مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
فضلّت منال "اسم مستعار"، عقب تخرجها من قسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب، قبل نحو 10 أعوام، الالتحاق بإحدى الوظائف الإدارية بإدارة شبرا التعليمية، عن التعيين كمعلمة رفقة زميلاتها من نفس الدفعة لمادة الحاسب الآلي بالمدارس الحكومية.
وتقول منال التي جاوزت الـ30 من عمرها حاليًا، إنها اتجهت للوظيفة الإدارية اقتناعًا بأنها أقل جهدًا وأكثر ربحًا من التحاقها بسلك التدريس، ذلك أن مهمتها تقتصر على مراجعة البيانات الواردة من المدارس داخل الإدارة التعليمية بشبرا، فيما تحصل على راتب أعلى من كل زميلات دفعتها.
منال التي تحولت في عام 2016 من صفة إدارة متعاقد إلى إداري دائم بعد تطبيق قانون الخدمة المدنية في نفس العام، واحدة من بين أكثر من 817 ألف أنثى يعملن في وظائف بوزارة التربية والتعليم، وفقًا للكتاب الإحصائي للعام الدراسي الحالي 2023/ 2024.
صنف الكتاب الإحصائي وظائف التربية والتعليم لخمس أنواع، كانت للسيدات نصيب الأسد فيهن، إذ شغلّن نسبة 65% من إجمالي وظائف الوزارة البالغة مليون و348 ألف و191 وظيفة، مقابل 35% للذكور.
دحض الإدعاء
** لا عدالة في توزيع الرواتب
لكن ورغم تفوق السيدات في أعداد العاملين داخل وظائف التربية والتعليم، تظل رواتبهم الأقل مقارنة بالذكور؛ إذ تُشير نشرة إحصاءات التوظف والأجور وساعات العمل الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء في العام 2022 إلى حصول الذكور العاملين في مجال التعليم على متوسط رواتب يبلغ 2943 جنيهًا، مقابل متوسط 2500 جنيهًا للإناث.
ولا تعكس نشرة الإحصاء الرواتب الحالية للعاملات والعاملين في مجال التعليم بعد زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف جنيه بداية من شهر مارس الماضي. كما تُشير النشرة إلى متوسط عمل الإناث بمجال التعليم تصل إلى نحو 173 ساعة شهريًا بمتوسط 7.8 ساعة يوميًا، مقارنة 8.3 ساعة أسبوعيًا للذكور.
** الوظائف الإدارية مربحة أكثر
بعد 10 سنوات، بلغ متوسط راتب منال بالإدارة التعليمية نحو 4500 جنيه مع 7 ساعات عمل، مقارنة برواتب زميلاتها المعلمات اللاتي سلّكن طريق التدريس البالغة 3 آلاف جنيه وبالكاد قد يصل إلى 3500 جنيه مع 8 ساعات عمل إذ حصلّن على أموال المجاميع الدراسية.
وتقول منال :" مفيش مستقبل للمدرس اللي شغال في الحكومة، أقل مدرس بيشيل حصتين وتلاتة في اليوم.. وفلوس المجاميع يدوب المدرس بيحصل على 50 جنيه أسبوعيًا من كل مجموعة دراسة، رغم أن الطالب الواحد بيدفع للمدرسة 300 جنيه شهريًا لأنه بياخد أكتر من مجموعة ويتراوح عدد المجموعة بين 20 إلى 25 طالب".
المجموعات المدرسية، أو كما تطلق عليها الوزارة حاليا مجموعات الدعم المدرسي، هى أشبه بدروس خاصة تتم داخل المدرسة عقب نهاية اليوم الدراسي للطلاب بمقابل مادي، وبُمدرسين من المدرسة أو يجوز للمدرسة الاستعانة بغير العاملين في التربية والتعليم من المتخصصين، بمقابل مادي يدفعه الطالب بحد أدني 20 جنيه وبحد أقصى 100 جنيه
ولاتتوقف مكاسب منال فقط على راتبها الذي يزيد بنحو 30% عن رواتب زميلاتها من المعلمات؛ لكنها تقدمت درجات وظيفية في سلم الكادر الإداري على عكس باقي زميلاتها اللاتي مازلن قابعين في وظائفهن بالمدارس.
وتتوزع الوظائف النسائية داخل وزارة التربية والتعليم على 5 قطاعات، كان نصيب الأسد منها للمُعلمات الإناث بنسبة 63 % تقريبا، إذ بلغ عددهن نحو 587 ألف و233 معلمة، من إجمالي 922 ألف و628 ألف معلم "أنثى وذكر"، على ذمة التربية والتعليم، وتتوزع كل تلك الوظائف بين مُعلم دائم ومعلم متعاقد بالحصة.
فيما جاء قطاع الإداريون سواء بالتعيين أو التعاقد في المرتبة الثانية بأكثر من 106 ألف وظيفة للإناث، والباقيات توزعن على قطاعات " العمالة - الاخصائيين - الإدارة المدرسية".
** تمييز جندري لصالح الذكور
رغم استحواذ المعلمات على الأغلبية من الوظائف داخل قطاع التعليم ما قبل الجامعي بنسبة تقدر بنحو 62.6%، بينما المعلمون الذكور نسبة 37.3%؛ إلا أن المعلمات لايحصدن نسبة كبيرة من وظائف القيادة بالإدارات المدرسية، إذ يستحوذ الذكور على نسبة 55.1% من الإدارات المدرسية، بينما الإناث على نسبة 44.9%، وهو ما يعدّ خللاً هيكليًا وتمييز جندريًا لصالح الذكور، يستوجب البحث عن أسبابه ومعالجته، وفقًا لدراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية صادرة في مارس الماضي.
** قضية الـ30 ألف معلم
في يناير 2022 وجه رئيس الجمهورية ، بتعيين 150 الف مُعلم مُقسمين على 5 سنوات، لسد العجز الذي كشفه وزير التعليم باحتياجه سنويا لـ20 ألف مُعلم، لتنطلق على إثرها مسابقة حملت إسم " الـ30 مُعلم"، مسابقة قدرت الحكومة في موازنتها الحالية 2023 \ 2024 راتب الفائز فيها بـ3.800 جنيه شهريا فقط، أى بمعدل 190 جنيه يوميًا.
لكن في أكتوبر 2023 أعلنت وزارة التعليم فوز فقط 14 ألف مُعلم في المسابقة واستبعاد مثلهم بسبب عدم عبورهم الاختبارات البدنية التي أقيمت بالكلية الحربية بالقاهرة من بينهم " أسماء" - اسم مستعار- والتي استبعدت بسبب كونها حامل في شهرها الأول.
أسماء إحدى من وكلن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في دعوى قضائية حُركت في القضاء الإداري في ديسمبر الماضي للتظلم على قرار رسوبها في اختبارات اللياقة البدنية لمسابقة الـ30 ألف مُعلم.
تقول أسماء لـ" صحيح مصر": "الاختبارات كانت 3 مراحل، أول مرحلة الكشف الطبي العادي جوة الكلية الحربية ودة الحوامل خدوا اعفاء منها، ودخلنا للمرحلة الثانية اللي كانت تدريبات اللياقة جرى ووثب وضغط، وقلت وقتها للجنة إنى حامل في شهور خطر قالي حاولي، فعملت تمشية مش جري، لكن وقعت".
وتُضيف أسماء، أنه على الرغم من تقديمها كل التقارير الطبية التي تُفيد بحملي في الشهر الأول، وحصولها على الدرجات الكاملة في كل الاختبارات النظرية داخل الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة؛ إلا أنه لم يقع عليها الاختيار رفقة الـ14 ألف معلم أخرين.
وتختم أسماء حديثها بأنها حاليًا تنتظر نتيجة القضية المرفوعة ضد وزير التربية والتعليم.. "حقي أحصل على وظيفة".