كان احتراق كنيسة "أبو سيفين" بإمبابة، وما نجم عنه من عشرات الوفيات والمصابين، مدعاة لطرح العديد من التساؤلات، عن حجم الكنائس المقننة؟ وهل تكفي عدد الأقباط في مصر؟ ومدى مطابقتها لشروط الأمن والسلامة وتوافر عناصر الحماية المدنية؟ ودور قانون تنظيم وبناء الكنائس، الصادر في العام 2016، في تقنين أوضاع آلاف الكنائس، وخاصة في ظل تكدس أعداد كبيرة من المصلين داخل الكنيسة أثناء الحريق.
كان احتراق كنيسة "أبو سيفين" بإمبابة، وما نجم عنه من عشرات الوفيات والمصابين، مدعاة لطرح العديد من التساؤلات، عن حجم الكنائس المقننة؟ وهل تكفي عدد الأقباط في مصر؟ ومدى مطابقتها لشروط الأمن والسلامة وتوافر عناصر الحماية المدنية؟ ودور قانون تنظيم وبناء الكنائس، الصادر في العام 2016، في تقنين أوضاع آلاف الكنائس، وخاصة في ظل تكدس إعداد كبيرة من المصلين داخل الكنيسة أثناء الحريق.
** إرث قديم = على مدار مئات السنوات ظلت القوانين الناظمة لبناء الكنائس مُقيدة ومُعقدة، في مقابل ذلك، اتجه المسيحيون لممارسة شعائرهم الدينية داخل عمارات سكنية أو بيوت أو شقق في سرية تامة. = ومع مرور الوقت، وبحكم الأمر الواقع، تحولت الكثير من تلك البنايات الصغيرة إلى كنائس ومبانٍ خدمية كنسية، تلبي حاجة الأقباط في الصلاة وممارسة شعائرهم الدينية، ولكن ظلت تلك المبانى كنائس بدون أى أوراق رسمية. = وبلغ حجم الكنائس غير المقننة قبل بداية تطبيق قانون تنظيم بناء الكنائس، أكثر من 5 آلاف كنيسة ومبنى خدمات. ** وكيف كانت القوانين تقييد بناء الكنائس؟ = كان أول تقنين لبناء الكنائس في مصر عام 1856، بعد إصدار السلطان العثماني عبد المجيد، قرارًا سمي بـ"الخط الهمايوني"، ولكن حصر في شخص وحده الحق في الموافقة على بناء وترميم الكنائس ومقابر غير المسلمين. = وفي 1933، خلال العهد الملكي، وضعت وزارة عبد الفتاح يحيي باشا عشرة شروط للموافقة على بناء الكنائس أبرزها: ضرورة تقدير المسافة بين موقع الكنيسة الجديدة عن أقرب مساجد المسلمين وأضرحتهم. = وبعد ثورة يوليو 1952، انتقلت سلطات السلطان العثماني في الموافقة على بناء الكنائس إلى رئيس الجمهورية. = وفي عهد مبارك، وتحديدًا في عام 1998، نقل مبارك سلطة تصاريح ترميم وبناء الكنائس إلى سلطات الإدارة المحلية، ثم نقلها إلى المحافظين فيما بعد. = وظلت الاشتراطات العشرة المقررة منذ العام 1933 معمول بها طوال عهد مبارك، وهو ما قيد بناء الكثير من الكنائس بشكل رسمي وقانوني. = وفيما كان يزيد عدد الأقباط وحاجتهم لبناء كنائس يمارسون فيها شعائرهم الدينية، ظهرت تلك الكنائس السرية غير قانونية في الخفاء، ورغم ذلك لم تخفف الدولة من إجراءات وشروط بناء الكنائس بشكل رسمي. ** كم عدد الأقباط في مصر؟ = لا يوجد إحصاء رسمي موثق يرصد عدد الأقباط في مصر، إذ لا يتضمن الإحصاء السنوي لعدد السكان في مصر أي بيانات عن الأقليات الدينية. = وفي مقابل عدم وجود معلومات رسمية موثقة، يدعي الأقباط أن تعدادهم يبلغ 17 مليونا، وذلك يعني أنهم يمثلون نحو 15% من تعداد سكان مصر. = وفي حوار أجراه في 2018 مع صحيفة سعودية، قال البابا تواضروس الثاني إن تعداد المسيحيين في مصر يبلغ نحو 15 مليونا، فضلا عن مليونين خارجها يقيمون في نحو 60 دولة في أنحاء العالم. = ولكن على النقيض، في العام 2011 وبعد ثورة 25 يناير، صرح رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اللواء أبو بكر الجندي إن عدد الأقباط المصريين يبلغ 5 ملايين و130 ألفًا فقط. ** متى صدر قانون بناء الكنائس وترميمها؟ = في العام 2016، وخلال عهد الرئيس السيسي، صدر القانون رقم 80 الخاص ببناء وترميم الكنائس، وسط اعتراضات من جانب النواب المسيحيين تحديدًا، بدعوى أنه قانون تفرضه الدولة على المسيحيين، ولا يلبِ كافة احتياجاتهم. ** وبالفعل.. بعد خمس سنوات من تطبيق القانون لم ينهِ الإرث القديم = الحقيقة أن القانون لم ينهِ الإرث القديم من تراكم كنائس غير مرخصة، بجانب زيادات أعداد المواطنين المسيحيين في المقابل عدد قليل من الكنائس المقننة، بسبب أشياء كثيرة منها البيروقراطية وتعقيد الإجراءات وتدخل الأمن في إغلاق عددًا من الكنائس بالمخالفة للقانون. = أيضًا القانون لم يستطع إنهاء فوضى وجود الكثير من الكنائس لا تتوافر فيها اشتراطات السلامة والأمان. = فرغم أن القانون اشترط أن تثبت سلامة مباني الكنيسة الإنشائية وفق تقرير من مهندس استشاري معتمد من نقابة المهندسين، للموافقة على تقنينها، ولكنه وضعه استثناء إنه في حال عدم توافر الشروط، يوافق على طلب التقنين إذا كان الكنيسة أو المبنى غير المرخص تقام فيه الشعائر الدينية. = في تلك الحالة ينص القانون على عدم جواز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية في تلك المباني أو ملحقاتها لأي سبب، حتى تقوم بتوفيق وضعها. = الباحث والكاتب كمال زاخر في تقرير نشره موقع درج الإثنين 15 أغسطس، قال إنه في حالة الكنائس المقامة في الشقق والمنازل الصغيرة، الدفاع المدني لا يملك سوى معاينتها بعد التقنين فقط وليس قبله. = ويرى زاخر أنه توقيت يصعب فيه أي تعديلات لاسيما إذا كانت الكنائس دخلت الخدمة، وبدأ شعبها الصلاة فيها، وهو ما حدث في حالة كنيسة أبى سيفين اللى موجودة على هيئة منزل وليس مبنى كنسي. ** هل أحدث القانون فارقًا في إعداد الكنائس ليقضِ على التكدس؟ = الحقيقة أن الدولة لا تلتزم بشكل كامل بقانون بناء الكنائس، إذ وثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إغلاق الأمن 25 كنيسة منذ تطبيق القانون وحتى 2021، في مخالفة واضحة لمواد القانون التي تمنع إغلاق أي كنيسة تقام فيها الشعائر حتى لو لم تقنن وضعها. = سمحت السلطات المصرية ببناء 56 كنيسةً في المدن العمرانية الجديدة ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ولكن مازالت الجهات الأمنية تغلق كنائس جديدة، وتبقى كنائس كانت مغلقة من قبل، في القرى والنجوع ذات الكثافة السكانية الضخمة، ويضطر المواطنون المسيحيون للانتقال إلى قرى بعيدة عن منازلهم بمسافات تصل إلى نحو عشرة كيلومترات، لممارسة شعائهم الدينية. = قدمت 5415 كنيسة ومبنى أوراقها إلى لجنة تقنين أوضاع الكنائس، بعد إصدار القانون رقم 80 لسنة 2016، المختص بترميم وبناء الكنائس، ولكن لم تسمح السلطات المصرية بتقنين أوضاع سوى 2162 كنيسة ومبنى تابعًا حتى يناير 2022، بواقع 1186 كنيسة و976 مبنى، وبنسبة % 40 من إجمالي الطلبات، بحسب دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. = ووثّقت المبادرة المصرية "منع إقامة الصلوات الجماعية في المناطق التي تقع بها هذه الكنائس المعروف أنها قدمت أوراقها ضمن ملف تقنين أوضاع الكنائس القائمة". = كانت حجة السلطات في منع إقامة الشعائر -بحسب دراسة المبادرة- هي عدم وجود تراخيص رسمية رغم مخالفة ذلك للمادة الثامنة من قانون بناء الكنائس، والتي تنص على استمرار ممارسة الشعائر في الكنائس والمباني الدینیة وعدم غلقها، حتى لو لم تحصل على التراخيص اللازمة. ** تعديل تشريعي = في أبريل 2022، طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بإجراء تعديلات على قانون بناء وترميم الكنائس، لأنها بحسب تقريرها شافت إن محققش أهدافه وأن لسه مسألة ترميم الكنائس فيها مشكلة و خاضعة لإجراءات إدارية معقدة متمثلة في تعطيل التوقيعات تحديدًا من مسؤولي المحليات في المحافظات سواء للبناء أو الترميم.