مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
ظهر طبيب في مقطع فيديو على يوتيوب يروج لعمليات ختان الإناث، معتبرا أنه إجراءً دينيًا، وأن ما يترتب عليه من أضرار يعود لأخطاء طبية في عملية الختان، وما ما لاقى انتقادات حقوقية.
تقدمت قوة العمل المناهضة لختان الإناث، ببلاغ للنيابة الإدارية وشكوى لنقابة الأطباء، ضد الطبيب، والذي يعمل أيضًا مدرس في كلية الطب بجامعة القاهرة، وذلك بعد ترويجه لتلك المعلومات المغلوطة حول ختان الإناث.
ولكن حديث الطبيب لا ينسلخ عن ظاهرة عرفت باسم "تطبيب الختان"، والتي تعتبر ممارسة لتشويه الأعضاء التناسلية الأثوية من قبل مقدمي الرعاية الطبية كالأطباء والممرضين، ومصر هي الأولى عالميا في معدلات "تطبيب الختان".
دحض الإدعاء
83 % من المختونات انتهكن بمشرط طبي
خضعت 83% من الفتيات المختونات -أقل من 19 سنة- لتشويه أعضاءهن التناسلية على يد أحد مقدمي الرعاية الطبية، وذلك بحسب المسح الصحي للأسرة المصرية.
وتعرضت 86% من النساء المتزوجات في عمر 15- 49 عاما للختان بحسب أحدث المسوح الصحية في 2021، وذلك مقابل 92% في العام 2014.
قالت طبيبة نساء وتوليد، لصحيح مصر، إن قبول الأطباء بإجراء الختان والترويج له باعتباره إجراءا دينيا هو أمر خطير، وأسهم في استمرار تلك الجريمة، بفعل ما يتمتع به الأطباء من موثوقية لدى المواطنين.
وأضافت الطبيبة أن الأسر تعتقد أن إجراء الختان على يد طبيب يجنب الفتيات الآثار الجانبية كالعدوى والنزيف والتي قد تسبب الوفاة، وهو ما يجعلهم أكثر اطمئنانا وإقبالا على ختان الفتيات ما دام الأطباء مستمرون بإجراءه.
وأشارت الطبيبة إلى أن الأسر تضغط على الأطباء لإجراء الختان، مشيرة إلى أن عدد من مريضاتها توقفن عن المتابعة الطبية معها بسبب رفضها إجراء الختان لبناتهن، وأن بعض الأطباء يقبلون إجراءه لتجنب وصمهم وخسارة مريضاتهم.
خضعت 14% من الفتيات أقل من 9 سنوات لتشويه أعضاءهن التناسلية، كما تعتزم 13% من الأمهات ختان بناتهن مستقبلا.
يبلغ عدد الفتيات المتوقع ختانهن 27%، فيما ترى 30% من النساء ضرورة استمرار ختان الفتيات، بحسب المسح الصحي
مسؤولية الصحة والنقابة
قالت باحثة حقوقية لصحيح مصر، إن قبول الأطباء بإجراء الختان وترويجهم له باعتباره إجراءا دينيا أو طبيا، يرتبط بتشبعهم بالثقافة المجتمعية التي تربط بين الختان والسلوك الجنسي للإناث، بالإضافة لتحقيق مكاسب مادية، والحصول على الرضا والقبول من مجتمعاتهم.
رغم ذلك ترى الباحثة، أن الحصول على القبول المجتمعي لا يبرر قبول الأطباء بارتكاب تلك الجريمة أو ترويجها، بينما هم الأقدر على تغيير توجهات المجتمع بفعل ما يحظون به من موثوقية من قطاع كبير من المواطنين.
وأضافت أن نقابة الأطباء ووزارة الصحة مسؤولتان ويجب أن تبذلا جهدا أكبر لمناهضة التكسب من الختان، وكذلك قبول واقتناع بعض الأطباء بهذا الإجراء باعتباره دينيا أو طبيا وترويج البعض له.
وترى منظمة الصحة العـالمية أنـه لا بد من بذل جهود مكثفة لمنع كافـة أشكال تطبيب الختـان انطلاقا من المبادئ الأخلاقية الأساسية للرعايـة الصحية، فلا يمكن السماح بأن يتم التشويه الجنسي للإناث لأن ختان الإناث بكل أشكاله ودرجاته ضار للبنات والسيدات، وأن إجراءه بواسطـة الفريق الطبى لا يمنع هذه الأضرار، بل يساعد على استمرار هذه الممارسة.
العقوبات
قال عضو بمجلس نقابة الأطباء، إنه لم يعلم بعد بشأن البلاغ ضد الطبيب المروج للختان، مؤكدا أن الختان جريمة وليس إجراءا طبيا، وأن النقابة تتحرك لإجراء تحقيقاتها مع أعضاءها حال تلقيها شكاوى حول ممارسة أي خطأ أو انتهاك للائحة النقابة، وتطبق العقوبة عليه حال ثبوت الاتهام والتي قد تصل لمنعه من مزاولة المهنة لفترة محددة أو شطبه في الأخطاء الجسيمة.
وذكر عضو بمجلس النقابة في تصريحات سابقة لصحيح مصر، أن ما يصل النقابة من شكاوى بشأن إجراء الختان نادرة، حيث بلغت حوالي 20 شكوى خلال عامي 2021 و 2022، وذلك بسبب ما نتج عنها من أضرار ومضاعفات طبية وقيام الأهالي بالإبلاغ.
وأوضح المصدر، أن عدد الشكاوى لا يعبر عن الرقم الحقيقي لنسبة قيام الأطباء بالختان، متابعا: "في غالبية الأحيان، بسبب تجريم قانون العقوبات طالب الختان لابنته، فالأسر لاتقوم بالإبلاغ عن الطبيب أو الممرض الذي قام بالعملية إلا في حال حصل مضاعفات ونُقلت للمستشفى".
رغم التشديد والعقوبات
-أصدرت وزارة الصحة والسكان، عام 2007 قرارا وزاريا حمل رقم 271، حظرت فيه على الأطباء وأعضاء هيئات التمريض وغيرهم إجراء أي قطع أو تسوية أو تعديل لأي جزء طبيعي من الجهاز التناسلى للأنثى "الختان"، سواء تم ذلك فى المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى ويعتبر قيام أي من هؤلاء بإجراء هذه العملية مخالفًا للقوانين واللوائح المنظمة لمزاولة مهنة الطب.
-نشرت الجريدة الرسمية في أبريل من العام 2021، قانون رقم 10 لسنة 2021، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، والتي تضمنت تشديدا لعقوبة إجراء الختان، مع تشديد إضافي لأعضاء الطواقم الطبية ممن يتورطون بإجراءه.
ووفق المادة 242 مكرر، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أجرى ختانا لأنثى، وتصل العقوبة للسجن المشدد لسبع سنوات حال التسبب في إصابتها بعاهة مستديمة، ولا تقل مدة السجن المشدد عن 10 سنوات في حال الوفاة.
ونصت ذات المادة على أن تكون عقوبة إجراء الختان للأطباء ومزاولي التمريض 5 سنوات مشددة، وفي حال إصابة الأنثى بعاهة مستديمة تبلغ العقوبة 10 سنوات مشددة، وفي حال الوفاة لا تقل العقوبة عن 15 عاما ولا تزيد عن 20 عاما.
وتتفق طبيبة النساء والباحثة الحقوقية، على أهمية تشديد العقوبات، ولكنهن تؤكدن على عدم كفايتها وضرورة العمل على تغيير الثقافة المجتمعية.
وأشارت الطبيبة إلى أن تشديد العقوبات لم يقض على الختان، وحوله لممارسة سرية تتم داخل منازل أسر الفتيات، ما يقلل من احتمالات الإبلاغ والمحاسبة، ويدعم استمرار تلك الجريمة.
فيما لفتت الباحثة الحقوقية، إلى أن المادة 424 أ مكرر، والتي تعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى، تعرقل محاسبة المتورطين بجرائم الختان، لأن طالب الختان عادة ما يكون أحد أفراد الأسرة كالأب أو الأم، وهو ما يعرض الفتيات لضغوط ويدفعهن لعدم الإبلاغ.