مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
في خضم الحرب على غزة، بدأت إسرائيل عملًا ممنهجًا لإعادة تخطيط غزة، بما يسمح لها بالسيطرة العسكرية على القطاع بعد انتهاء الحرب، وفقًا لخطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، التي قدمها لمجلس الحرب الإسرائيلي في فبراير الماضي.
⚠️ حلل صحيح مصر الأدلة البصرية من صور الأقمار الصناعية، وأظهرت أن التحركات الإسرائيلية التي بدأت منذ نوفمبر 2023 -أي قبل تقديم الخطة لمجلس الحرب بشهور- مستلهمة من خطة أخرى قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، قبل أكثر من 50 عامًا، وعرفت باسم "الأصابع الخمسة".
دحض الإدعاء
❓ ما هي الأصابع الخمسة وكيف تعيد إسرائيل إنتاجها في غزة مرة أخرى؟
◾ في العام 1971، قدم أرئيل شارون، قائد المنطقة الجنوبية بإسرائيل حينها، ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق، خطة عرفت بـ "الأصابع الخمسة" لإحكام السيطرة في قطاع غزة عبر تقسيمه بمشاريع بنى تحتية وكتل استيطانية على عدة محاور. وذلك لكسر اتصال التجمعات العربية على طول القطاع. [صورة 1]
◾ وحتى تكون أيضًا تلك المستوطنات ذريعة لتواجد عسكري وأمني إسرائيلي أكثر كثافة، إذ بلغ عدد المستوطنات الإسرائيلية وقتها نحو 21 مستوطنة، وذلك قبل إخلاء إسرائيل القطاع تنفيذًا لاتفاقية "فك الارتباط" عام 2005.
◾ طرح شارون الخطة في ظرف مشابه للعدوان الإسرائيلي الحالي على غزة، إذ بدأت إسرائيل حينها حملة عسكرية بقيادة شارون، الذي كان يعتقد في حينها أنّ التعامل مع غزة يستلزم تسوية شاملة عبر خمسة أصابع/محاور تمثل اليد الإسرائيلية التي ستخلق وضعًا جديدًا في القطاع.
❓ كيف تتشابه خطة شارون القديمة عام 1971 بما يحدث حاليًا في 2024؟
1️⃣ الإصبع الأول
◾ في عام 1971، ضم الإصبع الأول أقصى شمال القطاع بـ 3 مستوطنات تم إنشاؤها تباعًا، هي: إيلي سيناي ونيسانيت ودوجيت، بهدف أن تكون منطقة الشمال امتدادًا أمنيًا لمنطقة عسقلان المحتلة حتى حدود بلدة بيت حانون في شمال شرق القطاع.
◾ وفي 2023 و2024، ومع بدء العدوان الإسرائيلي الجاري وحتى قبل الاجتياح البرّي، بدأت إسرائيل قصف عدة مناطق بطول القطاع، وركّزت في الشمال على مناطق هي موقع مستوطنتي نيسانيت ودوجيت.
◾ ومن المناطق التي دمرتها إسرائيل في الأيام الأولى من العدوان مشروع الإسكان المصري (دار مصر) في بيت لاهيا، رغم أنه كان لا يزال قيد الإنشاء، ولم يكن مأهولًا بالسكان، لكنه يدخل ضمن حزام أراضي مستوطنة دوجيت التي تضمها الإصبع الأول. [صورة 2]
2️⃣ الإصبع الثاني
◾ في 1971، استهدفت إسرائيل الفصل بين مدينة غزة ودير البلح عبر ما عرف بمحور نتسريم. وأنشئت فيه مستوطنة نتسريم من أصل 3 مستوطنات خطط لإنشائها في ذلك المحور. واتصلت نتسريم بمستوطنة وقاعدة ناحال عوز، واستغلت موقعها وسط أكثر أراضي القطاع خصوبة لتكون سلة غذاء مستوطنات غزة وغلاف غزة.
◾ في 2023، وتحديدًا في الأسبوع الثاني من الاجتياح البري، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة جحر الديك الواقعة شرقي وادي غزة، في منتصف الطريق بين مدينة غزة ومحافظة دير البلح، وخاضت معارك ضارية مع المقاومة للسيطرة عليها. [صورة 3]
◾ تعد جحر الديك ووادي غزة من أكثر مناطق القطاع خصوبة. وهناك في غرب الوادي أقامت إسرائيل سابقًا مستوطنة نتسريم التي كانت بمثابة سلة الغذاء لبقية مستوطنات غزة وغلافها.
◾ وخلال الأسبوع الأول من نوفمبر 2023، بدأ الاحتلال بشق طريق من جحر الديك شرقًا وعلى خط مستقيم إلى شاطئ غزة غربًا، بالتوازي مع استمرار القصف في المناطق السكنية حول الطريق، خصوصًا مخيم الزيتون وحي الرمال، بحسب ما تُظهر صور الأقمار الصناعية ليومي 11 و16 نوفمبر 2023.
◾ مع اكتمال الطريق في الأسبوع الثاني من مارس 2024، كانت إسرائيل دمّرت وجرّفت حوله مساحة لا تقل عن 14 كيلومترًا مربعًا بين مخيمي الزيتون والنصيرات، وربطته بقاعدة ناحال عوز التي ضمت اللواء الشمالي الذي كان مسؤولًا عن توفير القوات العملياتية لفرقة جفن المتمركزة وسط غزة.
◾ وأنشأت قوات الاحتلال على الطريق موقع إمداد ملاصق لشارع الرشيد وعلى بعد حوالي 500 متر من الرصيف البحري الذي قالت الولايات المتحدة إنها قامت بإنشائه لاستقبال المساعدات بحرًا. كما أنشأت إسرائيل موقعًا آخر في منتصف الطريق بالقرب من تقاطعه مع شارع صلاح الدين.
3️⃣ الإصبع الثالث
◾ في 1971، قطعت قوات الاحتلال الاتصال بين دير البلح وخان يونس بمحور كيسوفيم وكتلة استيطانية ضمت مستوطنات مثل كفر دروم ونيتسر حزاني وجاني تال. ويُعد محور كيسوفيم امتدادًا للطريق الإسرائيلي 242 الذي يتصل بعدد من مستوطنات غلاف غزة على رأسها مستوطنة كيسوفيم.
◾ في 2023، وقبل استكمال شقّ طريق محور نتسريم، شقت القوات الإسرائيلية في ديسمبر 2023 محورًا يفصل بين محافظتي دير البلح وخان يونس، على نفس محور كيسوفيم قبل 2005، ودمّرت وجرّفت حوله مساحةً لا تقل عن 5 كيلومتر مربع، ثم ربطته عبر عملية تجريف واسعة بمحور آخر يُشظّي محافظة خان يونس، يبدأ من منطقة عبسان الصغيرة على حدود الخط الأخضر شرقًا. [صورة 4]
4️⃣ الإصبع الرابع
◾ في 1971، استهدفت قوات الاحتلال الفصل بين خان يونس ورفح من منطقة البيوك/النصر، وشقت محورًا عرف باسم صوفا، يُعد امتدادًا للطريق 240 الإسرائيلي. وشملت تلك الإصبع عدة مستوطنات ضمتها غوش قطيف أكبر الكتل الاستيطانية في القطاع، والتي كانت أيضًا الشريط الرابط بين الإصبعين الثالث والرابع.
◾ في 2024، شهدت خان يونس أكبر عملية تدمير وتجريف منذ بدء العدوان الإسرائيلي. ودمّر القصف وآلاف الأطنان من القنابل والمتفجرات أكثر من 52% من مباني المدينة. ووفقًا لتقديرات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، دمر الاحتلال خلال الفترة ما بين 7 يناير و29 فبراير 2024، أكثر من 12 ألفًا و200 مبنى في خان يونس. [صورة 5]
◾ صورة الأقمار الصناعية تؤكد تركيز عمليات التدمير والتجريف الإسرائيلية على مناطق تفصل بها بين التجمعات السكانية الأكبر في قطاع غزة، وخاصة جنوب قطاع غزة، تحديدًا في للفصل بين دير البلح وخان يونس، وهي التجمعات الحضارية التي ظهرت بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005.
◾ لم تكتف إسرائيل في عدوانها الجاري على فصل خان يونس عن دير البلح، وإنما عملت على تفتيت المدينة، وإنشاء محاور فرعية تخترقها من الشرق إلى الغرب، كما استهدفت أقصى شرق خان يونس عند حدود ما تسميه إسرائيل بـ"المنطقة العازلة".
◾ وما يعيق استكمال الخطة الإسرائيلية حتى اللحظة، وجود أكثر من 1.2 مليون نازح فلسطيني يتركزون في مناطق الإصبع الرابع وكتلة غوش قطيف، أي في رفح وجنوب وغرب خان يونس. ورغم الرفض الدولي لاجتياح رفح في ظل عدم وجود خطة واضحة للتعامل مع المليون نازح.
◾ إلا أن إسرائيل تستغل سيطرتها على معبر كرم أبو سالم لخلق جيب أقصى جنوب القطاع وفي أقرب نقطة من محور فيلادلفيا، إذ رصد صحيح مصر تجريف القوات الإسرائيلية لمساحة لا تقل عن 3 كيلومتر مربع شمال كرم أبو سالم.
5️⃣ الإصبع الخامس
◾ كانت تستقر إسرائيل في سيناء عام 1971، واستهدفت عبر خطتها القديمة قطع الاتصال الديموغرافي بين غزة والأراضي المصرية المحتلة عبر منطقة عازلة استيطانيًا وأمنيًا بمساحة 140 كيلومتر مربع في عمق سيناء. ودُمرت وجرّفت بسببها قرى وبلدات سيناوية في تلك المنطقة، وهُجّر ما لا يقل عن 5 آلاف مصري سيناوي وفقًا لتقديرات الجيش الإسرائيلي، و20 ألفًا بحسب تقديرات شيوخ القبائل في دعاويهم أمام المحكمة العليا الإسرائيلية حينها.
◾ وفي 2024، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد موجودًا في شبه جزيرة سيناء، ولكن هناك منطقة حدودية عازلة كبيرة في الجانب المصري حاليًا. [صورة 6]
🔴 بعد 7 أكتوبر.. أصابع إسرائيلية جديدة في غزة
◾ بعد انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005، استطاع نحو مليون و300 ألف فلسطيني كانوا محاصرين في مساحة لا تتجاوز 50% من مساحة القطاع، أن يتوسعوا بتجمعاتهم السكنية الأعلى كثافة على امتداد القطاع، وفي المحاور الأمنية/الاستيطانية. [صورة 7]
◾ وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي حللها صحيح مصر كيف توسعت حدود المدن والأحياء الفلسطينية على أراضي الأصابع الاستيطانية.
◾ ومنذ بدء العدوان الجاري على غزة، نفّذت قوات الاحتلال عمليات تدمير وتجريف واسعة لتقليص المساحة الحضرية لسكان غزة، مقابل إنشاء مساحات خالية تحيط بالقطاع من الشمال والشرق أي من جهة حدوده مع إسرائيل، وهي المساحات التي وصفها مسؤولون إسرائيليون على مدار شهور الحرب الجارية بـ"المنطقة العازلة". [صورة 8]
◾ وفي حين قال نتنياهو إن المنطقة العازلة ستكون بعمق نحو كيلومتر واحد داخل غزة، يؤكد تحليل صحيح مصر أنها تجاوزت تلك المسافة، وامتدت إلى عمق القطاع، وفي نفس مناطق الأصابع الخمسة في خطة شارون.
◾ وفي 28 يناير 2024، شارك 11 وزيرًا في حكومة نتنياهو، و15 عضو كنيست عن حزبه الليكود، بمؤتمر بعنوان "الاستيطان يجلب الأمان"، وعرضت في المؤتمر خطط تهجير قسري لسكان القطاع، وخريطة كبيرة لغزة ما بعد الحرب تقترح العودة بالقطاع إلى ما قبل 2005، كما كان المؤتمر فعاليةً لتسجيل الراغبين في استيطان القطاع في اليوم التالي للحرب. [صورة 9]