في عالمٍ تحكمه البيانات والمعلومات، تتخبّط مصر وسط ضباب التضليل الاقتصاديّ، والذي كان له عظيم الأثر على الاستثمارات المحليّة والأجنبيّة؛ مما اضطُرّ بعضها لوقف نشاطه.
وإضافةً إلى تأثير التضليل المعلوماتيّ على ثقة المستثمرين وإمكانية وصولهم للمؤشرات الحقيقيّة للاقتصاد، تشهد كثير من البيانات في مصر تغييبًا متعمّدًا من الحكومة ومؤسسات رقابيّة.
ويأتي «التضليل» و«غياب المعلومات» على رأس المخاطر العشر الأبرز التي تواجه الاقتصاد العالميّ حتى 2026، وفق استطلاع نشره «المنتدى الاقتصاديّ العالميّ» ضمن تقرير «مخاطر الاقتصاد العالميّ لعام 2024».
أشكال التضليل الاقتصادي
تُعرِّف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، «اليونسكو»، المعلومات المضللة بأنّها «محاولات متعمّدة مخطط لها لإرباك أشخاص أو التلاعب بهم عبر تقديم معلومات كاذبة لهم»، وهو ما يظهر في الاقتصاد المصريّ من مؤشرات ومصطلحات وخطاب مضلّل، وتغييب كليّ أو جزئيّ للمعلومات والبيانات. ويمكن التدليل على ذلك من خلال الأمثلة التالية:
- مؤشرات مُضلِّلة: تتلاعب الحكومة المصريّة بكثير من المؤشرات؛ وهو ما قد يُعطي صورة مضلّلة عن تحسّن وهمي للاقتصاد. ومن ذلك، إعلان وزارة الماليّة تحقيق فائض أولي (بين الإيرادات والمصروفات بعد استبعاد الديون وفوائدها)، خلال الأشهر التسعة الأولى من 2023/2024، بنحو 416 مليار جنيه (علمًا أنّ الدولار في لحظة كتابة هذه المادة يساوي 50 جنيهًا). بالمقابل، سجّل العجز الكلي للموازنة، بالفترة نفسها، نحو 760 مليار جنيه؛ ما انعكس على زيادة الدين المحليّ من 3.4 تريليون جنيه (2017) إلى 6.86 تريليون جنيه نهاية مارس/آذار 2023، وارتفاع الدين الخارجي من 46.5 مليار دولار (2013) إلى 168.03 مليار دولار نهاية 2023، قبل أن ينخفض إلى 152.88 مليار دولار نهاية يونيو/حزيران 2024. وفيما ادّعت وسائلُ إعلام أنّ انخفاض الدين «إشارة للعالم بجاذبيّة السوق المصريّ للاستثمار»، فقد كان السبب متمثلًا في «إيرادات غير دائمة من صفقة واحدة بسبب العلاقات مع الإمارات، وقرض من صندوق النقد الدوليّ». وأكدت دراسة (2021) أن «بيانات الدين الخارجي بمصر تعاني عدم اتساق وعدم ترابط»، علمًا أنّ «وثائق الميزانيّة غالبًا ما تكون غير مكتملة، ولا تتضمّن جميع الإيرادات والنفقات»، وهو ما اعترفت به الحكومة (2023) بشأن إيرادات قناة السويس.
- خطاب مضلّل: تستخدم الحكومة ووسائل إعلام محليّة خطابًا مضللًا في أحيان كثيرة لتوجيه الرأي العامّ لخدمة أهدافها، بغض النظر عن خسائر الشعب والمستثمرين. فعلى سبيل المثال، رافق انضمام مصر لتكتلّ «بريكس» الاقتصاديّ مطلع 2024 ترويج وسائل إعلام لمبالغات ومعلومات مضلّلة؛ منها أن الانضمام «ضربة قاضية للدولار، وسيوفر للدولة ما يصل إلى 35 مليار دولار سنويًا، وأنّ عملة بريكس المقترَحة وحش اقتصادي يستعدّ لالتهام عرش الدولار». بعدها بأسابيع، ادّعى إعلاميون أن الدولار سينخفض، ليتفاجأ المصريون برفع سعره أمام الجنيه في مارس/آذار 2024؛ وهو الأمر الذي تكرّر تقريبًا قبل كلّ زيادة. وهو ما دفع محللين إلى انتقاد «هذا الخطاب الذي يتعامل مع التحديات الاقتصاديّة الكبيرة بسذاجةٍ وتبسيطٍ مفرط، وهو في الحقيقة تضليل متعمد يؤخر اتخاذ القرارات الصعبة والضروريّة».
- مصطلحات مضللة: يروّج مسؤولون مصريون مصطلحات اقتصاديّة تنافي الواقع، وهو ما فعله رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بقوله إنّ مصر قد «تُضطّر لدخول اقتصاد الحرب». وهو توصيف يُطلق على الأطراف التي تكون في حرب حقيقية، ويعني: «رفع نفقات التسليح وتجهيز الملاجئ، وترشيد نفقات القطاعات الأخرى»، وهو ما لا ينطبق على مصر وفقًا للتوصيف الدولي لحالة الحرب.
- التغييب المعلوماتيّ: وهو من أبرز المشكلات التي يشكو منها عادة مصريون ورجال صناعة ومستثمرون. فعلى سبيل المثال، حين أعلنت مصر صفقة «رأس الحكمة» مع الإمارات في فبراير/شباط 2024، تكاثرت تساؤلات على مواقع التواصل عن تفاصيلها وسط غياب المعلومات؛ ما فتح الباب أمام شائعات عديدة. وعادة ما ينتقد خبراء «تقديم الدولة المصريّة معلومات وبيانات للمؤسسات الدوليّة، مثل صندوق النقد أكثر ممّا تقدم للمواطن المصريّ الذي بات عليه أن يبحث عن المعلومات لدى تلك الكيانات الدوليّة».
التضليل الاقتصاديّ: صنيعة مَن؟
يمكن القول إنّ التضليل الاقتصاديّ في مصر هو نتاج مشاركة جهات عديدة؛ بينها السلطتان التنفيذيّة والتشريعيّة، وبترويج من وسائل إعلام محليّة، في ضوء فراغ رقابيّ، وصمت منظمات دوليّة وتصديق منظمّات أخرى لما تُصدره الحكومة من بيانات.
- السلطة التنفيذيّة: تتعمّد الدولة تغييب كثير من البيانات؛ إذ طالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي صراحة (2020) قياديًا بالجيش «بعدم إعلان الأرقام حتى لا يورّط نفسه». واشتكى باحثون من «إزالة تقارير متابعة خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية السنوية للدولة من موقع وزارة التخطيط بعد 2014». كما تتعمّد الدولة بثّ بيانات مضلّلة؛ بينها إعلان السيسي «إنجاز 11 ألف مشروع في 4 سنوات، بمعدل 3 مشروعات باليوم»، وهي أرقام متناقضة ومبالغ فيها. وإعلانه (2018) مواجهة 21 ألف شائعة خلال 3 أشهر، بمعدل 233 شائعة يوميًا، ومتوسط 9 بالساعة. إضافة إلى تلاعب الدولة أحيانًا بمنهجية جمع البيانات، عبر «اعتماد معايير لا تطابق المعايير العالمية أو إهمالها كليًا، كما يحدث عند حساب نسبة الفقر والبطالة».
- السلطة التشريعيّة: العديد من القوانين التي أقرّها البرلمان المصري تقيّد الوصول إلى المعلومات؛ ومنها القانون 180 لسنة 2018، الذي يستخدم مصطلحات مطّاطيّة تمنع وصول الصحفيين إلى المعلومات ونشرها، إضافة إلى عدم إلزام قوانين الاستثمار والشركات المساهمة، بتقديم المعلومات للصحفيين، رغمّ نصّ الدستور على ملكيّة المعلومات والبيانات والوثائق الرسميّة للشعب، وإلزام الدولة بتوفيرها وإتاحتها بشفافية.
- مؤسسات رقابيّة: «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» و«الجهاز المركزي للمحاسبات» من أبرز المؤسسات التي تراقب البيانات في مصر، وتكمن «الأزمة الأكبر بهذه المؤسسات في افتقارها للاستقلاليّة»، وفقًا لتقرير الشفافيّة الماليّة لعام 2024، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية. يؤيد ذلك أن رؤساء الجهازين عادة ما يكونا من خلفيات أمنية وعسكرية، كما أن «المحاسبات» يتبع مباشرة لرئيس الدولة، إضافة إلى سجن رئيس سابق للجهاز (2019) لانتقاده الفساد، وتعيين خليفة له ينتمي للأمن الوطني (أمن الدولة سابقًا)، بعدما أشرفَ على تحقيقات بقضايا فساد انتهت بالبراءة.
- شركات الدولة: تتلاعب شركات مملوكة للدولة بالبيانات الماليّة، فتخفيها أو تنشر بيانات مغلوطة أو مبالغ فيها. وانتقد تقرير الشفافية الصادر عن الخارجية الأمريكية «عدم نشر بيانات ديون الشركات الكبرى منها على الإنترنت». وظهر التضليل خلال تصفية شركة النصر للكوك (الفحم)، التي أعلنت تحقيق أرباح، وادعت الدولة تحقيقها خسائر، رغم توقف نشاطها مطلع عام القياس. كما قدمت شركة الحديد والصلب، المملوكة للدولة بنسبة 82%، بيانات مغلوطة بتحقيق أرباح وإخفاء الخسائر.
- إعلام محليّ: تمارس وسائل إعلام التضليل الاقتصاديّ عبر ترويج بيانات غير دقيقة، أو عبر تبنّيها لخطاب مضلل. وأظهر أحدث استطلاع لشركة «إبسوس» عن مصر (2019) تعرّض 78% من المصريين لمعلومات خاطئة وأخبار مضللة عبر الإنترنت، و67% عبر التلفزيون، و60% عبر وسائل مطبوعة. علمًا أنّ معظم الوسائل العاملة بمصر تابعة أو مقربة للسلطة، التي تُقيّد عادة وصول الصحفيين والباحثين إلى البيانات ونشرها أو دخول فعاليات عامة، كما تواصل حجب أكثر من 600 موقع إخباري أو حقوقي، رغم تكفّل الدستور بحرية الصحافة والطباعة والنشر والتعبير، وحظر فرض رقابة على وسائل الإعلام.
- مؤسسات دوليّة: تعتمد تقارير بعض المؤسسات الدولية على بيانات غير دقيقة أو قديمة صادرة عن مؤسسات مصرية، ويُؤخذ على «صندوق النقد تحديدًا، والمنظمات الدولية عامة، إدراجه الإحصائيات الرسمية المصرية دون نقد في تقاريره، رغم تراجع مصر بمؤشرات البيانات والشفافية. وتكمن المشكلة في أن تبني الإحصائيات الحكومية دون انتقاد، يبيّض البيانات، ولا يُنظر إليها على أنها مصرية، بل على أنها صادرة عن منظمات دولية».
مؤشرات دوليّة: تضرُّر السمعة
رغم إعلان مصر عن خطة «إصلاح اقتصاديّ» منذ 2016 بالتعاون مع صندوق النقد، إلّا أنّ البلاد احتلت مراكز متأخرة بمؤشرات تقيس إتاحة البيانات وجودتها؛ مما يعكس مستوى الثقة الدولية في بياناتها، سيّما الاقتصادية.
- مؤشر الاقتصاديات الأكثر حرية اقتصاديًا: احتلت مصر المرتبة 146 عالميًا عام 2024، بنتيجة 49.7 من 100، متراجعة من 55.7 عام 2021. وهو مؤشر أمريكي يقيس الاقتصاديات على أساس سيادة القانون والكفاءة التنظيمية والنزاهة والمعلومات لـ184 دولة حول العالم.
- مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية العالمية (CPI): سجلت مصر المركز 108 في 2023 بين 180 بلدًا وإقليمًا، محقّقةً 35 درجة من 100. ويعتمد المؤشر معايير عدة لقياس الفساد، يتعلق منها بالبيانات والإحصائيات معيار إمكانية «الوصول إلى معلومات الشؤون العامة والأنشطة الحكومية».
- مؤشر البيانات المفتوحة (ODIN): تراجعت مصر 6 مراكز لتحتل المركز 130 عام 2022 مقابل 124 في 2020، وبإتاحة البيانات من 153 إلى 165، وزادت البيانات غير المنشورة 29%، واستمرار تقييد الوصول إلى البيانات المنشورة على موقع جهاز «الإحصاء».
- تقرير معيار الخارجية الأمريكية للشفافية المالية 2024: حيث انتقد «غياب بيانات ديون الشركات الحكومية الكبرى بمصر، ونقص الرقابة البرلمانية والمدنية على ميزانية الجيش والاستخبارات، وإهمال الجهاز المركزي للمحاسبات معايير الاستقلالية الدولية وغياب النتائج الموضوعية والتوصيات عن تقاريره، ونقص وثائق الميزانية المتاحة للجمهور وغياب نفقات الهيئات التنفيذية، وإخفاء صندوق الثروة السياديّ مصدر تمويله ونهجه العام في السحب».
تضرر الاستثمار: خسائر وهروب
التضليل الاقتصاديّ وتأثر سمعة مصر دوليًا ألقيا بظلالهما على الاستثمارات المحلية والأجنبية في الدولة؛ وهو ما ساهم في إضعاف القطاعين الصناعيّ والخاصّ، وتضخم اقتصاد الجيش، وهروب وإحجام مستثمرين.
- القطاع الصناعيّ: تضررت الصناعة المصرية بسبب التضليل الاقتصادي، الذي تمثل في غياب المعلومات والشفافية، وترويج الحكومة أرقام غير واقعية. إذ أدى غياب المعلومات وصعوبة معرفة إجراءات الحصول عليها إلى «فَقْد القطاع كثير من الفرص والمنح التمويلية الدولية، ورد تلك الأموال إلى الجهات الدولية بعد انتهاء مدة الاتفاقية دون استخدامها». كما عانت عملية طرح الأراضي الصناعية مشكلات عديدة، وعرضت دراسة لاتحاد الصناعات المصريّ (2019)، أبرز تلك المشكلات وبينها: «غياب الشفافية والموضوعية في التخصيص والتسعير، وغياب المعلومات المتكاملة عن الأراضي المتاحة وأسعارها وإجراءات الحصول عليها». كما روجت الحكومة أرقامًا غير واقعية، فأعلنت منتصف 2023 استهدافها زيادة الإنتاج الصناعي في 2023/2024، لـ4.3 تريليون جنيه (حوالي 139 مليار دولار حينها)، رغم أن إحصائيات 2022/2023 أظهرت عدم تجاوز الناتج الصناعي 1.2 تريليون جنيه (24.3 مليار دولار)، وسط توقف وتعثر نحو 12 ألف مصنع.
- القطاع الخاص: يعاني القطاع بسبب ضبابية وغياب البيانات الخاصة بالدعم الحكومي الموجه لشركات الدولة، التي تتمتع بـ«مزايا غير عادلة، كالامتيازات الضريبية، والتمويل من البنوك الحكومية، يعززها غياب المعلومات المتاحة للجمهور وعدم الفصل بين الأنشطة التجارية وغيرها، ما يصعّب تقييم أوضاعها المالية ونشاطها». ورغم إعلان الحكومة مرارا استهدافها رفع نسبة القطاع الخاص لـ65% من إجمالي الاقتصاد خلال 3 سنوات، إلا أنّه لا يمكن قياس هذه النسبة لنقص البيانات، وتعارُض ذلك مع الواقع، إذ أظهر مؤشر مديري المشتريات (PMI) خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2024 «انخفاض نشاط القطاع الخاص غير النفطي للشهر الثالث على التوالي، وانخفاض حجم الطلبات الجديدة ليستمر الاتجاه السائد منذ يوليو/ تموز 2024، وتراجع ثقة الشركات بشأن المستقبل».
- المستثمرون المصريون: تسارعت خطى مستثمرين للهروب من مصر بسبب ضبابية الأوضاع وغياب الشفافية؛ إذ باعت العائلة المالكة لشركة «النساجون الشرقيون» المصرية (2022) نحو 25% من أسهمها ببورصة مصر لشركة إنجليزية مملوكة للعائلة نفسها، وأرجع محللون السبب إلى «غياب الشفافية والمعلومات الصحيحة». تكرر الأمر بإعلان رجل الأعمال المصري سميح ساويرس (2023) أنه لن يبدأ أي مشروعات بمصر، بسبب «ضبابية سعر الصرف والعجز عن دراسة ربحية المشروعات، وأنه سيستثمر بالسعودية». ولم يكن ساويرس وحده من اتخذ مثل هذا القرار، إذ استحوذ مصريون على 950 ترخيصًا استثماريًا بالسعودية بين 3157 في الربع الأول من 2024.
- الاستثمار الأجنبي: أبهمت الحكومة المعلومات بشأن تدفق استثمارات أجنبية مستدامة نتيجة لتحسن الاقتصاد رغم أنها جاءت لأسباب سياسية؛ إذ أعلنت ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 46.1 مليار دولار خلال 2023/2024 مقابل 11.4 مليار دولار في 2022/2023، و8.9 مليار دولار في 2021/2022، وهي أرقام تتناقض مع ما أعلنته منظمات دولية. وأرجع مسؤولون ووسائل إعلام الارتفاع لتوقيع مصر أكبر صفقة استثمار مباشر بتاريخها (رأس الحكمة) بقيمة 35 مليار دولار، ووصفوا ذلك بأنه «يضع مصر بقلب حركة الاستثمار العالمي، ويؤكد نجاح خطط التنمية». لكنهم تجاهلوا أن الصفقة جاءت «في ضوء العلاقات السياسية بين الدولتين، بإيرادات تعجز عن حل مشكلات مصر»، ولا تعبر عن واقع الاستثمار الذي انخفض بالفعل 13.6% على أساس سنوي في 2023، ليسجل 9.841 مليار دولار، مقابل 11.4 مليار دولار عام 2022.
- الاستثمار المغامر: قلة المعلومات المتاحة عن صناعات عديدة، من الأسباب الرئيسة لإحجام أصحاب «الاستثمار المغامر» عن اقتحامها. فعلى سبيل المثال تعاني صناعة إعادة التدوير بمصر، من «غياب المعلومات والأرقام المحددة، التي تساهم بتقييم القطاع بشكل عام، ورغم أن مصر سوق كبير، وأن الطلب العالمي على المنتجات المعاد تدويرها يشهد ارتفاعا، فإن صناعة إعادة التدوير الرسمية بالبلاد ما زالت بمهدها، ويتوخى المستثمرون الحذر».
- اقتصاد الجيش: التعتيم على بيانات اقتصاد الجيش، وتضارب نسبته التي تقدرها السلطات بنحو 2% ويقدرها خبراء بـ40%، وعدم إعلان موارده ونفقاته، أو دخوله ضمن أدوات القياس والمحاسبة، يكبد الخزينة العامة «خسائر ضخمة»، وذلك بسبب تغييب البيانات عن مشاريعه ما يؤدي لـ«إعفائه من الضرائب والجمارك ورسوم النقل، وحصوله على طاقة مدعومة، وعملة أجنبية بأسعار مواتية، واستخدامه أراضي الدولة مجانًا، وعمالة المجندين، وإخفائه التكاليف الفعلية، ما يصعّب المنافسة على القطاع الخاص».
- البورصة المصرية: تستخدم الحكومة توصيفات ومصطلحات لها آثار سلبية على الاستثمار والبورصة، ومن ذلك شعار «مصر تحارب الإرهاب» الذي رفعته السلطات على كل وسائل الإعلام التابعة للدولة والمقربة لها لفترة طويلة بعد 2013؛ وهو ما كان له تأثير سلبي على صورة الدولة أمام المستثمرين، ورغم ذلك واصل مسؤولون استخدام مصطلحات مشابهة. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال رئيس الوزراء إن مصر قد تدخل «اقتصاد حرب»، وهو المصطلح الذي سبب خسائر للبورصة بلغت 60 مليار جنيه (1.2 مليار دولار). وتعد هذه التصريحات «كارثية على الخطط الاستثمارية للبلاد، وتعني أن الدولة قد تضع يدها على الاستثمارات والمشاريع، ورغم أن التصريحات موجهة للداخل لم يأخذ بالحسبان أن العالم يتابعه، وأن تأثير كلامه سيكون سلبيًا على الاقتصاد أكثر من الحرب».
وإضافةً إلى الأضرار المباشرة على الاستثمار بمصر، فإنّ التضليل الاقتصادي يؤثر على معرفة حقيقة نصيب الفرد، والتضخم، والبطالة، والفقر، وهي بيانات مهمة لأي مستثمر يرغب بدراسة السوق وبناء خططه الاستثمارية.
أبرز الحلول: أو ما يمكن فعله
التضليل الاقتصاديّ من أكبر التحديات التي تواجه الاستثمار بمصر؛ فنشر بيانات مغلوطة أو غير دقيقة يؤثر بشكل مباشر على ثقة المستثمر، ويؤدي لقرارات غير محسوبة تعرضه والاقتصاد لمخاطر عديدة. ولمعالجة هذه المشكلة، يمكن اتخاذ خطوات عدة:
- التواصل الحكوميّ: بأن تقدم قيادات الدولة تصريحات واضحة ودقيقة بشأن السياسات الاقتصادية وتجنب الغامضة والمتناقضة التي قد تخلق حالة من عدم الثقة لدى المستثمرين، لا سيما بخصوص ديون شركات الدولة والامتيازات الممنوحة لها والمؤشرات الاقتصاديّة.
- شفافية الحكومة: بأن تتوقف عن إطلاق تصريحات لتجميل الواقع، حتى لا يُضلل المستثمرون والرأي العام. لقد دعت الخارجية الأمريكية مصر إلى نشر بيانات اقتصاديّة دقيقة وشاملة بانتظام، وإتاحتها للجمهور والمستثمرين بسهولة، ليتمكنوا من تقييم السوق بموضوعيّة.
- شفافية الشركات: بأن توفر الدولة المعلومات بشأن شركاتها، خاصة المملوكة للجيش، عبر تقرير سنويّ، يوضح التقدم المحرز في تنفيذ هذه السياسة، وهي خطوة طالب بها صندوق النقد «لتقليل دور الدولة في الاقتصاد».
- التشريعات: بإصدار قانون تداول المعلومات المعطل أمام البرلمان منذ أن نصت عليه المادة 68 من دستور 2014؛ مما قد يسهم في تحقيق مستويات أعلى من ﺍﻟﺸﻔﺎﻓﻴﺔ ﻭالمحاسبة، ومحاربة الفساد، وتعزيز التنمية وبيئة الاستثمار، ومعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
- الرقابة والمساءلة: الشفافية وحدها ليست حلًا سحريًا، بل يجب أن تضطلع المؤسسات الرقابية بدور أكبر لضمان تدفق المعلومات الاقتصادية للأماكن الصحيحة، ومحاسبة من ينشر بيانات مغلوطة، وتطبيق الشفافية والمساءلة، وهي توصية دعت إليها الخارجية الأمريكية
- الإعلام المستقل: عبر دعم وإتاحة الفرصة للإعلام المستقل لتقديم تحليلات اقتصاديّة تعتمد على بيانات دقيقة ومصادر موثوقة، وعدم احتكار أو اكتفاء الدولة بالمواقع والمؤسسات التابعة لها، وهو ما دعت إليه نقابة الصحفيين المصريين بقولها: «لا استثمار دون معلومات متاحة للجميع، وبلا قيود».
محمد إمام.هو صحفي وباحث مصري مقيم في الخارج