مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

نقص الدواء المصنع محليًا يطرح أسئلة عن كيف عطشت شركات الأدوية السوق لرفع أسعارها؟ الشركات أوقفت إنتاج أدوية لارتفاع تكلفتها وانتظارًا لرفع أسعارها رسميًا

نقص الدواء المصنع محليًا يطرح أسئلة عن
كيف عطشت شركات الأدوية السوق لرفع أسعارها؟
الشركات أوقفت إنتاج أدوية لارتفاع تكلفتها وانتظارًا لرفع أسعارها رسميًا
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

لفترة تزيد عن أسبوعين عانى محمد فتحي، اسم مستعار، في البحث علاج يخفف من وطأة إصابة زوجته بالضغط خلال فترة الحمل، وهو دواء "ألدوميت"، حتى وجد ضالته في أحد معارفه يعمل في مخزن لتوزيع الأدوية وفّر له علبتين تكفيان زوجته لمدة لا تزيد عن أسبوعين فقط. لاحقًا وصف الطبيب المعالج دواءًا بديل آخر أقل فاعلية لتفادي رحلة البحث عن الدواء المفقود: "تفويت بعض الجرعات من الدواء ممكن يؤدي لمشاكل صحية للزوجة والجنين" بحسب فتحي. منذ مارس الماضي، تعاني الصيدليات من نقص العديد من الأدوية المصنعة محليًا، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، وفقًا لما قاله عدد من المستهلكين والصيدليات في مناطق مختلفة لصحيح مصر. ولكن أمس أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن "هيئة الدواء اتفقت مع كل شركات الأدوية وأصبح هناك خطة موضوعة لتحريك سعري محسوب ومعروف لبعض المجموعات الدوائية حتى نهاية السنة، وذلك مع كل الشركات عشان نضمن ترجع تاني للسوق، وميبقاش في أي نقص في الأدوية خلال الفترة المقبلة". (1) نرصد في هذا التقرير كيف صُنعت أزمة نقص الدواء المحلي، وحيل شركات الأدوية لتعطيش الأسواق لتفادي أي هدر للأرباح أو تحقيق خسائر.

دحض الإدعاء

** صناعة محلية بخامات مستوردة وبحسب المتحدث باسم هيئة الدواء، حمادة الشريف: "مصر تنتج محليًا 94% من الدواء المطروح في الأسواق، في حين تستورد 6% فقط"، ولكن في الوقت نفسه، تعتمد مصانع إنتاج الأدوية المصرية على استيراد 95% من الخامات الدوائية من الخارج، بحسب شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية. (2) (3) ويبلغ عدد مصانع الأدوية المرخصة في مصر 179 مصنعًا بإجمالي 799 خط إنتاج، وبلغت قيمة الواردات المصرية من الأدوية والمستحضرات الصيدلية خلال الربع الأول من 2024 نحو 751 مليون دولار، في حين بلغت قيمة الواردات نحو 3.6 مليار دولار في 2023، بحسب بيانات نشرة التجارة الخارجية. (4) (5) ويعد الدواء من المنتجات التي تسعر جبريًا في مصر، إذ تحدد هيئة للدواء المصرية، أسعار الأدوية المنتجة محليا، قبل طرحها في الصيدليات، ولا تزيد الشركات أسعار أدويتها دون موافقة الهيئة. * الأدوية الناقصة في الصيدليات ثلاثة صيادلة من مناطق مختلفة قالوا لصحيح مصر إن نقص الأدوية أمر وارد طوال الوقت بنسب متفاوتة، ولكن تطوّر الأمر على مدار الأربعة أشهر الماضية ليمتد إلى عدد أكبر من الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط والقلب، بالإضافة إلى بعض أنواع المضادات الحيوية. النائب أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أكد في تصريحات صحفية يناير الماضي، نقص 40% من الأدوية في السوق، كما أكد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية على عوف نقص نحو 1000 نوع دواء من المضادات الحيوية والسكر والضغط. (7) (6) لا يجد الصيدلي حسام عبد المجيد -اسم مستعار- نحو 70% من الأدوية اللازمة لتشغيل صيدليته شهريًا في أي من شركات التوزيع أو مخازن الأدوية التي يتعامل معها، ما يضطره إلى القبول بأصناف أدوية لم يكن يلجأ إليها الأطباء سابقًا لضعف المادة الفعالة، مثل بدائل بعض المضادات الحيوية الأساسية في السوق مثل الأوجمنتين والهاي بيوتيك وميجاموكس. ويضيف أن نقص الأدوية امتد إلى بعض الأنواع التي يلجأ إليها معظم مرضى "الضغط" مثل كونكور ونقص بعض بدائله أيضًا مثل بيزوكارد وكابوزايد، كما تعاني الصيدليات من نقص بعض أنواع الأنسولين لعلاج مرضى السكر مثل ميكستارد وأكترابيد، وفقًا لتصريحات عبد المجيد. ** كيف تعطش الشركات السوق؟ عادل حامد، اسم مستعار لموظف في أحد مخازن الأدوية قال لصحيح مصر، إن المخازن لا تستقبل بعض الأصناف من فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر حتى انتهى المخزون تمامًا، ولكن بعضها عاد للمخازن بمجرد إعلان هيئة الدواء تحريك أسعارها. وهو ما أكده صيادلة لصحيح مصر، إذ قالوا أن بعض الأدوية تختفي من السوق ثم تتوفر بسعر أعلى، إذ يقول الصيدلي حسام عبد المجيد: "الشركات ممكن تكسب ملايين في فارق 10 جنيه بس يزدها سعر دوا واحد بس، علشان كدا بيوقف الإنتاج لحين رفع السعر بشكل رسمي". ويضرب حامد الموظف في مخزن أدوية، مثالًا بدواء أوميجا 3 بلس أحد أنواع المكملات الغذائية، إذ كان سعره 99 جنيه للعلبة قبل عدة أشهر ولم يعد متاح في السوق تمامًا، ثم توفر مؤخرًا بسعر 135 جنيه للعلبة "اللي بيحصل إن الشركة المنتجة مبقتش توفره للمخزن خالص، بعد كدا سعره رفع فبدأ ينزل طبيعي، ودا بيحصل في عدد كبير من الأدوية الأساسية". (8) ويرى حامد أن الأزمة تظهر بشكل أكبر في الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة، مثل ميكسترد لعلاج مرضى السكر، ودواء الكونكور لعلاج ضغط الدم الذي نقص من السوق قبل رفع سعره ثم تم توفيره بكميات قليلة، حسب قوله. (9) تجربة نقص الدواء ثم توفيره بسعر أعلى مرّ بها باسم سمير -اسم مستعار- إذ لم يستطيع توفير دواء بيتاكور لتنظيم ضربات القلب لوالدته إلا بصعوبة بالغة على مدار ثلاثة أشهر لنقصه من السوق قبل أن يتوفر مؤخرًا بسعر 57 جنيه مقابل 35 جنيه سابقًا. * ما أسباب نقص الأدوية بالسوق؟ كان تفسير مصدر حقوقي بقطاع الدواء هذا النقص، بأن شركات تقدمت بطلبات إلى هيئة الدواء المصرية للمطالبة برفع أسعار مئات الأصناف، واستجابة الهيئة وبدأ رفع أسعار بعض الأدوية بنسب تتراوح ما بين 25: 30% على مدار الأشهر الماضية بشكل شبه أسبوعي. وبمجرد بداية الرفع التدريجي للأسعار، توقفت بعض الشركات تمامًا عن الإنتاج، لحين وصول الدور على أدويتها في رفع سعرها، بجانب الضغط على الهيئة لوضع أدويتها في سلم أولويات الهيئة في رفع الأسعار، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، حسبما يقول المصدر الحقوقي: "الشركات قررت تحجب الأدوية عن السوق التي تقدمت بها إلى هيئة الدواء لدراسة رفع أسعارها، لحين ارتفاع الأسعار". علمًا بأن الشركات تقدمت إلى هيئة الدواء المصرية لرفع أسعار نحو 700 صنف دوائي، وخاصة بعد تحريك سعر الجنيه مقابل الدولار في مارس الماضي، بحسب شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية. (10) = رئيس إحدى شركات الأدوية، أكد لصحيح مصر أن شركات أدوية امتنعت بالأساس عن شراء خامات جديدة من الخارج لحين رفع الأسعار، وخاصة للأصناف التي تحقق خسائر، ولم يأت الدور عليها في قائمة الأدوية التي قررت هيئة الدواء رفع أسعارها. ويضيف أن الشركات تركز على التوسع في إنتاج الأدوية التي تحقق هامش ربح فقط، في حين تكتفي باستيراد مواد خام بكميات محدودة للأدوية التي تحقق خسائر، وذلك لاستمرار التصنيع بكميات محدودة لا تكفي حاجة الأسواق، ولكن هذه الكميات تسمح باستمرار إخطار تشغيل الدواء فقط الصادر للمصنع. * الشركات تتهم "الخامات" والتعويم مصدر بغرفة الأدوية باتحاد الصناعات اتهم التحريك الأخير في سعر الجنيه مقابل الدولار بأنه السبب الرئيسي في توقف الشركات عن الإنتاج: "الشركات ممتنعة غصب عنها مش بمزاجهم عن شراء خامات بسعر دولار يقارب 48 جنيه بعد ما كانوا بيشتروا بـ 31 جنيه كوْن الدواء سلعة استراتيجية". ويوضح أن الشركات كانت تكبدت خسائر حين كانت تستورد الخامات بسعر دولار يقارب 31 جنيهًا "فما بالك لما تشتري خامات بنسبة زيادة تقارب 55%، وسعر الدواء زي ما هوّا مزادش.. وهذا هو السبب الرئيسي في توقف المصانع عن الإنتاج". = رئيس شركة أدوية أخرى، قال لصحيح مصر، إن الشركات تُنتج الأدوية الناقصة ذات السعر المنخفض والتكلفة المرتفعة، ولكن ليس بنفس المُعدّلات السابقة لتقليل الخسائر التي قد تؤدي إلى الإغلاق وتسريح العمالة. = المصانع لا تستطيع شراء كميات كبيرة من خامات تلك الأدوية بسعر الدولار الحالي إلا بعد تحريك أسعارها من قبل هيئة الدواء، ويضيف "أُنتج جزء من الكميات اللي كنت بصنّعها قبل كدا والدنيا تمشي ولا أنتج 100% والمصنع يقفل خالص". = ويقول إن القطاعات التي كانت تحصل على الدولار من البنوك بالسعر الرسمي ومن ضمنها الأدوية هي الأكثر تضررًا من تحريك سعر الجنيه مارس الماضي بعد تضاعف تكلفة تصنيعها، بخلاف القطاعات الأخرى التي كانت توفر احتياجاتها الدولارية من السوق الموازي. ** هل تحل البدائل الأزمة يقول مصدر في نقابة الصيادلة ورئيس لإحدى شركات الأدوية، إن أي دواء ناقص في السوق له بديل أو أكثر يمكن أن يعوّضه، وبالتالي فإن أزمة نقص أدوية ليست كبيرة كما يصورّ البعض. ولكن اثنين من الصيادلة يختلفان معه، إذ أوضحا أن بعض الأدوية الناقصة بالسوق غير متوفرة هي والبدائل الخاصة بها مثل بعض أنواع المضادات الحيوية قوية المفعول، أما أدوية علاج السكر فإن بعض البدائل متوفرة بالفعل ولكن سعرها مرتفع ولا يناسب إمكانيات المرضى. نقص الدواء وبديله أزمة تعرّض لها محمد فاروق -اسم مستعار- إذ يبحث عن دواء "رواكول" لعلاج حصوات المرارة منذ أكثر من شهرين، وبحث عنه في العديد من الصيدليات في مناطق مختلفة دون جدوى: "دا علاج والدي ماشي عليه طول عمره، وبحاول من شهور أدوّر عليه سواء هوا أو بديله ومش لاقيه". ويقول سالم رشدي، اسم مستعار لصيدلي، إن بعض أدوية الأمراض المزمنة التي يحصل عليها المرضى لفترات طويلة، قد تصل إلى أكثر 20 عامًا لا يصلح معها البديل: "مينفعش فجأة تقول لمريض غيّر الدواء اللي بتاخده وجسمك اتعود عليه من سنين فجأة، الموضوع صعب وبياخد وقت ولازم يكون تحت إشراف طبيب". وهو ما يؤكده باسم سمير -اسم مستعار- إذ يقول إن والدته لا تستطيع تغيير دواء تنظيم ضربات القلب "بيتاكور"، لأنه بحسب الطبيب المعالج، الدواء الأمثل لحالتها، وخاصة وأن البدائل ليست بنفس الكفاءة.