يسهم التزييف العميق في تفاقم وباء اضطراب المعلومات، ويمثل أحد أخطر التهديدات الناجمة عن استخدام الذكاء الاصطناعي في الجرائم السيبرانية. فهو يُستخدم لاستهداف الأفراد والمجموعات وحتى الحكومات، والتأثير في الرأي العام، لا سيما في سياق الانتخابات.
في هذا المقال، نقدم أدوات كشف التضليل المنتج باستخدام تقنيات التزييف العميق، والتحديات أو المحاذير الأخلاقية التي يجب أخذها في الاعتبار عند استخدام هذه الأدوات، بالإضافة إلى دراسات حالة من تحقيقات كشفت تضليلاً قائماً على التزييف العميق، ختاماً بنصائح للصحفيين المهتمين بالتوسع في هذا المجال.
تقنية التزييف العميق وخطورتها
يعرف التزييف العميق، وفقاً لدراسة "حالة التزييف العميق:المشهد، التهديدات، والتأثيرات"، بأنه تقليد رقمي فائق الواقعية أو تزييف للصور أو الفيديو أو الصوت، يتم إنشاؤه عبر الشبكات العصبية باستخدام نماذج تعلم آلي تُعرف باسم شبكات التنازع التوليدية (GAN).
“
يعرف التزييف العميق، وفقاً لدراسة "حالة التزييف العميق:المشهد، التهديدات، والتأثيرات"، بأنه تقليد رقمي فائق الواقعية أو تزييف للصور أو الفيديو أو الصوت، يتم إنشاؤه عبر الشبكات العصبية باستخدام نماذج تعلم آلي تُعرف باسم شبكات التنازع التوليدية (GAN).
وينبغي أن يكون كشف التزييف العميق أولوية لدى مدققي المعلومات والصحفيين الاستقصائيين، نظراً لتأثيره واسع النطاق في نشر التضليل في مختلف المجالات.
ونتيجة لتزايد استخدام أدوات التزييف العميق، انتشرت العديد من الحالات التي يظهر فيها سياسيون يقدمون تصريحات تتناقض مع مواقفهم الحقيقية؛ مثل الفيديو الذي نشر على موقع إخباري أوكراني مخترق، والذي أظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وهو يطلب من جنوده إلقاء أسلحتهم.
تعتقد ميرال العشري، رئيسة برنامج الإعلام والاتصال بجامعة إيست لندن في القاهرة، أن من الأهداف السياسية لاستخدام تقنيات التزييف العميق تشويه سمعة شخصيات أو كيانات محددة عبر إنشاء فيديوهات مزيفة لا تمت لتصرفاتهم الحقيقية بصلة. كما تُستخدم هذه التقنيات للتلاعب بالرأي العام، وتحريضه ضد القادة أو الشخصيات السياسية، خاصةً خلال فترات الانتخابات، وهو ما يظهر بشكل متزايد في أوروبا، سواء من خلال استهداف الأنظمة الحاكمة أو تشويه صورة المعارضين.
كما توضح العشري أن تقنيات التزييف العميق تُستخدم لتزييف الوقائع وخلق محتوى مضلل في أوقات الانقسامات، والنزاعات المسلحة، والعدوان؛ بهدف صياغة روايات مختلفة تعكس وجهات نظر الأطراف المتنازعة، ما يسهم في نشر الفوضى وتعزيز الانقسامات.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتشير إلى أن هذه التقنيات تُوظَّف في إنتاج محتوى مضلل بشأن الأسواق المالية؛ بغرض مهاجمة سياسات مؤسسات مالية معينة، والتلاعب بأسعار العملات؛ مثل الدولار، أو بأسعار النفط والغاز، ما قد يضر باقتصاد الدول. كما يُستخدم التزييف العميق في ابتزاز رجال الأعمال والأفراد ذوي رؤوس الأموال، عبر نشر محتوى مفبرك.
وفي هذا الصدد، تحقق موقع صحيفة "نيويورك تايمز" من حالة احتيال مالي واسع النطاق باستخدام التزييف العميق في أغسطس/آب 2024. تم نشر فيديو يبدو وكأنه لقطات حقيقية لإيلون ماسك، ينصح فيه بشراء أو الاستثمار في العملات المشفرة "كريبتو". انتشر الفيديو بشكل واسع على الإنترنت، مما دفع العديد من الأشخاص إلى تحويل مبالغ مالية كبيرة للمحتال. أبرز هذه الحالات كانت تحويل أحد الضحايا مبلغ 690,000 دولار لاعتقاده بأنه يستثمر في إطار إعلان ماسك.
وفي السياق العربي، تؤكد العشري أن التزييف العميق يُستغل لنشر خطاب الكراهية ضد أقليات أو فئات معينة، لا سيما في القضايا المتعلقة بالأديان والطوائف، ما يهدد الأمن القومي ويفاقم الاضطرابات السياسية. كما أشارت إلى استخدامه الواضح خلال الحرب على غزة لترويج روايات مضللة حول حقيقة الأحداث الجارية.