صاحب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بين مليارات البشر تحولها إلى مصدر رئيسي لانتقال الأخبار والمعلومات، التي تحقق رواجاً واسعاً بسرعة كبيرة دون التحقق من صحتها أحياناً، ما قد يشكل خطراً على المجتمعات والأفراد.
لذلك، نرى في "مجتمع التحقق العربي" أن مقاومة تدفق الأخبار و/أو التصريحات و/أو المعلومات الكاذبة والمضلّلة، غاية مهمة نحو فضاء إلكتروني موثوق به وذي صدقيّة لدى الجمهور، من شأنه أن يُسهم في تحقيق الديمقراطية والحفاظ على الصحة والأمن في المجتمعات.
بين 9 و13 نيسان/ أبريل 2023، انتشرت بقوة عدة شائعات مضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية. اخترنا لكم/ ن منها أربعاً مع أبرز الأدلة على عدم صدقيّتها وكيف جرى تحريفها.
أبرز القصص الكاذبة ارتبطت بتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر منشورات تزعم وضع جزيرتي تيران وصنافير تحت الحماية المصرية بموجب اتفاق بين القاهرة والرياض. وفي العراق، انتشرت مقاطع فيديو تزعم "بكاء مذيعتين في قنوات عربية ليلة سقوط بغداد"، بالتزامن مع الذكرى العشرين لسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. تُضاف إلى ذلك الشائعات حول الدخان المنبعث من الطائرات، وفرض ضريبة شهرية على مجموعات فيسبوك التي يزيد عدد أعضائها على 20 ألفاً.
في مصر، وفي ظل تأخُّر تنفيذ اتفاق نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بحسب وسائل إعلام دولية، انتشرت شائعات حول وصول قوات من الجيش المصري للجزيرتين، وعودتهما تحت الحماية والإدارة المصريتين لمدة 65 عاماً قابلة للتجديد بموجب اتفاقية مزعومة بين مصر والسعودية.
لكن منصّة "متصدقش" دقّقت في هذه المنشورات وأثبتت عدم صحتها.
أكدت المنصّة عدم وجود أي اتفاق بين السعودية ومصر حول وقوع جزيرتي تيران وصنافير تحت الحماية المصرية لمدة 65 عاماً، أو وجود قوات من الجيش المصري مؤخراً في الجزيرتين بعد مغادرة القوات الدولية.
في سياق متصّل، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن في تموز/ يوليو 2022 عن التوصّل لاتفاق مع المسؤولين في السعودية يقضي بمغادرة القوات الدولية المتعددة الجنسيات المنتشرة في الجزيرتين في نهاية 2022. لكن حتى الآن، لا توجد أخبار منتشرة حول مغادرة القوات.
كذلك هنالك اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي صدّق عليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حزيران/ يونيو 2017، ونُشرت في الجريدة الرسمية، لا تتضمّن أي بند ينص على وضع الجزيرتين تحت الحماية المصرية لمدة 65 عاماً.
وفق الاتفاقية والرسائل المتبادلة المرفقة معها، فإن الجزيرتين ستكونان في حيازة السعودية، والمملكة تتعهد جميع الالتزامات التي كانت واقعة على عاتق مصر، ومنها "قصر الوجود الأمني في الجزيرتين على الأجهزة الأمنية – غير العسكرية - بما في ذلك حرس الحدود".
في العراق، تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً تيك توك، مقطع فيديو مع تعليق يزعم أنه لـ"بكاء مذيعتي قنوات عربية ليلة سقوط بغداد". كان الفيديو قد حقق رواجاً واسعاً منذ 9 نيسان/ أبريل 2022 وعاد للتداول في الذكرى العشرين لسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين عقب الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003.
وقد تعاملت منصة الفاحص مع الفيديو والمزاعم المرفقة به، وأثبتت عدم صحتها. وتبيّن أن الفيديو نُشر لأول مرّة في 2 كانون الثاني/ يناير 2020 وتظهر فيه إحدى مذيعات الأخبار في قناة الحدث وهي تبكي متأثرة بخبر وفاة زميلتها الإعلامية اللبنانية نجوى قاسم.
أما الشق الثاني من الفيديو، فقد نُشر للمرة الأولى في 25 تموز/ يوليو 2019، وتظهر فيه مقدمة برنامج قناة أورينت، وهي تبكي متأثرة أثناء عرض صور إلقاء براميل متفجرة على مدينة خان شيخون في سوريا.
وراجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لطائرات تحلّق مخلّفةً وراءها دخاناً كثيفاً مع ادعاء بأنها ترش موادَّ كيميائية مضرة عمداً. كُتب في أحد المقاطع: "لا يزال البعض يعتقد أن هذا شيء طبيعي من محركات الطائرة أو حتى رش فيتامينات مجانية مفيدة للصحة العامة".
فنّد "ميزان فرانس برس" هذه الفيديوهات وأثبت عدم صحة المزاعم المرفقة بها إذ لا تدل انبعاث أدخنة من الطائرات على رشّ السّموم في الهواء بل هو "أمر اعتيادي". كما أن الأدخنة المنبعثة من الطائرات اعتيادية وتتخذ أشكالاً معيّنة وفق عوامل فيزيائية بحسب ما أفاد به خبراء لوكالة فرانس برس.
من هؤلاء ناتالي أوري، مديرة المرصد الفيزيائي للكرة الأرضية كليرمون فيرون، التي أخبرت وكالة فرانس برس أنه "عندما نرى خطوطاً بيضاء، فإن الأمر يتعلّق بظاهرة التكثيف - تحول الغاز إلى سائل - وتشكّل قطرات من الماء السائل التي تعتمد مدتها وحجمها على "الظروف المحلية المرتبطة بدرجة الحرارة والضغط".
وأضافت أوري أنّ مستويات الرطوبة والضغط الجوي تختلف مع الارتفاع في طبقات الجوّ، وعند مستويات معيّنة تتكثّف هذه الأبخرة وتظهر بشكلٍ شبيه بالدخان الأبيض. وبحسب مديريّة الطيران المدني في فرنسا، فإن هذه الخطوط تتشكّل "على ارتفاع يراوح بين 7000 و8000 متر مع نسبة رطوبة تقارب الـ70% ودرجات حرارة أقلّ من 35 درجة مئويّة".
وأضافت المديريّة لفرانس برس أنّ "النتيجة الطبيعيّة لهذه العوامل الفيزيائيّة هو تشكّل البخار المكثّف الذي يظهر على شكل خطوطٍ بيضاء".
بدوره، أوضح نائب مدير وحدة SAFIRE للأبحاث الجويّة في فرنسا، جان-كريستوف كانونيسي لفرانس برس أنّ الأبخرة الناجمة عن احتراق وقود الطائرة تخلق طبقة من الهواء الساخن فوق طبقة أكثر برودة فتعلق قطرات المياه وتتمدّد أفقياً مشكّلة خطوطاً بيضاء.
في الأثناء، تداول موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك خبراً مضللاً مفاده أن المنصّة الاجتماعية قررت فرض ضريبة شهرية تصل إلى 50 دولاراً أمريكياً على مديري المجموعات التي يزيد عدد أعضائها على 20 ألفاً.
منصة "أنير" لتدقيق الحقائق فنّدت هذه المنشورات، ووجدت أنها زائفة إذ تواصلت المنصّة مع شركة ميتا المالكة لفيسبوك، وأكدت لها عبر البريد الإلكتروني أن هذا الادعاء زائف، وأن الخدمة المدفوعة الوحيدة التي أصدرتها ميتا أخيراً هي خدمة التوثيق بالعلامة الزرقاء Meta verified.