليس لأجل ما حملاه في طياتهما من اتهامات للاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية، بل لأن خروج هذه الاتهامات من مؤسسات إسرائيلية وعن جهات حقوقية تعمل ضمن المجتمع المدني الاسرائيلي، ما يعني أن الرواية لم تُبنَ على خصومة سياسية أو أيديولوجية، بل على تحليل داخلي للقرارات والسياسات والنتائج الميدانية.
اعتمدت بتسيلم و (PHRI) في التقريرين الصادرين عنهما على مجموعة من الإجراءات المنهجية الدقيقة التي تمحورت حول:
- تحليل الخطاب الرسمي الإسرائيلي منذ 7 تشرين أول 2023.
- مراجعة القرارات العسكرية والسياسية.
- رصد لأنماط الاستهداف الميداني.
- شهادات من داخل غزة، بينها شهادات أطباء ومسعفين معتقلين أو ناجين.
- تقييم طبي ونفسي للآثار على المدنيين.
- تصنيف قانوني للجرائم وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية.
يرصد تقرير بتسيلم كيف انتقل الاحتلال، بعد السابع من تشرين أول، من سياسة "الردع والسيطرة" إلى "سياسة التدمير الكامل".
ويؤكد التقرير أن هذا التحول لم يكن ارتجالياً، بل نابع من قرارات سياسية واضحة وتصريحات علنية من مسؤولين في الحكومة والجيش، دعت إلى "محو غزة"، و"قطع وسائل الحياة عنها"، و"إعادة تشكيل القطاع".
وعن ذلك تقول يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لبتسيلم:
"منذ 7 اكتوبر 2023، نشهد تحولاً من الاحتلال إلى الإبادة".
ويشير التقرير أن هذا التحول يُعد مؤشراً مركزياً في تعريف الإبادة الجماعية، حيث لا يُستهدف طرفا عسكري، بل يستهدف مجتمعا بأكمله، بهدف تفكيكه جسدياً ونفسياً وثقافياً.
وتعرّف "الإبادة الجماعية" بحسب نص المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (1948):
"الإبادة الجماعية تعني أي فعل يُرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، من خلال القتل، أو إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي، أو فرض ظروف معيشية تهدف إلى تدميرها الفعلي"
كما يوضح القانون الدولي أشكال الإبادة الجماعية استناداً إلى نفس المادة السابقة بأنها:
- (أ) قتل أعضاء من الجماعة.
- (ب) إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء من الجماعة.
- (ج) إخضاع الجماعة لظروف معيشية يُراد بها تدميرها كلياً أو جزئياً.
- (د) فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة.
- (هـ) نقل أطفال الجماعة قسراً إلى جماعة أخرى.
ووفق التقرير المشترك بين "بتسيلم" و"PHRI"، تنطبق ثلاثة من هذه الأركان على ما يحدث في غزة، كالآتي:
1. القتل الجماعي الممنهج:
يشير التقرير إلى عدد من الدلائل التي توثق ارتكاب الاحتلال جرائم القتل الجماعي الممنهج، في ضوء الحقائق التالية:
- سقوط أكثر من 58,000 "قتيل" منذ بدء الحرب على غزة، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة التي اعتمدها التقرير.
- 29% من الضحايا هم من الأطفال، أي ما يزيد عن 16,820 طفلاً.
- أنماط الاستهداف تشمل الأحياء السكنية، المدارس، مراكز الإيواء، والمستشفيات.
- شهادات ميدانية من أطباء ومسعفين تؤكد أن القصف طال مناطق لا تحتوي على أي أهداف عسكرية.
"الاستهداف لم يكن موجّهاً ضد مقاتلين، بل ضد السكان المدنيين، في منازلهم، مدارسهم، ومستشفياتهم" – تقرير بتسيلم
2. إلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم:
يؤكد التقرير أن إسرائيل تتعمد إلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم بحق المدنيين في غزة، من خلال:
- ترك آلاف الجرحى دون علاج بسبب استهداف النظام الصحي.
- يوثق تقرير PHRI أن نصف أطفال غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة، تشمل نوبات هلع، كوابيس، وانهيارات سلوكية.
- تعاني النساء من فقدان الأزواج والأبناء، وقد تحولن إلى معيلات في ظروف قسرية، دون دعم نفسي أو اجتماعي.
- شهادة من طبيبة في مستشفى الشفاء:
"نستقبل أطفالاً لا يتكلمون، لا يتحركون، فقط يحدقون في السقف. هذا ليس طباً، هذا توثيق لانهيار الطفولة".
3. فرض ظروف معيشية قاتلة:
يوثق التقرير فرض الاحتلال ظروف معيشية قاتلة لخنق مقومات الحياة في قطاع غزة، عن طريق:
- الحصار الكامل على الغذاء والماء والدواء، واستهداف البنية التحتية، مما أدى إلى انهيار شامل في شروط الحياة.
- يصف تقرير بتسيلم هذه السياسات بأنها "مقصودة وممنهجة"، وليست نتيجة عرضية للحرب.
- يوثق تقرير PHRI أن 92% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأن 127 حالة وفاة بسبب الجوع تم توثيقها، بينهم 85 طفلاً.
وبحسب تقرير بتسيلم، تشكل السياسات الإسرائيلية الممتدة من القتل إلى التجويع، ومن تدمير النظام الصحي إلى منع الإخلاء، "بنية مكتملة لجريمة إبادة جماعية"، وتفتح الباب أمام المساءلة القانونية الدولية:
"النية عنصر جوهري في توصيف الإبادة الجماعية، ولا يُشترط إعلانها صراحة، بل يُستدل عليها من نمط الأفعال، واستمراريتها، والنتائج المتوقعة" – تقرير بتسيلم، ص. 17
"هذا ليس ضرراً جانبياً للحرب، بل سياسة متعمدة تهدف إلى إيذاء السكان الفلسطينيين كجماعة" – تقرير PHRI
منذ بدء الحرب على غزة في تشرين أول 2023، وثّق التقرير المشترك نمطاً متكرراً من الاستهداف لا يمكن تفسيره كـ"أضرار جانبية".
وبحسب التقريرين، فإن عدد "القتلى" في غزة بلغ نحو 58,000 شخص حتى تموز 2025، وفقاً لبيانات وزارة الصحة في غزة التي اعتمدتها المنظمتان.
وبالنظر إلى التوزيع العمري والنوعي للضحايا، يظهر نمطاً ممنهجاً كالآتي:
الفئة المستهدفة | العدد التقريبي | النسبة من إجمالي الضحايا |
الأطفال | 16,820 | 29% |
النساء | 8,700 | 15% |
كبار السن | 4,060 | 7% |
رجال مدنيون | 28,420 | 49% |
الإجمالي | 58,000 | 100% |
واستناداً على هذا النمط الظاهر في التوزيع العمري والنوعي للضحايا، يقول تقرير بتسليم:
"الاستهداف لم يكن موجّهًا ضد مقاتلين، بل ضد السكان المدنيين، في منازلهم، مدارسهم، ومستشفياتهم".
يعزز التقرير المشترك لبتسليم و "PHRI" من صحة فرضيته في اعتماد الاحتلال على سياسة القتل، من خلال توثيق استهدافه للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة، كالتالي:
- تم قصف 33 مستشفى ومركزاً صحياً، بعضها بشكل متكرر، ما أدى إلى انهيار النظام الصحي بالكامل
- تم تدمير شبكات المياه والكهرباء، ما جعل الحياة اليومية مستحيلة.
- استهداف مراكز الإيواء والمدارس التي تحوّلت إلى ملاجئ للنازحين بالقصف المباشر.
وتقول شهادة من أحد المسعفين في شمال غزة:
"نقلنا جثثاً من مدرسة كانت تؤوي نازحين، لم يكن فيها أي مسلح، فقط أطفال نائمون على الأرض".
وفي دليل آخر على تبني الاحتلال سياسة القتل، يوثق التقرير المشترك لبتسليم و "PHRI" بعض الممارسات الإسرائيلية في إطار تدمير الأحياء بالكامل:
- يوثق التقرير حالات تم فيها تسوية أحياء كاملة بالأرض، مثل: "حي الزيتون" و "الشجاعية"، دون وجود مبرر عسكري واضح.
- أدى استخدام القنابل الثقيلة في مناطق سكنية إلى دفن عشرات العائلات تحت الأنقاض، دون إمكانية انتشال الجثث.
- تُظهر صور الأقمار الصناعية التي أوردها تقرير بتسيلم محواً عمرانياً كاملاً في مناطق مدنية.
تُظهر هذه الوقائع تُظهر أن القتل لم يكن نتيجة اشتباك، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني جسدياً ، ما يعزز توصيف الإبادة الجماعية وفق القانون الدولي.
"القتل الجماعي للسكان المدنيين، خاصة الأطفال والنساء، في غياب أي ضرورة عسكرية، يُعد من أخطر صور الإبادة الجماعية" – تقرير PHRI
بحسب تقرير بتسيلم، فإن الاحتلال "يستخدم الغذاء كسلاح"، عبر منع دخول المساعدات، واستهداف البنية الغذائية، وخلق ظروف معيشية قاتلة.
ويصف التقرير ذلك بأنه "تجويع ممنهج"، ويستند إلى بيانات ميدانية وشهادات من داخل غزة، إضافة إلى تصريحات رسمية في دولة الاحتلال تؤكد السيطرة الكاملة على تدفق المساعدات.
أما تقرير PHRI فيقدّم تحليلاً طبياً قانونياً يُظهر أن:
- 92% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
- ثلث السكان لم يأكلوا لأيام متتالية.
- 80% من وفيات الجوع هم من الأطفال.
- على الأقل 12 حالة وفاة بسبب الجوع تم توثيقها، بينهم 85 طفلاً، نصفهم خلال شهر واحد فقط.
شهادة من طبيب أطفال في مستشفى ناصر:
"نستقبل أطفالاً بوزن أقل من نصف المعدل الطبيعي. لا حليب، لا ماء، لا كهرباء لتشغيل الحاضنات. هذا ليس طباً، هذا موت بطيء".
كما أن التقرير يُوثّق استهدافاً ممنهجاً للبنية الغذائية، عن طريق القصف المباشر لـ:
- مخازن الغذاء والمخابز.
- شاحنات الإغاثة والمطابخ الميدانية.
- مراكز توزيع المساعدات.
- شبكات المياه والكهرباء التي تُعد ضرورية لتخزين وتحضير الطعام.
كما يشير إلى أن صور الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد، والتي انتشرت عالمياً، ليست استثناءً، بل نتيجة مباشرة لسياسة التجويع.
وبحسب نص المادة 54 – البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977):
"يُحظر استخدام التجويع ضد المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، كما يُحظر مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو جعل غير صالح للاستعمال للأغراض المدنية، مثل: المواد الغذائية، المحاصيل الزراعية، والمياه"
ويؤكد تقرير بتسيلم على أن:
"فرض ظروف معيشية قاتلة، بما في ذلك منع الغذاء والماء، يُعد من أركان جريمة الإبادة الجماعية".
هذه السياسات، كما وردت في التقريرين، تُعد انتهاكاً صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتشكل أداة إبادة جماعية مع سبق الإصرار.
في تقريرها الطبي-القانوني، توثق منظمة "PHRI" ما تصفه بأنه "تفكيك ممنهج للنظام الصحي في غزة"، ليس كأثر جانبي للحرب، بل كسياسة متعمدة تهدف إلى حرمان السكان من شروط البقاء الأساسية.
وبحسب التقرير، تقوم إسرائيل بتفكيك النظام الصحفي في غزة بشكل ممنهج عبر الممارسات التالية:
1. هجوم شامل على البنية الصحية:
- منذ تشرين أول 2023، تعرضت 33 من أصل 36 مستشفى وعيادة في غزة لهجمات مباشرة أو حصار أو إغلاق قسري.
- تم قتل أو اعتقال أكثر من 1,800 من الطواقم الطبية ، بينهم أطباء وممرضون ومسعفون.
- تم تدمير المعدات الطبية الحيوية، بما في ذلك أجهزة التصوير، وحدات العناية المركزة، ومخازن الأدوية.
- تقرير PHRI يؤكد:
"هذا ليس ضرراً جانبياً للحرب، بل سياسة متعمدة تهدف إلى إيذاء السكان الفلسطينيين كجماعة"
وتقول شهادة من طبيب في مستشفى الشفاء:
"لم يعد لدينا أجهزة تصوير، لا أدوية، لا كهرباء. المرضى يموتون أمامنا ونحن عاجزون عن فعل شيء"
2. منع الإخلاء الطبي والمساعدات
ويوثق التقرير "" جانبا آخر من جوانب استهداف المنظومة الطبية في غزة والعمل على تفكيكها، عبر قيام الاحتلال بالممارسات التالية:
- إغلاق المعابر بشكل شبه كامل، ما منع آلاف المرضى من الوصول إلى العلاج خارج غزة.
- المساعدات الطبية أُوقفت أو أُعيقت، بما في ذلك الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات.
- حالات مرضية حرجة، مثل السرطان والفشل الكلوي، تُركت دون علاج، ما أدى إلى وفيات يمكن منعها.
"حتى لو توقفت العمليات العسكرية اليوم، فإن الدمار الذي لحق بالنظام الصحي سيؤدي إلى وفيات مستمرة لسنوات" – تقرير PHRI
وتنص المادة 18 – اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على أنه:
"يجب احترام وحماية المستشفيات المدنية التي تُستخدم لعلاج الجرحى والمرضى والنساء الوالدات، في جميع الأوقات، ما لم تُستخدم في أعمال عدائية".
بينما يؤكد نص المادة 12 – البروتوكول الإضافي الأول (1977) على أنه:
"يجب ألا تكون الوحدات الطبية هدفاً للهجوم، ويجب ألا تُستخدم لأغراض تُخالف مهمتها الإنسانية".
يصنف التقرير الانهيار في المنظومة الطبية في غزة وفق النتائج الميدانية بأنه "انهيار لا يمكن إصلاحه"، استناداً على المؤشرات التالية:
- لا توجد أجهزة تصوير بالرنين المغناطيسي في غزة منذ أشهر.
- آلاف المرضى يموتون بسبب أمراض مزمنة يمكن علاجها.
- الأطفال يموتون بسبب الجفاف، العدوى، وسوء التغذية، دون أن يتمكن أحد من إنقاذهم.
ويقول غاي شاليف، مدير منظمة "PHRI":
"الدمار الصحي وحده يُحقق معيار الإبادة الجماعية وفق المادة 2(ج) من اتفاقية الأمم المتحدة"
في سياق الإبادة الجماعية، لا يُقاس الأثر فقط بعدد القتلى، بل أيضاً بما يُخلّفه العدوان من تدمير نفسي واجتماعي طويل الأمد.
ويبرز التقرير المشترك بين "بتسيلم" و"PHRI" أن ما يحدث في غزة لا يُفني الأجساد فقط، بل يُفكك المجتمع من داخله، ويحوّل الطفولة إلى ساحة حرب دائمة.
وبحسب تقرير PHRI:
- 50% من أطفال غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة، تشمل نوبات هلع، كوابيس مزمنة، واضطرابات في السلوك
- أكثر من 10,000 طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما، ما أدى إلى تفكك آلاف الأسر، وحرمان الأطفال من الرعاية الأساسية
- 92% من الأطفال بين 6 أشهر وسنتين لا يحصلون على تغذية كافية، ما يفاقم الأثر النفسي بالجوع والحرمان الجسدي
وتقول شهادة من أخصائية نفسية تعمل في مركز إغاثة مؤقت:
"الطفل الذي فقد والديه لا يبكي. لا يتكلم. فقط يحدق في الأرض. هذا ليس حزناً، هذا انهيار وجودي".
ويشير التقرير المشترك إلى الآثار المروعة بحق النساء في غزة نتيجة الحرب، ومنها:
- آلاف النساء فقدن أزواجهن وأبنائهن، وتحولن إلى معيلات لأسر بلا مأوى ولا دخل.
- النساء يُعانين من اضطرابات نفسية مرتبطة بالفقد، العنف، وانعدام الأمان، دون أي دعم نفسي أو اجتماعي.
- حالات الإجهاض، الولادة المبكرة، والانهيار النفسي في صفوف الحوامل، ارتفعت بشكل غير مسبوق، بحسب تقييمات ميدانية.
يشير تقرير "بتسيلم" إلى أن ما يحدث في غزة لا يُفكك الأفراد فقط، بل يُفكك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، بالاستناد على عدد من المؤشرات الميدانية:
- تدمير المدارس بالقصف، ما حرم أكثر من 500,000 طفل من التعليم.
- تشتت الأسر بفعل التهجير، القتل، والاعتقال.
- الاستهداف المباشر للمجتمع المدني جعله يفقد أدواته التنظيمية، من النقابات إلى الجمعيات.
هذه النتائج تُظهر أن الإبادة الجماعية في غزة تشمل "تفكيك الهوية والروابط الاجتماعية"، ما يُعد انتهاكاً جوهرياً للحق في الحياة الكريمة، وللاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين في النزاعات المسلحة.
"الإبادة لا تُنفذ فقط عبر القتل، بل عبر تدمير شروط الحياة النفسية والاجتماعية، ما يجعل التعافي مستحيلًا حتى بعد توقف العدوان" – تقرير بتسيلم
رغم أن الحرب على غزة تحتل مركز الاهتمام، فإن التقريرين الصادرين عن "بتسيلم" و"PHRI" يحذران من أن "نموذج الإبادة الجماعية لا يقتصر على القطاع"، بل بدأ يتمدد إلى "الضفة الغربية"، وإن كان بوتيرة أقل وضوحاً.
ويستند التقرير على تقييمه قياساً بتصاعد عمليات القتل والتهجير في الضفة، بناءً على المؤشرات التالية:
- منذ 7 تشرين أول 2023، قُتل ما لا يقل عن 1,000 فلسطيني في الضفة الغربية، بينهم عشرات الأطفال.
- أكثر من 40,000 فلسطيني تم تهجيرهم قسراً من مناطق مثل: جنين، و طولكرم. بفعل العمليات العسكرية والمداهمات الليلية.
- عمليات القتل لم تقتصر على المواجهات، بل شملت مدنيين في منازلهم ومخيماتهم.
"ما يجري في الضفة ليس مجرد تصعيدا أمنيا، بل جزء من نمط متكرر من التهجير والتطهير السكاني" – تقرير بتسيلم
يؤكد تقرير "بتسيلم" أن النشاط العسكري للاحتلال، في الضفة الغربية يهدف بشكل مقصود إلى تدمير البنية المدنية والاجتماعية، من خلال:
- عمليات الهدم التي طالت منازل، مدارس، ومراكز صحية في مناطق متعددة من الضفة.
- القيود على الحركة، والحواجز العسكرية، والسيطرة على الموارد، مما أدى إلى تفكيك الحياة اليومية للسكان.
- التقرير يشير إلى أن هذه السياسات تُنفذ بنفس الأدوات العسكرية والسياسية المستخدمة في غزة، وتحت قيادة نفس المسؤولين.
وخلال التقرير، حذرت يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لمنظمة بتسيلم من تطبيق نموذج غزة على الضفة الغربية، بالقول:
"النموذج الذي يُنفذ في غزة بدأ يُطبّق في الضفة الغربية. لم يعد الأمر مجرد احتلال، بل تحول إلى نظام إبادة تدريجي"
ويُحذّر التقرير من أن أي تصعيد جديد، أو "شرارة سياسية"، قد يُستخدم كذريعة لتوسيع نطاق الإبادة إلى الضفة، خاصة في ظل غياب أي مساءلة دولية أو داخلية.
يربط تقرير "بتسيلم" بين ما يحدث في غزة والضفة باعتباره "تجسيداً لعقيدة سياسية واحدة"، تهدف إلى تفكيك المجتمع الفلسطيني، وإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا بما يخدم مشروع السيطرة الكاملة.
وينص التقرير على أن:
"التمييز في الأدوات لا يعني اختلافاً في النوايا. ما يُنفذ في الضفة هو امتداد طبيعي لما يُنفذ في غزة، ويجب أن يُعامل بنفس الجدية القانونية والحقوقية".
في عالم تُستخدم فيه كلمة "إبادة جماعية" بحذر شديد، فإن صدورها من داخل الاحتلال، وعلى لسان منظمتين حقوقيتين معروفتين دولياً، يُعد "منعطفاِ قانونياً وأخلاقياً حاسماً".
حيث لا يكتفي التقرير المشترك بين "بتسيلم" و "PHRI" بتوثيق الجرائم، بل يُقدّم "تحليلاً قانونياً ممنهجاً"، يُظهر أن ما يحدث في غزة يُحقق على الأقل "ثلاثة من الأركان الخمسة" التي تُعرّف الإبادة الجماعية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948:
- القتل الجماعي للسكان المدنيين
- إلحاق الأذى الجسدي والنفسي الجسيم
- فرض ظروف حياة قاتلة تهدف إلى التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة
يستند التقرير إلى تصريحات علنية من مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، دعت إلى "محو غزة"، و"تدمير المجتمع الفلسطيني"، و"إعادة تشكيل القطاع"، ما يُظهر وجود "نية معلنة"، وهي العنصر الحاسم في توصيف الإبادة.
"النية لا تُقاس بالتصريح فقط، بل بنمط الأفعال واستمراريتها، والنتائج المتوقعة منها" – تقرير بتسيلم
كما يُبرز التقرير أن هذه السياسات لم تُنفذ في لحظة غضب، بل استمرت على مدى 22 شهراً، رغم الإدانات الدولية، ما يُظهر "إصراراً ممنهجاً على الاستمرار في التدمير".
بحسب تصريحات يولي نوفاك، المديرة التنفيذية لبتسيلم:
"التقرير ليس مجرد وثيقة حقوقية، بل دعوة قانونية للمحاسبة. لقد وضعنا الحقيقة على الطاولة، والآن على العالم أن يتحرك".
ويُعد التقرير مرجعاً قانونياً يمكن استخدامه أمام:
- محكمة العدل الدولية (ICJ)، في القضية المقدمة من جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
- المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، في إطار التحقيقات الجارية بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
- الهيئات الأممية، مثل: مجلس حقوق الإنسان، والجمعية العامة.
تُحمّل المنظمتان المجتمع الدولي مسؤولية مزدوجة:
- مسؤولية قانونية لوقف الإبادة.
- مسؤولية أخلاقية لعدم التواطؤ بالصمت أو الدعم العسكري.
كما تؤكدان أن "استمرار الدعم السياسي والعسكري للاحتلال"، رغم الأدلة، يُعد "تواطؤاً قانونياً في جريمة إبادة جماعية"."منع الإبادة ليس واجباً أخلاقياً فقط، بل التزام قانوني دولي. كل من يشارك أو يصمت، يتحمل جزءاً من المسؤولية" – تقرير PHRI