مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

بعد مطالبة وزير ورجل أعمال بزيادة عدد ساعات العمل كيف يؤدي الإفراط في العمل إلى الوفاة وتراجع معدلات النمو الاقتصادي؟

بعد مطالبة وزير ورجل أعمال بزيادة عدد ساعات العمل
كيف يؤدي الإفراط في العمل إلى الوفاة
وتراجع معدلات النمو الاقتصادي؟
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

على مدار الأيام الماضية، أدلى وزير حكومي ورجل أعمال مصري بمطالبات لزيادة عدد ساعات العمل اليومية، وذلك في إطار الحديث عن تطوير وبناء الذات وتنمية الاقتصاد، إذ قال وزير التربية والتعليم للخريجين في حفل مدرسة "ظهر" للتكنولوجيا التطبيقية: "الخمس سنين اللي جايين متخليش بالك من صحتك، خلي بالك من شغلك.. شغل 16 ساعة في اليوم ده قليل". قبلها، ظهر رجل الأعمال المصري، محمد فاروق، رئيس مجلس إدارة مجموعة "موبيكا"، في بودكاست حكاية مدير، وهو يقول: "كل الدول اللي عملت توازن بين العمل والحياة راحت في ستين داهية.. بنادي بالعمل لـ12 ساعة يوميًا لـ6 أيام في الأسبوع.. التوازن بين العمل والحياة ده غلط تام". تلك التصريحات تخالف قانون العمل المصري والمواثيق الدولية، الذي يُقصر ساعات العمل على 8 ساعات يوميًا أو 48 ساعة في الأسبوع. كما أنها أيضًا تخالف الدراسات العلمية، إذ أظهرت دراسات موثوقة من منظمتي الصحة العالمية والعمل الدولية، إن الإفراط في عدد ساعات العمل، يعرض حياة الإنسان لخطر الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية وصولًا للوفاة، كما يُقلل إنتاجية الفرد وإنتاجية المؤسسة بالتبعية ويهدد النمو الاقتصادي للدول.

دحض الإدعاء

ما هو الإفراط في العمل؟ -قدرت منظمتا "العمل الدولية" و"الصحة العالمية" الإفراط في العمل على أنه العمل لأكثر من 55 ساعة في الأسبوع، أي 11 ساعة في اليوم على مدار 5 أيام أسبوعيًا. (1) -ظهر الإفراط في العمل مع الثورة الصناعية. وأوضحت أستاذة السلوك التنظيمي والقيادة في جامعة أكسفورد سالي مايتليس، لبي بي سي في العام 2021: "عزز الدافع إلى الكفاءة، الذي نشأ نتيجة الثورة الصناعية، وكذلك الطريقة التي نقيّم بها الإنتاجية، قيمة العمل الشاق المستمر، وغالبًا على حساب رفاهية الشخص". (2) ما هي مخاطر الإفراط في العمل على الحياة؟ -في عام 2021، أصدرت منظمتا "الصحة العالمية" و"العمل الدولية" دراسة تتناول المخاطر الصحية الناجمة عن الإفراط في العمل. -ووجدت الدراسة أن العمل لساعات طويلة، أي أكثر من 55 ساعة في الأسبوع، كان مسؤولًا عن 745 ألف حالة وفاة بسبب السكتة الدماغية وأمراض القلب في عام 2016، بزيادة قدرها 29% عن عام 2000. -وقدّرت منظمتا "العمل الدولية" و"الصحة العالمية"، أنه جراء العمل أكثر من 55 ساعة أسبوعيًا في العام 2016، لقى 398 ألف شخص مصرعه بسبب السكتة الدماغية، ولقى 347 ألف شخص مصرعه بسبب مرض القلب الإقفاري. -وفي الفترة بين عامي 2000 و2016، سجل عدد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب بسبب العمل ساعات طويلة زيادة بنسبة 42%، كما سجل عدد الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية بسبب العمل ساعات طويلة زيادة بنسبة 19%. -كما خلصت الدراسة، إلى أن العمل 55 ساعة أو أكثر أسبوعيًا، يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة بما يُقدّر بنسبة 35%، وبزيادة خطر الوفاة بسبب مرض القلب الإقفاري بنسبة 17%، مقارنة بالعمل 35-40 ساعة أسبوعيًا. -وقالت منظمة الصحة العالمية في تقريرها، إنه "قد أصبح ثابتًا الآن أن العمل ساعات طويلة مسؤول عن حوالي ثلث إجمالي العبء التقديري للأمراض المرتبطة بالعمل، مما يجعله عامل الخطر المنطوي على أعلى عبء للأمراض المهنية". -كما أضافت أن تزايد عدد الأشخاص الذين يعملون ساعات طويلة ويشكّل- وقت الدراسة- نسبة 9% من مجموع السكان عالميًا، يعرض المزيد من الناس لمخاطر الإصابة بالعجز والوفاة المبكرة المرتبطة بالعمل. هل الإفراط في العمل يزيد الإنتاجية؟ -في يناير 2023، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا استنتجت فيه أن ساعات العمل الأطول ترتبط عمومًا بانخفاض إنتاجية وحدة العمل، بينما ترتبط ساعات العمل الأقصر بإنتاجية أعلى. (3) -وتشير تقديرات لمنظمة الصحة العالمية، في تقرير لها في سبتمبر 2022، إلى ضياع نحو 12 مليار يوم عمل سنويًا بسبب الاكتئاب والقلق، ممّا يكلف الاقتصاد العالمي مبلغ تريليون دولار أمريكي تقريبًا. (4) -كما استنتجت الأمم المتحدة أن خطط العمل الشاملة ذات الوقت القصير مع أعلى البدلات الممكنة لا تحافظ على العمالة فحسب، بل تحافظ أيضا على القوة الشرائية وتخلق إمكانية التخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية. -وأن قوانين ولوائح أوقات العمل بشأن الحد الأقصى لساعات العمل اليومية وفترات الراحة القانونية هي إنجازات تساهم في صحة المجتمع ورفاهه على المدى الطويل. -كما خلصت منظمة العمل الدولية إلى أن نمو الإنتاجية والنمو الاقتصادي يرتبط بشكل وثيق بظروف العمل اللائقة، وفي القلب منها تقليل عدد ساعات العمل. (5) -وذكرت منظمة العمل الدولية إن العلاقة بين الإنتاجية والعمل اللائق تشكل عاملًا رئيسيًا في المناقشات حول تحسين مستويات المعيشة والنمو الاقتصادي. -كما خلصت المنظمة إلى أن تقليل ساعات العمل يساهم بدوره في نمو الإنتاجية. وبالنسبة للمؤسسات، تؤدي مكاسب الإنتاجية إلى انخفاض تكاليف الإنتاج، مما يزيد الأرباح. -وعندما تنعكس التكاليف المخفضة في انخفاض الأسعار، فإن هذا يعود بالنفع على المستهلكين، ويمكن أن يعزز موقف المؤسسات في السوق. -وأخيرًا، فإن المؤسسات التي تقدم وظائف أفضل من المتوسط، ​​والتي تستثمر في المهارات، والاحتفاظ بعمالها ورفاهيتهم على المدى الطويل، تحقق أيضًا إنتاجية أعلى من المتوسط، والذي يساهم بدوره في النمو الاقتصادي. التوازن بين العمل والحياة.. أجندة الاقتصادات الكبرى -أفضل 10 دول في تحقيق التوازن بين العمل والحياة، وهم إيطاليا والدنمارك والنرويج وإسبانيا وهولندا وفرنسا والسويد وألمانيا وروسيا وبلجيكا، بحسب ما نقلت بي بي سي في مارس الماضي عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من أكبر الاقتصادات العالمية. (6) -على سبيل المثال يقضي الموظفون بدوام كامل في إيطاليا نحو 69% من يومهم- 16.5 ساعة- في الرعاية الشخصية والترفيه، وهذا يزيد بنحو ساعة ونصف عن المتوسط ​​في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي بذلك أكثر الدول التي يتمتع فيها الناس بأكبر قدر من وقت الفراغ في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. -وفي العام 2023 جاءت إيطاليا الثامن عالميًا في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية وفقًا لقيمة الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. (7) -كما يتمتع الأشخاص في فرنسا بـ16.2 ساعة يوميًا للوقت الشخصي والترفيهي، في المرتبة الثانية بعد إيطاليا. -وفي العام 2023 جاءت فرنسا السابع عالميًا في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية وفقًا لقيمة الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. قانون العمل المصري.. 8 ساعات يوميًا -وعلاوة على الآثار الصحية والاقتصادية السلبية لزيادة عدد ساعات العمل، فإن المطالبات بزيادة عدد ساعات العمل تتناقض مع فلسفة قانون العمل المصري الساري، والذي يُقصر ساعات العمل على 8 ساعات يوميًا أو 48 ساعة في الأسبوع. -وتنص المادة 80 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أنه "لا يجوز تشغيل العامل تشغيلًا فعليًا أكثر من 8 ساعات في اليوم أو 48 ساعة في الأسبوع، ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة". (8) -كما تنص المادة نفسها على أنه "يجوز بقرار من الوزير المختص تخفيض الحد الأقصى لساعات العمل لبعض فئات العمال أو فى بعض الصناعات أو الأعمال التي يحددها"، ولا يوجد ما يعطيه الحق لزيادة تلك الساعات كاستثناء لأي من كان. -كما نص مشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة لمجلس النواب، على الأمر نفسه بأنه "لا يجوز تشغيل العامل تشغيلًا فعليًا أكثر من 8 ساعات فى اليوم، أو 48 ساعة على مدار الأسبوع، ولا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام والراحة". (9) -غير أن الواقع يعرف فلسفة أخرى، فمع سوء الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، وبخاصة في السنوات الأخيرة، أصبح ملايين المصريين مضطرين للعمل في وظيفتين أو أكثر، لتلبية حاجات المعيشة، والذي يجعل العمل لثماني ساعات رفاهية لا يقدر عليها السواد الأعظم من المصريين. مقترحات الأمم المتحدة -تدعو الأمم المتحدة الدول المنضوية تحت لوائها إلى اتباع سياسات تُشجع على تخفيض ساعات العمل، لتعزيز التوازن الصحي بين العمل وتحسين الإنتاجية، والذي تراه ضروري للفرد وللمؤسسة وللمجتمع ككل. -كما تشجع على سياسة العمل عن بعد، والذي يخلق مجالًا جديدا لاستقلالية الموظف، مع تشجيع سياسات ما يسمى بـ"الحق في قطع الاتصال" عن العمل، للفصل بين الحياة العملية والشخصية له.