يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22 بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحدة ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول للحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
ما زالت التوترات بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، تلقي بظلالها على المشهد العام، وسط تقارير عن تحركات عسكرية مصرية في شبه جزيرة سيناء، ومزاعم بشأن تهديدات إسرائيلية بضرب السد العالي. في سياق متصل، أثار لقاء ملك الأردن الملك عبدالله بن حسين، مع الرئيس الأمريكي جدلًا واسعاً، بعدما فُسرت تصريحاته على أنها موافقة ضمنية من الأردن على استقبال مهجّرين من غزة. وقد أدت هذه التطورات إلى انتشار موجة من المعلومات المضللة، خضعت للتدقيق من قبل منصات عربية خلال الأسبوع الماضي.
"ضرب السد العالي"
نشر موقع عبري يدعى "Nziv.net"، تقريراً توقع فيه وقوع هجوم إسرائيلي على السد العالي في أسوان، وهو ما قد يتسبب في فيضانات تقتل ما لا يقل عن 10 ملايين مصري.
وتداولت وسائل إعلام مصرية تقرير الموقع العبري على أنه تهديداً رسمياً من إسرائيل لمصر. ووصف الإعلامي مصطفى بكري في برنامجه "حقائق وأسرار" المذاع على قناة "صدى البلد" الموقع بأنه متخصص في الشؤون العسكرية.
كما استغل الإعلامي أسامة جاويش التقرير، مهاجماً الحكومة المصرية في برنامجه "آخر كلام" المذاع على قناة مكملين المعارضة.
كشفت منصة "متصدقش" المصرية أن تقرير الموقع العبري جاء بعنوان "هكذا يرى الذكاء الاصطناعي سيناريو مهاجمة إسرائيل سد أسوان"، وهو سيناريو تخيلي من صنع نموذج الذكاء الاصطناعي ChatGPT4.
ويعرف موقع نفسه "Nziv.net" بأنه "موقع إخباري متخصص في جمع ومعالجة البيانات من مصادر مفتوحة"، ولا يتبع أي مؤسسة عسكرية إسرائيلية، فضلاً عن أنه لا يحظى بانتشار واسع بين الجمهور.
في السياق ذاته، نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه الرئيس التونسي قيس سعيد، وهو يوجه تحذيرات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاقتراب من أرض مصر.
بحث مرصد "تحقق" الفلسطيني عن أصل الفيديو، ليتبين له أن الفيديو اجتُزأ من مؤتمر صحفي عقد قبل ثلاث سنوات، وجرى التلاعب به وتعديله، وإضافة صوت الرئيس التونسي المولد بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
يأتي تداول هذه المزاعم في سياق التوترات بين مصر وإسرائيل، في ظل الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على كل من مصر والأردن؛ لاستقبال مليون ونصف المليون فلسطيني من غزة.
"استقبال المرضى جزء من خطة التهجير"
على الجانب الأردني، زعمت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أن قناة الجزيرة أخطأت في ترجمة رد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على سؤال صحفي حول موقفه من تهجير فلسطينيي غزة إلى الأردن ومصر.
دققت منصة "تيقن" الفلسطينية في ترجمة إجابة ملك الأردن، وتوصلت إلى أنها ترجمة دقيقة لما جاء على لسانه.
وفسرت تصريحات الملك خلال لقائه مع ترامب على أنها موافقة على خطة التهجير، غير أن منصة "صحيح مصر" أعدت تقريراً مفصلاً أوضح أن قول الملك: "في اعتقادي أن بيت القصيد هنا هو كيفية إنهاء هذا الأمر بطريقة مرضية للجميع"، كان يشير إلى "الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة من دون تهجير"، وليس تهجير الفلسطينيين.
واستغل الإعلامي عبدالله الشريف تصريحات العاهل الأردني، زاعماً أن نقل ألفي طفل فلسطيني من غزة للأردن مع مرافقيهم للعلاج، يأتي ضمن خطة التهجير، بيد أن نقل المصابين والمرضى والحالات الخطرة إلى الأردن ومصر أو أية دولة عربية أخرى محدد بعدد معين سواء للمصابين أو مرافقيهم، وفق اتفاق وقف إطلاق النيران، والذي يسمح بخروج 300 مصاب ومرافق يومياً و12 ألفاً و600 فلسطيني خلال فترة الهدنة الأولى كاملة والمحددة بنحو 40 يوماً، بحسب تدقيق "صحيح مصر".
ونشر الديوان الملكي الأردني خبراً عن اتصال هاتفي جمع بين الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكدا فيه على أهمية بدء إعمار غزة مع عدم تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
"عقوبات جنوب إفريقية على أمريكا"
انتشرت على نطاق واسع على بعض حسابات وصفحات عربية مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم مفادها إقدام حكومة جنوب إفريقيا على "منع تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة"، بعد تهديدات ترامب بقطع التمويل المستقبلي لجنوب إفريقيا.
وأشادت هذه الصفحات بهذا القرار المزعوم، معربة عن آمالها في أن تحذو الدول العربية حذو جنوب إفريقيا، إلا أن منصة "صحيح العراق" أشارت إلى عدم صدور أي قرار رسمي بهذا الشأن، ما يجعل هذه الادعاءات غير دقيقة ومضللة.
وأجرت منصة تدقيق المعلومات العراقية بحثاً معمقاً أفضى إلى أن التصريح الوحيد حول منع تصدير المعادن إلى أمريكا، جاء على لسان وزير الثروة المعدنية والنفطية غويدي مانتاشي، خلال كلمة افتتاحية في مؤتمر الاستثمار في العدين الأفريقي لعام ٢٠٢٥ في كيب تاون.
وأعلن ترامب عن قطع التمويل عن جنوب أفريقيا، بعد توقيع الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، على مشروع قانون نزع الملكية، وهو ما أعده ترامب "انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان".
ويأتي هذا القرار بالتزامن مع حزمة قرارات اتخذتها الإدارة الأمريكية بشأن وقف المنح الفيدرالية والمساعدات الخارجية.
في سياق مشابه، نشرت حسابات على بعض مواقع التواصل الاجتماعي فيديو كلمة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أثناء مؤتمر، يهدد في سياقها ترامب بمواجهة حربية مثل "غزوة تبوك"، ويحذره من مصير يشبه مصير "أبو لهب وأبو جهل".
وأثبتت "صحيح العراق" أن الفيديو خضع إلى تعديل بواسطة أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو مجتزأ من خطاب قبل أربعة أشهر؛ أي قبل فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية.
وأعلنت السعودية رسمياً رفضها لمخطط التهجير الذي أعلنه ترامب، وتأكيد تأييدها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.