تقرير: عبدالرحمن عز الدين
بطلق ناري متفجر حصد قدمه اليمنى، وصل المواطن إبراهيم عبد النبي، النازح في منطقة المواصي غربي خان يونس، أحد المؤسسات التي تقدم مساعدات إنسانية في غزة، خلال محاولته الحصول على بعض المساعدات الغذائية؛ لإطعام أطفاله المجوعين.
يقول عبد النبي: "في يوم 27 أيار الماضي كانت الأنباء المتداولة تقول أن استلام الطرود الغذائية سيكون من أحد مراكز التوزيع وبشكل منظم عبر بطاقة الهوية، فاصطحبت هويتي وذهبت إلى منطقة العلم غربي رفح حيث يقع مركز المساعدات، وعند وصولي للمكان أصبت بطلق ناري متفجر أدى لبتر قدمي على الفور".
ويتابع: "نزفت ما يقارب ساعة ونصف، ودمي وصل إلى 8 بعد أن كان 15، وبعد كل هذا النزيف استطاع بعض الشبان حملي ونقلوني إلى مستشفى الصليب الأحمر الميداني شمالي غرب رفح، ومكثت هنالك حوالي شهر ونصف للخضوع للعلاج، وأصيبت خلالها قدمي بالتهابات ومضاعفات حادة أدت لخضوعي إلى عمليات بتر إضافية".
وعند عودة عبد النبي إلى خيمته، وجد زوجته وأطفاله في حالة أشد مأساوية عما تركهم عليه عند ذهابه للمساعدات قبل شهر ونصف من خروجه من المستشفى، ووجد طفلته بعمر 10 سنوات تضطر لحمل جالون مياه 20 لتر بعد أن تنجح بكثير من الصعوبة في تعبئته من إحدى السيارات الشحيحة لتوفير مياه الشرب، أما الزوجة وبقية الأبناء، فيضطرون للطواف على التكيات أملاً في الحصول على بعض الطعام لسد رمقهم.
كان سؤال أطفاله واستفساراتهم يشكل طوق خانق يكتم أنفاسه، حين يخبره أطفاله أن أناس آخرين من أقاربهم أو جيرانهم نجحوا في الحصول على طعامهم، بينما هم لا، ويسألونه: "لماذا لا تأتي لنا بمثل ما حصلوا عليه؟!" مما أثر بالسلب على نفسيته، وشكّل في داخله حافزاً لمواجهة ظروفه القاهرة "بأي ثمن".
ابتكار من لا شيء
حاول عبد النبي أن يستجمع أفكاره لصناعة طرف باستخدام المكونات البسيطة المتاحة، حتى يستطيع التحرك وتلبية احتياجات أسرته بالحد الأدنى ومشاطرتهم المسؤوليات الجديدة التي ألقيت على عاتقهم بعد إصابته.
ويقول عبد النبي: "كانوا يدركون إصابتي، وفسرت لهم أسبابي، لكن حاجتهم وجوعهم كانت أقوى من حجج المنطق، فآثرت أن أقوم بتفصيل طرف صناعي بمساعدة زوجتي وبمكونات من داخل خيمتي والأشياء التي اصطحبناها معنا خلال النزوح، كي استطيع القيام بواجبي كأب تجاههم، وقد نجحت في صناعته".
ويردف: "لا يعمل الطرف بكفاءة 100% أو 90%، بل إن كفاءته لا تتجاوز 30%؛ لأنه ليس طرفاً طبياً أو مصنوع من مكونات مناسبة، لكن على أي حال أستطيع السير عليه، وهذا يساعدني في القيام بجزء من واجباتي تجاه أسرتي".
وفي إطار محاولاته لصنع الطرف البدائي، استخدم أنبوب بلاستيكي مصمم بالأساس لنقل المياه العادمة، وقطعتين من الصُلب قام بتثبيتهما عليها بواسطة مسامير وأسلاك معدنية، بما يمنحه مزيداً من التماسك والثبات.
وعن تغلبه على تحديات صناعة الطرف، يقول عبد النبي: "عزيمتي تفوقت على كل صعوبة، لا أنكر أنني واجهت بعض العقبات خلال محاولتي صناعة هذا الطرف وإعادة صيانته أكثر من مرة، لكن حاجتي لتلبية متطلبات الحياة لأولادي كانت الدافع الأول للتغلب على التحديات".
ويستكمل: "لم اهتم في مدى كفاءة الطرف أو ضمان عدم تسببه بجروح إضافية في قدمي أو أن يكون مريحاً إلى حد ما، بل كل همي أن استطيع الوقوف والحركة بواسطته للسعي إلى توفير لقمة العيش لأطفالي".
ويعاني عبد النبي من انقطاع وصول المساعدات إلى أسرته منذ مدة طويلة، في ظل توقف جميع المنظمات الإنسانية عن العمل وفق البروتوكول الإنساني المتبع من الأمم المتحدة؛ بسبب رفض الاحتلال إدخال المساعدات لها وعلى رأسها وكالة الأونروا، بذريعة أن هذه الإجراءات تهدف إلى منع حماس من السيطرة على المساعدات، رغم نفي عديد التقارير الصادرة عن منظمات أممية مستقلة مزاعم الاحتلال.
وأمام هذه المعاناة المستمرة، يعقد عبد النبي العزم على العودة إلى مراكز المساعدات لمحاولة الحصول على الدقيق وأي أطعمة أخرى لإشباع جوع أطفاله، رغم ما تعرض له في المرة السابقة وخسارته لقدمه، وتوالي حوادث القتل وإطلاق النار من قبل جنود الاحتلال ومقاولي الأمن في محيط هذه المراكز وداخل ممراتها.
ويبرر عبد النبي قراره بالحاجة الشديدة لإطعام أسرته، في ظل النقص الحاد في السلع الغذائية، وتوقف عمل المؤسسات الإغاثية للأمم المتحدة، وعدم وجود أي جهة تعمل على إيصال الطعام لأسرته، كل ذلك يدفعه نحو خطر محتمل رغم ارتفاع فرصته، على خطر مؤكد للفناء جوعاً، بحسب رأيه.
يشرح عبد النبي اضطراره لصناعة طرف من مخلفات البلاستيك بدلاً من الحصول على طرف طبي بالقول: "لم ألق أي استجابة لتوفير الطرف الذي احتاجه، فقد توجهت إلى المستشفى الأردني ومجمع ناصر الطبي، ومستشفى الكويتي، لا يوجد لديهم أطراف صناعية؛ بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية ونقص المعابر، حتى مجرد إجراء الغيار الطبي على جروحي لا يستطيعون القيام به لذات السبب".
ويردف: "أطلب من الإنسانية جمعاء النظر إلى الغزيين والمصابين تحديداً بعين الرحمة"، مؤكداً على أن العزم الفلسطيني على مواصلة حياته ليس له حدود ولا توقفه عقبات، لكنه بحاجة للمساعدة كي يستطيع التغلب على ظروفه المأساوية والتي فاقمتها الحرب بشكل كارثي، فحتى المواد البسيطة غير متوفرة بما يمكنه من تطبيق أفكاره.
ويناشد عبد النبي المنظمات الإنسانية لإجلاءه للعلاج وتركيب طرف صناعي طبي كي يستطيع إعالة أسرته، ووقف مسلسل الذل والهوان الذي تعيشه زوجته وأطفاله بعد أن كانوا يتمتعون بحياة كريمة.