مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

تجربة زراعة البن في مصر حقيقة التقارير الصحفية عن نجاح التجربة والاستغناء عن الاستيراد

تجربة زراعة البن في مصر
حقيقة التقارير الصحفية عن نجاح التجربة والاستغناء عن الاستيراد
Saheeh Masr

الكاتب

Saheeh Masr
nan

الإدعاء

على مدار أيام ماضية، نشرت صحف ومواقع تقارير متضاربة حول موقف تجربة زراعة البُن في مصر، ما بين الإعلان أن مصر نجحت فعليًا في زراعة البن بالقناطر الخيرية بـإنتاجية بلغت 1.5 طن للفدان، فيما كذب ذلك آخرون. "صحيح مصر" في يرصد في هذا التقرير تاريخ محاولة زراعة البن في مصر، وموقف التجربة الحالية.

دحض الإدعاء

تزرع أشجار البن في البلدان القريبة من خط الاستواء، حيث المناخ الملائم للإثمار. وتعد البرازيل أكثر الدول إنتاجًا لمحصول القهوة حول العالم، وتأتي بعدها عدة دول أخرى مثل إثيوبيا والهند وفيتنام، وكولومبيا، وإندونيسيا. بحسب نشرة التجارية السنوية لعام 2022، تبلغ إجمالي واردات مصر من البن نحو 485 مليون دولار. ** هل نجحت التجربة الحالية لزراعة البن في مصر؟ = بحسب ثلاثة مصادر داخل مركز البحوث الزراعية، منهم أستاذ متخصص في البن في معهد بحوث البساتين، وهو أيضًا أحد المشاركين في التجربة: "لا يمكن حتى الآن الجزم بنجاح التجربة أو فشلها، ولا يمكن الإجابة على سؤال: هل نجحت التجربة؟ سواء بلا أو بنعم، إذ أن التجربة لم تنته بشكل كاملًا، ومازالت الأبحاث مستمرة". = بدأت التجربة الحالية لتوطين زراعة البن في مصر العام الماضي 2023، بعدما أصدر وزير الزراعة الحالي السيد القصير، توجيهًا في العام 2022، بإعادة الأبحاث على كافة المحاصيل الاستوائية، لمحاولة زراعتها في مصر، في ظل التغيرات المناخية التي طرأت على الأجواء المصرية، وليس البن وحده، ولكن أيضًا الشاي وغيرها من المحاصيل البلدان القريبة من خط الاستواء. = فيما يقول أستاذ بمعهد بحوث البساتين، وهو أحد المراكز البحثية المنبثقة عن مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، إن زراعة الُبن في مصر مجرد تجربة مُكررة منذ التسعينيات، لم تؤت ثمارها، ولم تقدم جديدًا حتى الآن. ** تجربة مكررة في العام 1993، ظهرت فكرة زراعة البن في الأراضي المصرية، بعدما أهدت الحكومة اليمنية مصر 250 شتلة من أشجار البن "الروبستا"، وتلك الشتلات هي نواة التجربة البحثية التي استمرت منذ التسعينات وحتى العام الجاري 2024، أي أن تلك التجارب مستمرة على مدار 31 عامًا، ومرت بعدة إخفاقات قبل أن يعاد إحيائها في العام 2023. في التسعينات، بدأ مركز البحوث الزراعية تلك التجربة، عبر توزيع الشتلات اليمنية (250 شتلة) على 12 محطة بحثية موزعة بين المحافظات المصرية، تابعة للمركز، منهم -محطة القناطر الخيرية التي يعمل باحثوها على التجربة الجديدة- ولكن واجهت تلك الشتلات عدة عوائق منها عدم ملائمة الظروف المناخية والتربة لزراعتها، مما تسبب في موت أكثر نصف تلك الشتلات إذ تقلص عددها إلى نحو 120 شتلة. وفي العام 2005، أعاد مركز البحوث إحياء التجربة من جديد، وبدأ في تجميع قاعدة بيانات عن توطين زراعة البن، بداية من الإكثار وحتى الإثمار والحصاد، وعمل الباحثون على توفر بيئة مناسبة تسمح بإثمار الأشجار. يقول عضو قسم بحوث الفاكهة الاستوائية بمركز بحوث البساتين، إنه منذ العام 2005 كان هناك محاولات متواصلة داخل المحطات البحثية لمراكز بحوث البساتين لتهيئة أجواء قريبة من الأجواء المناخية المناسبة لزراعة البن عالميًا. وكان من بين تلك المحاولات زراعة الأشجار تحت ظلال أشجار أخرى عالية مثل شجر المانجو، أسوة بمناطق زراعتها في البلدان الاستوائية كثيفة الأشجار، كما عمل الباحثون على زراعتها تحت ظلال النخيل أيضًا لحماية أشجار البُن من أشعة الشمس، وهو ما سمح لأشجار البن بالإثمار بالفعل. وبين عامي 2016 و2019، أنتجت شجيرات المحطة البحثية في القناطر الخيرية ثمرات قهوة وصلت تقريبا إلى 7 كيلوجرام من الشجرة الواحد. ولكن هذا الإنتاج -حسب وصف أستاذ بمعهد بحوث البساتين- كان "غير جيد"، إذ أنتجت الأشجار ثمارًا مذاقها مختلفًا تمامًا عن المذاق المعتاد للبن والقهوة المعروفة: "طعم ملوش علاقة بالقهوة". لم تتحمل بقية الأشجار المناخ في مصر، ويقول: "أشجار البن لم تتحمل حرارة الشمس في مصر والجفاف"، ولم يتبق منها سوى 35 شجرة فقط، وقت إعادة إحياء التجربة في العام 2023. لماذا فشلت التجارب السابقة لزراعة البن؟ يعدد أستاذ في معهد البساتين، أسباب فشل التجارب السابقة، وفي مقدمتها صعوبة توفير مناخ استوائي مشابه لأماكن زراعة البن، والسبب الثاني والأبرز هو أن التربة في مصر غير مناسبة لإنتاج ثمار تحمل مذاق الكافيين المعتاد، إذ أن طعم مادة الكافيين شديد التأثر بنوع التربة. ويحتاج الكافيين في القهوة والشاي إلى تربة حمضية في حين أن التربة في مصر قلوية، لذلك قرر المركز في العام 2019 تأجيل مسألة تعميم زراعة البن في مصر، لحين محاولة إجراء مزيد من الدراسات مرة أخرى. ** ما هو المختلف في التجربة الحالية عن التجارب السابقة؟ يقول أستاذ يعمل في محطة القناطر الخيرية، القائمة على التجربة الحالية، إنه يجري حاليًا مراجعة أخطاء التجارب السابقة سواء في التسعينات أو في الألفينات، والتي كانت كلها قريبة وقاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى إنتاج ناجح بنسبة 100%. عضو آخر بقسم بحوث الفاكهة الاستوائية، يقول إن بعد توجيه وزير الزراعة بإعادة تجارب زراعة محاصيل الاستوائية في عام 2022، بدأ المركز في دراسة إمكانية تكوين التربة الحمضية المناسبة لتلك المحاصيل في مصر. ولكن حتى الآن -بحسب الباحث المشارك في التجارب- لا لم تُثمر تلك التجارب عن شئ، ويقول: "المسألة مش مضمون، ونجاحها في ظل المعطيات الحالية مشكوك فيه". فيما يقول، الأستاذ العامل بمحطة القناطر الخيرية، إن التجربة تجرى على عدد المحطات في عدة محافظات مختلفة، وليس في القناطر فقط، للوقوف على أكثر مكان مناسب لزراعة أشجار البن في الجمهورية. كما "نستخدم أسمدة جديدة مثل سماد مركب NPK، وذلك لتشجيع نمو الجذور والأزهار، وهذا أيضا لم يتسخدم في التجارب السابقة".