مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
في حلقة يوم أمس من برنامج "في متناول اليد"، قدم الإعلامي حسام الحاج (الدقيقة ٣٥)، تعريفًا مقتضبًا غير واف عن مصطلح "الديماغوجيا (Demagoguery)"، في سياق جدل مع الضيف حول ثنائية المقاومة والدولة، إذ عرف الحاج "الديماغوجيا" بأنها وضع "العاطفة محل العقل"، حيث يحظر الدستور تشكيل أي ميليشيات مسلحة خارج سلطة القانون، في حين تنشط الفصائل المسلحة أو ما تعرف بـ "المقاومة" بحجة "الدفاع عن البلد أو المذهب".[*]
وفي هذا التوضيح يقدم "صحيح العراق" شرحًا موجزًا عن المصطلح، ومدى تطابق سمات السياسيين
ومدى دقة ربطه بالعقل والعاطفة، واختلاف معناه عن الشعبوية، وأمثلة عن استخداماته على مر التاريخ، سمات السياسيين والزعماء الذين ينطبق عليهم المصطلح،
أصل "الديماغوجيا" أو "الديماجوجية"[1]
هي كلمة يونانية قديمة مكونة من مقطعين ديما من ديموس وتعني الشعب، وغوجيا وتعني القيادة؛ وبذلك تعرف بأنها[1] أسلوب أو استراتيجية سياسية يستخدمها القادة للتأثير على الجماهير من خلال استغلال العواطف، المخاوف، والتحيزات بدلاً من تقديم حجج عقلانية أو سياسات فعالة. وتعتمد على إثارة الغرائز والانفعالات الجماعية بدلاً من التوجه إلى العقل أو تقديم حلول موضوعية.
الخصائص الأساسية للديماغوجيا:
إثارة العواطف: التركيز على الغضب، الخوف، أو الأمل لدى الناس، دون تقديم أدلة حقيقية أو خطط مدروسة.
تبسيط القضايا: تقديم حلول سطحية لمشاكل معقدة، مثل لوم طرف واحد على كل الأزمات.
تشويه الحقائق: استخدام الأكاذيب أو المبالغات لتشويه صورة الخصوم أو لتعزيز موقف سياسي.
إثارة الانقسام: تعزيز فكرة "نحن ضدهم" لخلق شعور بالخطر وتوحيد الجماهير ضد "عدو مشترك".
اللعب على الضحية: تصوير المجموعة كضحية لمؤامرة أو ظلم خارجي لإثارة تعاطف الجمهور.
وبنص التعريف السائد اليوم هي مجموعة من الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السياسية التي يلجأ إليها السياسيون لإغراء الشعب أو الجماهير بوعود كاذبة أو خداعة وذلك ظاهريًا من أجل مصلحة الشعب، وعلميًا من أجل الوصول للحكم.
ومن أمثلتها؛ قادة سياسيون يستغلون التوترات العرقية أو الاقتصادية لتعزيز أجنداتهم، أو خطابات تستخدم التخويف من المهاجرين أو الأقليات لتحقيق مكاسب سياسية، فيما تعد الديماغوجيا من أكبر التحديات للديمقراطيات، لأنها تميل إلى تقويض النقاش الموضوعي وتشجع على اتخاذ قرارات قائمة على العاطفة بدلاً من التفكير العقلاني.
بداية الصياغة:[2]
نشأة مصطلح الديماغوجيا تعود إلى اليونان القديمة، حيث كان يُستخدم للإشارة إلى "قائد الشعب" (dēmagōgos)، وكان يحمل في البداية دلالة إيجابية. استُخدم المصطلح لوصف القادة الذين يعملون لصالح العامة من خلال التحدث باسمهم وتمثيل مصالحهم.
لكن مع تطور الديمقراطية الأثينية، في القرن الخامس قبل الميلاد، اكتسب المصطلح دلالات سلبية بسبب تصرفات قادة معينين مثل "كليون"، والذين استغلوا العواطف الشعبية لأغراض شخصية، وغالبًا عبر التحريض أو تقديم وعود مفرطة دون سياسات واقعية.
بالمقابل، تناول الأدباء والمؤرخين مثل ثوسيديدس وأريستوفانيس هذه الشخصيات في أعمالهم، حيث ربطوا الديماغوجيا بالفساد السياسي والتحريض الشعبي.
سمات الديماغوجيين: [3]
يعرف الساسة الديماغوجيون بسمات محددة تجعلهم قادرين على التأثير في الجماهير بطرق عاطفية، وهذه السمات تركز على أساليب الإقناع والتلاعب، وفيما يلي أهمها:
1. خطاب تحريضي عاطفي:
يعتمد الديماغوجيون على إثارة مشاعر الخوف، الغضب، أو الأمل لدى الجماهير، وعادة ما يكون خطابهم مليئًا بالمبالغات والوعود الكبيرة دون تقديم خطط واقعية، كما يحرصون على استخدام لغة شعبوية قريبة من عامة الناس، مما يمنحهم صلة مباشرة بالجماهير.
2. خلق عدو مشترك:
يعمل الديماغوجي على توحيد الجماهير من خلال اختلاق عدو مشترك، سواء كان مجموعة داخلية (نخب سياسية، عرقية) أو خارجية (دول أجنبية)، وهذا الأسلوب يعزز الانقسام ويجعل الجماهير أكثر استعدادًا لقبول أفكار القائد.
3. استغلال التوترات الطبقية أو الاجتماعية:
يميل الديماغوجيون إلى التلاعب الفوارق الاجتماعية أو الاقتصادية لتعزيز شعبيتهم، ويُظهرون أنفسهم كمدافعين عن "الشعب" ضد النخب أو الأقوياء.
4. تشويه الحقيقة والتلاعب بالمعلومات:
يتعمد هذا النوع من السياسيين نشر الأكاذيب أو تحريف الحقائق لتحقيق أهدافهم، ويحاولون تصدير أنفسهم كجهات موثوقة أكثر من المؤسسات أو المصادر التقليدية للمعلومات.
5. تقديم حلول بسيطة لمشكلات معقدة:
يختزل هذا النوع من الشخصيات السياسية القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى مقترحات وحلول سهلة التنفيذ، لكنها غالبًا غير واقعية، ويُظهرون أنفسهم كأنهم يمتلكون كل الإجابات.
6. الاستناد إلى الكاريزما:
غالبًا ما يتمتع الديماغوجيون بحضور شخصي قوي وكاريزما تمكنهم من جذب الجماهير، إذ يستغلون شخصيتهم للتواصل المباشر مع الناس، متجاوزين المؤسسات أو الوسطاء التقليديين.
ترامب ونتنياهو مثلاً
من أمثال الديماغوجيين على مر التاريخ كليون الأثيني - Cleon، أدولف هتلر - Adolf Hitler، بينيتو موسوليني - Benito Mussolini، هيوي لونج - Huey Long، الأب كوغلين، وجوزيف مكارثي - Joseph McCarthy، وجميعهم قاموا ببناء جماهير من خلال إثارة عواطف العامة. فيما يعتبر عدد من الكتاب دونالد ترامب ونتنياهو وبوتين، من الديماغوجيين المعاصرين، بالنظر إلى أسلوبهم في الحملات الانتخابية والسياسية.[4]
بعض زعماء الفصائل والسياسيين أيضًا! [5]
سمات الديماغوجية تنطبق جزئيًا على بعض قادة الفصائل المسلحة في العراق، خاصة في أساليبهم الخطابية وسلوكهم السياسي، ويلاحظ أنّهم يستخدمون التكتيكات التالية لتعزيز نفوذهم:
1. استغلال الخطاب العاطفي:
يعتمدون على إثارة مشاعر الغضب والخوف، خاصة من الأعداء الداخليين أو الخارجيين، مثل الولايات المتحدة أو الجماعات المعارضة، وتقديم أنفسهم كمدافعين عن القيم الدينية أو الطائفية، مما يعزز قاعدتهم الشعبية.
2. تبسيط القضايا المعقدة:
يقدمون حلولًا سطحية لمشكلات معقدة مثل الفقر والفساد عبر التركيز على رمزية "المقاومة" أو مواجهة "الظلم"، بينما يتجاهلون التحليل الواقعي.
3. خلق أعداء مشتركين:
يوحدون الجماهير من خلال تصوير قوى أجنبية أو جماعات معارضة على أنها تهديد وجودي للمجتمع أو الدين، مما يضمن دعمًا قويًا من القاعدة الشعبية.
4. استغلال النفوذ السياسي والأمني:
بالرغم من دمج قوات الحشد الشعبي في الدولة العراقية قانونيًا، إلا أن معظم القيادات تعمل بشكل مستقل خارج الإطار الرسمي، مما يسمح لهم بممارسة نفوذهم دون الخضوع للمساءلة المباشرة.
5. الحفاظ على الكاريزما الشخصية:
بعض زعماء الفصائل والجماعات المسلحة تظهر كشخصيات كاريزمية قادرة على جذب الجماهير من خلال خطاب تعبوي وشعبي.
الفرق بين الشعبوية والديماغوجية[6]
ويسلط كتاب "الشعبوية، الديماغوجية، والخطاب في منظور تاريخي"، الذي قام بتحريره جوزيبي بلاشي وروب غودمان، في أحد فصوله العلاقة بين الشعبوية والديماغوجية؛ حيث يستعرض التشابهات الفكرية بينهما وكذلك الفروق الأساسية.
ويشير المحرران إلى أن الديماغوجية والشعبوية تشتركان في استخدام خطاب التلاعب والتجييش العاطفي لتحفيز الجماهير، إلاّ أنّ الشعبوية تملك بُعدًا أيديولوجيًا أعمق وتستند إلى روايات تتعلق بالهوية الشعبية والعدالة الاجتماعية التي تفتقر إليها الديماغوجية.
كما أن مفهوم الشعبوية يتضمن أحيانًا نقدًا للمؤسسات والأطر النظامية، بينما يظل التركيز في الديماغوجية على إرضاء الجماهير فقط دون تحدي هياكل السلطة القائمة.