مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
(تحقيق- الحقيقة فين- اعرف- سين وجيم- تقارير- علشان محدش يضحك عليك- مدونة- والمواد المتشابهة في المنصات الشريكة)
الكاتب
Matsda2sh
دحض الإدعاء
اندلعت صباح أمس السبت 15 أبريل 2023، اشتباكات مسلحة بين قوات الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح برهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، نائب رئيس المجلس.
وصل عدد الضحايا، حسب المعلن، حتى الآن، إلى 56 قتيلًا و595 مُصابًا على الأقل منهم 3 موظفين من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
تبادل الطرفان الاتهامات حول المتسبب في اندلاع الاشتباكات، فيما يدعي كل طرف منهما إحراز تقدم واقترابه من إنهاء الصراع لصالحه، وهو ما يُشكل تحديًا في معرفة حقيقة ما دار على الأرض حتى الآن.
تأثرت مصر بشكل مباشر بالصراع، حيث احتجزت قوات الدعم السريع عدد من جنود الجيش المصري المتواجدين في السودان لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، بحسب المتحدث العسكري، فضلًا عن تأثرها غير المباشر المتوقع.
نقدم لك في السطور التالية، ما تحتاج معرفته عما يحدث في السودان:
ماذا حدث؟
بوادر الاشتباكات الحالية بدأت الأسبوع الماضي عندما انتشرت عناصر من قوات الدعم السريع في مدن مختلفة بينها العاصمة الخرطوم ومروي، التي تضم مطارًا استراتيجيًا هامًا.
وأكدت قيادة الدعم السريع، في بيان يوم 12 أبريل 2023، أن تحركات القوات هدفها "تحقيق الأمن، ومحاربة الاتجار بالبشر، والهجرة غير الشرعية، وتهريب المخدرات، والتصدي لعصابات النهب المسلح"، وأنها تمت "بتنسيق وتناغم تام مع قيادة القوات المسلحة، وبقية القوات النظامية الأخرى".
فجر الخميس الماضي، 13 أبريل 2023، أصدرت الجيش السوداني بيانًا أكد فيه أن تحركات "الدعم السريع" تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها.
واعتبر البيان أن ما حدث "يخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع وفيه تجاوز واضح للقانون ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية واستمرارها سيؤدي إلى المزيد من الانقسامات التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد".
صباح أمس السبت، 15 أبريل 2023، بدأت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين في الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، واتهم كل طرف الآخر بالمسؤولية عن اندلاع الاشتباكات.
قال الجيش إن قوات الدعم السريع هي من بدأت المعركة وهاجمت قواته في المدينة الرياضية ومواقع أخرى، في محاولة للسيطرة على مواقع استراتيجية في البلاد.
فيما أكدت قيادة الدعم السريع أن القوات المسلحة هي من بادرت وهاجمت قواته المتواجدة في معسكر سوبا بالخرطوم "بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة".
تواصلت الاشتباكات على مدار يوم السبت، وتواصلت الأخبار المتضاربة أيضًا. في حين قالت "الدعم السريع" إنها سيطرت على مقار استراتيجية بينها القصر الرئاسي، ومطار الخرطوم، أكد البرهان أن جميع المواقع الاستراتيجية تحت السيطرة.
صباح اليوم الأحد، 16 أبريل، أعلنت القوات المسلحة السودانية في منشورات وفيديوهات عبر منصاتها على السوشال ميديا، السيطرة على مقر قوات الدعم السريع، وهروب حميدتي.
ونشرت فيديو لاحتفالات مجموعة من السودانيين مع تعليق يُشير للانتصار في العملية العسكرية: "إحتفالات الشعب السوداني مع قواته المسلحة الجيش السوداني القومي المهني لإنتصاره في العملية العسكرية الخاصة بإنهاء تمرد مليشيات حميدتي".
في المقابل صرّح المستشار السياسي لقوات الدعم السريع، لقناة "الجزيرة"، أن الدعم السريع "يقاتل في كل المحاور وحميدتي يقود القتال وفق الخطة المجازة مسبقا.. وما زلنا نقاتل من داخل القيادة وكثير من الضباط انضموا لنا".
وبحسب خدمة التغطية الحية لما يحدث في السودان، التي تُقدمها مواقع إلكترونية، مثل "نيويورك تايمز" و"الجزيرة"، فإنه من غير الواضح الآن من يسيطر على السودان والأمر ملتبس، مع استمرار الصراع لليوم الثاني، حيث سُمع دوي إطلاق النار في مناطق استراتيجية مثل القصر الرئاسي مجددًا، كما أمتد الصراع إلى مناطق في شرق السودان.
لماذا الصراع؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب أولًا تقديم شروحات عن خلفية "قوات الدعم السريع" والأزمة السياسية في السودان.
نواة "الدعم السريع" كانت ميليشيات الجنجويد التي استعان بها الرئيس السوداني السابق عمر البشير في حربه ضد الحركات المتمردة في دارفور والتي اندلعت عام 2003. وفي 2007، منح البشير رتبة العميد لحميدتي (لم يتلق تعليمًا عسكريًا)، قائد الميليشيات، وضُمت قواته لأجهزة الاستخبارات في السودان.
عام 2013، أصدر البشير قرارًا بتأسيس قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، كمجموعة "شبه عسكرية" تعمل تحت إشرافه مباشرة، وغير خاضعة للجيش.
تواجه "الدعم السريع" اتهامات دولية وحقوقية بارتكاب جرائم وحشية بينها التطهير على أساس عرقي، واغتصاب سيدات أثناء حربها في دارفور، وقتل متظاهرين عزل.
في 2019، وعقب ثورة شعبية عارمة في السودان، تعاون حميدتي مع قيادات الجيش وأطاحوا بالبشير من منصبه. منذ ذلك الحين أصبح حميدتي وقواته رقمًا صعبًا في المعادلة السودانية، وحصل على منصب "نائب رئيس مجلس السيادة السوداني"، وبات يمثل البلاد في مختلف المحافل ويلتقي الرؤساء والمسؤولين الأجانب.
في أكتوبر 2021، تعاون حميدتي مجددًا مع قيادات الجيش في الانقلاب على الحكومة المدنية التي تدير البلاد، وتم اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء والسياسيين. وقوبلت هذه الإجراءات باحتجاجات شعبية ضخمة.
في ديسمبر 2022، وجد السودان ما يبدو مخرجًا من الأزمة. فبرعاية دولية، وقع الجيش السوداني، بحضور البرهان وحميدتي، اتفاقًا مع قادة مدنيون يمهد الطريق لانسحاب الجيش من الحياة السياسية وانتقال السلطة إلى المدنيين.
لاحقًا، اختلف البرهان وحميدتي حول سُبل وآليات تنفيذ الاتفاق، وكانت نقطة الخلاف الأساسية هي عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، فبينما أرادت قيادة القوات المسلحة أن تتم خلال عامين، كان حميدتي يريد تأجيل الخطوة 10 أعوام.
اختلف الطرفان كذلك حول هوية القائد العام للقوات المسلحة خلال فترة الدمج. يرى حميدتي أن قائد القوات المسلحة يجب أن يكون رئيس الدولة، وهو ما رفضته القوات المسلحة، وفقًا لـ"رويترز".
أُضيفت هذه الخلافات إلى خلافات سابقة في العديد من المواضيع، أبرزها إدارة السياسة الخارجية للسودان خاصةً في بعض الملفات المهمة مثل العلاقات مع دول الجوار كمصر وإثيوبيا، ومع روسيا.
أفضت هذه الخلافات في النهاية إلى انفجار الصراع ووقوع اشتباكات مسلحة بين الطرفين.
كيف تتأثر مصر بالصراع؟
بدأ ظهور أثار الصراع في السودان على مصر بالفعل. أمس السبت، نشرت "الدعم السريع"، عبر حساباتها على السوشال ميديا، فيديو لمجموعة قالت إنهم من أفراد الجيش سلموا أنفسهم بعد اقتحام مطار مروي.
لاحقًا، أعلن المتحدث العسكري، عن "تواجد قوات مصرية مشتركة لإجراء تدريبات مع نظرائهم في السودان" وأضاف أنه "جاري التنسيق مع الجهات المعنية في السودان لضمان تأمين القوات المصرية"، مهيبًا بالحفاظ على أمنهم وسلامتهم.
"حميدتي" بدوره أكّد على صحة الفيديو مًصرّحًا لـ"سكاي نيوز عربية" أن "نقول للمصريين والله الفيديوهات دي طلعت غصب عننا وأولادهم (أفراد الجيش المصري) في الحفظ والصون.. وموجودين في معسكرنا.. وفي أي وقت سنوديهم لإخواننا".
بلومبرج الشرق نقلت عن لجنة الأطباء السودان المركزية ومسؤول بلجان المقاومة بمروي، وفاة أحد الجنود المصريين في الاشتباكات الدائرة، لكن لا يوجد أي تأكيد رسمي على تلك الأنباء حتى الآن.
على المدى الأبعد، لا شك أن عدم استقرار السودان وتطور الأمر إلى حرب أهلية يهدد الأمن القومي المصري، فضلًا عن أن مصر لديها تحفظات على "حميدتي" بسبب ما يُشاع عن ميله لإثيوبيا في أزمة سد النهضة على حساب مصر. هذا بالإضافة إلى كونه قائد قوات "شبه عسكرية" غير نظامية أصلها ميليشيات، فيما تفضل الحكومة المصرية التعامل مع القوات النظامية.
بدوره نادى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد اتصال تلقاه اليوم من رئيس جنوب السودان سلفاكير، بـ"الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان"، وأعرب الرئيسين عن استعدادهما للقيام بدور الوساطة بين الأطراف السودانية.