يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها "رصيف22" بالتعاون مع "مجتمع التحقق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصص يعتمد على البرمجيات لدعم منصات التحقق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصات التحقق إلكترونياً بمعايير تقنية موحدة ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول للحقيقة؛ ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوقة للجمهور.
ما بين استخدام "المقاومة الفلسطينية" محور فيلادلفيا الحدودي لاستهداف إسرائيل، ونشر قوات متعددة الجنسيات في السودان، وصولاً إلى استشهاد جندي مصري ثالث خلال الاشتباك على الحدود المصرية مع قطاع غزة، تعددت المعلومات الخاطئة والمضللة التي صححها مدققو معلومات عرب ما بين 28 أيار/ مايو و3 حزيران/ يونيو 2024.
1- هل ترأّست السفيرة الأمريكية اجتماع الإطار التنسيقي في العراق؟
تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي - خاصةً على منصة إكس (تويتر سابقاً) - صورة، زاعمة أنها من اجتماع الإطار التنسيقي العراقي والسفيرة الأمريكية ألينا رومانوسكي، مرفقةً بعبارة: "هل من رجل يطردها!"، تعبيراً عن استياء مروجي الصورة من التدخل الأمريكي في الشأن المحلي إذا صحّت الواقعة.
تحقّقت منصة "الفاحص" العراقية المختصة بتدقيق المعلومات، من الصورة، ليتضح لها أنها مفبركة، وذلك بتركيب صورة رومانسكي وهي جالسة في مكتبها، على صورة من اجتماع سابق للإطار التنسيقي.
يأتي نشر الصور في سياق الصراع بين تيار الإطار التنسيقي والتيار الصدري في العراق، ومحاولة كل طرف تشويه الآخر. كما يتزامن هذا مع اندلاع غضب في الشارع العراقي من الموقف الأمريكي إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
2- هل نُشرت قوات متعددة الجنسيات لحماية المواطنين في السودان؟
روّج عدد من حسابات التواصل الاجتماعي زعماً مفاده أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خيَّر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، ما بين العودة للمفاوضات مع قوات الدعم السريع، أو نشر قوات متعددة الجنسيات لحماية المواطنين، وذلك في آخر مكالمة هاتفية بينهما.
تحقّق فريق منصة "بيم ريبورتس" السودانية المعنية بتدقيق المعلومات، من الادعاء، بالعودة إلى بيان صادر عن الخارجية الأمريكية عن مضمون المكالمة التي دارت حول مطالبات بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، واستئناف المفاوضات، وتهدئة الأعمال العدائية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، والعمل على إنهاء الصراع بأقرب وقت. ولم يلوّح بلينكن بالدفع بقوات متعددة الجنسيات على الأراضي السودانية، إذا ما لم يتم العودة إلى طاولة المفاوضات.
كما لم تعثر المنصة السودانية على الخبر على موقع وكالة السودان للأنباء التي نقلت محتوى الاتصال الهاتفي، ليتأكد لـ"بيم ريبورتس" أن هذا التصريح مضلل.
3- هل استشهد جندي مصري ثالث في رفح؟
راجت منشورات تحتوي أخباراً عن "استشهاد" المجند بالقوات المسلحة، عبد الرحمن محمد، خلال خدمته العسكرية في منطقة رفح الحدودية بين مصر وقطاع غزة، زاعمةً أنه ثالث جندي مصري يستشهد بنيران إسرائيلية بعد المجند عبد الله رمضان والمجند إسلام عبد الرازق. وكان من بين المروجين لهذا الادعاء، الإعلامي المعارض محمد ناصر - مقدم برنامج "مصر النهاردة" على قناة "مكملين".
تحققت منصة "متصدقش" المصرية المختصة بتدقيق المعلومات من هذا الزعم، بالتواصل مع أسرة المجند، لكشف ملابسات وفاته وموقع خدمته، وتأكدت المنصة من أن عبد الرحمن كان يؤدي خدمته العسكرية بمحافظة السويس ضمن الفرقة الرابعة (مدرعة)، التابعة للجيش الثالث الميداني، ولم يخدم في منطقة رفح الحدودية.
وأوردت "متصدقش" أن المجند تواصل قبل الوفاة بيوم مع زوجته ليبلغها بإصابته بدور برد شديد. بعدها، نُقل إلى مستشفى السويس العسكري، وهناك أخبر الأطباء أسرة المجند بإصابته بقرحة في المعدة أدت إلى نزيف أودى بحياته. وأكد أفراد أسرته أنهم عاينوا جثمانه، ولم يجدوا به إصابات ظاهرة.
ولم يتسن لفريق "متصدقش" التأكد من تفاصيل الوفاة من المستشفى، كما لم يتم استخراج شهادة الوفاة حتى نشر هذه السطور.
4- هل عثرت إسرائيل على أنفاق "للمقاومة" بطول محور فيلادلفيا؟
زعم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي اكتشاف عدد من الأنفاق على طول محور فيلادلفيا، على بعد أمتار قليلة من الحدود المصرية، مدعياً أن "المقاومة الفلسطينية" استخدمتها لاستهداف أهداف إسرائيلية. وعرض المتحدث مقطعي فيديو، باعتبارهما دليلاً على صحة ادعائه.
حلّلت منصة "صحيح مصر"، المقطعين، باستخدام صور الأقمار الصناعية، والتحليل المقارن. يعرض الفيديو الأول خريطة عليها رسم توضيحي لما يزعم الجيش الإسرائيلي أنّه نفق تم العثور عليه أثناء العملية العسكرية في محور فيلادلفيا. وقد أظهرت المطابقة الجغرافية، التي أجرتها "صحيح مصر" أنّ المسافة بين النفق المزعوم وبين الحدود المصرية لا تقل عن 1.3 كيلومتراً، وبالتالي لا يقع النفق المزعوم على محور فيلادلفيا الذي يبلغ أقصى عرض له 100 متر.
ويظهر الفيديو الثاني جندياً إسرائيلياً يقف بجوار السور الحدودي بين غزة ومصر، بجانب منصة مزعومة لإطلاق الصواريخ في محور فيلادلفيا، تمكّنت "صحيح مصر" من تحديد موقع التقاط الفيديو، بمطابقة أبرز عناصره بصور الأقمار الصناعية، ليتبيّن لها أن الفيديو التقط قبالة مقبرة تل الزعرب، داخل محور فيلادلفيا.
واكتشفت المنصة بعد تحديد موقع التقاط الفيديو أن وضعية فوهات المنصة، مثيرة للشكوك، إذ بدا أنّها موجهة إلى الحدود المصرية بزاوية تقريبية 26 درجة، مع الوضع في الاعتبار أن صواريخ فصائل "المقاومة" في غزة هي صواريخ غير موجهة، لذا فإنها تتبع حركة المسار الباليستي (حركة قوسية)، ما يجعل أي صاروخ منطلق من هذه المنصة المزعومة، عرضة للسقوط داخل الحدود المصرية، بدلاً من استهداف مواقع إسرائيلية.
وتوغّلت القوات الإسرائيلية في وقت مبكر من هذا الشهر في رفح، وصولاً إلى الحدود المصرية، ما تسبب في توترات بين الجانبين، بلغت ذروتها بحادث تبادل إطلاق النار بين جنود مصريين وإسرائيليين.
5- هل تنبّأ هيكل بـ"حتمية انتصار اليمن على السعودية" في الحرب؟
تناقلت حسابات يمنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصريحاً مزعوماً للصحافي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، يجزم فيه بانتصار اليمن على السعودية، بعد إطلاق السعودية وحلفائها "عاصفة الحزم" ضد جماعة الحوثي في 2015. وجاء نص التصريح المزعوم: "ستحارب السعودية اليمن وستغرق السعودية في اليمن، وستنتصر اليمن، وإن لم يحدث هذا أخرجوا جثتي من القبر وأحرقوها، وأحرقوا مؤلفاتي".
تحقّقت منصة "صدق اليمنية" المعنية بتدقيق المعلومات، من التصريح المنسوب إلى هيكل، بالرجوع إلى أرشيف الصحف ووسائل الإعلام المصرية، وتوصّل فريق المنصة إلى نتيجة مفادها أن الصحافي المصري لم يدل بهذا التصريح، وأن هذا التصريح المزيف يظهر بين الحين والآخر منذ عام 2016، بالتزامن مع وفاة هيكل.