مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

المرصد الفلسطيني “تحقّق” يقف على مصداقية مشاهد توزيع المساعدات الإنسانية في غزة

المرصد الفلسطيني “تحقّق” يقف على مصداقية مشاهد توزيع المساعدات الإنسانية في غزة
tahaqaqps

الكاتب

tahaqaqps
[:ar]
في مشاهد متكررة على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر ناشطون وفرق خيرية يوزّعون المساعدات على العائلات المتضررة أمام عدسات الكاميرا. وفي المقابل، يثور الجدل حول حقيقة ومصداقية وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها بعيدًا عن عمليات التصوير والتوثيق. في هذا التقرير، يقدّم المرصد الفلسطيني "تحقّق" رصدًا للوقائع التي تابعها فريقه، في إطار التزامه بمبدأ الشفافية وكشف الحقائق المتعلقة بالتوثيقات المنتشرة على منصات التواصل لعمليات توزيع الدعم والمساعدات، ولا سيما في الحالات المرتبطة بسياق المجاعة الإنسانية في غزة. أولاً: الناشط إبراهيم بربخ "هيما" لم يسترد المساعدة المالية من الحاج عصفور بعد انتهاء التصوير  الناشط إبراهيم بربخ "هيما" لم يسترد المساعدة المالية من الحاج عصفور بعد التصوير تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه تسليم المال لرجل مسن أمام الكاميرا، ليتم استرداده منه مباشرة بعد انتهاء التصوير، مرفقًا بتعليق يزعم أن المشهد يكشف كيفية إدارة "مسرحيات الرحمة المصطنعة" في زمن تجار الحروب، حيث "يُظهر الدناءة بأمّ العين". تحرّى المرصد الفلسطيني "تحقّق" صحة الفيديو المتداول من خلال البحث في المصادر المفتوحة والتواصل المباشر مع المسن الظاهر في المقطع، الحاج سليم عصفور، الذي نفى لـ"تحقّق" صحة الادعاء، موضحًا أنه كان يقصد في حديثه شخصًا آخر قام بإعطائه مبلغ 350 شيكلًا ثم استرده، وليس إبراهيم بربخ الملقب بـ"هيما". وأكد أن إبراهيم قدّم له المساعدة فعلًا، ولم يسترد أي مبلغ منه بعد التصوير، مشيرًا إلى أن ما تم تداوله لا يعكس الحقيقة، وأنه يشعر بالامتنان لمساعدة إبراهيم التي كانت صادقة وفعّالة. وفي سياق متصل، نشر الناشط الاجتماعي والخيري إبراهيم بربخ عبر حسابه الرسمي في منصة "تيك توك" مقطع فيديو لزوجة الحاج سليم عصفور، أوضحت فيه أن زوجها كان يقصد شخصًا آخر، وليس إبراهيم بربخ. الناشطة نور النجار تكشف لـ"تحقّق" آليات توزيع المساعدات وحالات التوثيق الخاصة بها  للاستفسار حول آلية توزيع المساعدات في قطاع غزة، تواصل فريق المرصد مع الناشطة الاجتماعية والخيرية نور النجار، المختصة بتوثيق وصول المساعدات وتوزيعها في غزة، والتي أوضحت أن بعض المبادرات تعتمد على تسليم كمية المساعدات لمدير المخيم، الذي يقوم بدوره بتصوير جزء صغير منها فقط أمام الكاميرا، ثم يوزّع الكمية كاملة على سكان المخيم، وذلك لتجنّب النزاعات والمشكلات التي قد تنشأ أثناء التوزيع العلني. وأضافت أن سكان المخيمات لا يسمحون بالتصوير إلا بتنسيق وموافقة مسبقة، مشيرة إلى أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عزّز من رقابة الجمهور على آليات توزيع المساعدات، ما جعل من الصعب على أي جهة أو فرد القيام بممارسات غير شفافة دون أن يتم كشفها. ولفتت، في الوقت نفسه، إلى وجود بعض الجهات التي تسيء إلى سمعة العمل الخيري عبر تقديم كميات أقل من المساعدات أو التلاعب بجودة المواد الغذائية، مستغلّين مشاهد الأطفال أمام الكاميرات لتحسين صورتهم إعلاميًا، من دون الالتزام بمعايير الجودة والشفافية. وزوّدت النجار مرصد "تحقّق" بتوثيقات وكشوفات، قام فريق المرصد بتمويهها حفاظًا على الخصوصية، تُعد جزءًا من آليات التوثيق المعتمدة لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
 
الصحفي أبو سلامة: "استغلال المساعدات ظاهرة محدودة تواجه متابعة أمنية ورقابة إعلامية" وفي السياق ذاته، تواصل فريق المرصد مع الصحفي محمد أبو سلامة، الذي أكد لـ"تحقّق" أن ظاهرة استغلال المساعدات وانتشار تصوير تسليمها ثم سحبها من قبل بعض المبادرين منتشرة بالفعل في بعض مناطق قطاع غزة.  وأوضح أبو سلامة أن هذه الظاهرة تمثل تحديًا حقيقيًا للعمل الإنساني، حيث يقوم بعض الأشخاص بتصوير المحتاجين أثناء تسليم المساعدات بهدف التظاهر بتقديمها، ثم يأخذون هذه المساعدات لأنفسهم، مما يؤثر سلبًا على وصول الدعم إلى مستحقيه. وأضاف أن هذه الممارسات لا تشمل الجميع، إذ لا يزال هناك العديد من المبادرين أصحاب الضمير الذين يلتزمون بأخلاقيات العمل الخيري ويقدّمون الدعم بكل شفافية ونزاهة. وأشار أبو سلامة إلى أن الفئة التي تستغل المساعدات تمثل نسبة قليلة جدًا، تبلغ نحو 20% مقارنةً بالمجتمع بشكل عام، مشيرًا إلى أن الجهات الأمنية في قطاع غزة تبذل جهودًا كبيرة في متابعة هذه الظاهرة ومحاسبة المخالفين.  وأشار إلى أن هناك تنسيقًا وتواصلًا مستمرين مع الصحفيين والجهات المعنية لرصد هذه الحالات، حيث تم ضبط واحتجاز بعض المتورطين بشكل مؤقت، رغم عدم وجود مراكز متخصصة للتعامل معهم، إلا أن الجهات المختصة تبذل جهودًا واضحة لضبطهم. مشاهد توزيع المساعدات بين المبادرات الحقيقية وأخرى صورية أفادت المواطنة نورهان سمير من قطاع غزة، لمرصد "تحقق" أنها شهدت ممارسات مثيرة للجدل خلال أنشطة إغاثية حضرتها. ففي إحدى المرات بمدينة رفح، نصبت جهة منظمة نحو 20 خيمة لإيواء المتضررين، واستمر التصوير لأكثر من خمس ساعات، ثم أُزيلت الخيام فور انتهاء التصوير، ما أعطى انطباعًا بأن الهدف كان استعراضًا إعلاميًا أكثر من تقديم دعم فعلي. وفي موقف آخر، أعلنت جمعية عن توزيع ملابس بقيمة 250 شيكلًا لأبناء الشهداء، لكن بعد التصوير طُلب من الأطفال إعادة الملابس واستبدالها بأخرى أقل سعرًا، بقيمة 100 شيكل، ما تسبب في إحباطهم وانتظارهم ساعات لاختيار بدائل. ورغم هذه التجارب السلبية، أكدت نورهان وجود مبادرات إنسانية صادقة، منها مبادرة شبابية اشترت 50 كيلوغرامًا من الطحين في ظل انقطاعه وارتفاع سعره، ووزعته بالكامل على أسر الشهداء دون أن يحتفظ أفرادها بأي جزء منه رغم حاجتهم. الدكتور الزيود: تصوير المساعدات واستردادها يسيء لكرامة المستفيدين ويقوّض الثقة بالعمل الإنساني" وفي هذا السياق، تواصل مرصد "تحقّق" مع الأكاديمي الأردني والخبير في التربية الإعلامية والرقمية، الدكتور بركات زيود، للوقوف على تداعيات ظاهرة تصوير تسليم المساعدات ثم استردادها، وما تخلّفه من آثار على ثقة الجمهور والمستفيدين، إضافة إلى التأثيرات السلبية على سمعة الجهات المانحة والعمل الإنساني بشكل عام. وأكد زيود أن هذا السلوك يعد انتهاكًا خطيرًا لأخلاقيات العمل الإنساني، يسبب صدمة للمستفيدين ويضر بمصداقية الدعم مستقبلًا، مشيرًا إلى أن التوثيق لا يبرر استخدام أساليب مهينة كهذه، داعياً وسائل الإعلام إلى الامتناع عن نشر هذه المشاهد، مع تكثيف التوعية للحد من تشويه صورة العمل الخيري. وأشار إلى أن المستفيدين هم الضحايا الأكبر، حيث يُستغلون أمام الكاميرات في مشاهد الاستلام والاسترداد، ما ينتهك كرامتهم ويخالف المواثيق الدولية، وركّز على أهمية عدم نشر مواد تُظهر وجوه المستفيدين أو تحويل هذه المشاهد إلى مسرحيات خادشة للأخلاق. واختتم بالقول إن التربية الإعلامية ضرورية لتعزيز الوعي النقدي، داعيًا الجمهور إلى رفض هذه الممارسات، ومحذرًا من أن استمرارها قد يقوّض الثقة ويعرقل الجهود الإنسانية، ما يتطلب تعاون الجميع لتعزيز الشفافية والمسؤولية.
خلاصة التحقق
 أظهر تدقيق مرصد "تحقّق" أن الناشط إبراهيم بربخ "هيما" لم يسترد المساعدة المالية من المسن سليم عصفور، خلافًا لما تم تداوله، وأن الحادثة المتداولة تتعلق بمساعدة أخرى قُدمت للمسن وسُحبت منه بعد التصوير. ويسلّط التقرير الضوء على ظاهرة توثيق تسليم المساعدات الإنسانية بين الحقائق والتضليل، إضافة إلى استعراض الممارسات المثلى في هذا المجال.
 
مصادر التحقق مصادر الادعاء 
حقائق Mahdi baladi
[:]