منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، خاطر صحفيون فلسطينيون وصانعو محتوى شجعان من داخل قطاع غزة بحياتهم، وفقد بعضهم حياته بالفعل، لنشر مقاطع فيديو وصور وتعليقات نصية على منصات التواصل الاجتماعي توثّق الإبادة الجماعية. ونتيجة لذلك، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بمنزلة أرشيف فعلي للإبادة، يحمل قيمة محتملة كبيرة للمحامين العاملين في قضايا جرائم الحرب، والباحثين، والمجتمع المدني، والأجيال المقبلة.
ولسوء الحظ، لا ينسجم دور "أمين مكتبة الإبادة الجماعية" مع منصات التواصل الاجتماعي التي تتعامل مع هذا المحتوى بقدر من اللامبالاة أو حتى العدائية. نتيجة لذلك، فإن هذا الكم من المحتوى مهدد بالضياع، مع تعليق حسابات صانعي المحتوى في غزة أو اختراقها أو حذفها.
ويعمل مواطنون وباحثون وصحفيون ومنظمات مجتمع مدني حول العالم بشكل مستقل على أرشفة هذا المحتوى قبل ضياعه. نحقق في هذا التقرير في بعض التحديات التي تواجه هذه المجموعات، ونتناول عن كثب إحدى المبادرات التي تركز على أرشفة محتوى إنستغرام على وجه التحديد. وتُبرز نتائجنا قيمة منصات التواصل الاجتماعي بوصفها وسيلة لتجاوز القيود المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية، إلى جانب التحديات المتعلقة بحفظ هذا المحتوى وفهرسته في ظل اللامبالاة التي يبديها القطاع الخاص في هذا الصدد.
شهود على نهاية العالم
بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شن جيش الاحتلال الاسرائيلي هجومًا عنيفًا ومدمرًا على قطاع غزة استمر حتى وقت كتابة هذا التقرير في أبريل/نيسان 2025. وخلال هذه الفترة، يُعتقد أن أكثر من مئة ألف فلسطيني في غزة قد قُتلوا، وأصيب مثل هذا العدد أو أكثر. وقد تم تهجير الغالبية العظمى من السكان داخل القطاع، كما دُمّرت معظم المباني؛ بما في ذلك جميع المستشفيات والجامعات، والعديد من المدارس ودور العبادة.
صورة للصحفية الفلسطينية المقيمة في غزة، هند الخضري، أُخذت في سبتمبر/أيلول 2024 خلال مقابلة مع Slow Factory / Everything is Political. فاقمت القيود المفروضة على دخول وسائل الإعلام الدولية إلى غزة من ظاهرة عزوف الجمهور عن وسائل الإعلام التقليدية، والاتجاه نحو صناع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي.
طوال هذه الفترة، منعت دولة الاحتلال الإسرائيلي وسائل الإعلام الدولية من إرسال مراسلين إلى غزة إلا في الحالات التي تكون فيها تحت مرافقة الجيش الإسرائيلي نفسه. وللحصول على تغطية غير مفلترة اعتمد العالم على عدد محدود من المؤسسات الإعلامية؛ مثل قناة الجزيرة، التي كانت تمتلك معدات وفرقاً موجودة بالفعل على الأرض في غزة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ بالإضافة إلى السكان الفلسطينيين العاديين في غزة الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تصوير وتوثيق وسرد مشاهد العنف والمعاناة. وبفضل الجهود الجماعية التي بذلها صحفيون محترفون؛ مثل: وائل الدحدوح، وإسماعيل الغول (الذي قُتل في صيف 2024)، وحسام شبات (الذي قُتل في ربيع 2025)، إلى جانب صنّاع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل: هند الخضري، وبيسان عودة، فقد وُثقت إبادة غزة بشكل مباشر.
حذف المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي
لكن ماذا يحدث لكل هذا المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي بعد تحميله؟ الدافع الربحي لشركات؛ مثل ByteDance (تيك توك)، Meta (إنستغرام وفيسبوك)، Google (يوتيوب)، أو تويتر (تويتر/X)، هو إبقاء المستخدمين منشغلين بتدفّق لا ينتهي من المواد الجديدة. وقطعًا لا ترى تلك الشركات نفسها بوصفها أمناء مكتبات، فالمحتوى الذي مرّت عليه بضع ساعات -ولا نقول أيام- يُعدّ قديمًا. قد يظل موجودًا في أرشيف المنصة، لكنه نادرًا ما يظهر أو يصادفه المستخدم بعد أن يفقد حداثته الأولى.
كما أن شركات التواصل الاجتماعي ليست مصمّمة لحفظ المحتوى من أجل الذاكرة الجمعية. ووفقًا لنموذج أعمالها، فإن المحتوى الأصلي الذي يتم تحميله يُعدّ ملكًا لمُنشئه، ويحق له حذفه أو إخفاؤه، حتى لو كان، على سبيل المثال، يُشكّل دليلًا على جرائم حرب.
كذلك لا تلتزم شركات التواصل الاجتماعي بأمن وسلامة أي فئة من مستخدميها على وجه الخصوص؛ فالصحفي الذي يتعرض للقصف في غزة لا يتلقى دعمًا أكبر لحماية أو نسخ حسابه احتياطيًا مقارنةً، مثلًا، بمؤثرة في مجال الأزياء في ميلانو. وإذا تم اختراق حساب الصحفي وفُقد المحتوى، فإن الشركات تنظر إلى الأمر من منظور تجاري ضيق، بوصفه مجرد سوء حظ لأحد المستخدمين. أما كونه قد يُمثّل شيئًا أكبر؛ مثل عرقلة للعدالة (إذا كان المحتوى المفقود يتعلق بجرائم حرب)، أو خسارة ثقافية، أو تمزقًا في نسيج الذاكرة الجمعية، فهذا أمر لا يُلتفت إليه.
وبالمثل، إذا قرر أحد صناع المحتوى في غزة وضع تحديد جغرافي لموقعه عند التحميل، فإن شركات التواصل الاجتماعي لا تعتبر من مسؤوليتها تحذيره من تبعات ذلك. فقد كُشف في أوائل عام 2024 أن الجيش الإسرائيلي يستخدم نظام ذكاء اصطناعي يُعرف باسم "لافندر" (Lavender) لاختيار الأهداف داخل غزة، وأن بيانات الأثر الرقمي (بما في ذلك نشاط مواقع التواصل الاجتماعي) كانت مُدخلًا مهمًا لهذا النظام. وهناك أسباب قوية للاعتقاد بأن المواقع الجغرافية التي أبلغ بها المستخدمون أنفسهم على منصات التواصل في غزة ربما أُخذت في الحسبان من قبل برنامج الذكاء الاصطناعي هذا عند تقييم الأهداف المحتملة. ومع ذلك، لم يتم تحذير المستخدمين أو تنبيههم لإعادة النظر في قراراتهم. وبين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و15 مارس/آذار 2025، نحسب أن 16.1 في المئة من منشورات إنستغرام التي نشرها صناع محتوى من غزة كانت تحتوي على تحديد جغرافي.
وأخيرًا، لا تعتبر شركات وسائل التواصل الاجتماعي أن من واجبها تعديل قواعد الإشراف على المحتوى بما يراعي توثيق إبادة جماعية. ففي بيانات إنستغرام التي جرى جمعها كما هو موضح أدناه، تم وضع إشارة تلقائية على 4.2 في المئة من المحتوى من قبل خوارزمية ميتا بوصفه "صادمًا أو حساسًا"، ما أدى إلى تقييد ظهوره على المنصة. ورغم أن الحد من ظهور المحتوى المزعج قد يكون منطقيًا في الظروف العادية، فإن حرمان الجمهور الدولي من صورة كاملة وواضحة لما يجري خلال إبادة جماعية مستمرة يمكن أن يُضعف حجم رد الفعل الذي قد يُسهم في الإسراع بإنهاء العنف.
ولهذه الأسباب لا يمكن الاعتماد على شركات وسائل التواصل الاجتماعي في حفظ أو فهرسة المحتوى المرتبط بحدث مفصلي مثل إبادة غزة.
أرشيف المجتمع المدني
لسدّ الفراغ الذي خلّفته شركات التواصل الاجتماعي، تبذل منظمات المجتمع المدني ومواطنون مهتمّون في مختلف أنحاء العالم جهودًا جادة لأرشفة المحتوى المتعلق بالإبادة الجماعية على منصات التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، يقدّم "أرشيف المساءلة" (Accountability Archive) منصة لاستقبال بيانات مجمّعة من الجمهور عن صحفيين أو سياسيين، أو شخصيات عامة أيدت أو شجّعت على الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي في غزة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أما "تيك توك جينوسايد" (TikTok Genocide)؛ فهو مشروع يسعى لأرشفة مقاطع الفيديو التي تُحمّل على تيك توك -وغالباً ما ينشرها جنود إسرائيليون منتشرون في غزة- التي تتضمّن أدلة على احتمال وقوع جرائم حرب. وبالإضافة إلى حفظ الفيديوهات، يضع الفريق المسؤول عن الموقع وسومًا ومعلومات سياقية تربط المقاطع بأماكن أو أحداث محددة، ما يعزز من فائدتها في قضايا جرائم الحرب أمام المحاكم.
لفهم التحديات التقنية والشخصية التي تواجه المنخرطين في هذا النوع من العمل بشكل أفضل، دعونا نلقي نظرة أقرب على أحد مشورعات الأرشفة هذه، والمعروف باسم "سولت بيلر" (SaltPillar).
سولت بيلر - SaltPillar
"SaltPillar" هو مشروع تابع لمبادرة "Tech For Palestine" (تكنولوجيا من أجل فلسطين)، يعمل على أرشفة محتوى إنستغرام المتعلق بإبادة غزة، ويركز بشكل رئيسي على أرشفة الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والبيانات الوصفية الخاصة بصنّاع المحتوى (أكثر من 320 حتى لحظة كتابة هذا النص) الذين ينشرون من قلب غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم. كما يتتبع مشروع سولت بيلر أيضًا الأنشطة الاحتجاجية المؤيدة لفلسطين حول العالم (أكثر من 930 منظمة).
سلسلة زمنية تُظهر عدد منشورات إنستغرام أو المقاطع القصيرة (Reels) التي نشرها صانعو المحتوى في غزة يوميًأ، وذلك في الفترة ما بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و15 مارس/آذار 2025.
المصدر: SaltPillar.
سلسلة زمنية تُظهر عدد منشورات إنستغرام أو المقاطع القصيرة (Reels) التي نشرتها يوميًا مجموعات الاحتجاج المؤيدة لفلسطين حول العالم، وذلك في الفترة ما بين الأول من يناير/كانون الثاني 2023 و15 مارس/آذار 2025.
المصدر: SaltPillar.
خريطة شبكية تُظهر التعاون في النشر على إنستغرام (coauthorships) بين صنّاع المحتوى في غزة وآخرين داخل وخارج القطاع.
المصدر: SaltPillar.
فيديوهات نُشرت على إنستغرام تُظهر فلسطينيين في غزة يعانون قسوة الجوع والتهجير القسري.
@eye.on.palestine ١٨ديسيمبر ٢٠٢٣رابط الصورة من هنا.
@motaz_azaiza ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣ رابط الصورة من هنا.
@motasem.mortaja ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣ رابط الصورة من هنا.
@belalkh رابط الصورة من هنا.
@wissamgaza رابط الصورة من هنا.
على اليسار: معتز عزايزة يقف وسط دمار حي في مدينة غزة. أسفل اليسار: "إنها تمطر!"
على اليمين: بيسان عودة باكية تنقل رعب النازحين داخلياً الذين يعيشون في خيام مع حلول الشتاء في غزة. المصدر: SaltPillar.
فيديوهات منشورة من غزة على إنستغرام تظهر الأمل أو الصمود.
@doaaj94 ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٣ رابط الصورة من هنا.
@i.anasmatar ١٣ يناير ٢٠٢٤ رابط الصورة من هنا.
جمع بيانات بشكل عدائي
عدم مبالاة شركات منصات التواصل الاجتماعي أو عدائها أحيانًا تجاه أرشفة المحتوى المتعلق بالإبادة الجماعية، ليس أمرًا يقتصر على فلسطين أو الإبادة الجماعية فحسب. في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الشركات في تقليص وصول الصحفيين والعلماء ومنظمات المجتمع المدني إلى البيانات تدريجيًا، واعتمدت علاقة أكثر عدائية مع مجتمع البحث الذي يخدم المصلحة العامة. وبعد استحواذ إيلون ماسك على تويتر/إكس في 2023، أوقف الوصول المجاني والوصول المجاني الأكاديمي لواجهة برمجة التطبيقات (API)، ما أدى إلى اضطراب الأبحاث التي تركز على كشف وتخفيف الأضرار عبر الإنترنت. تبع ذلك موقع Reddit، وفي أغسطس/آب 2024، أوقفت شركة ميتا (Meta) أداة CrowdTangle، آخر أدوات بحث المصلحة العامة المتاحة بالنسبة لفيسبوك وإنستغرام. لم توفر TikTok وصولًا لواجهة برمجة التطبيقات من البداية، وعملية التقديم للوصول إليها معقدة ومقتصرة على مؤسسات بحثية غربية. من بين المنصات الكبرى، تليغرام هي الوحيدة التي لا تزال توفر وصولًا واسعًا لواجهة برمجة التطبيقات مجانًا.
يُجبر الفاعلون في المجتمع المدني الذين يسعون إلى أرشفة الإبادة الجماعية إما على أرشفة هذه البيانات يدويًا، وإما على تطوير برامج حاسوبية لجمع المحتوى بشكل منهجي (scraping). وينطوي كل من هذين الأسلوبين على مخاطر تقنية وشخصية كبيرة؛ من بينها صعوبات في الوصول، ومشكلات قانونية محتملة، واحتمال الاستهداف الرقمي أو حتى الاستهداف على أرض الواقع للذين يقومون بهذا العمل.
الأرشفة اليدوية
بالنسبة للمجموعات التي تقوم بأرشفة محتوى الإبادة الجماعية يدويًا؛ مثل مشروع "TikTok Genocide" أو الجهود التطوعية الداعمة لمنظمة "الحق"، يُحفظ المحتوى منهجياً ويُوَصَفّ (توضع له الوسوم والتصنيفات) من قِبل فرق من المتطوعين. يعمل هؤلاء المتطوعون مجانًا، ويضحّون بمئات الساعات من وقتهم خارج أوقات العمل، إذ لا يوجد تمويل يُذكر أو دعم مؤسسي لهذا النوع من الجهد.
تتطلب هذه المهمة تنسيقًا دقيقًا بين المتطوعين، حيث يقسمون المهام فيما بينهم ويعقدون اجتماعات منتظمة لتحسين المنهجية. ولحماية هوياتهم، يستخدمون شبكات VPN ويتواصلون عبر تطبيقات مراسلة مشفّرة، وأحيانًا يمتنعون عن الإفصاح عن هوياتهم حتى أثناء التواصل مع مجموعات أخرى.
وربما يكمن التحدي الأكبر للأرشفة اليدوية في اضطرار المتطوعين لمشاهدة مقاطع الفيديو بأنفسهم والاطلاع على الصور، والتي غالبًا ما تكون صادمة ومؤلمة نفسيًا، ما يترك أثرًا بالغًا على من يشاركون في هذا العمل.
الأرشفة باستخدام أدوات جمع المحتوى (scrapers)
يُعد تطوير أدوات الكشط -وهي برامج حاسوبية تقوم بجمع المحتوى من منصات التواصل الاجتماعي- ميزة كبيرة؛ إذ لا يحتاج الإنسان إلا لاستهلاك المحتوى بشكل عرضي أو بين الحين والآخر، في حين تتعرض الآلة للغالبية العظمى من المحتوى وتقوم بأرشفته. وبما أن أدوات الكشط يمكنها العمل بلا كلل على مدار الساعة، فإن هذا النهج يتيح تغطية المحتوى على نطاق أوسع وفي وقت أقل. على سبيل المثال، تُعد "تيك توك جينوسايد" (TikTok Genocide) واحدة من أكبر جهود الأرشفة اليدوية التي صادفتها، إذ أرشف فريق العاملين أكثر من 10 آلاف مقطع فيديو يدويًا حتى مارس/آذار 2025.. ومع ذلك، وخلال فترة أقصر، قامت أداة الكشط على إنستغرام التي طورتها "سولت بيلر" (SaltPillar) بأرشفة ما يُقدّر بـ 300 ألف مقطع فيديو وأكثر من مليون صورة.
مع ذلك هناك مجموعة من المخاطر والتحديات التي تتعلق باستخدام أدوات الكشط بشكل خاص؛ فهي برامج حاسوبية تسجل الدخول إلى تطبيقات منصات التواصل الاجتماعي (مثل إنستغرام) وتتنقل خلالها، وتجمع البيانات أثناء ذلك. هذا النوع من النشاط المؤتمت (غير البشري) للحسابات يُنظر إليه عمومًا بسلبية من قبل شركات التواصل الاجتماعي، التي تتوقع أن يكون المستخدمون المسجلون في تطبيقاتهم أشخاصًا حقيقيين. وغالبًا ما تحظر شروط استخدام التطبيقات أتمتة الحسابات، ما يجعل مستخدمو أدوات الكشط عرضة للملاحقة القانونية.
بالإضافة إلى ذلك، تتخذ المنصات إجراءات لمقاومة الكشط؛ مثل تعليق الحسابات التي تتصرف بطريقة توحي بأنها مؤتمتة. عند تطوير أدوات الكشط، يجب تعديل سير عمل البرنامج لتجاوز هذه الدفاعات. على سبيل المثال، تقوم أداة الكشط الخاصة بإنستغرام التي طورتها "سولت بيلر" (SaltPillar) بإخفاء عنوان الإنترنت الخاص بها، وتسجيل الدخول إلى إنستغرام باستخدام حسابات وهمية، ثم تُنظم نشاطها بحيث لا تُثير أنظمة الحماية المضادة للكشط.
كما أن أدوات الكشط حساسة للغاية لواجهة المستخدم (UI) الخاصة بالتطبيق، وقد تؤدي تغييرات طفيفة أثناء تحديث التطبيق إلى تعطيل وظائفها. وهذا يعني أن أدوات الكشط هي برامج تحتاج إلى صيانة مستمرة، وتتطلب عناية ويقظة دائمة من المطورين. وفي نهاية المطاف، فإن هذا يُقيّد من قابليتها للتوسع في استخدامها.
كل هذا يعني أن أدوات الكشط ليست سهلة التطوير، خاصة عندما يُتوقع منها أن تعمل على نطاق واسع وتكون قادرة على تحمل انقطاعات الإنترنت، وتحديثات واجهة المستخدم، وتفادي آليات الحماية المضادة للكشط التي تفرضها المنصات، وغير ذلك. وحتى في الحالات التي يتوفر فيها الحافز والطاقة للإسهام في أرشفة إبادة غزة، فإن عددًا قليلاً فقط من أفراد المجتمع المدني يمتلكون المهارات اللازمة لتطوير حلول الكشط. في الواقع، وحتى وقت كتابة هذا النص، يُعد مشروع "سولت بيلر" (SaltPillar) هو المشروع الوحيد المعروف الذي طور أداة كشط لإنستغرام.
خاتمة
تُعد إبادة غزة لحظة فاصلة في تاريخ القرن الحادي والعشرين. وفي ظل الفراغ الإعلامي في تغطية أخبار غزة، خاطر الصحفيون المحليون وصانعو المحتوى بحياتهم لتوثيق الفظائع. لذا فقد أثبتت منصات التواصل الاجتماعي أن لا غنى عنها في نقل مشاهد العنف والمعاناة إلى جمهور دولي، وفي الوقت ذاته، خلق سجل رقمي لهذه الأحداث المفصلية. ورغم تنصل منصات التواصل من مسؤولية حفظ هذه البيانات، تدخل فاعلو المجتمع المدني المستقلون لملء هذا الفراغ التقني والأخلاقي؛ فطوروا أدوات وأساليب على نحو مرتجل لأرشفة المحتوى من أجل الأجيال القادمة. ورغم أن هذه الجهود مجزأة ومحفوفة بالصعوبات، فإنها تعكس النوايا الحسنة التي يحملها البشر حول العالم تجاه فلسطين، والتزامهم -خارج الأطر الرسمية- بتحقيق العدالة، وإمكانية تسخير إمكانات التكنولوجيا الرقمية في خدمة قضايا التحرر.