في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2024، توجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لخوض ثالث انتخابات رئاسية منذ الإطاحة بنظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. ومع اقتراب الذكرى الرابعة عشرة للثورة، تلاشى التفاؤل الذي صاحبها وسط دوامة من المراسيم الرئاسية، والاعتقالات والتوترات السياسية، في وقت أحكم فيه الرئيس قيس سعيد قبضته على السلطة، مكرساً نظاماً استبدادياً شبه كامل.
فاز قيس سعيد فوزاً كاسحاً، حاصداً 90 في المئة من الأصوات، في انتخابات شابتها شبهات تزوير، ومضايقات منظمة استهدفت منافسيه السياسيين. ومع ذلك، يعود جزء من نجاحه إلى تبنيه خطاباً قوميّاً متطرفاً خلال السنوات الأخيرة.
في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أصدرت منظمة "ديجيتال أكشن" تقريراً بشأن وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، سلطت فيه الضوء على عودة الاستبداد، وانتشار نظريات المؤامرة التي تغذيه. حدد التقرير روايتين رئيسيتين يروج لهما نظام قيس سعيد: الأولى تزعم أن تونس تواجه خطر الاستعمار الاستيطاني، وتتعرض لموجات هجرة من جنوب الصحراء الكبرى، والثانية تصور منظمات المجتمع المدني المناهضة للاستبداد على أنها مجرد أدوات لقوى غربية، تتلقى تمويلاً وتوجيهاً خارجيّاً.
ننطلق من حيث انتهى تقرير "ديجيتال أكشن"، متعمقين في تحليل الموضوعات ذات الصلة على فيسبوك؛ لرسم خريطة تفصيلية لحجم شبكة الكراهية والمعلومات المضللة. في هذا الإطار، نقوم بتطوير أداة لاستخراج البيانات من فيسبوك؛ بهدف تحليل أكثر من 150 ألف منشور نُشر بين 1 يناير/كانون الثاني و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
يكشف تحليلنا عن شبكة واسعة تضم مئات الحسابات المؤيدة لسعيد، والتي تروج لنظريات المؤامرة. نعمل على تحديد أبرز الشخصيات الفاعلة في هذه الشبكة، مع تسليط الضوء على بعض المحتوى الذي تنشره، والذي يتسم بالتحريض والتضليل.
تونس اليوم
يتهم تقرير "ديجيتال أكشن" عدة حسابات على فيسبوك؛ من بينها صفحة تحمل اسم "تونس اليوم"، والتي يبلغ عدد متابعيها، حتى وقت كتابة هذا التقرير في يناير/كانون الثاني 2025، أكثر من 69 ألف متابع.
الصورة ١: لقطة لصفحة "تونس اليوم" على فيسبوك، التُقطت في يناير/كانون الثاني ٢٠٢٥
نبدأ تحقيقنا بجمع بيانات 2,021 منشوراً نشرها هذا الحساب بين 1 يناير/كانون الثاني و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. كشفت هذه البيانات أن العديد من المنشورات تضمنت إعادة مشاركة محتوى من صفحة "تونس اليوم"، والذي نُشر في الأصل عبر حسابات أخرى على فيسبوك.
عادةً ما يشير نشر المحتوى بالتشارك إلى نوع من التأييد أو التقارب الأيديولوجي، ما يسمح لنا بافتراض أن هذه الحسابات تتماشى مع توجهات "تونس اليوم". يوضح "الجدول 1" قائمة بأكثر عشرة حسابات تمت إعادة مشاركة محتواها من قبل "تونس اليوم".
معرف فيسبوك |
الاسم |
عدد المنشورات التي شاركتها صفحة "تونس اليوم" |
100050173579384 |
رمزي عطوي |
158 |
groups/946510320502770 |
مواجهة الاستيطان الاجصي بصفاقس 2 |
138 |
successfultunisia |
Successful Tunisia تونس الناجحة |
101 |
100090462114826 |
وفاء الشاذلي |
82 |
groups/280697494728973 |
لا للإستيطان في تونس 🇹🇳 |
68 |
humatalhima9 |
مقاومة الإستعمار الأفريقي في تونس La résistance des Nationalistes |
53 |
mosaiquefm |
Mosaïque FM |
52 |
100063891885662 |
فؤاد نيوز Foued News |
50 |
soufiene.bensghaier |
سفيان بن الصغير |
47 |
100094782066791 |
Tha Mer |
41 |
الجدول 1: أهم عشرة حسابات على فيسبوك ذُكرت من قبل صفحة "تونس اليوم" خلال الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2024 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
من الجدير بالذكر أن العديد من الحسابات المذكورة تحمل أسماءً تتماهى مع مفهوم "مقاومة الاستعمار الأفريقي"؛ وهو أحد المحورين الرئيسيين للدعاية المضللة وخطاب الكراهية اللذين حددهما تقرير "ديجيتال أكشن".
على وجه التحديد، تظهر مجموعات فيسبوك؛ مثل: "مواجهة الاستيطان الاجصي بصفاقس 2" و"لا للاستيطان في تونس 🇹🇳"، بالإضافة إلى صفحة فيسبوك "مقاومة الاستعمار الأفريقي في تونس"، باعتبارها مساحات تجمع افتراضية يستخدمها بعض التونسيين للتعبير عن مخاوفهم، وفي بعض الحالات، للتخطيط والتحريض ضد هذا "التهديد" المتخيَّل.
تتضمن هذه القائمة المختصرة صفحة سفيان بن الصغير، زعيم الحزب الوطني التونسي (TNP)؛ وهو سياسي غير وازن اشتهر بخطابه القومي الحاد، الذي استند إليه الرئيس التونسي قيس سعيد في خطاب شهير ألقاه في فبراير/تشرين الثاني 2023 (يمكن الاطلاع على السياق هنا).
يمكن ربط الروايتين المضللتين اللتين حددهما تقرير "ديجيتال أكشن" بسفيان بن الصغير؛ وهما: الزعم بأن تونس تواجه "غزواً" من المهاجرين الأفارقة، والادعاء بأن المجتمع المدني التونسي مخترق من قبل الأوروبيين.
شبكة الكراهية والمعلومات المضللة ذات القفزتين (Two-hop)
قمنا بفحص يدوي لأهم مئة حساب/صفحة استشهدت بها صفحة "تونس اليوم"؛ بما في ذلك الحسابات/الصفحات العشر المذكورة في الجدول 1، بالإضافة إلى 90 حساباً آخر، والتي شكلت مجتمعة 80 في المئة من المحتوى المشترك بواسطة "تونس اليوم". بناءً على هذا الفحص، قررنا تحديد الحسابات/الصفحات التي يبدو أنها تركز بشكل أساسي على السياسة التونسية.
بعد ذلك، جمعنا جميع منشورات هذه الحسابات/الصفحات من الفترة الممتدة بين 1 يناير/كانون الثاني 2024 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ثم حددنا الحسابات الأخرى التي تستشهد بها هذه الحسابات/الصفحات بشكل متكرر. بعد ذلك، أعدنا فحص الحسابات/الصفحات موضوع التحليل يدوياً، وجمعنا منشوراتها.
هذه العملية تُعرف بإجراء "الزحف الشبكي ذي القفزتين"، وأسفرت عن خريطة شبكة التأثير الموضحة في الصورة 2.
خريطة شبكة من قفزتين (Two-hop) للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية: تمثل العُقد (الدوائر) حسابات/صفحات فيسبوك المختلفة، في حين تشير الحواف (الخطوط بين الدوائر) إلى سلوك المشاركة وإعادة المشاركة على فيسبوك. العُقد الموجودة في المركز هي تلك التي تم المشاركة منها أو الاستشهاد بها بشكل واسع. أما العُقد الكبيرة فهي تلك التي تم الاستشهاد بها بشكل متكرر. تم تحديد الترميز اللوني باستخدام خوارزمية كشف المجتمعات "Louvain"، ما يشير إلى وجود تجمعات محتملة ضمن مجتمع الكراهية والمعلومات المضللة التونسي الأوسع.
تتكون خريطة الشبكة الموضحة في الصورة 2 من 3,612 حساباً/صفحة مختلفاً على فيسبوك تم استخراجها من 14,796 منشوراً على فيسبوك. وفقًا لأفضل ما توصلنا إليه، تُعتبر هذه أكبر مجموعة بيانات عن السياسة التونسية تم جمعها من فيسبوك في المجال العام.
ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن ليس كل الحسابات/الصفحات في خريطة الشبكة الموضحة في الصورة 2 تنشر بالضرورة محتوى مليئاً بالكراهية أو المعلومات المضللة. للظهور في الخريطة، يكفي أن يتم الاقتباس أو المشاركة من الحساب/الصفحة بشكل متكرر بواسطة "تونس اليوم" (قفزة واحدة - one hop) أو بواسطة حسابات/صفحات تم الاقتباس أو المشاركة منها بشكل متكرر بواسطة "تونس اليوم" (قفزتان - two hops).
على سبيل المثال، تُعد "تونس الناجحة" صفحة على فيسبوك تسلط الضوء ببساطة على قصص النجاح التونسية، لكن يتم الاقتباس منها كثيرًا في شبكة الكراهية/المعلومات المضللة كجزء من الحماسة القومية. وبالمثل، تظهر صفحات وسائل إعلام مثل "الحدث تونس" أو "موزاييك إف إم" في هذه الشبكة ليس بالضرورة لأنهم ينشرون محتوى مليئاً بالكراهية أو المعلومات المضللة، ولكن ببساطة لأن أخبارهم يتم الاقتباس منها أو مشاركتها بشكل متكرر بواسطة "تونس اليوم" ومن يدورون في فلكها.
تضمنت طريقتنا في بناء هذه الشبكة تمثيلاً مفرطاً للحسابات/الصفحات التي تنشر الكراهية والمعلومات المضللة. ولتركيز جهودنا على المحتوى الضار ذاته، قام فريقنا بمراجعة مئات المنشورات يدوياً وخلصنا إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي ستواجه صعوبة في تصنيف المنشورات على أنها مليئة بالكراهية أو المعلومات المضللة بناءً على النص فقط. يعود ذلك إلى أن المحتوى غالباً ما يتضمن صوراً أو فيديوهات أو نصوصاً مضمّنة توفر سياقات مهمة قد تغيب عن أدوات الذكاء الاصطناعي.
وأدركنا أن المحتوى المتعلق برواية الاستعمار الأفريقي، ورواية اختراق المجتمع المدني يمكن تحديده باستخدام نهج بسيط يعتمد على مطابقة الكلمات المفتاحية. بناءً على ذلك، قمنا بإعداد قائمتين من الكلمات المفتاحية المتعلقة بكل من هاتين الروايتين، وقمنا بفحص كل المنشورات في مجموعتنا البحثية للتحقق من أي ذِكر لهذه الكلمات المفتاحية.
تقدم الصورة 3 خطاً زمنياً للمنشورات المتعلقة برواية الاستعمار الأفريقي خلال عام 2024.
الصورة 3: عدد المنشورات التي نُشرت يومياً بواسطة شبكة تونس مع ترديد سردية "الاستعمار الأفريقي"
بما يتسق مع تقرير "ديجيتال أكشن"، نجد زيادة كبيرة في المنشورات التي تردد سردية "الاستعمار الأفريقي" في مايو/أيار 2024، قبل خمسة أشهر من الانتخابات. بالطبع، لم يُركِّز كل أعضاء الشبكة على هذا الموضوع بالقدر نفسه. يحتوي الجدول 2 على قائمة بالحسابات/الصفحات على فيسبوك التي أشارت بشكل متكرر إلى سردية "الاستعمار الأفريقي".
معرف فيسبوك |
الاسم |
عدد المتابعين |
نسبة المنشورات التي تذكر رواية أفريقيا |
61559821092204 |
جاليتنا بالخارج: توانسة ضد الاستيطان والتوطين |
1.6k |
50% |
61564976344900 |
لا للإستيطان لا للتوطين |
2k |
46.8% |
61559866445296 |
تونس: تنسيقية توانسة ضد الأستيطان و التوطين |
9.2k |
42.1% |
humatalhima9 |
مقاومة الإستعمار الأفريقي في تونس La résistance des Nationalistes |
46k |
40.5% |
100090073822662 |
تونس للتوانسة فقط |
3.5k |
26.6% |
100091322712359 |
مغاربة ضد الإستعمار الأسود العنصري |
2k |
25.2% |
100011471634125 |
Mohamed Manai (المارد الاشقر) |
4.4k |
23.5% |
100084129204406 |
مواجهة الإستيطان والنفوذ الأجنبي |
1.8k |
23.2% |
soufiene.bensghaier |
سفيان بن الصغير |
7.6k |
21.4% |
apollo.wissem |
Wissem Apollo Khmiri |
4.1k |
21.2% |
jonny.lucas.792 |
Majed Tiunsi Majed |
1.8k |
17% |
الجدول ٢: الحسابات التي تردد سردية الاستعمار الأفريقي بشكل متكرر
ليس من المفاجئ أن يظهر سفيان بن الصغير في الجدول أعلاه كأحد المروجين المحتملين لرواية الاستعمار الأفريقي؛ إذ تشير 21.4 في المئة من منشوراته إلى هذا الموضوع. وتتفوق على سفيان بن الصغير عدة صفحات فيسبوك مخصصة للتحريض على طرد المهاجرين الأفارقة من تونس؛ أبرزها صفحة @humatalhima9، التي ذكرناها سابقاً كصفحة مفضلة لدى "تونس اليوم"، وتحظى بمتابعة واسعة تصل إلى 46 ألف متابع. أما الصفحة الكبيرة التالية فهي "تونس: تنسيقية توانسة ضد الاستيطان والتوطين" التي يبلغ عدد متابعيها 9.2 ألف متابع.
إلا أنه عند التراجع عن هذه الأمثلة المتطرفة، يعرض الجدول 3 أعضاء الشبكة ذات القفزتين (two-hop) الذين يسجلون أعلى درجة في "المركزية الذاتية للمؤشر الموجه" (eigenvector centrality)، ما يعني أنهم الأعضاء الأكثر مركزية (أي الأكثر اقتباساً) في الشبكة.
معرف فيسبوك |
الاسم |
شارك في نظرية المؤامرة الخاصة بالاستعمار الأفريقي |
Presidence.tn |
Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية |
نعم |
mosaiquefm |
Mosaïque FM |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/1CmWJeZ16D/) |
RadioIfmTN |
Radio IFM |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/14P8aEB91o/) |
Radio.JawharaFM |
Jawhara FM |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/15Ta63FB3P/) |
TVN.Tunisie |
Télévision tunisienne التلفزة الوطنية التونسية |
غير معلوم |
100063891885662 |
فؤاد نيوز Foued News |
نعم |
AttessiaTV |
Attessia TV قناة التاسعة |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/18aPhYWf3o/) |
100082689943995 |
2المعز الحاج منصور الصفحة الرسمية عدد |
نعم |
DiwanFM |
Diwan FM |
غير معلوم |
radioml.102.3fm |
Radio ML إذاعة أمل |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/17FtJCyEFT/) |
radiosfax |
Radiosfax |
نعم (https://www.facebook.com/share/p/1DjzDDhT4x/) |
جدول ٣: الحسابات الأعلى مركزية في شبكة التأثير (eigenvector centrality)
كما هو متوقع، فإن صفحة رئيس تونس قيس سعيد على فيسبوك هي الأعلى مركزية في شبكة التأثير، وورد في تقرير "ديجيتال أكشن" إن صفحة الرئيس هي المحرك الرئيسي لنظرية المؤامرة المتعلقة بـ"الاستعمار الأفريقي".
الانحياز الإعلامي
يكشف الجدول 3 وجود عدد من وسائل الإعلام التونسية التي تعتبر مركزية في شبكة التأثير. من الناحية العملية، يصعب تحليل البيانات من حسابات وسائل الإعلام على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنها تنشر حجماً كبيراً من المحتوى. علاوة على ذلك، عندما أجرى فريقنا المراجعة اليدوية، وجدنا أن جزءاً فقط من محتوى تلك الحسابات يتعلق بتونس، في حين أن العديد من منشوراتها كانت تتناول الإبادة الجماعية المستمرة في غزة أو سقوط نظام الأسد في سوريا. وعندما كانت المنشورات تتعلق بتونس، كان المحتوى في الغالب مرتبطاً بالرياضة أو الترفيه.
عند فحص هذا الكم الهائل من المحتوى بحثاً عن نظرية المؤامرة، قمنا بالبحث في المحتوى الذي جمعناه من حسابات أخرى (غير إعلامية) للعثور على حالات شاركت فيها تلك الحسابات غير الإعلامية محتوى نشرته حسابات وسائل الإعلام الواردة في الجدول 3 مع ترديد رواية "الاستعمار الأفريقي". ساعدتنا هذه الطريقة في تحديد البث الإخباري الذي يكشف تورط العديد من هذه الوسائل الإعلامية، وقد أدرجنا روابط لهذا النوع من البث في العمود الثالث من الجدول 3.
ما لاحظناه باستمرار هو أن هذه الوسائل الإعلامية تفسح وقتاً للترويج لنظريات المؤامرة هذه من دون معارضتها أو انتقادها، وفي بعض الحالات، تُضخم الشعور بالأزمة أو التحريض من دون تقديم أدلة ملموسة (انظر إلى الرابط في AttessiaTV، على سبيل المثال). هذا السلوك ليس مفاجئاً في كل الحالات؛ فعلى سبيل المثال، ليس من المستغرب أن يعكس راديو صفاقس المملوك للدولة روايات رئيس تونس، ويعيد نشرها. من ناحية أخرى، كانت تتمتع "موزاييك إف إم" بالاستقلالية وممارسة النقد قبل أن يتم اعتقال مديرها. ويبدو أن هذه الوسائل الإعلامية المستقلة قد وقعت تدريجياً تحت تأثير الدولة، كما أشارت تقارير أخرى تناولت هذا الشأن.
صفاقس
في قلب شبكة التأثير، نجد إشارات متكررة إلى صفاقس، المدينة الساحلية التونسية التي يبدو أن أصحاب نظريات المؤامرة قد جعلوا منها مركزاً لهذه الأزمة المصطنعة. كونها مدينة ساحلية، تعد صفاقس وفقاً لهذه السردية نقطة انطلاق للمهاجرين الأفارقة الذين يستقلون القوارب المتجهة إلى أوروبا. ووفقاً لهذه النظرية، فإن الحكومات الأوروبية، التي تسعى جاهدة لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا، تعمل من خلال منظمات المجتمع المدني التونسية؛ لإقناع المهاجرين الأفارقة، وتوجيههم للاستقرار في تونس بدلاً من أوروبا، في أماكن؛ مثل صفاقس.
بالإضافة إلى إذاعة صفاقس المملوكة للدولة، تظهر في شبكة التأثير شخصية أخرى هي زياد المعلولي، أستاذ فخري في ولاية صفاقس، والذي يمتلك 43.9 ألف متابع، ويدّعي أنه مؤسس حملة #سيب_التروتوار (#SAYEB_ETROTTOIR)؛ "لمحاربة غزو الأرصفة من قبل المقاهي والتجار". ويدير المعلولي مجموعة الفيسبوك "سيب التروتوار" - التي تضم أكثر من 260 ألف متابع - عبر عدة حسابات.
الصورة 4: زياد المعلولي يدير ويشرف على مجموعة تروج لخطاب الكراهية ضد الأفارقة على فيسبوك تضم أكثر من 260 ألف عضو
المجتمع المدني التونسي
وفقًا لنظريات المؤامرة، يُتهم المجتمع المدني التونسي بالمشاركة في مؤامرة لتسهيل "الاستيطان" في تونس من قبل الأفارقة القادمين من جنوبي الصحراء. تزعم النظرية أن الحكومات الأوروبية تمول منظمات المجتمع المدني التونسية لإثناء المهاجرين الأفارقة عن القيام برحلة خطرة عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وتحويلهم بدلاً من ذلك للاستقرار غير القانوني في تونس.
تحتوي الصورة 5 على لقطة لخريطة شبكة نشرها حساب "SentinelsCommunity"؛ وهو عضو في شبكة القفزتين (two-hop)، وصفحة على فيسبوك كانت تروج لهذه النظرية وتبدو غير نشطة الآن. تُظهر خريطة الشبكة مجموعة من وكالات المساعدات الأوروبية والأميركية (ممثلة بأيقونات دائرية في الخريطة)، وست منظمات مجتمع مدني تونسية (المكتوبة أسماؤها باللون الأحمر)، يُزعم أنها تتلقى تمويلاً من وكالات المساعدات تلك.
الصورة 5: خريطة شبكة ظهرت في إحدى منشورات حساب SentinelsCommunity، تُظهر روابط مزعومة بين وكالات المساعدات الغربية (رموز دائرية) ومنظمات المجتمع المدني التونسية (أسماؤها مكتوبة باللون الأحمر).
خاتمة
في هذا التحقيق، كشفنا عن شبكة مترابطة من صفحات ومجموعات وحسابات فردية تونسية على فيسبوك، تنشر بشكل جماعي معلومات مضللة تحمل الكراهية. تقع في قلب هذه الشبكة صفحة الفيسبوك الخاصة برئيس تونس، الذي تبنى في العامين الماضيين خطاباً قوميّاً يصوّر المجتمع المدني التونسي والمهاجرين الأفارقة القادمين من جنوبي الصحراء على أنهم مصدر لتهديد استعماري استيطاني. ورغم بقاء تساؤلات بشأن ما إذا كانت حملة إعادة انتخاب قيس سعيد الناجحة في عام 2024 قد اعتمدت على التزوير الانتخابي والأساليب القمعية، يبدو واضحاً -على الأقل عبر تحليل وسائل التواصل الاجتماعي- أن نظريات المؤامرة التي روجها لاقت صدى واسعاً، وضُخمت بواسطة عدد لا يستهان به من الحسابات الفاعلة عبر الإنترنت.