يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
في العراق، من الجفاف مروراً بصور مفبركة لناشطين، وصولاً إلى مزاعم عن أسر جنود إسرائيليين في غزة، شهد هذا الأسبوع دفعة جديدة من المعلومات المضللة التي أثارت جدلاً واسعاً في المنطقة.
وبينما تنوّعت الادعاءات بين تصريحات مجتزأة، وصور معدلة، ومقاطع فيديو أُخرجت من سياقها، وبيانات مفبركة نُسبت إلى جهات رسمية، فإن القاسم المشترك بينها كان محاولة توجيه الرأي العام عبر خلط الحقائق بالزيف.
هذا المشهد يعكس كيف تتسابق حملات التضليل على استغلال الأزمات والحروب والاضطرابات السياسية لنشر محتوى يثير الانفعال ويصعب التحقق منه بسرعة. وفي ظل تعدد منصات التحقق وسرعة انتشار المعلومات الزائفة، يبرز الدور المحوري لهذه المنصات في تتبع الادعاءات وكشف المضلل منها، وتقديم محتوى موثوق يستند إلى الأدلة.
الجفاف في العراق: سوء إدارة أم تغيّر مناخي؟
قال الخبير في الزراعة والمياه عادل المختار إن أزمة الجفاف في العراق سببها "سوء الإدارة فقط وليس التغيرات المناخية"، مشيراً إلى أن المخزون المائي في السنوات الأخيرة وصل إلى عشرات المليارات من الأمتار المكعبة، ما ينفي – برأيه – تأثير المناخ.
لكن منصة صحيح العراق أوضحت أن التصريح غير دقيق، إذ تضمن أرقاماً مغلوطة بشأن حجم المخزون المائي، كما أن التغيرات المناخية لعبت دوراً مباشراً في تفاقم الأزمة إلى جانب مشكلات سوء الإدارة.
تأتي هذه المزاعم وسط أزمة مائية خانقة يعيشها العراق منذ سنوات، إذ تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات بفعل التغيرات المناخية، وتزايد موجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب بناء السدود في دول الجوار وسوء إدارة الموارد المائية داخلياً. هذه العوامل مجتمعة جعلت ملف المياه أحد أبرز التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه البلاد، ما يفسر حساسية أي تصريح يتناول أسباب الأزمة.
انتشرت أيضاً صورة مفبركة زُعم أنها تُظهر الناشط محمد عفلوك مع المحامية زينب جواد يلعبان الورق ويحتسيان الكحول
ولم يقتصر التضليل على ملف المياه، إذ انتشرت أيضاً صورة مفبركة زُعم أنها تُظهر الناشط محمد عفلوك مع المحامية زينب جواد يلعبان الورق ويحتسيان الكحول. منصة "الفاحص" العراقية أوضحت أن الصورة الأصلية المنشورة على حساب "عفلوك" أواخر 2024 تُظهرهما يشربان الشاي فقط، بلا أوراق لعب أو مشروبات كحولية.
وتتعرض المحامية زينب جواد ـ المعروفة بمواقفها المناهضة للحشد الشعبي وإيران ومعارضتها لتعديلات قانون الأحوال الشخصية ـ لحملة منظمة من التشهير؛ فبعد اعتقالها مؤخراً على يد الحشد، جرى تسريب صور شخصية من هاتفها ونشرها في إطار هذه الحملة.
هل اغتالت الغارة الإسرائيلية العميد أحمد الدالاتي فعلاً؟
ضجّت صفحات محلية بخبر يزعم مقتل العميد أحمد الدالاتي، قائد الأمن الداخلي في السويداء، خلال غارة إسرائيلية. التداول جاء في ظل التصعيد الأخير ضد مواقع في الجنوب السوري، ما جعله قابلاً للتصديق لدى كثيرين. لكن تحقق "ترو بلاتفورم" السورية أثبت زيف الادعاء بعدما ظهر "الدالاتي" علناً في افتتاح معرض دمشق الدولي بعد ساعات من الشائعة.
الادعاءات لم تتوقف عند هذا الحد. فقد انتشر مقطع فيديو من مدينة حماة السورية يُظهر رجالاً بملابس مدنية يهاجمون محالّ ألبسة، وزُعم أنه توثيق لمداهمة نفذها الأمن العام لأن المانيكانات أوثان! منصة "رادار" السورية أوضح أن الفيديو يوثق شجاراً بين أصحاب محالّ تجارية، لكن التفسير الغريب سرعان ما تحول لمادة سخرية وانتقاد للسلطات.
كما امتد التضليل إلى تصريحات خارجية. فقد نُسب لرئيس الوزراء الإسرائيلي المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، قوله إن حكومة الجولاني "غطاء لجماعة إرهابية". فيما أظهر تحقق منصة"فارق" السورية أن العبارة ملفقة، إذ اقتصر كلام "نتنياهو" على تلميحات بشأن "من يسيطر على سوريا" دون ذكر الجولاني أو توصيف حكومته.
وفي السياق نفسه، أثار خبر عن مقتل مقداد فتيحة – القائد السابق في الحرس الجمهوري السوري – بلبلة واسعة. فقد صنّفته "فارق" محتوى غير مثبت، في حين رأت "ترو بلاتفورم" أنه مشكوك فيه. أهمية هذا الادعاء أن "فتيحة" كان قد أعلن مطلع 2025 عن تأسيس ميليشيا باسم "لواء درع الساحل"، مقدماً نفسه كحامٍ للطائفة العلوية في وجه ما وصفه بـ"تجاوزات الجولاني". ما ربط اسمه مباشرة بالتوترات الأمنية في الساحل.
هل أُسر جنود إسرائيليون في غزة بالفعل؟
في ذروة المعارك الأخيرة، اجتاحت وسائل التواصل صوراً تُظهر جنوداً إسرائيليين قيل إنهم وقعوا في الأسر. بعضها أرفق بروايات عن رد عناصر حماس عبر أجهزة اللاسلكي الخاصة بالجنود. لكن منصة "تيقن" الفلسطينية أوضحت أن الصور قديمة تعود إلى كانون الثاني/يناير 2024، ولا صلة لها بالأحداث الأخيرة.
كما بينت "صحيح مصر" أن صوراً أخرى انتشرت كدليل على أسر جديد كانت في الحقيقة مفبركة بالذكاء الاصطناعي، إذ أظهرت تشوهات بصرية واضحة مثل الأيدي المسطحة والكتابات العبرية غير المتناسقة. أداة "AI or Not" كشفت أيضاً أن صورة أخرى نُشرت لخمسة جنود في نفق تحت الأرض مولدة آلياً بالكامل.
وسط هذا الجدل، برزت صورة استهدفت الناشط المصري أنس حبيب، وادعى ناشروها أنه يحمل علم إسرائيل. لكن منصة "تحقق" الفلسطينية كشفت أن الصورة مفبركة، وأن الأصلية تعود لاحتفالات فوز المنتخب المغربي على إسبانيا في مونديال 2022 حيث كان يحمل "أنس" علم المغرب.
ويكتسب هذا الادعاء أهميته من تزامنه مع تصاعد حضور اسم أنس حبيب في المشهد الإعلامي مؤخراً، بعدما أقفل باب سفارة مصر في هولندا بقفل معدني احتجاجاً على ما اعتبره صمت حكومته تجاه حصار غزة، ما جعله عرضة لحملات تشويه عبر مواقع التواصل.
انتشر على فيسبوك تصريح منسوب إلى عضو المجلس القومي للمرأة في مصر نشوى الحوفي، تزعم فيه أن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح "عميل بريطاني".
ما حقيقة اتهام علاء عبد الفتاح بـ"العمالة لبريطانيا"؟
انتشر على فيسبوك تصريح منسوب إلى عضو المجلس القومي للمرأة في مصر نشوى الحوفي، تزعم فيه أن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح "عميل بريطاني". تحقق منصة "متصدقش" المصرية أثبت أن الادعاء غير صحيح؛ إذ لم يُتهم "عبد الفتاح" بالعمالة قط، بل يقضي حكماً بالسجن منذ 2019 بتهمة "بث أخبار كاذبة".
يتزامن هذا الادعاء مع استمرار المطالبات الدولية بالإفراج عنه. ففي أبريل 2025، اعتبر فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أن حبسه تعسفي، وطالب بالإفراج الفوري عنه، وهو الموقف ذاته الذي سبق طالب به خبراء مستقلون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في فبراير 2025. علاء عبد الفتاح – الذي حصل على الجنسية البريطانية عام 2021 – ما يزال محط جدل واسع بين الضغوط الحقوقية الدولية وتشدد السلطات المصرية.
ومن مصر إلى اليمن، حيث أعيد تدوير تصريح مزعوم عن الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، نُسب إليها قولها إنها تريد إدراج تاريخها في المناهج الدراسية. لكن منصة "صدق" اليمنية أكدت أن التصريح زائف، وأنه في الأصل شائعة قديمة نُسبت سابقاً للفنانة المصرية إلهام شاهين، التي نفتها بنفسها مؤخراً.
أما في السودان، فقد انتشر بيان مفبرك باسم نقابة الأطباء يزعم أن الخرطوم ملوثة بالأسلحة الكيميائية. منصة "بيم ريبورتس" السودانية أوضحت أن البيان لا أثر له في القنوات الرسمية ولا في نتائج البحث، مؤكدة زيفه.