مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
(تحقيق- الحقيقة فين- اعرف- سين وجيم- تقارير- علشان محدش يضحك عليك- مدونة- والمواد المتشابهة في المنصات الشريكة)
الكاتب
Matsda2sh
** ناس كتير بعتت تسألنا عن قصة منتشرة على الإنترنت وبعض القنوات، بعد تحويل متحف "آيا صوفيا" لمسجد، وهل فعلًا السلطان محمد الفاتح اشترى الكنيسة من ماله الخاص؟
- على سبيل المثال، الشيخ محمد الصغير، قال من يومين في مداخلة هاتفية مع برنامج "ملفات" المذاع على قناة "مكملين"، في إطار تأييده للقرار التركي الأخير بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد "بما أن محمد بن مراد (الفاتح) اشترى هذه الأرض (أرض آيا صوفيا) ونص في وصيتها على أن تكون مكان للصلاة وأداء العبادة، فكأن هذا جاء بنص من الشريعة والقرآن والسنة".
** هنحاول في البوست ده نشرح الأمر باختصار.
* هل اشترى محمد الفاتح "آيا صوفيا"؟
- الكلام ده غير صحيح. لم يثبت تاريخيًا على الإطلاق أن السلطان العثماني محمد الفاتح اشترى الكنيسة.
- الغريب إن الرواية دي منتشرة عربيًا بكثافة، لكنها غير منتشرة في تركيا نفسها، اللي المسؤولين فيها بيقولوا إن تحويل "آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد أمر متعلق "بحقوق السيادة التركية"، مش لإن السلطان الفاتح "اشتراها".
- أبرز دليل على ده هو خطاب الرئيس التركي أردوغان نفسه بعد القرار، حيث سرد تاريخ المكان من وقت دخول العثمانيين لإسطنبول، ومقالش أي كلمة عن إن السلطان الفاتح اشترى "آيا صوفيا" من الرهبان، بل على عكس ده قال إن بعد سيطرة الفاتح على إسطنبول: "دخل آيا صوفيا، وغرس رايته كرمز للفتح في المكان الذي يوجد فيه المحراب، ورمي سهمًا باتجاه القبة، وصدح بأول أذان داخله، وهكذا سجل فتحه، وانتقل بعدها إلى أحد زوايا المعبد فسجد سجدة شكر ثم صلي ركعتين، وبتصرفه هذا يكشف عن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد". رئاسة الجمهورية التركية
- وفي موضع آخر من الخطاب قال كمان بوضوح: "عندما فتح السلطان محمد الفاتح إسطنبول، حصل أيضًا على لقب الإمبراطور الروماني، وبالتالي أصبح مالكًا للعقارات المسجلة باسم الأسرة البيزنطية، ووفقًا لهذا القانون، تم تسجيل آيا صوفيا باسم محمد الفاتح والوقف الذي أسسه".
- دليل آخر، هو تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الشهر الماضي، في مقابلة على قناة "NTV" التركية، واللي قال فيها إن "مسألة متحف آيا صوفيا هي قضية سيادة وطنية وليس قضية دولية على الإطلاق.. آيا صوفيا أصبحت ملكًا للعثمانيين عند فتحها على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، وتم تسجيلها في مؤسسة الفاتح عام 1462 على أنها مسجد"، يعني برضه مفيش أي ذكر لقصة الشراء بمال السلطان دي!
- أيضا معهد التفكر الإسلامي، اللي يترأسه الدكتور عمر فاروق قورقماز، المستشار السابق برئاسة الوزراء التركية، أصدر بيان عن الخلفيات التاريخية التفصيلية، وذكر ان السلطان محمد الفاتح أصدر عهد أمان أمّن فيه غير المسلمين على أنفسهم وأموالهم وممتلكاتهم ومعابدهم "مع استثناء واحد ألا وهو تحويل أيا صوفيا إلى جامع يؤدي الغاية السامية المذكورة أعلاه (العبادة) وأوقفه وتركه أمانة في أعناق أمتنا".. يعني برضه مفيش أي ذكر لقصة الشراء.
- وقبل كل ده أساسا القرار تم بناء على حكم مجلس الدولة التركي في القضية المرفوعة ببطلان قرار مجلس الوزراء في ١٩٣٤ بتحويل آيا صوفيا من مسجد إلى متحف، وكل أدلة القضية كانت جوانب قانونية وإدارية زي التشكيك في صحة توقيع أتاتورك وأنه لم يوقعه لكن اتزور، وأيضا عدم نشر القرار وقتها بالجريدة الرسمية.
لكن مفيش أي ذكر لمسألة الشراء، ولا اتقدمت الوثيقة دي ضمن القضية.
* يبقي إيه قصة الوثيقة المنتشرة بوسائل إعلام عربية باعتبارها عقد شراء "الفاتح" لـ"آيا صوفيا"؟
- الوثيقة المنتشرة بالتركية، هي مش عقد شراء ولا حاجة دي تسجيل لآيا صوفيا باسم السلطان الفاتح، وذلك باعتباره صاحب الوقف مش مشتري الأرض.
- الدكتور عبد الله معروف، أستاذ التاريخ بجامعة "إسطنبول 29 مايو" بيشرح الموضوع: "السلطان محمد الفاتح لم يشتر آيا صوفيا.. وكل ما يورده البعض بهذا الخصوص محض اختلاق وغير صحيح...! بل حولها لمسجد بناء على كونه صاحب السلطة الأعلى والسيادة الكاملة وباعتبارها رمزًا سياسيًا للإمبراطورية البيزنطية.. ولذلك فإن أي ادعاء بأن السلطان الفاتح اشترى هذا المكان هو ادعاء غير مقبول تاريخياً ولا يقوم على دليل".
- ويضيف معروف: "ولا يصح الادعاء أنه لأجل أن يصح الوقف كان لابد من افتراض شرائه المبنى.. فهو لا يحتاج إلى ذلك. مثال ذلك وقفية المماليك لقرية العوجا وقرية نويعمة في فلسطين على قبة الصخرة المشرفة، فالوقف تم دون الحاجة إلى (شراء) القريتين.. لأن الملك كان المتحكم في أملاك الدولة العامة".
- الدكتور معروف بيوضح أصل الأمر وبيقول: "ينفرد أحد الأكاديميين الأتراك بادعاء أن السلطان محمد الفاتح اشترى آيا صوفيا.. ويدعي أنه اكتشف وثيقةً تثبت البيع، ليتبين بعد التحري أن الوثيقة المعنية هي سند الطابو (عقد الملكية) الذي أصدرته الجمهورية التركية الحديثة عام 1936.. أي بعد تحويل أيا صوفيا إلى متحف، وعلى يد نفس الحكومة التي حولت المسجد إلى متحف!! وسند الطابو فيه تسجيل طبيعي لآيا صوفيا المسمى فيها (جامع أيا صوفيا الكبير الشريف) باسم السلطان محمد الفاتح، وذلك باعتباره الواقف لا المشتري..!
واعتماد ذلك الأكاديمي على سند الطابو في ادعائه بشراء آيا صوفيا جاء من فهمه الخاص لوثيقة الطابو، حيث اعتبر أن وثيقة الطابو تعني بالضرورة حصول بيع.. وهذا فهم العصر الحديث لا القديم، والأكاديميون لا يحفلون بكلامه في هذه النقطة لأنه طبق القوانين المعاصرة على حدث تاريخي قديم وهذا خطأ منهجي.!".