يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22 بالتعاون مع "مجتمع التحقق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصص يعتمد على البرمجيات لدعم منصات التحقق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصات التحقق إلكترونياً بمعايير تقنية موحدة ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول للحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
أثار اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، موجةً من المعلومات المضللة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي. فبعد تنفيذ العملية الإسرائيلية، انتشرت ادعاءات تفيد بسلامته وبأنه على قيد الحياة. لاحقاً، وبعد تأكيد حزب الله نبأ الاغتيال، استمرت المعلومات المضللة بما في ذلك صور عن مقتنيات مزعومة لنصرالله، علاوة على موجة تضليل بشأن ردود الأفعال المتعلقة بجريمة اغتياله.
تكذيب اغتيال نصرالله
عقب إعلان إسرائيل استهداف مقر قيادة حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، سادت حالة من التضارب حول سلامة الأمين العام للحزب، حسن نصرالله. كما انتشرت ادعاءات عن فرار قيادات من الحزب إلى خارج لبنان.
وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مرفقاً بصورة، مع ادعاء: "هروب القيادي في حزب الله اللبناني، مهندس الاتصالات ومدير عام وسائل الإعلام في الحزب، حسين باشا، إلى إسرائيل، مصطحباً معه وثائق سرية وخرائط تخص الحزب، بالإضافة إلى 5 ملايين دولار".
بحث المرصد الفلسطيني "تحقق" عن أصل الادعاء المتداول، وتوصل إلى أنه يعود إلى خبر قديم نشرته القناة السابعة الإسرائيلية عام 2012. وكشف فريق المرصد أن الصورة المنشورة تعود إلى المسؤول الإيراني محمد باقر ذو القادر، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي شغل سابقاً منصب نائب وزير الداخلية الإيراني للشؤون الأمنية، ولا علاقة لها بالقيادي في حزب الله حسين باشا.
كما راج منشور على مواقع التواصل الاجتماعي منسوب لمدير قناة الميادين، غسّان بن جدّو، يعلن فيه أن نصرالله "بخير ويتمتع بصحة جيدة"، وهو ما فنّدته منصة "صواب" اللبنانية التي بيّنت أن غسّان لا يملك أية حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم ينشر هكذا منشور.
وفندت المنصة بياناً متداولاً منسوباً لحزب الله، يتضمن نعياً لحسن نصرالله، مع إعلان عن بدء حرب شاملة " لا حدود لها" ضد إسرائيل. أوضحت المنصة أنه لم يصدر عن الحزب.
ادعاءات ما بعد تأكيد اغتيال نصرالله
بعد إعلان حزب الله مقتل أمينه العام، راجت العديد من الادعاءات الكاذبة بشأن العثور على مقتنياته، ومزاعم بشأن هوية منفّذ عملية الاغتيال. من ذلك أن تداولت عدة مواقع إلكترونية وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لخاتم مدمر، زاعمةً أنه يعود لنصرالله، في حين ادّعى آخرون أن هذه الصور لبعض مقتنياته التي عُثر عليها بعد اغتياله.
أجرت منصة "صحيح مصر" بحثاً عكسياً عن الصورة، أسفر عن أنها متداولة قبل اغتيال حسن نصرالله، وقد نُسبت سابقاً إلى عدد من قادة حزب الله وحماس والحرس الثوري الذين قُتلوا في حوادث مشابهة.
كما كشف تحقق منصة "الفاحص" العراقية عن الصورة، أنَّها قديمة ونُشرت من قبل صفحات ومواقع إخبارية، بعد اغتيال القيادي البارز في حركة النجباء طالب السعيدي، المعروف باسم "أبو تقوى". وتوصّلت منصة "صدق اليمنية" إلى النتيجة ذاتها عند تدقيقها في صورة الخاتم.
وحظيت صورة لامرأة تقود طائرة حربية برواج كبير على منصات التواصل الاجتماعي، إذ رافقها ادعاء بأنها هي من نفذت الاستهداف الإسرائيلي لنصرالله. استخدمت منصة "صواب" البحث العكسي، الذي أسفر عن أن الصورة تعود لجنى صادر، وهي أول لبنانية تقود طائرة حربية في الجيش اللبناني. وقد نُشرت الصورة عبر الحساب الرسمي للجيش اللبناني على منصة "إكس" في عام 2023.
ردود الأفعال على وفاة نصرالله
راجت أيضاً معلومات مضللة في سياق ردود الأفعال على اغتيال نصرالله، بما في ذلك مزاعم عن ظهور ابنته ترثيه في فيديو. بحث المرصد الفلسطيني "تحقق" في حقيقة فيديو يظهر تجمع عدد من الأشخاص في الشارع، حيث زُعم أنه يوثق احتفالات في الشارع اللبناني بعد إعلان جيش إسرائيل اغتيال نصرالله. وقد توصل المرصد إلى أن الفيديو قديم ويُوثق الاحتجاجات التي شهدها الشارع اللبناني عام 2019، عقب إعلان الحكومة اللبنانية فرض إجراءات ضريبية جديدة، وهو ما أكدته ريم خطّار، صاحبة الفيديو المتداول، عبر حسابها الشخصي على إنستغرام.
كما انتشر بشكل واسع عبر إكس، تصريح منسوب إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، نجيب ميقاتي، في أعقاب اغتيال نصرالله، يرد فيه: "يجب طرد حزب الله من لبنان". توصّل بحث "صحيح مصر" إلى أن التصريح مفبرك، وأن ميقاتي نعى نصرالله في بيان رسمي، ووصفه بـ"الشهيد"، معلناً الحداد الرسمي على روحه لمدة ثلاثة أيام.
كما تحققت منصة "الفاحص" من صورة رائجة، مصحوبة بزعم أن "خامنئي يدعو لاجتماع طارئ وعاجل ويخلع عباءته ويلبس بدلته العسكرية". توصلت المنصة إلى أن الصورة قديمة وترجع إلى عام 2021.
وراج تصريح منسوب إلى مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، جواد ظريف، لـCNN الأمريكية، يرد فيه: "لسنا مضطرين للدفاع عن أحد، لقد قدمنا الكثير من المال والسلاح والتدريب لحزب الله، ولكن إسرائيل استطاعت اختراق الحزب بشكل كبير، مما أدى إلى نكسة كبيرة، تحتاج إلى وقت طويل للتعويض". كشفت منصة "صدق اليمنية" أن ظريف لم يدل بهذا التصريح، بل قال في مقابلة مع CNN: "مارسنا ضبط النفس، ونحن نعتقد أن حزب الله قادر على الدفاع عن نفسه".
كذلك، تناقلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، مصحوباً بادعاء أنه نعي "بنت السيد الشهيد نصرالله… صبر وثبات وقوة وعزيمة". لكن تدقيق فريق "الفاحص" في الفيديو أسفر عن أنه مضلل؛ إذ إن الفتاة الظاهرة في الفيديو تدعى مريم خضر، وهي إحدى رواد منصة إنستغرام، ولا تربطها أية علاقة نسب بنصرالله. كمّا ظهرت خضر في مقطع فيديو لاحق، تنفي فيه أنها ابنة نصرالله.
اتساع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان
واصل الجيش الإسرائيلي قصفه على جنوب لبنان والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، ما أجّج المخاوف بشأن احتمال اتساع رقعة الهجمات، ومعها العديد من الادعاءات المضللة وغير الدقيقة.
من ذلك، تناقل مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي منشوراً منسوباً إلى الجيش الإسرائيلي يطلب فيه من "سكان بلدات فتقا وعشقوت ودلبتا الابتعاد فوراً عن مراكز حزب الله"، وتصريحاً آخر نصه: "إن هدفنا مدينة صيدا وعلى الجميع مغادرتها". وأثبتت منصة صواب زيف هذه التحذيرات وعدم صدورها من قبل الجيش الإسرائيلي.
تزامن انتشار هذا الادعاء المضلل مع تداول صورة زُعم أنها ملتقطة من غارة استهدفت صيدا في لبنان. دققت "صواب" في الصورة، ليتبين لها أن الدخان المتصاعد سببه حريق في المنطقة، وهو ما أكده الأهالي.
كما كشفت المنصة زيف منشور منسوب للمتحدّث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، يرد فيه: "نستعد لاستهداف منطقتي جدرا وبرجا وصولاً إلى خلدة في لبنان".