مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
استغل النائب رائد المالكي، إحصائية جديدة أعلنها مجلس القضاء الأعلى لحالات الطلاق على مستوى المحافظات العراقية، في ترويج معلومات مضللة وكاذبة بهدف إظهار نتائج إيجابية لتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي دخل حيز التنفيذ بعد منتصف شباط فبراير الماضي.
ونشر المالكي تغريدة على منصة إكس، ثم نقل فحواها عبر صفحته على فيسبوك، مؤكدًا أنّ معدلات الطلاق باتت في "انخفاض مستمر" نتيجة إقرار "تعديل قانون الأحوال الشخصية"، الذي اقترحه النائب، كما أكّد أنّ العراق سجل خلال شهر آذار مارس الماضي "أدنى مستوى لحالات الطلاق".[*]
ولم يكتف المالكي بهذا، بل أشار إلى انخفاض معدلات الطلاق في جانب الرصافة من بغداد بالمقارنة مع جانب الكرخ، في إشارة إلى انخفاض نسب الطلاق في الجانب الذي تقطنه غالبية شيعية، على حساب المناطق ذات الكثافة السكانية السنية.
وفي هذا التقرير يكشف "صحيح العراق" بالوثائق الرسمية، واستنادًا إلى إحصائيات التي نشرها مجلس القضاء الأعلى على مدى العام الماضي، كيف حاول النائب المالكي خداع الجمهور بترويج معلومات كاذبة ومضللة بشكل واضح، بهدف إثبات نتائج إيجابية غير واقعية لتعديل قانون الأحوال، كما يوضح كيف أنّ التضييق على المرأة بما يتعلق بحق الانفصال يمكن أن يؤدي إلى عواقب مجتمعية أخطر:
3 أكاذيب
قال المالكي: "معدلات الطلاق في انخفاض مستمر وأن ذلك من أهم نتائج تعديل قانون الأحوال الشخصية".
التصريح كاذب، إذ أنّ معدلات الطلاق تشهد تفاوتًا لم يتغير بعد إقرار تعديل قانون الأحوال الشخصية كما سنوضح عبر مقارنة الإحصائيات الشهرية وتحليلها بالاستناد إلى بيانات مجلس القضاء طوال العام الماضي.
ودخل التعديل الذي أقره مجلس النواب في 17 شباط فبراير 2025 الماضي، بعد نشره في جريدة الوقائع الرسمية في العدد رقم "4814"، مع تعديل قانون العفو العام وقانون العقارات، إذ صوت البرلمان على القوانين الثلاثة بصيغة السلة الواحدة وسط الكثير من الاعتراضات والإشكالات القانونية.[1]
وسجل شهر شباط فبراير الماضي، أي شهر دخول القانون حيز التنفيذ 6392 حالة طلاق، بارتفاع بفارق 68 حالة عن ذات الشهر خلال عام الماضي، إذ سجل شهر شباط فبراير 2024 حالات طلاق بلغت 6324 حالة.[2]
وعلى الرغم من التراجع الذي شهدته حالات الطلاق خلال شهر آذار مارس 2025، حيث وثق مجلس القضاء الأعلى 4974 حالة، إلاّ أنّ العام الماضي شهد تسجيل أعداد أقل قبل تشريع التعديل الذي اقترحه النائب المالكي، وبالتحديد في شهر حزيران يونيو 2024.[3]
قال المالكي: "أفادت إحصائية أعلن عنها مجلس القضاء الأعلى اليوم انخفاض معدل الطلاق مع التفريق القضائي لأدنى مستوى له".
تصريح المالكي كاذب أيضًا، إذ أنّ معدلات الطلاق لم تنخفض إلى أدنى مستوى" وفق إحصائية شهر آذار مارس 2025 الماضي التي نشرها مجلس القضاء الأعلى.
وبمراجعة إحصائيات العام الماضي فقط، نجد أنّ شهر حزيران يونيو 2024 سجل حالات طلاق أقل بفارق 195، أي أنّ حالات الطلاق كانت أدنى قبل 8 أشهر من دخول تعديل قانون الأحوال الشخصية حيز التنفيذ.[3+]
قال المالكي: "أظهرت الإحصائية ارتفاع نسب الطلاق في قاطع الكرخ بشكل أكبر بكثير من قاطع الرصافة".
في هذا الادعاء حاول المالكي الإشارة إلى أنّ المناطق ذات الغالبية السكانية الشيعية سجلت معدلات طلاق أقل من المناطق ذات الكثافة السنية، بمعنى أنّ الأحكام الشرعية وفق المذهب الجعفري، التي سمح التعديل بتطبيقها، أدت إلى تقليل نسب حالات الطلاق، على خلاف القانون الأساسي المعتمد من قبل السنة.
هذا الادعاء كاذب أيضًا وفقًا لما يظهره تحليل بيانات حالات الطلاق خلال العام الماضي والشهر الأول من عام 2025 الجاري، إذ أنّ جانب الكرخ يسجل في معظم الأشهر أرقامًا أعلى من حالات الطلاق، والأمر غير مرتبط بالتعديل، كما أنّ العاصمة بغداد تشهد تداخلاً سكانيًا كبيرًا في جانبيها، ولا يمكن تقسيمها على أساس طائفي.
وبلغ الفارق بين حالات الطلاق في الكرخ والرصافة 271 حالة فقط خلال الشهر الماضي، في حين سجلت بعض أشهر العام الماضي فارقًا يفوق ضعف هذا الرقم، كما يظهر هذا التحليل الذي أجراه "صحيح العراق":[4]
كانون الثاني يناير 2024:
الرصافة: 1189
الكرخ: 1737
الفارق 548
شباط فبراير 2024:
الرصافة: 994
الكرخ: 1167
الفارق: 173
آذار مارس 2024:
الرصافة: 1068
الكرخ: 1108
الفارق: 40
نيسان أبريل 2024:
الرصافة: 895
الكرخ: 1061
الفارق: 166
أيار مايو 2024:
الرصافة: 925
الكرخ: 1397
الفارق: 472
حزيران يونيو 2024:
الرصافة: 835
الكرخ: 947
الفارق: 112
تموز يوليو 2024:
الرصافة: 1186
الكرخ: 1173
الفارق: 13 أكثر في الرصافة
آب أغسطس 2024:
الرصافة: 931
الكرخ: 989
الفارق: 58
أيلول سبتمبر 2024:
الرصافة: 1029
الكرخ: 1165
الفارق: 136
تشرين الأول أكتوبر 2024:
الرصافة: 923
الكرخ: 1291
الفارق: 368
تشرين الثاني نوفمبر 2024:
الرصافة: 869
الكرخ: 1132
الفارق: 263
كانون الأول ديسمبر 2024:
الرصافة: 627
الكرخ: 1220
الفارق: 593
كانون الثاني يناير 2025:
الرصافة: 1012
الكرخ: 1245
الفارق: 233
كما أنّ إحصائية مجلس القضاء لشهر آذار مارس الماضي تشير إلى ارتفاع حالات الطلاق في محافظات ذات غالبية شيعية مقارنة بإحصائيات العام الماضي، مثل البصرة، بما يدحض ما ذهب إليه النائب المالكي.
ولا يمكن بأي حال إثبات أي جدوى لتعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتعلق بحالات الطلاق بالاعتماد على بيانات شهر واحد، كما يؤكّد 3 باحثين اجتماعيين تحدث إليهم "صحيح العراق".
كما الانخفاض بحد ذاته ليس "مؤشرًا إيجابيًا"، كما تتفق آراء هؤلاء الباحثين، بل على العكس حيث يمكن أنّ يدفع التضييق المتعلق بحقوق المرأة إلى "ارتفاع معدلات الجرائم والعنف الأسري"، ويمكن أنّ يؤدي "تقييد حق المرأة في الطلاق إلى إجبارها على البقاء في زيجات عنيفة، بينما تُشجع أحكام تعدد الزوجات على اعتبار النساء "أدوات استهلاكية".
ويُكرس التعديل الجديد التمييز ضد النساء، عبر السماح بتطبيق قواعد المذاهب الدينية التي تُقلص حقوقهن في الطلاق والميراث، ويسمح بتعدد الزوجات دون اشتراط موافقة الزوجة الأولى، كما تخضع حقوق الحضانة بموجبه إلى تفسيرات المذاهب الدينية، التي غالبًا ما تُفضّل الأب في حالات الطلاق، حتى لو كانت الأم أكثر قدرة على الرعاية.
كلّ ذلك أثار موجةً عارمةً من الانتقادات المحلية والدولية، مع تحذيرات أطلقتها المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة، من تداعيات خطرة على المجتمع.
واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التعديل، انتكاسةً للنظام القضائي العراقي، وحذرت من تداعيات سلبية واسعة من بينها إعادة إنتاج الانقسامات المجتمعية التي تفاقمت بعد 2003.[5]
فيما أشارت بعثة الأمم المتحدة إلى أن التعديل "يهدد بتقويض التزامات العراق الدولية"، خاصةً فيما يتعلق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إذ يخالف المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على وجوب ضمان المساواة دون تمييز بسبب الدين أو الجنس.[6]
وعلى الرغم من أنّ تحالفات حقوقية محلية، مثل "شبكة النساء العراقيات"، نجحت في إدخال تعديلات جزئية، مثل رفع سن الزواج، لكنها تعترف بأن المعركة لم تنتهِ، إذ تُركز هذه التحالفات حاليًا على حملات توعية لتعريف النساء بحقوقهن القانونية البديلة، مثل إمكانية اختيار قانون 1959 عند الزواج.[7]