رُغم سقوط نظام بشار الأسد على يد المعارضة السورية، ما زالت المعارك قائمة في البلاد التي مزّقتها الحرب الأهلية على مدار أكثر من عقد من الزمن.
بسطت الفصائل سيطرتها على معظم الأراضي السورية، باستثناء مناطق في الشمال والشرق التي تهيمن عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منذ سنوات،عقب الفراغ الذي خلفه تراجع النظام السوري وتوسع تنظيم داعش، الذي سيطر على تلك المناطق لفترة محدودة.
وترى تركيا أن الجماعات الكردية المنضوية تحت مظلة “قسد”، والمدعومة من الولايات المتحدة، على ارتباط بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه أنقرة “منظمة إرهابية”.
وخلال النصف الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2024، عاد النشاط على وسوم مناهضة لقسد، كما ظهرت وسوم جديدة.
وخلال النصف الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2024، عاد النشاط على وسوم مناهضة لقسد، كما ظهرت وسوم جديدة؛ منها: #قسد_لا تمثل_الأكراد، و#قسد_الدواعش_الصفر، و#قسد_الارهابيه، و#قسد_من_خارج_الحدود، و#قادة_قسد_ليسوا_سوريين، و#قسد_ترتكب_مجازر_شرق_الفرات، و#SyriansRejectSDF.
احتوت الوسوم مجتمعة على 20 ألف تدوينة على الأقل، شُوهدت أكثر من خمسة ملايين و775 ألف مرة، ونتجت منها 80,600 ألف حالة تفاعل (إعجاب، إعادة مشاركة “ريتويت”، ردود وتعليقات)، بحسب إحصاءات أداة Meltwater المتخصصة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
وصلت الوسوم إلى ذروة انتشارها ثلاث مرات إبان هذه الفترة الزمنية، بخاصة في أيام 5 و7 و12 كانون الأول/ ديسمبر 2024، كما شهدت زيادة لافتة في التفاعل عليها في التاسع من الشهر نفسه؛ أي بعد ساعات من سيطرة المعارضة على دمشق وفرار الأسد إلى روسيا.
فترات نشاط الوسوم – Meltwater
من يؤثّر في الحملة؟
شارك في موجة التدوين على هذه الوسوم 6,575 حساباً؛ من بينها حسابات تضم آلافاً أو حتى عشرات الآلاف من المتابعين. ويعكس محتوى هذه الحسابات جهوداً مكثّفة وطويلة الأمد في الحشد ضد سيطرة الجماعات الكردية.
شارك في موجة التدوين على هذه الوسوم 6,575 حساباً؛ من بينها حسابات تضم آلافاً أو حتى عشرات الآلاف من المتابعين. ويعكس محتوى هذه الحسابات جهوداً مكثّفة وطويلة الأمد في الحشد ضد سيطرة الجماعات الكردية -المنضوية تحت مظلّة قوات سوريا الديمقراطية – على الأراضي السورية.
تضع أبرز الحسابات المشاركة صوراً شخصية والعلم السوري القديم الذي تبنته المعارضة منذ عام 2011، إضافة إلى وجود حسابات تتحدث باسم تكتلات عشائرية في مناطق شرق البلاد.
من بين الحسابات المؤثرة في هذه الموجة، برز حسابا @samfreesyria777 و@shadoumeh، اللذان سبق أن لعبا أدواراً بارزة في حملات منسقة لدعم المعارضة السورية خلال فترة التحركات الشعبية التي سبقت إطاحة نظام بشار الأسد.
سبق أن رصد مجتمع التحقق العربي نشاط الحسابين في حملة سابقة منسقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، مع تصاعد الحملة الجوية الروسية والسورية على مناطق المعارضة في محافظة إدلب، بالإضافة إلى الاحتفاء بمقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله. وقتها، ساهم الحسابان بشكل بارز في تنشيط الحملة من خلال الحشد والتضخيم الإعلاميين.
وسبق أن انخرط حساب @samfreesyria777 في حملات إقليمية، منها حملة دعائية لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، عبر وسم #القوات_تكتسح و#طلاب_جمهورية_قوية، إلى جانب حملات عابرة شاركت في حسابات دول مختلفة في المنطقة تتبنى خطاباً مناهضاً للوجود الإيراني، مثلما ظهر على وسم #ملالي_الارهاب_الى_مزابل_التاريخ.
مؤشرات إلى الحشد والتنسيق
أظهرت موجة الوسوم قيد التحليل مؤشرات عدة تدل على وجود نشاط حشدي منسق؛ أبرزها طبيعة الحسابات والمنشورات المتداولة، بالإضافة إلى نبرة الخطاب الموحدة والمشاعر السائدة التي اتسمت بالتأجيج والتحريض.
بينما شكّلت التدوينات الصادرة مباشرة من الحسابات نسبة 6 في المئة فقط، بمقدار 1200 تدوينة، بلغت الردود والتعليقات والتدوينات المعاد مشاركتها في صورة “ريتويت/ ريبوست” نسبة 84.4 في المئة من إجمالي التدوينات، بما يساوي 17,700 تدوينة، بحسب Meltwater.
يدعم ذلك ما رصدناه بشكل مباشر في المنشورات التي وردت على شكل ردود متكررة، اقتصر محتواها على وسوم الحملة فقط. على سبيل المثال، تُظهر الصورة أدناه سلسلة من الردود المتتالية التي نشرها حساب @shadoumeh في فترات زمنية متقاربة جداً. ففي الساعة 9:44 من مساء 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024، نشر الحساب ما لا يقل عن تدوينتين في هذا التوقيت، قبل أن يتوقف لدقائق معدودة، ليعاود النشاط بالنسق نفسه. تعكس هذه الممارسة دلالة واضحة على وجود نشاط مدروس ومقصود، يهدف إلى تضخيم رسائل الوسوم وزيادة انتشارها بشكل مُمنهج.
وبالمثل، تتوافق نسبة الردود ومشاركة المنشورات مع سيطرة المشاعر السلبية على خطاب الحملة، والتي بلغت 84 في المئة. تُعد هذه النسبة مرتفعة بشكل لافت مقارنة بالمستويات المعتادة في المحادثات التلقائية، ما يعزّز الشكوك حول الطبيعة المنسّقة والمقصودة لهذه الحملة.
وفيما جاءت سوريا وألمانيا وتركيا في المراتب الثلاث الأولى للنطاقات الجغرافية المعروف صدور تدوينات منها، صدرت 14,300 تدوينة عن حسابات مجهولة المواقع التي تنشط منها على الوسوم. وقد يشكل هذا إشارة إلى وجود نشاط منسق.
على سبيل المثال، قدنا تحليل الحملة إلى حساب Alaa228314@؛ وهو حساب حديث العهد أُنشئ في الشهر الحالي، من دون أن يتم تحديد موقعه الجغرافي في مساحته التعريفية، كما أنه لا يحظى بمتابعة من أي حسابات. كان الحساب ينشر بطريقة مشابهة للرسائل المزعجة (Spam)؛ وهو نمط مشابه لحساب @shadoumeh الذي لم يحدد صاحبه مكان نشاطه أيضاً.
على الوتيرة نفسها، لوحظ حساب @support_023 الذي يملك أكثر من 20 ألف تدوينة منذ إنشائه في عام 2020؛ وهو معدل غير عادي، ويعكس نشاطاً مكثفاً يختلف عن سلوك الحسابات الشخصية في الأوقات الطبيعية.
كما يلاحظ أن الحساب يضع علامة “الريتويت” في مساحته التعريفية، وهو ما يُعد مؤشراً إلى تسخير الحساب في أنشطة هادفة لزيادة التفاعل وتضخيم الوسوم عبر منصة “إكس”. وقد رصد مجتمع التحقق العربي هذا الأسلوب سابقاً أثناء تحليله لحملات إلكترونية منسقة في لبنان والعراق واليمن.
خطاب تحريضي
حسب تقارير لوسائل إعلام محلية قريبة من المعارضة السورية المدعومة من تركيا، ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، انتهاكات بحق المدنيين وتجنيد للأطفال في المناطق التي بسطت سيطرتها عليها بالتنسيق مع نظام بشار الأسد؛ مثل مناطق الرقة ودير الزور والجزيرة.
ومع الساعات الأولى لسقوط بشار الأسد، شهدت هذه المناطق احتفالات في الشوارع، وزعمت حسابات لأنصار المعارضة أن قوات “قسد” قمعت الاحتفالات بالقوة، وأطلقت النار على عدد من الأشخاص، مستندين إلى لقطات مصورة متداولة يزعم التقاطها أثناء الاحتفالات.
في جانب من الحملة ضد “قسد”، عمد مشاركون إلى نشر مقاطع فيديو منتشرة، قالوا إنها لانتهاكات تورطت فيها القوات الكردية خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا.
واحتوت وسوم الحملة على كلمات تنطوي على خطاب كراهية وتحريض؛ مثل: “خنازير قسد، وحمير قسد، وقسد فصيل إرهابي، والدواعش الصفر”، ودعت منشورات أخرى إلى “إبادة” و”استئصال السرطان الأصفر”، في إشارة إلى علم قوات سوريا الديمقراطية الأصفر.
واستخدمت حسابات رسوماً لوصف “قسد” بأنها تشبه الحرباء في تلوّنها، في إشارة إلى موقف الكتلة الكردية من الثورة ونظام الأسد. وفي إحدى تدوينات حساب @samfreesyria777، استخدم مثل هذه الرسومات مع إشارة إلى حساب المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية لفصائل المعارضة، المقدم حسن عبدالغنى hasanabdalgany@.
كما روّجت حسابات للرواية التركية الرسمية بشأن معارك شمال سوريا، مثل حساب 33arAmmar@، الذي نشط بشكل كبير على وسوم الحملة. وقد أعاد الحساب مشاركة (ريتويت) منشورات لحسابات تركية، كانت تنقل تصريحات المسؤولين الأتراك حول الأحداث الجارية، إلى جانب منشورات تصف القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة تضم عناصر من حزب العمال الكردستاني، بـ”التنظيم الإرهابي”.
أحد هذه المنشورات كان ينقل ما قاله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حول احتمالية شن تركيا عملية عسكرية ضد قسد، قائلاً: “هناك إدارة جديدة في دمشق، وحالياً موضوع قسد يهمهم بالدرجة الأولى. إذا تعاملوا مع هذه القضية بشكل صحيح، فلن تكون هناك حاجة لتدخلنا”.
في المقابل، نشطت حسابات كردية دعماً لقوات “قسد”، ومروجة إلى أنها تخوض قتالاً ضد “مرتزقة” و”إرهابيي تركيا”، وعادة ما يتبادل أنصار الطرفين الاتهام بالإرهاب عبر الشبكات الاجتماعية.
وروجت حسابات كردية لرواية “قسد” بشأن المخاطر المحتملة من تقدم قوات المعارضة في مناطق نفوذها، من حيث احتمال فرار الآلاف من مقاتلي داعش، الذين تحتجزهم “قسد” بمساعدة أميركية منذ معارك التحالف الدولي ضد التنظيم.