مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

بين المنحة السعودية والمواجهة الكروية مع الفدائي والربط المضلِّل

بين المنحة السعودية والمواجهة الكروية مع الفدائي والربط المضلِّل
tahaqaqps

الكاتب

tahaqaqps
[:ar]
الادعاء
مصادر باتحاد الكرة الفلسطينية تقول: ‏ضغوط تجري على المنتخب الوطني من حسين الشيخ لتمرير فوز المنتخب السعودي بعد تقديم السعودية دفعة مالية للسلطة بقيمة 90 مليون دولار ‏لو صدق هذا الخبر، فنحن أمام مهزلة ليست رياضية، بل مهزلة سياسية وفكرية وإنسانية.
شهدت بطولة كأس العرب 2025 اهتمامًا جماهيريًا واسعًا هذا العام، خاصة بعد الأداء الملفت الذي قدّمه المنتخب الفلسطيني في دور المجموعات. فبعد فوزٍ على قطر، وتعادلين أمام تونس وسوريا، نجح الفدائي في حجز بطاقة التأهل إلى الدور ربع النهائي، في إنجاز كروي أعاد الفريق إلى واجهة المنافسة العربية وأثار موجة احتفاء فلسطينية واسعة.  وبموجب نتائج المجموعات، تقرر أن يواجه المنتخب الفلسطيني منتخب السعودية في الدور القادم، وهي مواجهة تُعد من أبرز مباريات هذا الدور نظرًا لقوة المنافس السعودي ونشوة المنتخب الفلسطيني بتأهله. في خضم هذا الزخم الكروي، أثارت تغريدة نشرها د. فايز أبو شمالة على منصة X جدلًا عبر مواقع التواصل، بعد أن أوحت بوجود ضغوط على المنتخب الفلسطيني مرتبطة بالمنحة السعودية المقدّمة للسلطة الفلسطينية، وقدرها 90 مليون دولار، بهدف تمرير فوز المنتخب السعودي في المواجهة المرتقبة بين المنتخبين في الدور ربع النهائي للبطولة. غير أن التثبت من المسار الزمني، وسير المباريات، ونظام البطولة، يكشف أن هذا الربط غير دقيق، وأن الإيحاء المذكور يقوم على التباس زمني لا يستقيم مع الواقع. منحة مالية قبل بدأ البطولة أعلنت مواقع إخبارية رسمية، من بينها وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، ومواقع أخرى مثل موقع "يورونيوز" عربي، عن تقديم السعودية منحة مالية بقيمة 90 مليون دولار للسلطة الفلسطينية بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر 2025، وقد جرى التسليم في لقاء رسمي في عمّان، ونُشر الخبر في اليوم نفسه بصيغة واضحة تؤكد أن الإعلان كان قبل أي تطورات رياضية تتصل بمسيرة المنتخب الفلسطيني.

وفي السياق نفسه، لعب منتخب فلسطين أولى مبارياته في بطولة كأس العرب مساء يوم 1 كانون أول/ ديسمبر ذاته ضد منتخب قطر، كما يظهر في مشواره في البطولة، إذ لم يكن المنتخب قد خاض أي مباراة سابقة ضمن دور المجموعات، وكانت هذه المباراة هي الافتتاحية. 

وهذا يعني بوضوح أن المنحة قُدمت قبل مباراته الأولى، وقبل اتضاح أي معطى رياضي له علاقة بالترتيب أو بالأداء أو بمستقبل المنتخب في البطولة. وبالعودة إلى الصورة المرفقة التي توثّق جدول مباريات المنتخب، يتبين أن المنتخب خاض مباراته الثانية بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر ضد تونس، ثم مباراته الثالثة والحاسمة بتاريخ 7 من الشهر ذاته ضد سوريا، وهي المباراة التي حددت تأهّله رسميًا إلى الدور ربع النهائي؛ أي أن حسم التأهل جاء بعد أسبوع كامل من تقديم المنحة السعودية، وليس في يوم الإعلان عنها، ولا حتى ضمن المرحلة الزمنية المحيطة بها مباشرة. نظام البطولة: لا تحديد للخصوم قبل نهاية المجموعات لا يقف الأمر عند التأهل فحسب، إذ أن نظام البطولة نفسه يُظهر أنه لا يمكن أصلًا معرفة هوية خصم المنتخب الفلسطيني في الدور ربع النهائي في اليوم الأول للبطولة، ولا حتى بعد الجولة الأولى أو الثانية من دور المجموعات. فبحسب نظام البطولة، تتأهل المنتخبات وفق ترتيب مجموعاتها بعد استكمال كل جولة من الجولات الثلاث، ثم يُقابل متصدر كل مجموعة وصيف مجموعة أخرى وفق جدول محدد مسبقًا. وهذا يعني أن هوية الخصم لا تُعرف إلا بـانتهاء الجولة الثالثة كاملة لجميع المجموعات، وليس قبل ذلك. وعليه، فحتى لو افترض البعض أن المنحة جاءت على خلفية حسابات رياضية -وهو افتراض لا تدعمه أي قرينة- فإن ذلك الافتراض لا يعتدّ به من الناحية العملية، لأن نتيجة التأهل لم تكن قد ظهرت بعد، ولا كان ممكنًا معرفة ترتيب المجموعات أو المنتخبات المتأهلة أو المتقابلة.

تفكيك الادعاء: قراءة مجتزأة للوقائع

وبالنظر إلى الخط الزمني الدقيق للأحداث، يصبح المشهد أكثر وضوحًا: في الصباح أو الظهيرة من يوم 1 ديسمبر، نشرت المواقع الرسمية خبر المنحة السعودية. وفي المساء من اليوم ذاته، دخل المنتخب الفلسطيني إلى ملعبه ليخوض المباراة الأولى ضمن ثلاث مباريات، من دون أن يكون في الأفق أي شكل من أشكال الحسم الرياضي. ولم تتضح صورة المجموعة إلا تباعًا، إلى أن جاء يوم 7 ديسمبر حيث تعادل المنتخب مع نظيرة السوري ليضمن تأهّله كأول المجموعة A. ثم بعد انتهاء كل مباريات المجموعات، فقط حينها صار بالإمكان تحديد خصم فلسطين في الدور ربع النهائي، وهو المنتخب السعودي الذي تأهل ثانيًا عن المجموعة B.
خلاصة التحقق
 إن تسلسل الوقائع بهذا الشكل يؤكد أن الإيحاء بوجود رابطة زمنية أو سببية بين المنحة السعودية ومسار المنتخب الفلسطيني هو إيحاء لا يدعمه الواقع، وما ورد في التغريدة يقوم على قراءة مجتزأة للتواريخ التي لا تصمد أمام التحقق. فلو كانت المنحة مرتبطة بمعرفة نتائج المنتخب، لكان من المنطقي أن تأتي بعد 7 ديسمبر، وهو اليوم الذي حُسم فيه التأهل، أو بعد صدور جدول مواجهات الدور ربع النهائي. وبذلك تخلص عملية التحقق إلى أن الربط الوارد في التغريدة مضلل، لأنه يستند إلى تصورٍ غير صحيح لتسلسل الأحداث، ولأنه يقدّم استنتاجًا مبنيًا على فرضية غير ثابتة، ولأنه يتجاهل نظام البطولة والبيانات الرسمية المتعلقة بموعد تقديم المنحة.
مصادر التحقق مصادر الادعاء 
موقع euronews - منحة سعودية بقيمة 90 مليون دولار للسلطة الفلسطينية لتأمين الرواتب والخدمات الأساسية وكالة وفا - الشيخ يشكر السعودية على دعمها للخزينة الفلسطينية د.فايز أبو شمالة
[:]