مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
nan
في خطوة أثارت استغراب عشاق الأفلام والمسلسلات الأجنبية، أقدمت وزارة الاتصالات على حجب موقع IMDb الذي يعتبر أشهر المنصات العالمية المتخصصة في تقييم الأفلام والمسلسلات ومراجعاتها، في سياق حملة حجب تشنها الوزيرة هيام الياسري منذ توليها للمنصب وتعتبرها أبرز إنجازاتها حين تدافع عن نفسها أمام طلبات الاستجواب في مجلس النواب.
وجاء قرار الحجب، بحسب ما تقوله الوزارة، في إطار محاربة "الأفلام الإباحية"، لكن هذه الذريعة مضللة تمامًا، وتأتي بالتزامن مع إعلان لجنة الاتصالات الانتهاء من إجراءات استجواب الوزيرة هيام الياسري، كما يكشف "صحيح العراق" في هذا التقرير.
مواقع حجبتها الوزارة بداعي محاربة الإباحية
ضمن مئات المواقع الإباحية، طال قرار الحجب لوزارة الاتصالات عدد من المواقع التي تصنف بأنها غير إباحية، إلا أن الوزارة تصر على أنها تقدم "محتوى هابطًا وغير أخلاقي"، ومن بين المواقع المحظورة هو موقعي Secret rent وIMDb.
Screen Rant هو موقع كندي إخباري ترفيهي عبر الإنترنت تم إطلاقه في عام 2003. يقدم الموقع أخبارًا في مجال التلفزيون والأفلام وألعاب الفيديو ونظريات الأفلام.
من خلال البحث داخل الموقع باستخدام كلمات مفتاحية إباحية، لم يتم العثور على أي محتوى إباحي، بل اقتصر على أخبار مكتوبة عن الفنانين.[1]
IMDb هو ثاني موقع لتقييم الأفلام حظرته وزارة الاتصالات العراقية، حيث يعتبر الموقع أكبر قاعدة بيانات عبر الإنترنت للمعلومات المتعلقة بالأفلام والمسلسلات التلفزيونية والبودكاست ومقاطع الفيديو المنزلية وألعاب الفيديو ومحتوى البث عبر الإنترنت، بما في ذلك أخبار الممثلين وشركات الإنتاج والسير الذاتية الشخصية وملخصات المؤتمرات والتقييمات والمراجعات النقدية.[2]
واعتبارًا من عام 2019، كان IMDb هو الموقع 52 الأكثر زيارة على الإنترنت، كما صنفته أليكسا، واعتبارًا من مارس 2022، احتوت قاعدة بيانات الموقع على حوالي 10.1 مليون عنوان (بما في ذلك الحلقات التلفزيونية)، و11.5 مليون سجل شخص، و83 مليون مستخدم مسجل.[3]
ذريعة مضللة
وبعد الضجة التي أثارها القرار، بررت الوزارة الإجراء بـ "رصد محتوى هابط وغير أخلاقي" في الموقع المذكور. وقال نبيل عبد الباقي المدير العام لشركة السلام العامة، إحدى تشكيلات وزارة الاتصالات، إنّ "حجب موقع (IMDb) جاء بناءً على رصد محتوى هابط وغير أخلاقي في الموقع المذكور بأكثر من اتجاه"، مؤكدًا أنّ "قرار الحجب لم يكن عشوائيًا عكس مايروج له، وإنما تم بعد مراقبة ومتابعة مستمرة وعلى أساس ذلك حجب الموقع، كونه يروج للمحتوى الهابط الذي يضم عددًا من الأفلام الإباحية والصفحات غير أخلاقية".[4]
لكن ادعاء المسؤول في وزارة الاتصالات مضلل، إذ أنّ موقع تقييم الأفلام IMDb، لا يتضمن أي أفلام إباحية. وأجرى "صحيح العراق" بحثًا باستخدام المفردات المتعلقة بالأفلام الإباحية ضمن الموقع، ولم يجد أثر لما تحدث نبيل عبد الباقي المدير العام لشركة السلام العامة في سياق تبرير قرار الحجب.[5]
ومع ذلك، قد يحتوي IMDb على معلومات حول أفلام تصنف على أنها "للبالغين" أو تحتوي على محتوى مخصص للجمهور الناضج، ولكن هذا لا يعني أنها أفلام إباحية، حيث تندرج الأفلام تحت تصنيف "Adult"، وتكون غالبًا لها قصة أو سياق فني، وليست موجهة للإباحية بحد ذاتها.
العراق تعامل مثل الصين مع الموقع
ونادراً ما يتم حظر موقع IMDb في البلدان، ولعل أشهر حظر للموقع كان من قبل الصين عام 2010، حيث استمر الحظر نحو 3 سنوات قبل أن تعيد افتتاحه عام 2013 دون تقديم أي تفسير عن سبب الحظر. ويرجح بحسب موقع IMD أن يكون السبب حينها هو عرض فيلم وثائقي باسم "التنين الشمس" والذي يتحدث عن حركة التبت الحرة بقيادة الدالاما.[6]
الأساس القانوني لحجب المواقع في العراق
وتستند وزارة الاتصالات في قراراتها على حجب المواقع الإلكترونية في العراق، إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي صدر في آذار مارس الماضي، حيث ألزمت أعلى سلطة قضائية في البلد، وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات، بحجب المواقع وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي "تتضمن صناعة ونشر المقاطع الجنسية والإيماء بالاغراءات الجنسية المخلة بالأخلاق والآداب". وتضمن الحكم الصادر من المحكمة حجب مواقع أخرى "فيها إساءة واعتداء على آداب وقيم المجتمع العراقي".[7]
الوزيرة تضلل الجمهور حول حجب المواقع
وسبق لفريق "صحيح العراق" أن فند إدعاءات الوزيرة هيام الياسري عن تأثير إجراءات الحجب على حجم مشاهدات الأفلام الإباحية في العراق، حين قدمت الوزيرة بيانات لا تأخذ بنظر الاعتبار المشاهدات التي تمر عبر تطبيقات كسر الحجب المعروفة بـ "تطبيقات VPN".
[8]
وفي تقرير مطول تحقق "صحيح العراق" أنّ الإحصائية التي قدمتها الياسري لا تعكس أي نتائج حقيقية للخطوة التي اتخذتها الوزارة بحجب المواقع الإباحية، بالاستناد إلى آراء 3 خبراء تقنيين أكّدوا أنّ الوصول إلى هذه المواقع ما يزال متاحًا وبسهولة.[9]
ويمكن تجاوز الحجب الذي فرضته الوزارة عن طريق الشبكة الافتراضية الخاصة "VPN"، إذ يتم تشفير حركة البيانات الخاصة بالمستخدم واخفاء هويته، وتنشئ هذه الشبكة بشكل أساسي قناة اتصال للبيانات بين الجهاز المحلي وخادم آخر في موقع على بعد آلاف الأميال من الموقع الأصلي.[10]
وهنا تقول وزيرة الاتصالات "برامج كسر الحجب ليست هي الحل الناجع، وهي ليست مجانية ومو كل واحد يشتريها، وما تطول إذا كانت مجانية". والمعلومات هنا أيضًا مضللة، إذ تشيع برامج كسر الحظر المجانية بشكل واسع في العراق، ومنها على سبيل المثال سايفون (Psiphon)، هو برنامج مجاني يُستخدم بشكل واسع في العراق لتجاوز الرقابة على الإنترنت والوصول إلى المواقع والتطبيقات المحظورة، إذ يعمل عن طريق إنشاء اتصال مشفر عبر شبكة خوادم آمنة، مما يتيح للمستخدمين تغيير عنوان IP الخاص بهم إلى دولة أخرى.
وقالت الوزيرة أيضًا في سياق حديثها عن "منجز" حجب المواقع الإباحية: "هم بالعالم أخرجوا العراق من القائمة.. وقالوا العراق لم يعد من الأعلى مشاهدة. العراق صار في مؤخرة القائمة".
وهو تصريح مضلل آخر، إذ أنّ العراق لم يكن على قائمة أعلى المشاهدات، قبل توليها المنصب، كما لم تعلن أي جهة مختصة أنّ العراق بات خارج القائمة بعد الحجب. ويظهر بالتدقيق، أنّ العراق ليس من بين الدول الـ 20 التي الأولى من حيث مشاهدة المواقع الإباحية الشهيرة[11].
بينما تظهر بيانات شركة "semruh" الأميركية المتخصصة في التسويق وتوفير المنصات والبيانات حول تصنيف المواقع، أنّ عدد المشاهدات للمواقع الاباحية من قبل العراقيين ما تزال مرتفعة حتى بعد الحظر.[12]
رحلة حجب المواقع الاباحية
وتعود قضية حجب المواقع الإباحية، إلى أيلول سبتمبر 2015، حين صوت البرلمان العراقي، بحضور 190 نائبًا، لصالح قرار يلزم وزارة الإتصالات بحجب المواقع الإباحية الموجودة على شبكة الإنترنت، إلا إن القرار لم يتم تفعيله بشكل تام.[13]
وفي عام 2019، جمع عضو اللجنة القانونية النيابية حسين العقابي، تواقيع نيابية لتشريع قانون "حجب المواقع الإباحية"، إلاّ أنّ البرلمان لم يشرع القانون، ولم يناقش أو يصوت عليه.[14]
في نهاية عام 2022، وجهت الياسري بحجب المواقع الإباحية في العراق، باستثناء إقليم كردستان.[15]
وفي عام 2023، وجهت المحكمة الاتحادية العليا، بإلزام الجهات المعنية، بحجب المواقع الإلكترونية والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر المواد الإباحية والمخلة بالآداب و المسيئة للأديان والمعتقدات والأشخاص في البلاد.[16]
الاستجواب يقترب
وتأتي خطوة الوزارة بحجب مواقع لا تتضمن محتوى إباحي، بالتزامن مع حراك مستمر لاستجواب الوزيرة هيام الياسري في مجلس النواب، إذ أكّدت رئيسة لجنة النقل والاتصالات النائب زهرة البجاري[17]، إنها "أكملت أغلب الإجراءات الخاصة بالاستجواب وقدمت طلبًا إلى رئيس البرلمان معزز بموافقة النواب لاستجواب الوزيرة، وبالتالي نقل الطلب إلى لجنة تدقيق الاستجوابات، لتعود بعدها إلى رئيس المجلس لتحديد موعد الاستجواب".
وتقول البجاري، إن "الوزير لا تقدم معلومات حقيقية للإعلام، وهناك تفاوت بين كلامها والحقيقة، كما أن الوزارة تعمل بلا قانون".