مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

هل تؤثر رسوم الجمارك الأميركية على المورد المالي الوحيد للعراق؟

هل تؤثر رسوم الجمارك الأميركية على المورد المالي الوحيد للعراق؟
SaheehNewsIraq

الكاتب

SaheehNewsIraq
nan لا تقتصر التداعيات المحتملة للرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد العراقي، بالقدر المرتبط بالتبادل التجاري، بوصف الولايات المتحدة الأميركية شريكًا تجاريًا ثانويًا، على حد تعبير المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء[*]، بل تؤثر مباشرة على المورد المالي الوحيد للعراق، حيث تراجعت أسعار النفط في الأسواق العالمية، نتيجة الركود المتوقع. هذا انخفاض ليس سوى بداية التأثيرات الحقيقة، إذ يمكن بقراءة أعمق توقع تداعيات أخرى لا تقل خطورة على قطاعات حيوية أساسية في العراق مرتبطة بالنشاط التجاري الذي يعتمد بشكل هائل على الصين، والتي استهدفتها الرسوم الأميركية بشكل مباشر، كما يكشف هذا التحليل الذي أجراه "صحيح العراق" بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي بعد إدخال بيانات عن حجم الواردات الصينية إلى البلاد: ركود سوق النفط.. البداية كان العراق من بين قائمة الدول التي شملتها الرسوم الجمركية الأميركية، إذ فرض الرئيس الأميركي ترامب ضرائب بنسبة 39% على البضائع العراقية الصادرة إلى واشنطن. هذه النسبة لن تؤثر بصيغة فعلية ومباشرة على العراق، بالنظر إلى أنّ أكثر من 99% من صادراته للولايات هي من النفط الخام الذي لم يشمله قرار ترامب، لكنها التأثير المتوقع سيكون جراء التعرفة المفروضة على دول مثل الصين والهند، حيث يصدر العراق اليوم 50% من نفطه الخام إلى الصين، لتستخدمه في تشغيل مصانعها. ومع الأخذ بالاعتبار أنّ هذه منتجات هذه المصانع موجهة بالأساس إلى السوق الأميركية، يمكن استشراف حجم الخسائر التي ستتكبدها هذه المصانع، وبالتالي يمكن التنبؤ بانخفاض طلباتها على النفط مقابل ارتفاع العرض، وبالتالي انهيار أسعار النفط.[1] هذا التأثير ظهر بالفعل بعد أيام قليلة من القرار الأميركي، بتراجع أسعار النفط في السوق العالمية بفارق نحو 10 دولارات، مع توقعات بركود أشد نتيجة رد الفعل الصيني الذي شمل فرض رسوم بنسبة 34% على البضائع الأميركية، وساهم في تفاقم الفوضى في الأسواق المالية والسلعية، وفي مقدمتها أسواق النفط.[2] حجم الصادرات الصينية إلى العراق:[3] وارتفعت قيمة الصادرات الصينية المباشرة إلى العراق بنسبة 93% خلال الفترة من 2015 إلى 2024، حيث قفزت من 7.9 مليار دولار في 2015 إلى 15.3 مليار دولار بنهاية 2024، وفق دراسة اقتصادية نشرت العام الماضي. وعلى الرغم من عدم توفر بيانات رسمية لعام 2025، تشير التقديرات إلى استمرار هذا الاتجاه التصاعدي، مع توقع وصول الصادرات إلى نحو 16.5 مليار دولار بحلول نهاية 2025، استنادًا إلى متوسط النمو السنوي البالغ 7.6%. وقد شهدت الفترة من 2020 إلى 2024 نموًا تراكميًا بنسبة 58%، مدفوعًا بزيادة الطلب على السلع الرأسمالية والاستهلاكية في العراق. ومثلت صادرات الأجهزة الميكانيكية (مثل مكيفات الهواء وأنظمة التبريد) 20% من إجمالي الصادرات الصينية إلى العراق في 2024، بقيمة 3.7 مليار دولار، بزيادة 162% عن عام 2015. كما ارتفعت صادرات الأجهزة الكهربائية بنسبة 77% خلال نفس الفترة، لتصل إلى 1.9 مليار دولار. فيما سجلت صادرات الحديد والصلب أعلى معدل نمو بنسبة 280%، من 131 مليون دولار في 2015 إلى 500 مليون دولار في 2024، مدعومة بطفرة البناء في المدن العراقية. وتضاعفت صادرات الإطارات المطاطية ثلاث مرات تقريبًا، من 151 مليون دولار في 2015 إلى 446 مليون دولار في 2024، نتيجة توسع قطاع النقل العراقي. وأسهمت الزيادة السكانية في العراق، التي تقدر بنحو 2.5% سنويًا، في تعزيز الطلب على السلع الاستهلاكية ومواد البناء. كما ساهمت مشاريع إعادة الإعمار في مدن مثل الموصل والرمادي إلى ارتفاع واردات الحديد والأجهزة الإنشائية بنسبة 30% سنويًا منذ 2020. هذا الارتفاع يعزى أيضًا إلى أنّ 45% من الصادرات الصينية إلى العراق من تحولت من كونها تُشحن عبر دول ثالثة (مثل الإمارات وتركيا) إلى تصدير مباشر، مما خفض تكاليف الشحن وقلل الوقت اللازم للتوصيل بنسبة 40%، وسهلت اتفاقيات المقايضة مع دول خاضعة لعقوبات (مثل إيران) إعادة تصدير البضائع الصينية، مما عزز حجم التبادل التجاري غير المباشر. كما أدى انتشار المنصات الإلكترونية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا إلى تغيير تفضيلات المستهلك العراقي، حيث باتت الأجهزة الذكية والأدوات المنزلية المتطورة تشكل 35% من الواردات الاستهلاكية بحلول 2024. تأثير الرسوم الأميركية على صادرات الصين إلى العراق: فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب رسومًا إضافية بنسبة 34% على الواردات الصينية، ليرتفع إجمالي الرسوم المفروضة منذ بداية العام إلى 54%، وهو ما يغطي سلعًا بقيمة 500 مليار دولار. ورغم تركيز هذه الإجراءات على السوق الأميركية فإن تداعياتها قد تمتد إلى الأسواق الأخرى منها العراق عبر آليتين رئيسيتين وفقًا لتحليل الذكاء الاصطناعي: ارتفاع تكاليف الإنتاج الصيني: قد تضطر الشركات الصينية إلى رفع أسعار صادراتها بنسبة 5 - 10% لتعويض الخسائر الناجمة عن تقلص حصتها في السوق الأميركية والتي تمثل 16.4% من إجمالي صادرات الصين. وقد ينعكس هذا على أسعار السلع المصدرة إلى العراق، خاصة في القطاعات ذات الهوامش الضيقة مثل الصلب والأجهزة الكهربائية. إعادة توجيه الفائض الإنتاجي: ومع تراجع الطلب الأميركي قد تزيد الصين من إغراق الأسواق الناشئة (بما فيها العراق) بسلع مخفضة السعر للحفاظ على حصتها السوقية، وهو ما يمثل مخاطر اقتصادية من جانب آخر، إذ سبق أنّ حذرت تقارير اقتصادية من أن ارتفاع فاتورة الاستيراد بنسبة 10% قد يؤدي إلى عجز في الميزانية العراقية يقدر بنحو 2.1 مليار دولار سنويًا، مما يزيد من استنزاف الاحتياطيات الأجنبية التي انخفضت بالفعل إلى 64 مليار دولار في 2024. التأثيرات المتوقعة بالأرقام: مواد البناء: يشكل الحديد الصيني 60% من واردات العراق من هذه المادة، وقد تؤدي زيادته بنسبة 8% إلى ارتفاع تكلفة مشاريع الإسكان بنحو 120 مليون دولار سنويًا. السلع التكنولوجية: تتأثر الأجهزة الكهربائية بارتفاع تكاليف المكونات الإلكترونية العالمية، مما قد يرفع أسعارها في العراق بنسبة 6 - 7% بحلول نهاية 2025. النقل: مع اعتماد العراق الكبير على الإطارات الصينية (بنسبة 75% من الواردات)، قد يؤدي أي ارتفاع في أسعارها إلى زيادة تكلفة تشغيل أساطيل النقل بنسبة 4%، استنادًا إلى البيانات المتاحة عن الواردات الصينية إلى العراق. مخاطر التضخم ومن المتوقع أيضًا أنّ يرتفع معدل التضخم في العراق من 4.2% في 2024 إلى 5.8% في 2025 إذا تحققت زيادات الأسعار المتوقعة، مع تأثيرات أكبر على السلع الأساسية مثل مواد البناء والأدوات الطبية. ويقترح الذكاء الاصطناعي جملة من الحلول لمواجهة هذه التداعيات، أبرزها؛ تنويع مصادر الاستيراد، خاصة من الدول المجاورة مثل تركيا ومصر، تشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية عبر إعفاءات ضريبية، وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة مع دول آسيوية كبديل للصين. الحكومة استشعرت الخطر وعلى الرغم من تقليل مستشار رئيس الحكومة من أهمية تأثير القرار الأميركي على العراق، إلاّ أن الحكومة بدأت بالفعل خطوات لدراسة تداعيات القرار ومدى الانعكاسات المحتملة على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط، ومدى تأثيره المباشر على الواقع الاقتصادي في العراق، إذ عقد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال الأسبوع الماضي اجتماعًا خاصًا[4] استعرض بيانات وزارة التجارة، التي أوضحت أن "القرار الأميركي المتعلق برفع الرسوم على السلع العراقية لم يكن مرتبطًا بالرسوم الجمركية التي يفرضها العراق على البضائع الأميركية، بل جاء نتيجة الفارق في الميزان التجاري بين البلدين". ووجه السوداني، بحسب بيان رسمي بـ "اتخاذ سلسلة إجراءات استراتيجية، ممثلة بتعزيز العلاقات التجارية المباشرة مع الجانب الأميركي، من خلال فتح قنوات للموزعين والوكالات التجارية الأميركية داخل العراق، وتفعيل دور الوكالات التجارية العراقية لضمان تبادل تجاري مباشر بين القطاعات المعنية في البلدين"، بالإضافة إلى "تطوير التعاون المصرفي والمالي بين العراق والولايات المتحدة، بما يحقق مصالح متبادلة ويساهم في تحسين بيئة الأعمال والاستثمار". وخلص الاجتماع أيضًا إلى توجيه "الفريق العراقي المفاوض مع الجانب الأميركي بمراجعة أسس العلاقة التجارية، والعمل على تحسينها بما يكفل بناء شراكات اقتصادية متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل للمصالح"، فضلاً عن تكليف وزارات الخارجية والمالية والتجارة بفتح حوار مباشر مع نظرائهم الأميركيين في القطاعات التجارية والاقتصادية، إلى جانب متابعة الأسواق المالية وبيوت الخبرة الدولية، ورفع تقارير أسبوعية عن المستجدات.