يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22 بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحدة ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول للحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
مع تواصل خروقات الجيش الإسرائيلي للهدنة في كل من غزة ولبنان، واستمراره في قصف مواقع جديدة، انتشرت مقاطع فيديو مضللة جرى الترويج لها على أنها توثق عمليات الاستهداف الأخيرة. كما راجت معلومات كاذبة تتعلق بحركات المقاومة في غزة ولبنان، إلى جانب شائعات مغلوطة عن إغلاق مصر لمعبر رفح، وغيرها من الصور والمقاطع المفبركة التي خضعت للتدقيق من قبل منصات عربية متخصصة في التحقق من المعلومات.
فيديو مضلل من غزة
استأنفت إسرائيل في 18 آذار/مارس 2025 قصفها العنيف لغزة، قبل أن تشن عملية عسكرية تخرق بها هدنة استمرت نحو شهرين.
ومع مواصلة الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في القطاع، انتشرت مقاطع فيديو ادعى ناشروها أنها التقطت حديثاً، أبرزها فيديو يظهر وقوع انفجار كبير في مخيم جباليا، مرفقاً بمنشور نصه: "يا الله الناس طاروا لحد السما ونزلوا".
أجرى مرصد "كاشف" الفلسطيني المتخصص في تدقيق المعلومات تدقيقاً للفيديو، وتبين له أنه خضع للتلاعب بإضافة صوت بكاء، في حين كان الفيديو الأصلي يحتوي على أصوات انفجارات.
التقط الفيديو الناشط عبود بطاح الذي أوضح أن الفيديو قديم، والتقط قبل نحو أسبوعين من تاريخ إعادة تداوله.
كما تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يبدأ بصوت آذان يرتفع من أحد المساجد بغزة، قبل وقوع انفجار واسع. وادعى ناشرو الفيديو أن القصف أدى إلى مقتل المؤذن ومن كانوا معه في المسجد.
دقق مرصد "تحقق" الفلسطيني في الفيديو، بإجراء بحث عكسي قاد إلى أن المقطع خضع للتلاعب بإضافة صوت الآذان قبل وقوع الانفجار.
التقط الفيديو المصور الصحفي خميس الريفي، ويوثق لحظة قصف مسجد الفاروق في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
وكانت قناة الجزيرة قد نقلت شهادة مؤذن مسجد الفاروق عدنان عماد الدين، الذي أكد أن المسجد كان مغلقاً لحظة وقوع القصف.
هل أغلقت مصر معبر رفح؟
نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي عدة صور لمعدات نقل ثقيلة تنقل جدران أسمنتية أمام الجانب المصري من معبر رفح، مصحوبة بتعليق نصه: "مصر تغلق بوابة معبر رفح من الجانب المصري بجدار أسمنتي طويل. هل هذه الرسالة تعني أبيدو أهل غزة، لكن لا تهجروهم؟ يا للعار يا مصر".
نشرت حسابات على موقع التواصل الاجتماعي عدة صور لمعدات نقل ثقيلة تنقل جدران أسمنتية أمام الجانب المصري من معبر رفح، مصحوبة بتعليق نصه: "مصر تغلق بوابة معبر رفح من الجانب المصري بجدار أسمنتي طويل. هل هذه الرسالة تعني أبيدو أهل غزة، لكن لا تهجروهم؟ يا للعار يا مصر".
أجرت منصة "صحيح مصر" بحثاً عكسياً عن مصدر الصور قاد إلى أنها قديمة، وتعود إلى تاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما رفُعت الحواجز الأسمنتية التي أقيمت في أعقاب عملية طوفان الأقصى من أمام بوابة الجانب المصري من معبر رفح، تمهيداً لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأعلنت الحكومة المصرية فتح الجانب المصري من معبر رفح يوم 2 آذار/مارس 2025، لاستقبال المصابين والجرحى والمرضى الفلسطينيين ومرافقيهم، لتلقي العلاج في مصر. في المقابل، تواصل السلطات الإسرائيلية غلق الجانب الفلسطيني من المعبر، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وفي سياق الحديث عن تهجير أهالي غزة، نشرت وسائل إعلام عربية أن وزارة الداخلية الإسرائيلية أعلنت أن المئات من سكان غزة نُقلوا جواً من مطار رامون جنوبي إسرائيل إلى ألمانيا.
وبالتواصل مع مكتب الممثلية الألمانية في رام الله، تأكد مرصد "كاشف" من عدم دقة المعلومة، إذ نقل 33 شخصاً من قطاع غزة فقط، وليس المئات.
وأعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية عن إنشاء إدارة جديدة "للمغادرة الطوعية" للفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما أعدته الخارجية المصرية "جريمة بموجب القانون الدولي، في ظل القصف ومنع إدخال المساعدات".
وفي السياق ذاته، تداولت منصات التواصل منشورًا منسوبًا للقناة 12 الإسرائيلية، يفيد ببدء خطة تجريبية لتشجيع الهجرة من قطاع غزة، عبر مغادرة 100 فلسطيني إلى إندونيسيا للعمل هناك.
أجرت منصة "تيقن" الفلسطينية تدقيقاً للمنشور، وتوصلت إلى أن صياغته مضللة، إذ لم تطبق التجربة بعد، ولم يخرج فلسطينيون من قطاع غزة للعمل في إندونيسيا حتى الآن.
لوم المقاومة وتمجيد إسرائيل
في ظل تصاعد العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان، واستمرار الحديث عن التهجير، شنت شخصيات عامة مصرية هجوماً على حركات المقاومة في كل من غزة ولبنان، خاصة بعد تصريحات مدير الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة سابقاً سمير فرج، بأن عملية طوفان الأقصى نجحت في إحياء القضية الفلسطينية.
وانتقد الطبيب والكاتب المصري خالد منتصر في منشور له على صفحته على "فيسبوك" تصريحات فرج، متهماً حركة حماس بالتورط في عمليات إرهابية وقعت في سيناء، وأن "حماس" دعمت داعش، وشاركت في مقتل النائب العام هشام بركات.
أكدت منصة "صحيح مصر" زيف هذه المعلومات، إذ لم يدان أي عنصر من عناصر "حماس" بالاشتراك في مقتل النائب العام المصري، كما تعاونت "حماس" مع الجيش المصري، في مواجهة الجماعات الإرهابية المتطرفة في سيناء، منذ آيار/مايو 2017، ما دفع تنظيم "داعش" إلى وصف "حماس" بـ "المرتدين الكفرة"، داعياً إلى استهداف عناصرها بكل الوسائل؛ مثل المتفجرات والقنابل.
كما صرح رئيس المجلس الأعلى للإعلام سابقاً في مصر، كرم جبر، أن صواريخ حزب الله "للدعاية فقط، ولا تحقق خسائر ولا قتلى بين الإسرائيليين"، وهو ما كشفت "صحيح مصر" عدم دقته، مستندة إلى تقرير لوكالة "رويترز" يرصد أن حزب الله قتل نحو 118 إسرائيلياً، منهم 73 جندياً، في الحرب الأخيرة التي اندلعت مع إسرائيلي خلال الفترة بين تشرين الأول/أكتوبر 2024 و27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
مقابل نقد حركات المقاومة ودعم العدوان على قطاع غزة، صرحت الباحثة في مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية داليا زيادة أن "العرب الوحيدين الذين يتمتعون بالحرية والديمقراطية الحقيقية هم العرب الذين يعيشون في إسرائيل".
مقابل نقد حركات المقاومة ودعم العدوان على قطاع غزة، صرحت الباحثة في مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية داليا زيادة أن "العرب الوحيدين الذين يتمتعون بالحرية والديمقراطية الحقيقية هم العرب الذين يعيشون في إسرائيل".
أكدت منصة "متصدقش" المصرية المختصة بتدقيق المعلومات عدم دقة تصريحات زيادة، إذ يعاني العرب في إسرائيل التمييز على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحسب الأمم المتحدة.
وأكدت اللجنة المعنية بالتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، التابعة للأمم المتحدة، في أكثر من تقرير صادر عنها، أن "مواطني إسرائيل الفلسطينيين، يخضعون لقوانين وسياسات عامة تمييزية في مجالات التعليم والإسكان والبناء والعمالة".
ومن أبرز القوانين التمييزية ضد "مواطني إسرائيل الفلسطينيين"، قانون الدولة القومية الذي سن عام 2018، والذي يمنح اليهود فقط الحق في تقرير المصير في إسرائيل، ويلغي اللغة العربية كلغة رسمية.