مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

كيف سُرق تمثال أوزوريس من المتحف المصري الكبير؟ نقل إلى المتحف في العام 2012.. فسرقه مدير المخزن ووضع في السجلات بدلا منه عملة معدنية

كيف سُرق تمثال أوزوريس من المتحف المصري الكبير؟ 
نقل إلى المتحف في العام 2012.. فسرقه مدير المخزن ووضع في السجلات بدلا منه عملة معدنية
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

نشرت صحف ومواقع إلكترونية خبرًا عن إحالة مسؤولين في المتحف المصري الكبير إلى "محكمة الجنايات"، بتهمة سرقة تمثال الإله "أوزوريس" من مخازن المتحف وتهريبه إلى الخارج، ولكن سرعان ما حذفت تلك الصحف الخبر، ومُنع نشر أي بيانات عن مسار التحقيقات في القضية التي وصفت في الأخبار المحذوفة بأنها "أكبر قضية فساد بوزارة الآثار". لذا يعيد صحيح مصر في هذا التقرير بناء وقائع سرقة تمثال "أوزوريس" -التي وقعت في العام 2015 قبل أن تُكتَشف في العام 2023- من مخازن المتحف المصري الجديد -الذي لم يفتتح رسميًا حتى الآن- وذلك اعتمادًا على شهادات من مصادر داخل مركز ترميم الآثار بالمتحف الكبير، وجزء مسرب من تحقيقات نيابة الأموال العامة، والتي أجرتها على مدار الأربعة أشهر الماضية، وتحديدًا من ديسمبر 2023 وحتى إبريل الجاري، قبل أن تُحيل المتهمين إلى المحكمة.

دحض الإدعاء

وقد أحالت نيابة الأموال العامة ثلاثة من أصحاب الوظائف القيادية بالمتحف المصري الكبير، إلى محكمة الجنايات بتهمة سرقة تمثال الإله أوزوريس المصنوع من البرونز، من داخل أحد مخازن المتحف الكبير. قدس المصريون القدماء الإله "أوزوريس" واعتبروه "إله الموتى" -بحسب موقع المتحف المصري- ووصف بأنه سيد العالم السفلي، وهو ابن "جب إله الأرض" و"نيت إلهة السماء"، وزوج "إيزيس إلهة الأمومة والسحر والخصوبة"، ونظرًا لهذه القدسية، نحت المصريون القدماء العديد من التماثيل لأوزوريس تقربًا منه، لذلك هناك عدة نسخ أصلية من نفس التمثال في أماكن عدة، ومنها ما هو معروض في عدة مزادات خارج مصر بعد سرقته. ** كيف وصل تمثال أوزوريس البرونزي إلى المتحف الكبير؟ قال مصدر في إدارة الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير تحدث إلى صحيح مصر، إن التمثال المصنوع من البرونز الخام، نُقل إلى المتحف المصري الكبير عام 2012، من المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، لينضم إلى مجموعة أخرى من القطع المشابهة لأوزوريس نُقلت من المتحف المصري القديم بالتحرير، وكل منها يؤرخ لحقبة مختلفة في تاريخ مصر القديمة. وقتها -بحسب المصدر- لم يكن اكتمل إنشاء وتجهيز صالات عرض القطع الأثرية بالمتحف، لذلك وضعت غالبية القطع التي تسلمها المتحف الكبير الجديد من المتاحف الأخرى في المخازن للحفاظ عليها وحمايتها من الحرارة والرطوبة. ووفقًا لتحقيقات النيابة نقل تمثال أوزوريس البرونزي إلى مخزن الآثار غير العضوية رقم (91)، والذي يترأس إدارته "المتهم الأول" في القضية، وظل التمثال في المخزن طيلة ثلاث سنوات، حتى العام 2015. ** كيف سُرق التمثال؟ في العام 2015، تعاون مدير المخزن "المتهم الأول" مع آخرين واستولى على التمثال، وهُربه إلى الخارج، ولم يكتشف أمره، بل رقي فيما بعد من مدير مخزن بقسم الترميم بالمتحف إلى منصب رئيس قسم الآثار اليوناني والروماني بالمتحف. وحاول المتهم الأول إخفاء معالم السرقة، إذ تعاون مع "المتهم الثاني" وهو مدير إدارة المخازن الأثرية والتسجيل السابق بمركز ترميم الآثار سابقًا، ومدير إدارة اختيارات القطع الأثرية للعرض المتحفي بالمتحف حاليًا، و"المتهم الثالث" وهو مدير شئون الآثار والمعلومات ومسئول قاعدة البيانات الإلكترونية، للتلاعب في قاعدة بيانات الآثار المخزنة، إذ استبدل بيانات التمثال الموجودة ببيانات قطعة معدنية مقلدة. ** عملة معدنية من العصر اليوناني لم تكتشف الواقعة إلا في العام 2023، بعد نحو ثمان سنوات، إذ بدأت إدارة المتحف في نقل التماثيل والمقتنيات من المخازن إلى صالات العرض بعد اكتمال إنشاء أكثر من 90% من المتحف الجديد، ويقول مصدر داخل المتحف لصحيح مصر، إن "إدارة المتحف اكتشفت وقتها اختفاء التمثال ووجدت بدلا منه قطعة معدنية مقلدة". ويقول المصدر أن أي تمثال ينقل إلى المتحف الجديد مكود برقم تسلسلي، مسجل على أصل ورقي محفوظ في سجلات المتحف ومحضر استلام مؤرخ، وبجانب تسجيل هذا الكود المسلسل على قاعدة بيانات إلكترونية، مشيرا إلى أن إدارة المتحف لم تجد أصل الكود الورقي في سجلاتها: "الأصل الورقي اختفي من سجلات المتحف" وحين بحثت عنه في السجلات الإلكترونية لم تعثر إلا على بيانات عملات معدنية من العصر اليوناني مزيفة مسجلة بنفس الرقم الكودي الخاص بالتمثال. أبلغت إدارة المتحف وزارة الآثار والهيئة الهندسية بالقوات المسلحة باعتبارها الجهة المشرفة على إنشاءات المتحف الكبير، وأجري تحقيقًا داخليًا، مع 10 أشخاص اتهموا بالمسؤولية عن اختفاء التمثال، لكن تحقيقات النيابة أفضت إلى اعتراف 3 مُـتهمين فقط بحسب المصدر، إذ قال: "اللي عرفناه بعد كدا، إنه من الـ10 أشخاص اللي حولهم المتحف للنيابة، بتهمة السرقة، اعترف 3 بس بأنهم باعوا التمثال وهربوه للخارج في عام 2015، مقابل الحصول على مبلغ مالي كبير". النيابة تحقق في القضية بعد تحقيقات استمرت أربعة أشهر تقريبا، أحالت النيابة المتهمين إلى محكمة الجنايات، ووجهت إلى المتهم الأول والرئيسي في القضية، تهمة سرقة التمثال الذي يُصنف من الآثار المسجلة المملوكة للدولة، بالإضافة إلى استيلائه على الأوراق الخاصة بالتمثال، التي سُلمت إليه، وفي عهدته منذ نقل التمثال إلى المتحف في أكتوبر 2012. \ ** واقعة مكررة أستاذ الآثار بكلية الآثار بجامعة القاهرة قال لصحيح مصر إن هذه الواقعة ليست الأولى، إذ تكرر في مصر سرقة الآثار أثناء نقلها من متحف إلى آخر، مشيرا إلى واقعة أخرى حدث في العام 2007، أثناء نقل بعض القطع الأثرية من متحف الفن الإسلامي بباب الخلق إلى متحف الحضارة المصرية بالفسطاط، إذ تعرضت 3 قطع أثرية للسرقة. ولم تكتشف تلك الواقعة إلا بعد 7 سنوات، إذ جرد مخازن المتحف، وهذه القطع كانت تعود لعصر المماليك، وهُربت وبيعت في مزادات خارج مصر. ويقدر أستاذ الآثار أن تمثال أوزوريس أُختير بعناية من قبل من وصفهم بـ"عصابة من المتخصصين" تتابع القطع الآثرية أثناء نقلها من متحف إلى آخر، وتخزينها لمحاولة تهريبها وإخراجها دون اكتشاف الواقعة، مُرجحا أن التمثال المعروض لم يُبع وقت سرقته وتهريبه عام 2015، لعدم لفت الأنظار، مشيرا إلى أن تلك العصابات تتبع نظامًا يعتمد على إخفاء القطع الأثرية المُهربة لأكبر فترة زمنية ممكنة قبل طرحها في صالات المزادات العالمية.