تتفاقم معاناة العراق مع أزمة المياه، التي أصبحت من بين أخطر التحديات التي تواجه البلاد، خاصة مع حالة الجفاف في نهري دجلة والفرات ونسبة كبيرة من مساحة الأهوار العراقية. ويشهد العراق نقصاً كبيراً في الموارد المائية خلال السنوات الأربع الماضية، وتحديداً منذ عام 2019، حيث فقد العراق -الذي بات يحتل المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثراً بالمناخ في العالم، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة- نحو 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية. الأمر الذي تسبب في تدهور الوضع البيئي والاقتصادي، وأثر بشكل سلبي في حياة المواطنين، خصوصاً بعد تقليص مساحات زراعة محصول الشلب بسبب شح المياه؛ الأمر الذي دفع الحكومة إلى تعويض المزارعين المتضررين بمبلغ 120 مليار دينار (909 ملايين دولار أمريكي)، لا سيّما أن مدناً ومناطق كثيرة في العراق تعتمد بشكل كبير على نهري دجلة والفرات؛ لتوفير المياه اللازمة للشرب والزراعة والصناعة. ومع ذلك، فقد شهد العراق نقصاً ملحوظاً في كمية المياه المتدفقة في هذين النهرين نتيجة للكثير من العوامل، منها: سوء استخدام مياه النهرين، وشبكات المياه المتهالكة، وقلة وعي الحكومات المتعاقبة بكيفية إدارة ملف المياه، خصوصا فيما يتعلق بعدم التوجه لبناء السدود، والاستفادة من مياه الأمطار.
وفي الوقت الذي تتطلب فيه الأزمة المائية شفافية عالية باتخاذ الإجراءات والكشف عن البيانات المتعلقة بالمخزون ونسب الإطلاقات المائية، تمنع وزارة الموارد المائية العراقية موظفيها كافة من تداول معلومات تخص نسب الإطلاقات والمخططات المائية. وجاء بيان مجلس الوزراء بتاريخ 2 نيسان/أبريل في فقرته السابعة: “اعتبار المعلومات المتعلقة بالواقع المائي حساسة ويمنع تداولها أمام العامة”. كما أبدى وزير الموارد المائية عون ذياب عدم رغبته في الإفصاح عن أي أرقام في لقائه على قناة العراقية، ما يؤشر على تعمد واضح من الوزارة لإخفاء المعلومات، وبالتالي تتضارب البيانات المعلنة من قبل الوزارة مع تصريحات المسؤولين المعنيين بالوزارة متمثلة في وزيرها الحالي عون ذياب، والناطق الرسمي باسم الوزارة خالد شمال، ومسؤولين آخرين في الوزارة، حيث لم تتطابق الأرقام المعلنة عبر الوزارة مع الواقع المائي الحقيقي، أو مع تصريحات المسؤولين في الوزارة على الأقل.
أصدرت وزارة الموارد المائية العراقية بتاريخ 26 تموز/يوليو 2023 بياناً نفت فيه إمكانية عبور نهر دجلة سيراً على الأقدام، واتهمت بعض المؤسسات الإعلامية بالتضليل وإثارة الذعر، في حين كان قد أعلن وزير الموارد المائية العراقية عون ذياب بتاريخ 7 آذار/مارس 2023 أن “مستوى خزين المياه بلغ أدنى نسبة له منذ عام 1933”.
بعد البحث والتدقيق، تبيّن أن الوزارة أصدرت بيان نفيها بعد انتشار مقطع مصور قبل يوم من نفي الوزارة، يُظهر مشاهد لعبور شخص نهر دجلة وسط العاصمة بغداد، وتحديداً تحت جسر الجمهورية بالقرب من وزارة التخطيط، التي ظهر مبناها بشكل واضح، خلال المقطع.
يمكن أن يُعدّ التضارب في التصريحات والبيانات الصادرة عن مسؤولي الوزارة ونفيها للوقائع سبباً ذا تأثير كبير على تفاقم أزمة الجفاف التي يمر بها نهر دجلة؛ فالنهر استطاع كثيرون السير فيه على الأقدام، واللعب وبث التقارير الإعلامية من وسط النهر. إضافة إلى أن الأرقام التي تخص نسب الإطلاقات المائية لم تكن دقيقة، وتضاربت في أكثر من مناسبة؛ ما أربك الجهات المختصة بمتابعة الأزمة ومنها المنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني، وحتى كوادر الوزارة ذاتها، الأمر الذي أدى إلى ضعف وتخبط في الإجراءات المتخذة. وإذا ما بقي الحال كما هو عليه بنهر دجلة؛ سيكون مستقبله القريب صادماً كحال نهر الفرات، وتختلف تسمية العراق إلى “بلاد ما بين الخندقين” عوضاً عن “بلاد ما بين النهرين”.
تم إنجاز هذا التقرير كمشروع تخرج للمدققة آسيا العبيدي والمدقق حيدر الموسوي من دبلوم أريج لتدقيق المعلومات من الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) ضمن مشروع دليل، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع مؤسستي سايرين و جوسا.