مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

وفاة "بدون تصريح" صحيح مصر يكشف كواليس وفاة حجاج بيت الله شهود عيان: السعودية تمنع الخدمات عن الحجاج المخالفين وسقوط 658 مصري على الأقل

وفاة "بدون تصريح" 
صحيح مصر يكشف كواليس وفاة حجاج بيت الله 
شهود عيان: السعودية تمنع الخدمات عن الحجاج المخالفين وسقوط 658 مصري على الأقل
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

"أنا تعبانة وشكلي مش هقدر أكمل" كان هذا آخر ما قالته الحاجة عصمت بعد أن سارت على قدميها لمسافة طويلة، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بالقرب من مسجد نمرة في عرفات، خلال أداءها مناسك الحج، وفقا لما حكاه ابنها لصحيح مصر. لقي أكثر من ألف حاج على الأقل مصرعهم بسبب الطقس الحار، من بينهم 658 حاج مصريّ على الأقل، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية. وتعد هذه الحصيلة من الوفيات هي الأكبر خلال موسم الحج منذ عام 2015، حيث قتل أكثر من 2000 حاج بسبب التدافع. نشرت هذه التصريحات بالتزامن مع ظهور منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي حول فقدان عشرات الحجيج، قبل العثور على جثامينهم في مستشفيات مكة. -تحدث صحيح مصر إلى 4 حجاج أدوا مناسك الحج بشكل غير رسمي، وقالوا "إن إجراءات السلطات السعودية للحد من الحج بدون تصريح، وتقليص الخدمات المقدمة لهم، ساهمت بشكل غير مباشر في هذه الوفيات".

دحض الإدعاء

** الوفيات بين الحجاج غير الرسميين -بحسب شهود العيان، معظم الوفيات وقعت بين الحجاج غير الرسميين بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تراوحت في أيام الحج بين 48 و 52 تقريبا. وتتكرر ظاهرة الحج بشكل غير رسمي كل عام، إذ يدخل البعض بتأشيرات سياحية أو تأشيرات زيارة، دون الحصول على تصاريح الحج. -تضمن تصاريح الحج مكانا للحجاج في مخيمات الحجيج في عرفة ومنى، ومقاعد محجوزة مسبقا في وسائل المواصلات. أما "حجاج الزيارة" فعادة ما يركبون مواصلات خاصة غير محجوزة مسبقا، اعتادت على نقلهم مقابل مبلغ معين في كل رحلة. -في بداية موسم الحج أطلقت السلطات السعودية حملة " لا حج بدون تصريح" في محاولة للحد من هذه الظاهرة. وفي إطار الحملة، قبضت على نحو 250 ألف شخص، وأبعدتهم عن مكة. -وفي اللحظات الأخيرة وقبل بداية يوم عرفة، سمحت السلطات للحجاج غير الرسميين بدخول المناسك، لكن دون السماح لأي وسائل مواصلات بحملهم، وفقا لـ4 حجاج تحدثو لصحيح مصر. ترجلت الحاجة عصمت لمسافة 20 كيلومترا، قبل أن تسقط مغشيا عليها. فحصها أحد الأطباء الذي تصادف وجوده في المكان، لكنه لم يتمكن من إنقاذها. يقول ابنها إن "المسافة التي قطعتا تحت الشمس، كانت كفيلة بالقضاء عليها" ويستطرد: "لو ماكنوش مشوا المسافة دي كلها، يمكن كانوا زمانهم عايشين دلوقت". تجربة مشابهة يحكيها محمد، الذي أصيب والده بضربه شمس في نفس المنطقة قرب الظهر. استغرق الإسعاف نحو ساعة ليصل إليه. وظل أفراد أسرته يبحثون عنه في المستشفيات المختلفة لمدة 3 أيام، قبل أن يعلموا بوفاته عبر "بوست على فيس بوك". كيف كان لتنظيم الحج هذا العام دور في ارتفاع عدد الوفيات؟ تعتبر هدى -اسم مستعار- نفسها محظوظة لأنها لم تمت بسبب الحر الشديد بعدما أصيبت بضربة شمس وشعرت بضيق في التنفس خلال ذلك اليوم. -تقول المرأة الخمسينية هدى، إنها اضطرت للمشي لمدة 12 ساعة صباح يوم عرفة -تخللها استراحات طويلة- من مقر إقامتها في حي العزيزية وسط مكة إلى منطقة جبل عرفات، لأداء الركن الأهم في الحج. -لم تطلب المساعدة الطبية خوفا من توقيفها أمنيا، حيث تحج بدون تصريح. -في هذه الأثناء، كان عمرو -تاجر أربعيني- أكثر حظا، حيث وجد أوتوبيسا وافق على نقله من العزيزية باتجاه عرفات، مقابل 600 ريال للفرد (نحو 7600 آلاف جنيه). يقول "نحن الوحيدين الذين وجدنا مواصلة. أعرف كثيرين قاموا بحجز باصات تقلهم للمشاعر قبل ساعات من بداية الرحلة، مقابل مبالغ تتجاوزا ألفي ريال للفرد، وعندما حان وقت تحرك الباصات، لم يتمكنوا من الوصول إليها". استغرق عمرو نحو ساعة في الطريق، لكن السائق لم يتمكن من دخول المشاعر، وأوصلهم لمكان يتجاوز عرفات بنحو 8 كيلومترات. طوال هذه المسافة، تنواب مع صديقه لدفع كرسي متحرك يحمل والدة صديقه السبعينية حتى وصلوا مسجد نمرة في عرفات، حيث الأجواء مكيفة داخل المسجد التي تلقى منه الخطبة الرسمية للحج. -كان مسجد نمرة ملاذ الآلاف من حجاج الزيارة، كما يقول أحمد، وهو حاج مصري في الخامسة والستين من عمره، ليحتمي من الشمس. -قبل دقائق من وصوله، رأي أحمد عشرات المصابين بضربات شمس، لم يكونوا محظوظين كفاية للوصول للمسجد، أحدهم كان مسنا مريضا بالقلب. -حاول مرافقوا هذا المسن إنعاشه قلبه ورئتيه بطريقة يدوية، لكنه لم يبد استجابه. لا يعرف أحمد إن كان هذا الرجل قد بقي حيا أم لا. يقول "المشي لساعات طويلة تحت الشمس كان الاختيار الوحيد. بدأ الناس رحلتهم في نصف الليل، ووصلو عرفات ظهرا، وقد بلغت درجات الحرارة ذروتها. لم ننم في الليلة السابقة. عندما وصلت مسجد نمرة كنا قد أوشكنا على الانهيار". -ظلت هذه المشكلة قائمة في الأيام التالية. في طريقتها من عرفات إلى نمرة، تمكنت هدى من ركوب أوتوبيس، بعد ما توسلت ابنتها سلمى- اسم مستعار- ذات العشرين عاما لسائق أحد الباصات لالسماح لها بالركوب، نظرا لكونها مجهدة ولا تستطيع المشي. -تقول هدى "في العام الماضي جائت أختى للحج بنفس الطريقة وكانت المواصلات متوفرة لمن يحجون خارج الحملة الرسمية، لكن يبدو أن هناك تعليمات رسمية لمنع الخدمات عن الحجيج غير النظاميين هذا العام". -وفقا لأحمد، رفض سائقوا الأتوبيسات عدة مرات السماح له بالركوب معهم، رغم أن الأتوبيس كان خاليا من الركاب، بحجة أن الباصات مخصصة لفوج معين من الحجاج الرسميين". تحدثت صحيح مصر إلى شخصين آخرين، ذهبا للحج العام الماضي بطريقة غير رسمية، وقالا إن المواصلات من الأحياء السكنية في مكة إلى عرفات، ومن عرفات إلى باقي المشاعر كانت متوفرة معظم الوقت، وترواحت أسعارها بين 50 و 200 ريال. وقال أحدهم "صحيح أن الباصات لم تكن موجودة طوال الوقت، لكنك في النهاية كنت تجد مواصلة بعد بحث وانتظار ليس طويلا". الإسعاف تتأخر والمستشفى ترفض استقبال المصابين -قضت هدى ليلة العاشر من ذي الحجة في مزدلفة، وعندما جاء الصباح لم تجد مواصلة تقلها إلى منطقة رمي الجمرات في منى، التي تبعد نحو 7 كيلومترات. اضطرت للمشي تحت أشعة الشمس، لكنها هذه المرة شعرت بضيق في التنفس وكادت أن تفقد الوعي، فاتصلت بالإسعاف، لكن أحدا لم يأت أحد لنجدتها في الحال. -طلب أحد الجنود من سائق أحد الباصات نقلها إلى مستشفى الطوارئ بمنى فوافق. تقول سلمي "وبينما كانت في الطريق، تلقيت اتصالا من الإسعاف، لكنني لم أتمكن من سمعاهم، وكنا قد غادرنا المكان على أي حال". عندما وصلت، رفض أمن المستشفى دخولها لأنها لا تحمل تصريحا للحج. -يوم الأحد الماضي، أي أول أيام العيد واليوم التالي لوقفة عرفات، أعلنت وزارة الصحة السعودية تسجيل 2764 حالة إصابة بالإجهاد الحراري، بسبب ارتفاع درجات الحرارة بالمشاعر المقدسة والتعرض للشمس". - لكن يبدو أن أعداد المصابين كانت أكبر بكثير من هذا الإحصاء، وفقا للشهود الذين تحدثت معهم صحيح مصر. وبينما يلقى حجاج غير رسميين باللوم على ما يسمونه "سوء التنظيم ومنعهم من ركوب المواصلات"، يحملهم آخرون مسؤولية ما حدث. - مسؤول مصري يشرف على بعثة الحج المصرية قال لوكالة الأنباء الفرنسية "الحجاج غير النظاميين تسببوا في فوضى كبيرة في مخيمات الحجاج المصريين ما تسبب في انهيار الخدمات". وقال أيضا إن "الحجاج ظلوا لفترة طويلة دون أكل أو مياه أو مكيفات" مضيفا أنهم توفوا بسبب "الحر لأن ليس لهم مكان" يؤويهم. -يوافق 3 ممن تحدثنا إليهم على حج الزيارة مخاطرة كبيرة، وينصحون بعدم تكرار تجربتهم. لكنهم في الوقت نفسه، يتمنون أن تتم مواجهة الحج غير النظامي "بطريقة لا تساهم في موتهم".